تدقيق نظام المراقبة الداخلية للجماعات الترابية

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

تدقيق نظام المراقبة الداخلية للجماعات الترابية

تقديم

تشكل الرقابة الداخلية حجر الزاوية في الأنظمة الرقابية المقارنة لكونها ذات فائدة كبيرة سواء بالنسبة للأجهزة الخاضعة للمراقبة، أو بالنسبة للأجهزة المراقبة، فالأجهزة العليا للمراقبة تعتمد بشكل واسع على نتائج المراقبة الداخلية في إنجاز مهامها، فتطور دورها كمستشار للسلطات العمومية، في مجال مراقبة التدبير المالي العمومي[1]، فبالنسبة للمجالات المحلية وهيئاتها والمؤسسات العمومية يمكن إعتماد أنظمة المراقبة الداخلية من التحكم في محيط اصبح أكثر تعقيدا ومن استغلال الموارد المالية التي أصبحت أكثر ندرة الاستغلال الأمثل[2]،

لذلك فإن وجود نظام للمراقبة الداخلية يعتبر احد المقومات الرئيسية لفعالية منظومة المراقبة المالية والمحاسبية ( الفقرة الأولى) ومن جهة ثانية أصبحت هذه الآلية الرقابية ملزمة بأن تضع قواعد وإجراءات سليمة تغطي كل عناصر المراقبة الداخلية وتتمثل في التنظيم والمساطر والمناهج الخاصة بكل نشاط من أنشطة الجماعة ( فقرة ثانية) .

الفقرة الأولى: أهمية نظام المراقبة الداخلية

لا ينفي التباين الحاصل بين أهداف ونطاق تدخل كل من تقنية الفحص والتدقيق في الوظائف الرقابية من تسجيل بعض نقط التداخل التي تتجه نحو تأكيد التفاعل الإيجابي بينهما[3]، الأمر الذي سنحاول من خلاله تحديد مفهوم نظام المراقبة الداخلية في مرحلة أولى وتشخيص أهدافه في مرحلة ثانية.

أولا: مفهوم نظام المراقبة الداخلية

حققت المفاهيم المرتبطة بالمراقبة الداخلية control interne في السنوات الأخيرة امتدادا مهما على مستوى تطبيقاتها بالقطاعين الخاص والعام جسدته محاولات تحديد الإصلاح الدلالي لهذا الاختصاص الرقابي وكذا معاييره، وهو ما يسمح بالتجاوز النسبي للغموض الذي كان يكتنف هذا المفهوم في علاقته بعدد من المفاهيم الرقابية الأخرى والتي يوجد ضمنها الفحص والتدقيق.[4]

وهكذا، تعرف هيئة الخبراء المحاسبين بفرنسا المراقبة الداخلية باعتبارها ” مجموعة الضمانات التي تساهم في التحكم بالمقاولة فهدفها من جهة تأمين حماية وصيانة وجودة المعلومة L’information ومن جهة أخرى تطبيق آليات الإدارة والتحفيز على حسن الأداء من حيث التنظيم والمناهج والمساطر الخاصة بكل نشاط من أنشطة المقاولة للإبقاء على دوام هذه الأخيرة”، وهي تتمتل بالنسبة للجنة الاستشارية للمحاسبة بإنجلترا ( CCA) “مجموع أنظمة المراقبة المالية وغيرها الموضوعة من قبل الإدارة من أجل تسيير شؤون المقاولة بكيفية منظمة وفعالة مع تأمين احترام سياسات التدبير وصيانة الأصول وضمان ما أمكن صحة واكتمال المعلومات المسجلة”.[5]

أما بالنسبة للمعهد الأمريكي للمحاسبين العامين القانونيين (AICPA) فتتشكل المراقبة الداخلية من ” مخططات للتنظيم ومن جميع المنهاج والمساطر المعتمدة داخل المقاولة من أجل حماية أصولها ومراقبة صحة المعلومات التي توفرها المحاسبة وتحسين المردودية والسهر على تطبيق تعليمات الإدارة.[6]

وعرفها بيان سيدني[7] ” هي النظام الكلي للرقابة المالية أو غيرها من أنواع الرقابة بما تشمله من هيكل تنظيمي وأساليب وإجراءات ورقابة مالية داخلية أنشأتها الإدارة ضمن أهدافها المحددة للمساعدة في عملية القيام بإدارة المشروع بأسلوب منتظم واقتصادي وفعال وكفئ بحيث يضمن الالتزام بسياسات الإدارة ويؤمن بدقة وكمال السجلات الحسابية وتقديم معلومات إدارية ومالية موثقة في حينها”.

كما ترى المحكمة الأوروبية للحسابات بأن مفهوم المراقبة الداخلية يتعدى الاعتبارات المحاسبية والمالية الصرفة ليشمل عنصرين هما بيئة المراقبة ( الموقف العام والوعي والتصرفات الصادرة عن الأطر العليا والمسيرين العمليين بشان المراقبة الداخلية وأهميتها داخل الوحدة) تم إجراءات ومساطر المراقبة الداخلية ( إجراءات تساهم على هامش محيط المراقبة الموضوعة من طرف إدارة الوحدة في أنجاز الأهداف المسطرة من قبل هذه الأخيرة.[8]

وعرفت المراقبة الداخلية في الجماعات المحلية بانها ” مجموع الضمانات التي تساهم في التحكم في تسيير الجماعة، وتهدف من جهة إلى الحفاظ وحماية الممتلكات وقيمة المعلومات المقدمة، ومن جهة أخرى ضمان تطبيق توجيهات الإدارة من أجل تطوير مستويات الأداء، وتمثل هذه المراقبة في التنظيم والمناهج والمساطر الخاصة بكل نشاط من أنشطة الجماعة”.[9]

ويلاحظ من خلال تعريف الأنتوساي للمراقبة الداخلية أنها لم تخرج عن الخطوط العريضة التي رسمها تعريف المجمع الأمريكي للمحاسبين (AICPA) عام 1949 وهو[10]: “تتضمن المراقبة الداخلية الخطة التنظيمية وكافة الطرق والمقاييس المتناسقة التي تتبنها المؤسسة لحماية أصولها وضبط الدقة والثقة في بياناتها المحاسبية، والارتقاء بالكفاءة الإنتاجية وتشجيع الالتزام بالسياسات الإدارية الموضوعة مقدما”.

وبشكل عام فإن نظام المراقبة الداخلية هو عملية متكاملة تعمل الإدارة على القيام بها من طرف المسؤول أو المنظمة لتفادي الوقوع في الأخطاء وتجنب الأخطاء باعتبارها جزءا لا يتجزأ من النظام العام للتسيير.

ثانيا: أهداف نظام المراقبة الداخلية

تهدف أنظمة المراقبة الداخلية إلى تحليل الأخطار المرتبطة بتسيير الجماعات المحلية وهذه الأخطار إما ذات طبيعة عامة بحيث يمكن اعتبارها ملازمة لكل تسيير محلي أو ذات طبيعة خاصة بكل جماعة وتتمثل الأخطار العامة في: [11]

الخطر الجنائي الذي نتج عن سوء نية أو تصرفات الأعوان المنتخبين.
الخطر المالي الذي قد يؤدي إلى اختلال مالي من شأنه شل نشاط الجماعة.
خطر عدم المحافظة على النظام العام بفعل غياب مرافق الصحة أو الأمن أو عدم احترام المعايير المعمول بها.
الخطر الملازم لعدم قدرة النظام الأعلامي الجماعة على ضمان دقة وصحة وشمولية وسرعة وسرية المعلومات.
الخطر التدبيري المتمثل في عدم القدرة على التعبئة والتنشيط والاستغلال الامثل للموارد العمومية.
أما الاخطار الخاصة بكل جماعة يمكن ذكر ما لي:

الخطر المرتبط بحجم الجماعة: إذ لا يمكن مقاربة الأخطار المتعلقة بتدبير جماعة مدينة كبيرة و بتلك التي تهم جماعة قروية لا يتعدى سكانها 3000 نسمة مثلا.
الخطر المتعلق بوجود جمعيات وشركات للاقتصاد المخلط ومختلف المنظمات التي قد ترتبط بعلاقة مع الجماعة المحلية.
وللرقابة الداخلة دور مزدوج فهي تستجيب من جهة لحاجيات المسيرين الجماعيين في التحكم في مخاطر التسيير الذي أصبح أكثر تعقيدا بحكم اتساع تدخلات الجماعات المحلية، ومن جهة ثانية فهي تستجيب لحاجيات مراقبي التسيير في تقييم مدى فعالية هذه الأنظمة معتمدين في ذلك على الرقابة الداخلة.[12]

وقد حدد المعهد الفرنسي للمدققين والمستشارين الداخليين ( IFACI) الأهداف الرئيسية للمراقبة الداخلية والمتمثلة في[13]:

تأمين وتوقية اكتمال المعلومة.
احترام السياسات والمخططات والمساطر والقوانين والأنظمة .
صيانة الممتلكات.
الاستعمال الاقتصادي والفعال للموارد.
تحقيق الغايات والأهداف المسطرة لكل نشاط أو برنامج.
ولم تختلف المحكمة الأوروبية للحسابات كثيرا عن المحاولات السابقة في تحديد الجوانب المتعلقة بأهداف المراقبة الداخلية، وهي بذلك مجموعة من السياسات والإجراءات المتعبة لضمان:

الإنجاز الاقتصادي الكفء والفعال لأهداف الوحدة.
احترام المعايير الخارجية ( قوانين . أنظمة ) وسياسات الإدارة.
المحافظة على الأصول والمعلومات.
الوقاية والكشف عن الغش والأخطاء.
جودة المستندات المحاسبية، وتقديم في الوقت المطلوب المعلومات المالية والتدبير الموثوق به.

ومن جانب آخر تحدد أهداف الرقابة الداخلية في[14]:

حماية وصيانة مجموعات وأصول المنظمة.
توفير الدقة والجودة في البيانات والمعلومات.
الكفاءة الإنتاجية.
التأكد من فصل السلط بين الوظائف الإدارية، ووظائف حماية المخزونات والوظائف المحاسبية والوظائف الرقابية.
تعبئة كل الموارد البشرية والمادية لما فيه ضمان السيطرة على المخاطر وتحقيق الرقابة الداخلية.
وعلى الرغم من كون مسؤولية الرقابة الداخلية، تضع على عاتق الإدارة الجماعية، فالمجالس الجهوية للحسابات مطالبة بأن تتأكد من بيئة هذه الرقابة وهل تستطيع الجماعة الوثوق برقابتها الداخلية بتحديد وتقويم واختيار عمليات أداء هذه الرقابة من خلال التأكد من كون المراقب الداخلي يتمتع بمستوى مناسب من السلطة والاستقلالية.

ورغم اختلاف أهداف كل من رقابة التسيير التي تعتمد على المعلومات و الرقابة الداخلية التي تركز على المساطر إلا انه يجب أن تكون هناك علاقة عمل وثيقة بينهما، إذ يمكن للمجالس الجهوية للحسابات أن تقلل من نطاق تغطية رقابتها معتمدة في ذلك على الرقابة الداخلية شريطة أن تتأكد من استقلال وكفاءة ونطاق الرقابة الداخلية، وفي حالة غياب الرقابة الداخلية يجب على المجالس الجهوي للحسابات أن تشجع وتدعم إدخال هذا النوع من الرقابة وتطويره، نظرا لأهميتها البالغة كمخاطب لهذه المجالس داخل الجماعات المحلية، والذي يمكن أن يزودها بالمعلومات في نطاق اختصاصاتها.[15]

وإذا كانت الجماعات المحلية مدعوة لإقامة أنظمة للمراقبة الداخلية مما يساعد على توفير قدر أكبر من الضمانات في مختلف جوانب التسيير الإداري و المالي والمحاسبي لهذه الجماعات، فإن المجالس الجهوية للحسابات مدعوة بدورها إلى الاهتمام بهذا الجانب حيث يدخل في صميم اهتمامها، فقد نصت الفقرة الرابعة من المادة 147 من القانون 62.99 على أن المجلس الجهوي يتأكد من أن الأنظمة والإجراءات المطبقة داخل الأجهزة الخاضعة لرقابته تضمن التسيير الأمثل لمواردها واستخداماتها وحماية ممتلكاتها وتسجيل كافة العمليات المنجزة ، وذلك في إطار ممارسة مراقبة التسيير ولا يقتصر اهتمام المجالس الجهوية للحسابات بالمراقبة الداخلية على إطار مراقبة التسيير ،

بل يجب أن يشمل مختلف مجالات المراقبة، فالمخالفات المكتشفة في إطار التدقيق والبت في الحسابات أو إطار التأديب المالي يجب أن تقود إلى البحث عن مصادرها على مستوى المساطر التي تجسدها نظام المراقبة الداخلية المعتمد والوقوف عند الأخطار المحيطة بأنشطة الجماعة، وهذه المنهجية محبذة من جانب المسيرين المحليين لأنها بناءة وتستجيب لضرورة التطوير العملي والملموس لأنظمة المراقبة الداخلية، كما أن من شأن المراقبة الممارسة من طرف المجالس الجهوية للحسابات بمختلف أشكالها المساعدة على انخراط المنتخبين في نظام المراقبة الداخلية على مستوى المجلس التداولي من خلال توضيح مختلف جوانب التسيير من طرق هيئة محايدة وذات خبرة في الجانب المالي والمحاسبي لهؤلاء المنتخبين وبالتالي تفادي ” اغتصاب” السلطة على المستوى المحلي من طرف رؤساء مجالس الجماعات المحلية.[16]

ويمكن اعتبار المراقبة الداخلية التي تمارسها المجالس الجهوية للحسابات أيضا، مجموع الضمانات التي تساهم في التحكم في تسيير المؤسسات، وتهدف من جهة إلى حماية الممتلكات وقيمة وصدقية المعلومات المالية المقدمة، و من جهة أخرى إلى ضمان تطبيق توجهاتها من أجل تطوير مستويات الأداء. ويتخي التوظيف الشمولي للمراقبة الداخلية تحقيق أهداف استراتيجية قوامها السيطرة على المخاطر، وتعبئة كل الموارد المتاحة من اجل أداء أحسن وجودة كلية.[17]

الفقرة الثانية: آليات تدقيق وافتحاص نظام المراقبة الداخلية للجماعات الترابية

ومن خلال التعاريف السابقة لنظام المراقبة الداخلية يتضح أن هذا الأخير يعتمد على خصائص ووسائل ومقومات تمكنه من تحقيق أهدافه.

أولا: مقومات ووسائل نظام المراقبة الداخلية

وتتمثل أهم الخصائص في:

القصد الشمولي: يمتد تطبيق هذا المفهوم إلى كل الموجودات وكل الأفراد والمساطر المتواجدة.
الإستمرارية: وتستهدف التأكد من وجود أنساق رقابية داخلية في كل الأوقات والأمكنة.
الاندماج: تندرج بنيات الرقابة الداخلية ضمن تشغيل المنظمة بشكل يضمن الرقابة الداخلية للمؤسسة عن طريق مقارنة المعلومات و الرقابة العكسية.[18]
أما بالنسبة للوسائل فتتلخص في الآتي:

الخطة التنظيمية
أجمعت التعاريف السابقة على وجود خطة تنظيمية تستجيب في جميع الأحوال إلى القرارات التي تتخذ، محاولة توجيهها بما يخدم مصلحة وأهداف المؤسسة إذ تبنى هذه الخطة على ضوء تحديد الأهداف المتوخات منها وعلى الاستقلال التنظيمي لوظائف التشغيل، أي ما يحدد بوضوح خطوط السلطة والمسؤولية الإدارية للمديريات التي تتكون منها المؤسسة، وبالرغم من أن الاستقلال التنظيمي يتطلب الانفصال بين الوظائف إلا أن على جميع المديريات يجب أن ينسق بحيث يؤدي إلى تدفق منتظم للمعلومات.[19]

الطرق والإجراءات
تعتبر الطرق والإجراءات من بين أهم الوسائل التي تعمل على تحقيق الأهداف المرجوة من نظم الرقابة الداخلية فإحكام وفهم وتطبيق هاتين الوسيلتين يساعد على حماية الأموال، و العمل بكفاءة والالتزام بالسياسات الإدارية المرسومة كما تعمل المؤسسة على سن إجراءات من شانها أن توضح بعض النقاط الغامضة أو تغيير إجراء معين بغية تحسين أداء المؤسسة وتمكين نظام الرقابة الداخلية من تحقيق أهدافه المرسومة.[20]

المقاييس المختلفة
تستعمل المقاييس المختلفة داخل المؤسسة لتمكين نظام الرقابة الداخلية من تحقيق أهدافه المرسومة في ظل إدارة تعمل على أنجاحه من خلال قياس العناصر التالية:

درجة مصداقية المعلومات.
مقدار النوعية الحاصل من العمليات الفعلية.
احترام الوقت المخصص سواء لتحقيق مراحل الرقابة أو لجودة المعلومات المطابقة.[21]
ونشير إلى أن نظام المراقبة الداخلية تشتمل على صنفين من الرقابة:

أ_ الرقابة الإدارية: وهي تشتمل على خطة التنظيم والوسائل والإجراءات المختصة بصفة أساسية لتحقيق اكبر كفاءة إنتاجية ممكنه وضمان تحقيق السياسات الإدارية، إذ تشتمل هذه الرقابة على كل ما هو إداري سواء كانت برامج تدريب العاملين، طرق التحليل الإحصائي ودراسة حركة المؤسسة عبر مختلف الأزمنة، تقارير الأداء، الرقابة على الجودة وعلى غيره ذلك من أشكال الرقابة.[22]

ب_ الرقابة المحاسبية: وهي تعبر عن الخطة التنظيمية وكافة الإجراءات الهادفة إلى اختبار دقة البيانات المحاسبية المثبتة بالدفاتر والحسابات ودرجة الاعتماد عليها، والوقوف على سلامة المعالجة المحاسبية من جهة، ومن جهة أخرى العمل على حماية أصول المؤسسة.[23]

وتتجلى أهم مقومات نظام المراقبة الداخلية في العناصر التالية:

نظام المعلومات المحاسبية:
يعتبر نظام المعلومات المحاسبية السليم أحد أهم المقومات الأساسية لناظم الرقابة الداخلية الفعال، فنظام المعلومات المحاسبية الذي يعمل وفق طرق واضحة منصوص عليها قانونا وتستجيب إلى وضعية وطبيعة نشاط المؤسسة وضمن نمط المعالجة الآلية المتحكم فيها، ويعتمد على مجموعة متكاملة من الدفاتر والسجلات المحاسبية ودليل للحسابات يراعي في تصميميه تسيير إعداد القوائم المالية بأقل جهد ممكن وبأكثر دقة ممكنة يكون أحد المقومات المدعمة لنظام الرقابة الداخلية، يجب أن يتضمن هذا الدليل الحسابات اللازمة والكافية لتمكين الإدارة من أداء مهمتها الرقابية على العمليات، ولتميكن المحاسب من الفصل بين العناصر المتعلقة بالنفقات الاستهلاكية، انطلاقا مما سبق يجب أن تكون نظم المعلومات المحاسبية وسيلة لتحقيق ما يلي:

الرقابة على سجلات التشغيل وتنفيذ العمليات، إذ أن هذه السجلات تمثل مصادر البيانات وتدفقها.
تبويب البيانات ووضع دليل مبوب للحسابات.
تصميم السجلات المحاسبية بطريقة مناسبة للرقابة.[24]
بغية دعم نظام الرقابة الداخلية يجب أن يتوافر نظام المعلومات المحاسبية على العناصر الأتية، إضافة إلى ما تم ذكره على النظام في البند المعالج له. لذلك سنتطرق إلى العناصر المكملة لذلك:

وجود مستندات داخلية كافية لتغطية كافة أوجه النشاط، كما توضح المسؤوليات (تكون المراقبة تسلسليا) .
وجود دليل للإجراءات والسياسات المحاسبية ( يوضح الطرق التي تتبع لمعالجة العمليات).
إعداد موازنات تخطيطية تفصيلية للعمليات ومتابعة تنفيذها.
وجود نظام تكاليف فعال (لقياس الأداء الفعلي)[25].

إجراءات تفصيلية
إن العمل التسلسلي للوظائف المختلفة داخل المؤسسة يدعوا إدارة هذه الأخيرة إلى طرح إجراءات تفصيلية لتنفيذ الواجبات على مستوى مديريات مختلفة بحيث لا يقوم شخص واحد بالترخيص بالعمل والاحتفاظ بالأصل ومسك السجلات، أي أن لا يقوم بالعملية من أولها إلى آخرها وفي هذا الإطار ينبغي على الإدارة تحديد نوع وكيفية القيام بالعملية داخل كل مديرية مما يسمح بعدم تداخل المهام وخلق رقابة ذاتية أو تلقائية أثناء تنفيذ العملية، وذلك بواسطة ما يحققه الموظف من الرقابة على موظف آخر، إن هذا المقوم يسمح من تقيليل فرص التلاعب والغش والخطأ ويمكن نظام المراقبة الداخلية من تحقيق أهدافه.[26]

ثانيا: المجالس الجهوية للحسابات و تدقيق نظام المراقبة الداخلية للجماعات الترابية

تشكل رقابة التسيير الشق الثاني من الاختصاص الرقابي للمجالس الجهوية للحسابات والذي يوصف بكونه ذا طابع إداري يتجاوز جانب المشروعية الذي ترتكز عليه اختصاصاته القضائية بتقييم الأجهزة الخاضع لرقابته، من حيث تحقيق الأهداف المسطرة وتكاليف وشروط اقتناء واستخدام الوسائل المستعملة مع تقديم اقتراحات من شأنها دعم فعاليتها، أي رقابة التكلفة والاقتصاد والنجاعة، وهي العناصر ذاتها لقياس جودة التدقيق العملياتي الذي من خلاله يتم تدقيق الأداء وتدقيق النتائج بالاعتماد على آليات ذاتية للضبط والرقابة وترسيخ دور مراقبي الحسابات، كذلك اعتماد التدقيق الذاتي داخل الجماعات المحلية يعتبر ذا أهمية بالغة ومن شأنه رفع القوة التدبيرية لهذه الهيئات اللامركزية وتطوير آليات اتخاذ القرار وتنفيذه بها، وخاصة في المجال المالي والمسائل المتعلق بالميزانية والشؤون المالية[27].

وينصب تقييم هذا الجانب على مختلف مكونات المراقبة الداخلية و المتمثلة في بيئة المراقبة وتقييم المخاطر وتواجد أنشطة للمراقبة والمعلومات والاتصال وأخيرا القيادة.[28]

1_ بيئة الرقابة: يتعلق الأمر بدراسة مجموع العوامل والأحداث ذات التأثير المباشر أو غير المباشر الإداري والمالي والمحلي، وتحديد عناصرها يعد من أهم الإجراءات التي تتبعها الرقابة على هذا المستوى، ويبدأ مجال تناول بيئة المراقبة من ” تحديد أهمية ودور العملية الرقابية داخل الهيكلة العامة” للمنظمة أو الجماعة المحلية قبل أن يتناول مجموعة من العناصر المبدئية للعمل الرقابي مثل البنية التنظيمية وفلسفة العملية الرقابية وإدارتها، والسلط والمسؤوليات الموزعة داخل الهيئة الخاضعة للرقابة، بالإضافة إلى العناصر المتعلقة بسياسة تدبير الموارد البشرية ومستوى تأهيلها.[29]

2_ تقييم المخاطر: يعتبر تقييم درجة المخاطر والعوامل المؤثرة سلبيا في مسار المنظمات أو الجماعات المحلية ذا أهمية بالغة في مجال الرقابة الداخلية لطبيعتها وأهدافها فتحديد العوامل المؤدية فعليا أو احتمالا لعرقلة أو إعاقة تحقيق الأهداف يسمح من جهة بدراسة المسببات والتأثيرات الفعلية والمجازفات المتعلقة بها ومن جهة ثانية يسمح بتفادي هذه المؤثرات أو المخاطر أو تقليص فرص تكرارها أو حدوتها وبالتالي يحول دون عرقلة تنفيذ مخططات وأهداف المنظمة[30]،

ينصب افتحاص هذا الجانب من المراقبة الداخلية على تحديد المخاطر من طرف المصلحة المديرية وقياس أثرها والوسائل المعتمدة للتحكم فيها[31]، ويمكن لهذه المخاطر أن تكون ذات مصدر خارجي ( تغيرات سلبية في البيئة الاقتصادية والمالية، اضطراب البيئة السياسية الوطنية، فحص الضرائب مما يؤدي لإفتحاص موارد الجماعة…) كما يمكن أن يكون مصدرها داخليا ومرتبطا بالمنظمة ذاتها (اختلالات داخلية، تدني مستوى العاملين، الفشل في قياس الأداء أو تحديد الأهداف.[32]

3_ الإعلام والاتصال : يقوم التدقيق والافتحاص بالأساس على الدراسة والتحليل المعلوماتي والإعلامي لمختلف العناصر والمكونات المعنية بهذه العملية الرقابية، ويعتبر تداول المعلومات محددا ومؤثرا بشكل فعلي في توضيح الصورة الحقيقية لوضع ووضعية المنظمة أو الجماعة المحلية وتقريب أو تحقيق ما يصطلح عليه بالصورة السليمة Image fidèle، وعملية الاتصال أو التواصل تعتبر بهذا الخصوص ذات ضرورة عملية وواقعية ويجب الحرص على تحقيقها لتسهيل عملية الافتحاص ذاتها ولضمان تنزيل دراسة وتحليل حقيقية حول الصورة الفعلية لوضعية الهيئة الخاضعة للرقابة سواء كانت منظمة عمومية مركزية أو جماعة محلية.[33]

خاتمة

ومن هذا المنطلق يعتبر نظام المراقبة الداخلية أكثر الأشكال ضمانا للموضوعية والأكثر احتراما للاستقلال المالي والإداري للجماعات الترابية، ويعد أحد الركائز الرئيسية لتقرير تدبير المالية المحلية عن طريق الوقوف على المخالفات ومعاقبة مرتكبيها، أي الكشف عن الاختلالات التي يعرفها التسيير المالي للأجهزة العمومية المحلية، سواء صانعي القرار المالي أم مراقبي تنفيذه، فإنها تعد، من جهة ثانية آلية لتقويم تسيير الأجهزة العمومية المحلية ، وبالتالي المساهمة في تحسين أدوات التدبير المالي على المستوى المحلي، والحد من التبذير، وتحسين الخدمات المقدمة من طرف المرافق العمومية المحلية، و تساهم في الرقي بالجماعات الترابية إلى تسيير يعتمد على المناهج والآليات الحديثة في المجال الرقابي، و ذلك من أجل الرفع من الموارد المالية من جهة وترشيد الإنفاق المحلي، من جهة ثانية، مما ينعكس إيجابيا على تحقيق التنمية المحلية في جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

لائحة المراجع

[1] _ أحمد حاسون: “المجلس الأعلى للحسابات بالمغرب دراسة سوسيوقانونية”منشورات حوارات، مجلة النشر للدراسات السياسية والاجتماعية، سلسلة وأطروحات وأبحات:1/2013 طبعة 2013 مطبعة المعارف الجديدة- الرباط 2013، بمساهمة مؤسسة هانس سايدل الألمانية.،
2 – محمد مجيدي: “دور المجالس الجهوية للحسابات في تطوير أداء الجماعات المحلية”، أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ،الرباط أكدال، السنة الجامعية 2006/2007.

3 – نجيب جيري: “الرقابة المالية بالمغرب، بين الحكامة المالية ومتطلبات التنمية”، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بطنجة، سلسلة المعارف القانونية والقضائية، منشورات مجلة الحقوق المغربية، دار النشر المعرفة، الإصدار الرابع، الطبعة الاولى 2012.،

4′ – Caplier B. Rupriche.C ; ” quid de la gestion locale organisation évaluation control e” ceuroult 1998.

5 – بيان سيدني بشأن رقابة الأداء والرقابة المالية على المشروعات العامة ونوعية الرقابة المالية المنبتق عن المؤتمر الثاني للأنتوساي أبريل 1986.

6 – peuch lestrade : ” le control interne dans les collectivités territoriales et organismes proches” in ” contrôle interne et contrôle externe dans les collectivités territoriales” 1998.

7 – سطام بن عبد العزيز المقرن: تصميم أنظمة المراقبة الداخلية للقطاع الحكومي دراسة تحليلية وصفية، ديوان المراقبة العامة، المملكة العربية السعودية ، 1426هـ ،

8 – السعدية العثماني: “المجالس الجهوية للحسابات بالمغرب ورقابة التسيير”، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام، جامعة الحسن الأول، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية سطات، السنة الجامعية 2009/2010.،

9 – محمد حركات : “التدبير الاستراتيجي والمنافسة”،رهانات الجودة الكلية بالمقاولات المغربية. ،

10 – سعيد الميري: التدبير الاقتصادي للجماعات المحلية. أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، جامعة محمد الخامس، السويسي كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الرباط، السنة الجامعية 2007-..2008 .

11 – طواهر محمد التهامي وصديقي مسعود: المراجعة وتدقيق الحسابات .الإطار النظري والممارسة التطبيقية .الطبعة الثانية 2005 ديوان المطبوعات الجامعية .الساحة المركزية، بن عنكون، الجزائر/.

12 – عبد اللطيف بروحو: “مالية الجماعات المحلية بين واقع الرقابة ومتطلبات التنمية” منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، الطبعة الأولى 2011. .

13 – قرار لوزير الاقتصاد والمالية رقم 2292.08 صادر في 20 من ذي الحجة 1429 ( 19 ديسمبر) بتحديد النظام المرجعي لإفتحاص الكفاءة التدبيرية للمصالح الأمرة بالصرف.

[1] _ أحمد حاسون: “المجلس الأعلى للحسابات بالمغرب دراسة سوسيوقانونية”منشورات حوارات، مجلة النشر للدراسات السياسية والاجتماعية، سلسلة وأطروحات وأبحات:1/2013 طبعة 2013 مطبعة المعارف الجديدة- الرباط 2013، بمساهمة مؤسسة هانس سايدل الألمانية.، ص: 339.

[2] – محمد مجيدي: “دور المجالس الجهوية للحسابات في تطوير أداء الجماعات المحلية”، أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ،الرباط أكدال، السنة الجامعية 2006/2007. ، ص: 177.

[3] – نجيب جيري: “الرقابة المالية بالمغرب، بين الحكامة المالية ومتطلبات التنمية”، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بطنجة، سلسلة المعارف القانونية والقضائية، منشورات مجلة الحقوق المغربية، دار النشر المعرفة، الإصدار الرابع، الطبعة الاولى 2012.، ص، 219.

[4] – نجيب جيري : الرقابة المالية بالمغرب، م.س، ص، 219-220.

[5] – Caplier B. Rupriche.C ; ” quid de la gestion locale organisation évaluation control e” ceuroult 1998. P 134.

[6] – iden. P 134.

[7] – بيان سيدني بشأن رقابة الأداء والرقابة المالية على المشروعات العامة ونوعية الرقابة المالية المنبتق عن المؤتمر الثاني للأنتوساي أبريل 1986.

[8] – – نجيب جيري : الرقابة المالية بالمغرب، م.س، ص 221.

[9] – peuch lestrade : ” le control interne dans les collectivités territoriales et organismes proches” in ” contrôle interne et contrôle externe dans les collectivités territoriales” 1998.p.57.

[10] – سطام بن عبد العزيز المقرن: تصميم أنظمة المراقبة الداخلية للقطاع الحكومي دراسة تحليلية وصفية، ديوان المراقبة العامة، المملكة العربية السعودية ، 1426هـ ،ص : 11.

[11] – محمد مجيدي مرجع سابق، ص: 178-179.

[12] – السعدية العثماني: “المجالس الجهوية للحسابات بالمغرب ورقابة التسيير”، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام، جامعة الحسن الأول، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية سطات، السنة الجامعية 2009/2010.، ص :246.

[13] – نجيب جيري: الرقابة المالية بالمغرب . م.س. ص: 220-221.

[14] – محمد حركات : “التدبير الاستراتيجي والمنافسة”،رهانات الجودة الكلية بالمقاولات المغربية. ، ص: 83.

[15] – سعيد الميري: التدبير الاقتصادي للجماعات المحلية. أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، جامعة محمد الخامس، السويسي كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الرباط، السنة الجامعية 2007-..2008 ص: 546.

[16] – محمد مجيدي: دور المجالس الجهوية للحسابات في تطوير أداء الجماعات المحلية، مرجع سابق، ص: 185-186.

[17] – احمد حاسون: المجلس الأعلى للحسابات بالمغرب، م.س، ص: 339.

[18] – محمد حركات: التدبير الاستراتيجي والمنافسة . مرجع سابق: ص .83.

[19] – طواهر محمد التهامي وصديقي مسعود: المراجعة وتدقيق الحسابات .الإطار النظري والممارسة التطبيقية .الطبعة الثانية 2005 ديوان المطبوعات الجامعية .الساحة المركزية، بن عنكون، الجزائر/ ص : 86.

[20] – ظواهر محمد التهامي: المراجعة وتدقيق الحسابات، م.س. ص: 86-87.

[21] – ظواهر محمد التهامي: المراجعة وتدقيق الحسابات. م.س، ص: 87-88.

[22] – نفس المرجع السابق .ص:89..

[23] – صديقي مسعود: المراجعة وتدقيق الحسابات ، مرجع سابق، ص: 89.

[24] – ظواهر محمد التهامي: مرجع سابق. ص : 97-103..

[25] – ظواهر محمد تهامي: المراجعة وتدقيق الحسابات . م.س، ص: 100.

[26] – نفس المرجع: ص: 102.

[27] – عبد اللطيف بروحو: “مالية الجماعات المحلية بين واقع الرقابة ومتطلبات التنمية” منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، الطبعة الأولى 2011. ، ص: 128.

[28] – قرار لوزير الاقتصاد والمالية رقم 2292.08 صادر في 20 من ذي الحجة 1429 ( 19 ديسمبر) بتحديد النظام المرجعي لإفتحاص الكفاءة التدبيرية للمصالح الأمرة بالصرف.

[29] – عبد اللطيف بروحو: مالية الجماعات المحلية .م.س، ص: 117.

[30] – عبد اللطيف بروحو: ،نفس المرجع السابق. ص: 117.

[31] – قرار لوزير الاقتصاد والمالية بتحديد النظام المرجعي لافتحاص الكفاءة التدبيرية للمصالح الآمرة بالصرف، مرجع سابق.

[32] – عبد اللطيف بروحو: نفس المرجع السابق، ص: 117.

[33] – عبد اللطيف بروحو: مالية الجماعات المحلية. مرجع سابق ، ص: 117-118.