أبحاث قانونية في التعويض عن الأضرار الناتجة عن حوادث السير فما بعدها

مقال حول: أبحاث قانونية في التعويض عن الأضرار الناتجة عن حوادث السير فما بعدها

بقلم ذ عبد العزيز املوي

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

دكتوراه في القانون الخاص / إطار بوزارة العدل
دخل المغرب عهدا جديدا بتاريخ فاتح أكتوبر 2010 حيث دخلت مدونة السير الجديدة حيز التطبيق ، و بعيدا عن الاشكاليالت التي تطرحها نصوص هذه المدونة من حيث التطبيق و كدا وجهات النظر المتباينة التي خلفتها ، نتعرض إلى ما بعد الحادثة و المسار الذي يمكن إتباعه للحصول على التعويض ، بالإضافة إلى خصوصيات هذا الأخير بالنسبة لهذا النوع من الحوادث . فالواضح أن مطالبة المتضرر لمالك السيارة تعد نقطة البدء في التزام شركة التأمين بدفع التعويض، وذلك بسبب الإضرار التي لحقت به بسبب السيارة، كما أن للغير المتضرر الحق في الحصول على التعويض من شركة التأمين المؤمن لديها السيارة المتسببة في الضرر وذلك بصفة مباشرة من غير مطالبة المالك.

وعليه، وللإحاطة بهذه النقط نقسم الموضوع إلى مبحثين:

-المبحث الأول: الحصول على التعويض من المؤمن له؛

-المبحث الثاني: الرجوع مباشرة على شركة التأمين للحصول على التعويض؛

المبحث الأول

الحصول على التعويض من المؤمن له

تتطلب الإحاطة بمطالبة المؤمن له في حوادث السير بالتعويض التطرق إلى شروط صحة رجوع المضرور على المؤمن، وكذا أحوال رجوع المؤمن على المؤمن له، ثم حالات رجوع المضرور على المؤمن له، وبالتالي فإن هذا الأخير يتعرض إلى الرجوع من طرفين: المضرور والمؤمن، وذلك ما سوف نتناوله في المطالب الثالثة التالية:

المطلب الأول

شروط صحة رجوع المضرور على المؤمن له

يتحدد نطاق التعويض اللازم للمتضرر على أساس تحديد الطبيعة القانونية لرجوع المتضرر ومطالبته بهذا التعويض وما إذا كان على أساس المسؤولية التقصيرية أو العقدية. علما أن علاقة المتضرر بالمتسبب في الضرر لا تقوم إلا على أساس المسؤولية التقصيرية وذلك لانتقاء وجود علاقة عقدية بينهما.

و عليه ، فان رجوع المتضرر على الفاعل المؤمن له يختلف باختلاف العلاقة التي تجمعهما. ففي الحالات التي تتوفر فيها العلاقة التعاقدية بينهما كأن يكون المتضرر راكبا بأجرة والمؤمن له ناقلا، فإن رجوع المتضرر يكون عندئذ في إطار هذه العلاقة، وبالتالي فإن التعويض يكون مشتملا على كل ما لحق المتضرر من خسارة أو فاتته من ربح في حدود الضرر المتوقع، إلا إذا نص العقد على تعويض اتفاقي.

أما في الحالات التي يصاب فيها المتضرر دون توافر العلاقة التعاقدية، فإن للمتضرر المصاب حق الرجوع على المؤمن له ومطالبته بتعويض يغطي كافة الضرر الحاصل له أدبيا أو ماديا متوقعا أو غير متوقع، وذلك شريطة إثبات عناصر المسؤولية من خطأ وضرر وعلاقة سببية[1].

إلا أنه تثار أحيانا بعض الحالات التي يمكن فيها الرجوع على المؤمن له -صاحب السيارة – ليس من طرف المتضرر فحسب بل كذلك من طرف المؤمن – شركة التامين -، وذلك مع الأخذ بعين الاعتبار بعض العناصر، فمثلا اختلاس الغير السيارة وارتكابه لحادث أضر بالغير، فهنا لا يكون المؤمن له مسؤولا عن فعل مختلس السيارة، ولا وجه لرجوع المؤمن على المؤمن له، إذ هو أجنبي عن العلاقة ما بين المؤمن ومختلس السيارة. وإذ كان المؤمن له مسؤولا مدنيا عن فعل مختلس السيارة، فهذا أيضا لا رجوع للمؤمن على المؤمن له طالما أن المختلس فعل ذلك دون إرادة المؤمن له الذي يؤمن هنا على مسؤوليته.

أما فيما يتعلق برجوع المؤمن على مختلس السيارة بما أداه عنه من تعويض، فإنه مسألة واضحة ويمكن للمؤمن القيام بها لاسترداد ما دفعه، ويكون ذلك بدعوى حلول محل المضرور الذي أدى التعويض إليه بدلا من المسؤول مختلس السيارة[2].

وتجدر الإشارة إلى أن التعويض يستفيد منه المتضرر من الحادث الذي تسببت فيه السيارة، وهواي المتضرر قد يكون من الغير كالراجلين من المارة أو الراكبين سواء كانوا من أفراد عائلة المؤمن له أو أقاربه أو أي شخص آخر، فالعبرة هنا بالمسؤولية الملقاة على عاتق المتسبب في الحادث لا بعقد التأمين، كما أن السائق ولو كان متسببا في الحادث يمكن أن يستفيد من التعويض إن أصيب بضرر بغض النظر عن خطئه ومسؤوليته عن الحادث[3].

وقد أثار معنى الغير كثيرا من النقاش سواء في فرنسا أو مصر أو غيرهما من البلدان، حيث ثم اللجوء إلى تحديد المقصود بالغير باستخدام طريقة المخالفة، حيث أن تحديد الأشخاص الذين لا يطبق التأمين الإجباري ضد حوادث السيارات في مواجهتهم، يحدد بمفهوم المخالفة الأشخاص الذين يغطيهم هذا النظام، فلكي يمكن دراسة وضع الأفراد المتمتعين بالحماية فيما يتعلق بالتأمين الإجباري ضد حوادث السيارات، يحسن معرفة الأشخاص المستبعدين من هذه الحماية. وعلى الرغم من المجهودات القيمة التي بذلها المشرع لتحقيق أكبر قدر من الضمان والأمان للمضرورين من حوادث السيارات وكذا للمستأمنين من هذه الحوادث، إلا أنه يمكن القول أن هناك قصورا خطيرا بجدر إصلاحه حتى يحقق نظام التأمين الإجباري في نطاق المسؤولية عن حوادث السيارات، الغرض الاجتماعي التي شرع من أجله[4].

و في المغرب، فإن المشرع في المادة 134 من مدونة التأمينات استثنى بعض الفئات من الاستفادة من صندوق ضمان حوادث السير، كالتالي:

“1- مالك العربة ما عدا في حالة سرقتها، وكذا السائق، وبصفة عامة كل شخص له حراسة هذه العربة عند وقوع الحادث.

2-الممثلون القانونيون للشخص المعنوي المالك للعربة البرية ذات محرك، إذا كانوا منقولين على مثنها.

3-إجراء أو مأموروا مالك أو سائق العربة البرية ذات محرك الذي تقع عليه مسؤولية الحادث أثناء قيامهم بعملهم.

4-في حالة سرقة العربة البرية ذات محرك ومر تكبوا السرقة ومشاركوهم وكذا الأشخاص الآخرون المنقولون على مثنها، عدا إذا أثبت هؤلاء حسن نيتهم.

غير أنه يمكن لهؤلاء الأشخاص المذكورين أعلاه المطالبة بالاستفادة من صندوق ضمان حوادث السير إذا كانت مسؤولية الحادث التي تسببت فيها عربة أخرى ذات محرك تقع على من له حراستها وذلك في حدود هذه المسؤولية”.

على أن المطالبة بالتعويض لا تنسحب إلى الأشخاص الطبيعين فحسب، بل يمكن للدولة أيضا أن تحل محل الموظف المتضرر وتطالب بالتعويض وكيفما كان الوصف الذي أعطي للحلول المخول للدولة فإنه يبقى حلولا، أي استبدال شيء بآخر أو شخص بآخر، فالدولة تحل محل الموظف الضحية أو ذوي حقوقه في إقامة الدعوى، على أن دعواه لا يمكن أن تسيء إلى مراكز الغير المسؤول، بحيث لا يمكن أن تمتد حقوقها أكثر من حقوق الضحية، ولا يمكنها أن تسترجع إلا الصوائر التي قد يكون بإمكان الضحية نفسه مطالبة الغير بها، لأنها لا تمارس إلا دعوى هذه الضحية[5].

وفي هذا الإطار يمكن أن نطرح فكرة الأطراف الثلاثة أو الأغيار الذين يحق لهم المطالبة بالتعويض نتيجة الحادث. فهذه الفكرة هي أساسا من صنع القضاة الفرنسي، حيث تطورت وأعطيت لها أهمية كبيرة، إذ منحت صفة الغير لمكتتب العقد مالك السيارة الذي سلم القيادة لسائق آخر ارتكب الحادث وتضرر لمالك، فهنا أعطيت صفة الضحية للمالك وله الحق في مطالبة مرتكب الحادث وعنه شركة التأمين بالتعويض عن الضرر[6].

والسؤال الذي يمكن أن يطرح هو: هل يصح القول بفكرة الأطراف الثلاثة في إطار النصوص القانونية المغربية؟

الجواب على ذلك يمكن أن نستشفه من الفصل الخامس من ظهير 20 أكتوبر 1969 حول التأمين الإجباري، والذي يقضي باستثناء المكتتب ومالك الناقلة المرخص له بالحراسة والسائق من صفة الانحياز، وبالتالي فإنه لا يشير إلى أن هؤلاء مسؤولون عن الحادث، والاستثناء الوحيد الموجود هو بالنسبة لزوج أو أزواج أو آباء أو أصهار أو أعقاب المؤمن له المسؤول عن الحادث، إذ في هذه الحالة يمكن القول بفكرة الأطراف الثلاثة وتحميل السائق وعنه شركة التأمين مسؤولية الحادث والتعويض عن الضرر إذا أصيب أحد هؤلاء ولو كان يحمل إحدى الصفات المذكورة من مالك العربة أو الغير السائق لها.

استثناء آخر من الفكرة المذكورة جاء به الفصل 14 من الشروط النموذجية الواردة بالقرار الصادر بتاريخ 25 يناير 1965 الذي يستثني من الضمان الأضرار التي تصيب الأشخاص الذين يحملون صفة المؤمن له ، ويشترط أن يكونوا مسؤولين عن الحادث.

فهل يمكن للقضاء المغربي أن يسير في نفس منحى القضاء الفرنسي، ويطبق هو الآخر فكرة الأطراف الثلاثة يضمن لصاحب السيارة المتضرر من الحادث الذي تسبب فيه طرف آخر، التعويض باعتباره من الأغيار ولو مع وجود النصوص المذكورة (الفصل 14 من الشروط النموذجية والفصل 5 من ظهير 20 أكتوبر 1969) وذلك لتحقيق عدالة أكثر بالنسبة للمتضرر خصوصا وأنه لم يساهم بخطئه في الضرر الواقع الذي تضرر منه هو شخصيا؟

المطلب الثاني

أحوال رجوع المضرور على المؤمن له

إن رفع دعوى المسؤولية على المؤمن له لا يخلو من أحوال ثلاث:

*الحالة الأولى: مواجهة المؤمن له وحده لدعوى المسؤولية، وهو أمر نادر، إذ غالبا من يدخل المؤمن له معه كخصم في الدعوى. وأحيانا قد يواجه المؤمن له الدعوى بمفرده اعتقادا منه بأنه غير مسؤول، أو قد يتعذر عليه إدخال المؤمن فيها لسبب أو لآخر.

* الحالة الثانية: إدخال المؤمن أو دخوله خصما في الدعوى، وهو غالبا ما يتدخل في الدعوى المقامة ضد المؤمن له من تلقاء نفسه أو يدخل فيها من طرف هذا الأخير حتى يتم البت في دعوى المسؤولية ودعوى الضمان دفعة واحدة.

على أن المؤمن عندما يتدخل في الدعوى لا يتدخل نيابة عن المؤمن له ودفاعا عن مصالحه، بل يدافع عن مصالحه الشخصية، كما أنه يجوز اشتراط المؤمن على المؤمن له عدم إدخاله في دعوى المسؤولية، لكون إدخال المؤمن خصما في الدعوى ليس من النظام العام بل يجوز الاتفاق بشأن ذلك. وبالرغم من كون الصورة الغالبة في إدخال الضامن أو الكفيل في دعوى المسؤولية هي الحالة التي يتم فيها إدخال شركة التأمين إلى جانب المدعى عليه المتسبب في الضرر والمسؤول المدعي ليحكم بحلولها محلهما في الأداء، والمضرور هو الذي يبادر إلى ذلك منذ رفعه المقال الافتتاحي للدعوى لما في ذلك من مصلحته، لكن هذا لا يمنع المدعى عليه من طلب إدخال مؤمنه إلى جانبه إذا أغفل المضرور ذلك. كما يمكن تصور تدخل الضامن والكفيل إلى جانب المدعي تلقائيا للمطالبة بحقوقه، فالمؤمن الخاص والمشغل هو الذي يطالب بالنفقات التي تحملها بسبب الضرر وهو ما يطلق عليه دعوى الرجوع[7].

* الحالة الثالثة: تولي المؤمن إدارة دعوى المسؤولية، ويكون ذلك عن طريق شرط في عقد التأمين، والغاية منه هو حماية مصالح وحقوق المؤمن من إساءة المؤمن له الدفاع عن نفسه أثناء مباشرة الدعوى بمفرده، وله أن يسلك كافة درجات التقاضي وأن يمارس كل طرق الطعن القانونية الممكنة[8].

المطلب الثالث

حالات رجوع المؤمن على المؤمن له

يجوز أيضا الرجوع على المؤمن له – صاحب السيارة – من طرف المؤمن – شركة التامين -، ويكون ذلك في الحالات التالية[9]:

1-إذا أثبت أن التأمين قد عقد بناء على إدلاء المؤمن له بيانات كاذبة أو إخفائه وقائع جوهرية تؤثر في حكم المؤمن على قبوله تغطية الخطر أو على سعر التأمين أو شروطه.

2-إذا استعملت السيارة في غرض غير الغرض المبين برخصتها أو قبول ركاب أو وضع حمولة أكثر من المقرر لها أو استعمالها في أغراض أخرى.

3-إذا كان المؤمن له أو من يقود السيارة بموافقته غير حائز على رخصة السياقة من النوع الذي يخول له قيادة السيارة.

4-إذا أثبت المؤمن أن سائق السيارة سواء كان المؤمن له أو شخص آخر سمح له بقيادتها ارتكب الحادث بسبب سكر أو تناول المخدرات.

5-إذا أثبت المؤمن أن الوفاة أو الإصابة نشأت عن عمل ارتكبه المؤمن له عن إرادة وعمد.

المبحث الثاني

الرجوع مباشرة على شركة التأمين للحصول على التعويض

في إطار الرجوع على شركة التأمين نتناول التزامات المؤمن له في هذا الصدد، والتي تعتبر ضرورية والزامية تجاه هذا الأخير حتى يتم الرجوع على المؤمن، كما نشير أيضا إلى الحالة التي يتعذر فيها هذا الرجوع، حيث يتم رفع هذه الدعوى على صندوق ضمان حوادث السير الذي حل بهذه التسمية محل صندوق الضمان وفقا لمدونة التأمينات.

وعليه، نقسم هذا المبحث إلى مطلبين:

-المطلب الأول: التزامات صاحب السيارة في حالة الرجوع على شركة التامين؛

-المطلب الثاني: أحكام الرجوع على صندوق ضمان حوادث السير.

المطلب الأول

التزامات صاحب السيارة في حالة الرجوع على شركة التامين

تتمثل هذه الالتزامات الواجبة على المؤمن له في ثلاثة عناصر نتطرق إليها في الفقرات الثلاثة التالية:

الفقرة الأولى: الالتزام بعدم الصلح.

يمنع على المؤمن له إجراء أي صلح مع المتضرر، وهذا المنع يشمل فقط الإجراءات التي لها علاقة بالمؤمن والتي غالبا ما يعمل هذا الأخير على تضمينها بعقد التأمين.

وعليه، فإن بإمكان المؤمن أن يعقد مصالحة شخصية مع المتضرر، وذلك استنادا على مقتضيات المادة 25 من الشروط النموذجية والتي جاء فيها: “ويحق للشركة وحدها باستثناء المؤمن له أن يبرم صلحا مع الغير المتضرر”.

على أن تصالح المؤمن مع المضرور لا يعتبر اعترافا بالمسؤولية، كما أن كل صلح يتم بموافقة المؤمن لا يمكن الاحتجاج به عليه ما لم يكن قد رضي به[10].

ويتم تقدير التعويض بناء على قواعد المسؤولية التقصيرية، وليس بناء على ما خلص إليه الأطراف من صلح، وهذا ما قضت به محكمة النقض السورية وذلك برفض الطعن وإلغاء قرار التوقيف لكون المدعي خالف شروط عقد التأمين بإجراء مصالحة مع ذوي المصاب دون إعلام المؤسسة (شركة التأمين) وموافقتها، وجاء في إحدى حيثيات هذا الحكم:

“ومن حيث أن اجتهاد هذه المحكمة مستقر على أن لا يقيد بتقدير المدعي لما دفعه من تعويض عن الضرر، الذي ألحقه بالغير تنفيذا لعقد الصلح الجاري بين الطرفين وإنما يتم تقدير التعويض الذي يستحقه المصاب وفق قواعد المسؤولية التقصيرية وبنسبة مسؤولية السيارة المؤمنة في وقوع الحادث”[11].

كما أن المصالحة التي تتم بين مسبب الضرر والمضرور، بدون موافقة شركة التأمين، تعطي مسبب الضرر حق الرجوع ولو كانت المصالحة فيها مخالفة لشروط العقد. وعلى هذا استقر اجتهاد القضاء، فقد جاء في إحدى حيثيات حكم صادر عن محكمة النقض السورية:

“ومن حيث أن المدعي أجرى مصالحة مع المتضرر الذي صدم سيارة المدعي بموجب صك المصالحة الموقع بين الطرفين المبرز في المقال الافتتاحي للدعوى ، وقد تمت هذه المصالحة بمعزل عن المؤسسة المؤمنة.

ومن حيث إن المصالحة التي تتم ما بين مسبب الضرر والمضرور بدون موافقة المؤسسة العامة للتأمين تعطي مسبب الضرر حق الرجوع حتى ولو كانت المصالحة فيها مخالفة لشروط العقد”[12].

الفقرة الثانية: الالتزام بعدم الاعتراف بالمسؤولية.

إن الغاية من الالتزام بعدم الاعتراف بالمسؤولية ليس فقط تفادي أي تواطؤ من المؤمن له مع المضرور، بل أيضا احتمال أن يرهن المؤمن له تهديد المضرور باتخاذ إجراءات جنائية ضده ليحمله على الإقرار أو الصلح أو مجرد عدم مبالاة المؤمن له وقد غطى التأمين مسؤوليته فيقدم على الإقرار أو الصلح دون وزن دقيق لظروف الحادث.

والمقصود هنا هو الاعتراف الصادر من المؤمن له شخصيا أما إذا صدر اعتراف من شخص آخر فلا يعتد به. كما لا يعتد بما يقدمه المؤمن له للمضرور من إسعافات عقب الحادثة[13] ولا يعد كأنه اعتراف منه بالمسؤولية، وإنما المقصود هو أن يقر بالمسؤولية من الناحية القانونية، أما إذا اعترف بالوقائع المادية دون أن يستخلص منها أنه مسؤول قانونا فإنه لا يعتد به[14].

وإذا كان الاعتراف بالوقائع المادية مسموح به للمؤمن له، فإنه يصعب في كثير من الأحيان التمييز بين هذا الاعتراف والاعتراف بالمسؤولية خصوصا إذا تعلق الأمر بتطبيق مقتضيات الفصل 88 من قانون الالتزامات والعقود، أي تطبيق نظرية الحراسة حيث يكفي وجود ضرر صادر عن عربة ووجود علاقة سببية لتثبت المسؤولية.

على أن الاعتراف بهذه الوقائع الثلاث يحمل في طياته في الواقع التمييز بين ما هو واقع وما هو قانون، وبذلك بفقد هذا التمييز بين الاعترافين أهميته القانونية والعملية إذ تبقى النتائج واحدة في كثير من الأحيان[15].

على أن المعني بالرجوع في إطار الحلول هو شركة التأمين ومؤمنها، وليس من الجائز مثلا إحلال جهة أخرى محل الفاعل ولو كان تابعا لها ويتصرف بناء على العلاقة بينه وبينها، وذلك ما أكده المجلس الأعلى في أحد قراراته والذي جاء فيه:

“في شأن وسيلتي النقض الأولى والثانية مجتمعتين المتخذتين من خرق مقتضيات ظهير 8/10/1977 الفصل 13 مكرر الذي ينص على أن المكتب الوطني للنقل يؤهل لتمثيل الدولة لدى القضاء فيما يتعلق بمسؤوليتها في حادث تسببت فيها إحدى سياراتها وأنه طبقا لهذا الفصل فإن المكتب الوطني للنقل مؤهل فقط لتمثيل الدولة فيما يخص حوادث السير ولا يعتبر شركة التأمين، ومع ذلك قضت محكمة الاستئناف بإحلاله محل المسؤول المدني في الأداء، وأنه سبق للعارض أن أدخل شركة التأمين الملكي في المرحلة الابتدائية كما هو ثابت من المقال الإصلاحي المدرج بالملف وأن المحكمة الابتدائية أغفلت الحكم بإحلالها محل المسؤول المدني، وأن محكمة الاستئناف مع ذلك لم تستدع شركة التأمين واكتفت بإحلال المكتب الوطني للنقل محل المسؤول المدني خلافا للقانون المنظم لهذا المكتب، ومن تم يكون القرار المطعون فيه منعدم التعليل معرضا للنقض”[16].

ويتم حلول شركة التأمين محل المؤمن له ما لم يتم الخروج عن بنود العقد الرابط بينهما، كأن يتم تغيير الغرض مثلا، فقد قضى المجلس الأعلى في إحدى قراراته أنه : “تكون محكمة الاستئناف قد عللت قرارها تعليلا كافيا، عندما اعتمدت شهادة الشهود الذين صرحوا بأدائهم مبالغ مالية مقابل نقلهم في شاحنة مخصصة لنقل البضائع والتي وجدت أثناء الحادثة تحمل عددا من الأشخاص يفوق الثمانية في المجموع وأكثر من خمسة خارج المخدع، ورتبت على ذلك اعتبار المؤمن له مسؤولا عن أداء التعويضات المدنية وبالتالي إخراج شركة التأمين من الدعوى…”[17] .

وتلزم شركة التأمين أيضا بالحلول محل المؤمن له في حالة كون الضحية غير مميز، وذلك ما قرره المجلس الأعلى في أحد قراراته حيث جاء فيه:

“لكن من جهة أن مناط مسؤولية الضحية هنا هو الخطأ وما دام الضحية غير مميز لا يتصور صدور أي خطأ عنه، وهذا ما اعتمدته المحكمة -وعن صواب- حيث قررت تحميل كامل المسؤولية على عاتق حارس السيارة وأبعادها عن الضحية لكونها لم يبلغ سن التمييز، وأن الخلط الذي تحدثت عنه الوسيلة بين المسؤولية والخطأ ليس له ما يبرره إذ أن الضحية على فرض قيامها بأعمال ساهمت في وقوع الاصطدام فإنها لا توصف بكونها خطأ بالمعنى القانوني يقضي تحملها مسؤوليته”[18].

ونفس الأمر بالنسبة للحالة التي يكون فيها المعني بالأمر غير حاصل على رخصة السياقة، وتبين ذلك من قرار صادر عن المجلس الأعلى جاء فيه:

“وحيث يستفاد من مقتضيات الفصل 13 من القرار المؤرخ في 28 نونبر 1934 المتعلق بعقد التأمين البري و الفصل 12 من الشروط النموذجية العامة لعقد التأمين على السيارات أن مالك الناقلة إذا ارتكب ابنه القاصر حادثة بناقلته التي كان يسوقها بدون علمه أو بدون توفره على رخصة السياقة القانونية وكان مؤمنا له فإن المؤمن يضمن مسؤوليته المدنية أي يحل محله في أداء التعويض المحكوم به عليه، وخصوصا فيما يخص التأمين من المسؤولية المدنية أثناء سير الناقلة مما تكون معه الوسيلتان غير مرتكزتين على أساس”[19].

أما إذا كان الضحية مميزا فإنه يتم توزيع المسؤولية على أساس الخطأ ومدى نسبة ذلك إلى كل من الضنينين والضحية المصاب في حادث السير، ومع ذلك فإن شركة التأمين تحل دائما محل المسؤول المؤمن له ويتم التنصيص على ذلك الأحكام القضائية الصادرة في هذا الإطار. وكذا في القرارات سواء الصادرة عن محاكم الاستئناف أو المجلس الأعلى.

وهكذا فقد صدر عن المحكمة الابتدائية بآنفا مجموعة من الأحكام القضائية في هذا الإطار منهما على سبيل المثال[20]:

-حكم عدد 1766 الصادر بتاريخ 23/07/2003 في الملف عدد 1452/64/2002. -حكم عدد 1793 الصادر بتاريخ 23/07/2003 في الملف عدد 1968/04/2001.

-حكم عدد 1789 الصادر بتاريخ 23/07/2003 في الملف عدد 2197/04/1998.

كما صدرت عن المجلس الأعلى عدة قرارات في نفس المنحى، منها القرار عدد 3052 الصادر بتاريخ 23/10/2003 في الملف المدني عدد 1275/1/5/2003 والذي جاء في الحيثية الأولى منه:

“وحيث يؤخذ من عناصر الملف ومن القرار المطعون فيه الصادر عن محكمة الاستئناف بوحدة بتاريخ 15/10/2002 في القضية المدنية عدد 1488/2001 ادعاء المطلوبين في النقض… أن هذا الأخير توفي إثر حادثة سير طالبين تحميل الحارس القانوني للعربة أداة الحادثة كامل المسؤولية والحكم عليه بأدائه تعويضات إجمالية وإحلال شركة التأمين النصر محل مؤمنها في الأداء، وبعد جواب هذه الأخيرة قضت المحكمة الابتدائية بتوزيع المسؤولية بين الهالك والمسؤول المدني وبنسبة الربع للأول وثلاث أرباع للثاني وبأداء هذا الأخير تعويضات مختلفة وبإحلال مؤمنته محله في الأداء بحكم استئنافه المحكوم عليهما وأيدته محكمة الاستئناف بمقتضى قرارها المطعون فيه.”[21]

الفقرة الثالثة: الالتزام بعدم التدخل في الدعوى.

يعد الالتزام بعدم التدخل في الدعوى في الحقيقة تطبيقا لشرط إدارة الدعوى وتوجيهها من طرف المؤمن، إذ من شأن تدخله فيها أن يقوي مركز الغير المتضرر، وبالتالي يلحق ضررا بالمؤمن الذي من مصلحته أن يبعد كل الوسائل عن المتضرر والتي يمكن أن يحتج بها في دعواه للحصول على التعويض.

المطلب الثاني

أحكام الرجوع على صندوق ضمان حوادث السير

بجانب الرجوع على المؤمن، فإن هناك من الحالات التي يمكن فيها، بل ويكون السبيل الوحيد، الرجوع على جهة أخرى تجمع بين طياتها جميع الحالات التي لا يمكن فيها الرجوع على شركة التأمين، ويتعلق الأمر بالرجوع على صندوق ضمان حوادث السير (صندوق مال الضمان سابقا). ويتطلب أمر الإحاطة بأحكام هذا الرجوع التعريف بالصندوق المذكور في الفقرة الأولى و التطرق إلى الحالات التي يتم فيها هذا الرجوع في الفقرة الثانية ثم أخيرا التعرف على الشروط الخاصة باللجوء إلى هذا الصندوق في الفقرة الثالثة.

الفقرة الأولى: تعريف صندوق ضمان حوادث السير.

يقصد بصندوق ضمان حوادث السير المؤسسة التي تم إحداثها بمقتضى الظهير الشريف المؤرخ في 22 فبراير 1955 المؤسس لصندوق مال الضمان، ويتمتع بالشخصية المعنوية وتمسك محاسبته طبقا لأحكام القسم الرابع من الكتاب الثالث من القانون رقم 17.99 المتعلق بمدونة التأمينات، إلا أنه يعفى من إعداد بيان أرصدة الإدارة وجدول التمويل وقائمة المعلومات التكميلية[22].

ويتحمل هذا الصندوق التعويض الكلي أو الجزئي للأضرار البدنية التي تتسبب فيها عربة برية ذات محرك غير مرتبطة بسكة حديدية أو بواسطة مقطوراتها أو شبه مقطوراتها وذلك في الحالة التي يكون فيها الأشخاص المسؤولين عن هذه الحوادث مجهولين أو غير مؤمنين وغير قادرين على تعويض الضحايا بسبب عسرهم[23].

إلا أن هناك مجموعة من الأشخاص يتم استثناؤهم من الاستفادة من هذا الصندوق أو بالأحرى الاستفادة من تعويضاته، وهم:

-مالك السيارة باستثناء الحالة التي يتم فيها سرقتها، وكذلك السائق، وبصفة عامة كل شخص له حراسة السيارة أثناء وقوع الحادثة.

-الممثلون القانونيون للشخص المعنوي المالك للسيارة أو العربة ذات المحرك، في حالة كونهم منقولون داخلها.

-إجراء أو مأموروا مالك أو سائق العربة البرية ذات محرك الذي تقع عليه مسؤولية الحادث أثناء قيامهم بعملهم.

-مرتكبوا السرقة ومشاركوهم والأشخاص المنقولون على متن العربة ذات المحرك في حالة سرقتها، ما عدا إذا أثبت هؤلاء حسن نيتهم.

غير أنه يمكن المطالبة بالاستفادة من هذا الصندوق إذا كانت الحادثة تثبت مسؤوليتها على عاتق من له حراستها وذلك في حدود هذه المسؤولية[24].

ويتمتع هذا الصندوق بالشخصية المعنوية المدنية بصفة مزدوجة، حيث أنه مؤسسة خاضعة للقانون الخاص ويقوم في نفس الوقت بمصلحة عامة وهي تعويض ضحايا حوادث السير في حالة عدم وجود تغطية تأمينية[25].

وبالرغم من وجود هذا المزج، فإن عنصر الصفة الخاصة هي الأكثر وضوحا بالنسبة لهذا الصندوق، حيث يغلب عليه الطابع الخاص، وذلك من خلال مصادر تمويله وكيفية تسييره وإمكانية اللجوء إلى القضاء، وإمكانية رفع الدعوى ضده وربط علاقته كمستخدميه كلها تخضع للقانون الخاص، كل ذلك يجعل منه مؤسسة خاصة تخضع لرقابة الدولة أي أنه مؤسسة شبه عمومية[26].

والملاحظة التي تجدر الإشارة إليها، هي تعثر تنفيذ الأحكام الصادرة في مواجهة هذا الصندوق مباشرة، حيث أن طلبات التنفيذ المقدمة ضده تبقى برفوف مكاتب التنفيد بالمحاكم ولا تخضع عمليا للقواعد العامة للتنفيذ الجبري بقدر ما تخضع لإرادة الصندوق مما يؤثر على حقوق الضحايا و يمس بمبدأ المساواة في تنفيذ الأحكام[27].

وهكذا، وخلال سنوات 1996 و 1997 قام الصندوق (صندوق مال الضمان[28]) بأداء التعويضات المترتبة عن 323 ملف بمعدل 161 ملف في السنة، ووصل مجموع التعويضات إلى مبلغ 31 مليون درهم خلال سنة 1998، وتم الأداء لفائدة الضحايا بتعويضات وصلت قيمتها إلى مبلغ 15 مليون درهم[29].

الفقرة الثانية: حالات الرجوع على صندوق ضمان حوادث السير .

إن الغاية التي أدت بالمشرع المغربي إلى إحداث صندوق ضمان حوادث السير تتجلى في تمكين الضحايا وأصحاب الحقوق من الحصول على تعويض في الحالات التي لا يغطيها التأمين.

وقد جاء في المادة 143 من مدونة التأمينات أنه 🙁 كل محضر يحرره ضباط أو أعوان الشرطة القضائية بخصوص حادثة سير بدنية تسبب فيها شخص مجهول أو غير مؤمن يجب أن يشير صراحة إلى هذه الواقعة.

يجب أن ترسل نسخة من كل محضر محرر طبقا لأحكام الفقرة السابقة إلى صندوق ضمان حوادث السير خلال أجل شهر من تاريخ اختتامه”[30].

وهذا ما يوضح ضرورة إخبار صندوق ضمان حوادث السير، وبالتالي يشير إلى الحالات التي يمكن فيها الرجوع عليه، إلا أن مسطرة اللجوء إليه تختلف باختلاف هذه الحالات والتي يمكن إيجازها في الآتي:

1-حالة كون مرتكب الحادثة ظل مجهولا.

فإذا ارتكبت الحادثة من طرف شخص مجهول، كأن يكون ارتكبها وفر ولم يعثر عليه بعد ذلك، ففي هذه الحالة يعتد بالمحضر المحرر وفق ما نصت عليه المادة 143 من مدونة التأمينات، والتي تعتبر المحضر وثيقة رسمية بالنسبة للمصاب ولذوي حقوقه، إذ على أساسه يقع إثبات وجود الحادثة، وفي نفس الوقت إثبات مسؤولية الفاعل الذي ظل مجهولا[31].

كما أن توجيه محاضر الشرطة مباشرة إلى صندوق ضمان حوادث السير لا يعفي الضحية أو ذوي حقوقه من تقديم طلبهم إلى الصندوق المذكور داخل الأجل القانوني[32].

وصندوق ضمان حوادث السير إما أن يوافق على طلب التعويض بالدخول في مفاوضات مع الطالب لتحديد المبلغ، أو ألا يوافق إذا تبين له أن الشروط اللازمة غير متوفرة[33]، وهنا يلجأ المتضرر إلى المحكمة الابتدائية المختصة للحصول على التعويض.

2-حالة كون مرتكب الحادثة معروف إلا أنه بدون تأمين. وسواء كان ذلك بصفة كلية أو جزئية، بشرط القيام بإجرائيين يتمثلان في توجيه طلب إلى صندوق ضمان حوادث السير بالإضافة إلى الحصول على صلح مع مرتكب الحادث.

كما أن طلب التعويض يجب أن يرفق وجوبا بنسخة من الحكم النهائي القابل للتنفيذ أو بنسخة من وثيقة الصلح مصادق عليها من طرف السلطات الإدارية المختصة[34].

3-حالة كون مرتكب الحادث معروف إلا أنه أثيرت بشأنه دفوع تتعلق بتوقيف عقد التأمين أو الضمان أو عدم التأمين أو التأمين الجزئي. وفي ذلك يتجلى الدور الاجتماعي الذي يقوم به الصندوق وهو ما يتطلب السماح بإدخاله في الدعوى سواء كان مرتكب الحادثة غير مؤمن أو كان من شأن مؤسسة تأمينية أن تدفع بأي عنصر من شأنه أن يؤدي إلى استبعاد الاستفادة من ضمانها كليا أو جزئيا، وبالتالي تحويل الحق للمحاكم في إصدار الأحكام المناسبة ضد الصندوق بما في ذلك إحلاله في حدود التزاماته القانونية محل المسؤول عن الحادثة في نفس الوقت الذي تأمر فيه بإخراج مؤسسة التأمين من الدعوى، وذلك إذا ثبت عسر المسؤول المذكور[35].

وعليه، فإنه إذا أصيب شخص بأضرار جسمانية نتيجة حادث سير تسببت فيه سيارة وأثبت الضحية أو ذوي حقوقه بأن الضرر ناتج عن الحادث، استحق التعويض من الصندوق الخاص بتعويض ضحايا حوادث السير، وهذا بغض النظر عن تصرفه وخطئه في الحادث، هذا بطبيعة الحال في حالة عدم وجود تأمين يغطي هذه الأخطار أو عدم كفايته[36].

أما في غير الحالات الثلاث المذكورة، فإن التعويض تتم المطالبة به في مواجهة شركة التأمين طبقا لظهير 02 أكتوبر 1984 المتعلق بالتعويض عن الأضرار التي تتسبب فيها عربات ذات محرك، حيث تشمل مختلف الصور التي يرجع فيها المضرور بصفة مباشرة على المسؤول المدني الذي تسبب في الحادثة المرتكبة بواسطة عربة برية ذات محرك بمقتضى المادة 106 ق ل ع، وإلا سقط حقه في المطالبة بالتعويض إذا انعدم أجل التقادم، كما تشمل هذه الحالة مختلف الفروض التي تتجه فيها دعوى المضرور إلى المطالبة بالتعويض عن أضرار أخرى غير تلك التي شملها ظهير 02 أكتوبر 1984.

وتجدر الإشارة إلى أن الرجوع على المسؤول المدني في هذه الحالات المذكورة أعلاه، يشمل مختلف الأحوال التي يسقط أو ينعدم فيها التأمين، بحيث تتحلل شركة التأمين أو صندوق ضمان حوادث السير من الالتزام بالحلول محل مالك السيارة المؤمن عنه[37].

الفقرة الثالثة: شروط اللجوء إلى صندوق ضمان حوادث السير.

من أجل الرجوع على صندوق ضمان حوادث السير لابد من توفر ثلاث أنواع من الشروط:

أولا: الشروط الخاصة بطبيعة الضرر الذي يقبل التعويض من طرف الصندوق، إذ يشترط فيه أن يكون ضررا بدنيا لاحقا بالضحية أو بذوي حقوقه، وبالتالي يتم استثناء الأضرار المادية التي تلحق بالسيارة نفسها أو بالأمتعة أو غيرها من الأشياء.

أما الأضرار المعنوية فهي محل خلاف، حيث جاء في قرار للمجلس الأعلى:

“إذا كان الفصل الأول من الظهير المؤسس لصندوق مال الضمان قد نص على تعويض الأضرار البدنية بمفهومها الواسع، فإن الفصل الأول من قرار التطبيق المؤرخ في 23/02/1955 توسع وأضاف إلى ذلك تعويض ذوي حقوق الضحية بعموم الإطلاق دون تمييز بين من لحقهم ضرر مادي أو ضرر معنوي. مما يمكن القول أن الصندوق مسؤول كذلك عن تغطية الأضرار المعنوية اللاحقة بذوي حقوق الضحية، فتكون المحكمة قد صادفت الصواب عندما منحتهم تعويضات معنوية وفق ما يسمح به النص المحتج به”[38].

إلا أن المجلس الأعلى كان له موقف آخر قبل هذا القرار، حيث استثنى التعويضات المعنوية من دائرة اختصاص صندوق مال الضمان، وهكذا جاء في قرار صادر عنه أنه:

“حقا، حيث إن صندوق مال الضمان يتحمل التعويضات الواجبة لضحايا حوادث السير الذين يصابون بأضرار جسمانية أو ذوي حقوقهم عما يصيبهم من أضرار، وهو لا يتحمل التعويضات المعنوية التي يمكن أن يحكم بها لفائدة المتضررين لذلك فإن الحكم المطعون فيه عندما حكم بالتعويض المعنوي يكون قد خرق مقتضيات الفصل الأول من القرار الوزيري المؤرخ في 29/2/1955 ويكون معرضا للنقض في حدود الوسيلة”[39].

وفي تعليقه على هذا القرار يذهب الأستاذ إدريس الضحاك الرئيس الأول السابق للمجلس الأعلى إلى أن الأضرار البدنية في الفصل الأول من قرار 23/02/1955 جاءت بصيغة الإطلاق وأن ذلك يقتضي تفسيرها على أساس أنها تشمل على الأضرار البدنية المادية والأضرار البدنية المعنوية.

كما أن من الشروط اللازم توفرها للاستفادة من صندوق ضمان حوادث السير، أن يتم إقامة الدعوى داخل أجل محدد، وهكذا جاء في قرار للمجلس الأعلى أنه:

“وحيث أن الطلب يجب توجيهه داخل أجل ستة أشهر لصندوق الضمان ويكفي أن يوجه برسالة مضمونة.

وحيث أن المحكمة لم تستخلص النتيجة القانونية من الأحداث النهائية لديها.

وحيث أنها مادمت لم تنص على أن الرسالة المضمونة قدمت بعد ستة أشهر فإنها لم تركز حكمها على أساس قانوني”[40].

وجاء في قرار آخر:

“حقا لما تبين صدق ما عابه الطالب على القرار، وذلك أن الحادث وقع بتاريخ 10/04/1967 والدعوى ضد صندوق مال الضمان لم ترفع إلا بتاريخ 22/06/1976 وبعد وقوع الحادث بأكثر من ثمانية عشر شهرا، مما يعد خرقا للفصل المشار إليه في الوسيلة والقرار معرض للنقض”[41].

ثانيا: الشروط المتعلقة بالسيارة

ويعني ذلك أن الحادث يجب أن يقع بواسطة السيارة، ويدخل في عموم هذا اللفظ السيارات والدراجات ذات المحرك والعربات المجرورة بها أو المتجولة في الطرق، ما عدا العربات التي تسير على سكة حديدية. أما العربات التي لا تتوفر على محرك فلا ضمان يشملها من جانب صندوق ضمان حوادث السير[42].

ثالثا: الشروط المتعلقة بالمتضرر ويمكن تلخيصها في الآتي:

1-أن يكون الضحايا أو أصحاب الحقوق قاطنين بالمغرب أو من رعايا دولة يتمتع فيها الرعايا المغاربة بشرط المعاملة بالمثل.

2-أن يكون الحادث قد وقع بالمغرب.

3-أن يكون الحادث يمنح الحق في التعويض حسب التشريع المغربي المطبق، وأن الحادث لا يمنح الحق في التعويض الكامل في أي إطار آخركما تنص على دلك المادة 149 من مدونة التأمينات .

وبعيدا عن المجال النظري فان المتتبع لموضوع التعويض عن حوادث السير يلاحظ تعثرا واضحا في تنفيذ الملفات من هذا القبيل إذ قد يصل المتضرر الى سنوات و سنوات من الانتظار و الترقب في انتظار أن يتوصل بمبلغ التعويض ، و هو ما يضع نقط استفهام كثيرة حول دور الجهات الوصية و مدى مراقبتها و الاختصاصات المخولة لها لاجبار الجهة المسؤولة سواء على الحادثة أو التي تحل محلها في المسؤولية على الوفاء بالتزاماتها . /.

المراجع و الأبحاث الجامعية المعتمدة في المقال :

-1 –محمد إبراهيم دسوقي : التامين من المسؤولية .

-2-عبد الرزاق بن خروف : التأمينات الخاصة في التشريع الجزائري ، الجزء الأول ،التأمينات البرية ، مطبعة حيرد الجزائر ، الطبعة الثانية ، السنة 2000 .

-3-محمد اوغريس :قضاء المجلس الأعلى في ميدان حوادث السير ، سلسلة الدراسات القانونية ، مطبعة دار القرويين ، الطبعة الأولى ، سنة 2002 .

-4-مصطفى عبد العزيز: دعوى التعويض بين التامين الإجباري و التامين الشامل ، طبعة 1991 .

-5-إدريس الضحاك: الوجيز في حوادث السير و التامين الإجباري للسيارات ، طبعة 1989 .

-6-عبد الرزاق السنهوري : الوسيط في شرح القانون المدني الجديد ، المجلد الثاني ، عقود الضرر و عقود التامين

-7- محمد اوغريس : التامين من المسؤولية في التشريع المغربي ،مطبعة دار قرطبة ، الطبعة الأولى ، السنة 1992 .

-8- إدريس فتاحي : المسؤولية المدنية لناقل الأشخاص المترتبة عن عقد النقل ، مطبعة الأمنية بالرباط ، طبعة 2002 .

-9-محمد كمو : ظهير 02/10/1984 و تعويض الأضرار البدنية الناتجة عن حوادث السير ، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص ، جامعة محمد الخامس بالرباط سنة 1986 .

المجلات المعتمدة في المقال :

-1-مجلة القانون المقارن العراقية ، العدد 30، السنة 2001 .

-2-المجلة المغربية للقانون المقارن ، العدد 1 السنة 1983 .

-3-مجلة المحاكم الفرنسية سنة 1977 .

-4-مجلة الإشعاع ، العدد 26 السنة 2002 .

-5-مجلة المحامون السورية ، العدد 7 و 8 السنة 60 .

-6- مجلة المعيار ، عدد 28 السنة 2002 .

-7- المجلة القضائية الجزائرية العدد 01 السنة 1991

-8-مجلة رابطة القضاة العدد 16 و 17 السنة 1986 .

-9-مجلة قضاء المجلس الأعلى الأعداد 26 و 37 و 38 ،مركز النشر و التوثيق القضائي بالمجلس الأعلى ، الإصدار الرقمي دجنبر 2000 ./.

[1] – سليمان بدري الناصري: الرجوع على الشخص الثالث المتسبب. مجلة القانون المقارن العراقية . العدد 30 . السنة 2001. ص 93 و 94.

[2] – محمد إبراهيم دسوقي: التأمين من المسؤولية . م س ص 331.

[3] – عبد الرزاق بن خروف: التأمينات الخاصة في التشريع الجزائري . م س . ص 226.

[4] – على حسين نجيدة: قصور حماية المضرور في حوادث السيارات في فرنسا ومصر. المجلة المغربية للقانون المقارن. العدد 1 السنة 1983 . ص 138.

[5] -محمد كمو: ظهير 2 أكتوبر 1984 وتعويض الأضرار البدنية الناتجة عن حوادث السير. رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص. جامعة محمد الخامس بالرباط. 1986. ص 86.

[6] – قرار محكمة النقض الفرنسية المؤرخ في 20 أكتوبر 1976. تعليق Durry بدالوز 1977 ص 293.

تعليق Margeat بمجلة المحاكم 1977. ص 82. تقرير محكمة النقض السنتين القضائيين 1976 و 1977. ص 100.

[7] – محمد سلام: دعوى المسؤولية عن حراسة الأشياء

مجلة الإشعاع. العدد 26. السنة 2002. ص 20.

[8] – محمد أوغر يس : قضاء المجلس الأعلى في ميدان حوادث السير.

سلسلة الدراسات القانونية. مطبعة دار القرويين بالدار البيضاء. الطبعة الأولى، السنة 2002. ص 175.

[9] – مصطفى عبد العزيز: دعوى التعويض بين التأمين الإجباري والتأمين الشامل. طبعة 1991. ص 54 و ما بعدها.

[10] – المادة 52 من القرار الوزيري الخاص بالشروط النموذجية لعقدة التأمين على السيارات.

[11] – قرار رقم 902 سنة 1998 بتاريخ 07/09/1998. مجلة المحامون السورية العدد 7 و 8 السنة 60. ص 974.

[12] – قرار رقم 3221 سنة 1999 بتاريخ 27/09/1999. مجلة المأمون السورية العدد 7 و 8 السنة 60. ص 80.

[13] – المادة 52 من القرار الوزيري الخاص بعقدة التأمين البري وتنص على أنه:

“ولا يعد كفاتحة لمصالحة، وقبول تحمل مسؤولية كل عمل رحمة إنسانية ممنوح للمنكوب كمعالجته الطبية ومداواته وهو مجروح حين نزول النازلة أو كنقله إلى داره أو إلى المستشفى، وذلك بشرط أن يلتزم هذا العمل تقييدا بعهد أيا كان.”

-المادة 25 من الشروط النموذجية العامة لعقدة التأمين السيارات تنص على أنه:

“وكل عمل إنساني منجز لفائدة المصاب مثل العلاجات الطبية والصيدلية المقدمة لجريح وقت وقوع الحادثة أو مثل نقله لمنزله أو للمستشفى لا يمكن اعتباره بداية صلح أو قبول لمسؤوليته ما عدا إذا كان يترتب عنه تعهده”.-

[14] – عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد. المجلس الثاني، عقود الضرر وعقد التأمين . م س . ص 1656 وما بعدها.

[15] – إدريس الضحاك: الوجيز في حوادث السير والتأمين الإجباري للسيارات طبعة 1989. م س . ص 59.

[16] – قرار المجلس الأعلى رقم 9656 بتاريخ 04 أكتوبر 1994 في الملف الجنحي رقم 25.467/92.

Artimis 2004.

[17] – قرار المجلس الأعلى رقم 250 بتاريخ 06 مارس 1980 في الملف الجنحي رقم 51158.

Artimis 2004.

[18] – قرار المجلس الأعلى رقم 17 الصادر بتاريخ 12 يناير 1977 في الملف المدني رقم 35211.

مجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 26 ص 19. عن مركز النشر والتوثيق القضائي بالمجلس الأعلى – الإصدار الرقمي دجنبر 2000.

[19] – قرار المجلس الأعلى رقم 4339 الصادر بتاريخ 29 ماي 1986 في الملف الجنحي رقم 4627/84.

مجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 40 ص 240. عن مركز النشر والتوثيق القضائي بالمجلس الأعلى الإصدار الرقمي دجنبر 2000.

[20] – هذه الأحكام غير منشورة،.

[21] – قرار المجلس الأعلى رقم 3052. غير منشور.

-انظر أيضا : قرار المجلس الأعلى رقم 3055 الصادر بتاريخ 23/10/2003 في الملف المدني عدد 1519/1/5/2003.

قرار رقم 186 الصادر بتاريخ 9/1/2003. في الملف عدد 1897/1/5/2002.

[22] – المادة 133 من مدونة التأمينات.

[23] – انظر الفقرة الأولى من المادة 134 من مدونة التأمينات.

[24] – انظر الفقرة الثانية من المادة 134 من مدونة التأمينات.

[25] – محمد أوغر يس: التأمين من المسؤولية في التشريع المغربي. م س. ص 163.

[26] – محمد أوغر يس: التأمين في المسؤولية في التشريع المغربي . م س . ص 163.

[27] – عبد الحق اليعقوبي: مسطرة التنفيذ في مواجهة صندوق مال الضمان وحق الصندوق في الرجوع على المسؤول. مجلة المعيار عدد 28. السنة 2002. ص 100.

[28] كان يعرف سابقا بصندوق مال الضمان، إلا أن مدونة التأمينات الصادرة، بمقتضى الظهير الشريف 1.0 بتاريخ 03 أكتوبر 2002 غيرت هذا الاسم إلى صندوق ضمان حوادث السير.

[29] – محمد بنشقرون: مشروع مدونة التأمين وتدخل صندوق مال الضمان. مجلة المعيار عدد 28 شتنبر 2002. ص 107.

[30] – هذه المادة نسخت المادة 3 من القرار الوزيري الصادر بتاريخ 23 فبراير 1955.

[31] – محمد أوغر يس : التأمين من المسؤولية في التشريع المغربي. م س . ص 169.

[32] – القرار عدد 271 تاريخ 19 ماي 1978 في الملف المدني عدد 54784.

[33] – سنتطرق إليها في الفقرة اللاحقة.

[34] – انظر المادة 142 و 151 من مدونة التأمينات.

[35] – عبد الحق اليعقوبي: مسطرة التنفيذ في مواجهة صندوق مال الضمان وحق الصندوق في الرجوع على المسؤول. مجلة المعيار . العدد 28. السنة 2002. ص 105و 106.

[36] – عبد الرزاق بن خروف: التأمينات الخاصة في التشريع الجزائري. م س ص 227.

وللمزيد من الإيضاح حول الصندوق الخاص بتعويض ضحايا حوادث المرور وصندوق ضمان حوادث السير. انظر: – أحمد طالب: نظام تعويض الأضرار الناجمة عن حوادث المرور في الجزائر. المجلة القضائية 1991. عدد 01 . ص 222.

[37] – إدريس فتاحي: المسؤولية المدنية لناقل الأشخاص المترتبة عن عقد النقل. مطبعة الأمنية بالرباط. طبعة 2002. ص 117 و 123.

[38] – قرار رقم 402 رقم 20/02/1985 عن الغرفة الأولى بالمجلس الأعلى في الملف المدني رقم 91967.

مجلة رابطة القضاة. عدد 16-17 السنة مارس 1986. ص 55.

[39] – قرار المجلس الأعلى رقم 136 الصادر بتاريخ 23/02/1977 في الملف المدني رقم 50004.

منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 26 ص 8 عن مركز النشر والتوثيق القضائي بالمجلس الأعلى. الإصدار الرقمي دجنبر 2000.

[40] – قرار المجلس الأعلى رقم 167 الصادر بتاريخ 02/04/1969 في الملف عدد 18252.

Artimis 2004.

[41] – قرار مجلس الأعلى رقم 1114 بتاريخ 8/05/1985 في الملف المدني عدد 89901.

منشور بمجلة قضاة المجلس الأعلى عدد 37-38 ص 58. عن مركز النشر والتوثيق القضائي بالمجلس الأعلى. إصدار دجنبر 2000.

– و من القرارات غير المنشورة أيضا انظر:

-قرار المجلس الأعلى رقم 444 الصادر بتاريخ 06/02/2003 في الملف المدني عدد 3544/1/5/2002 . الصادر ضد صندوق مال الضمان.

-قرار المجلس الأعلى رقم 95 الصادر بتاريخ 09/01/2003. في الملف المدني عدد 1866/1/5/2002 الصادر صندوق مال الضمان.

[42] – انظر المادة الأولى من الظهير المنظم لصندوق مال الضمان، والذي تم نسخها بواسطة المادة 134 من مدونة التأمينات حيث جاء فيها:

“يتحمل صندوق ضمان حوادث السير التعويض الكلي أو الجزئي للأضرار البدنية التي تسبب فيها عربة ذات محرك غير مرتبطة بسكة حديدية أو بواسطة مقطوراتها أو شبه مقطوراتها وذلك في الحالة التي يكون فيها الأشخاص المسؤولون عن هذه الحوادث مجهولين أو غير مؤمنين وغير قادرين على تعويض الضحايا بسبب عسرهم”.

بقلم ذ عبد العزيز املوي
دكتوراه في القانون الخاص / إطار بوزارة العدل

شارك المقالة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.