إقرار المالك للبيع

نصت المادة ( 467 ) من القانون المدني المصري على أنه “إذا أقر المالك البيع، سرى العقد في حقه وانقلب صحيحا في حق المشتري”.

من هذا النص يتضح بأن المالك وحده هو صاحب الحق في إقرار البيع الوارد على ملكه دون إذنه، ولكن يترتب على هذا الإقرار عدة نتائج. لذلك سنقسم هذا المطلب إلى ثلاثة فروع، وفي كل فرع ندرس نتيجة من النتائج المترتبة على إقرار المالك الحقيقي للبيع وهذه النتائج هي:

-1 سريان البيع في حق المالك.

-2 سقوط حق المشتري في طلب الإبطال.

-3 نشوء علاقة بين المالك والمشتري.

الفرع الأول: سريان البيع في حق المالك

أول ما يترتب على إقرار المالك للبيع، سريان هذا البيع في حقه، لأنه لم يعد هناك مانع من انتقال ملكية الشيء المبيع إلى المشتري وهذه الملكية تنتقل إلى المشتري من تاريخ الإقرار إذا كان المبيع منقولا، ومن تاريخ تسجيله إذا كان المبيع عقارا. فإقرار المالك ليس له أثر رجعي يعود به إلى تاريخ إبرام العقد، لأن البائع حينها لم يكن مالكا، وإنما أصبح كذلك بالإقرار الصادر من المالك فقط.

ويترتب على أن الملكية تنتقل للمشتري من تاريخ إقرار المالك لا من تاريخ إبرام العقد، عدم الإضرار بالحقوق التي رتبها المالك للغير على الفترة ما بين تاريخ إبرام العقد وت اريخ إقراره، فتنتقل هذه الحقوق مع المبيع إلى المشتري، لأنها بالإقرار تعتبر صادرة ممن يملك الحق في تقريرها، ولا يكون أمام المشتري والحالة هذه سوى الرجوع على البائع بضمان الاستحقاق الجزئ.

أما إجازة المالك لبيع الفضولي في الفقه الإسلامي، فهي تعتبر وكالة لا حقة بالبيع، والوكالة اللاحقة كالوكالة السابقة، بمعنى آخر إن الإجازة حسب المفهوم الفقهي لها أثر رجعي يستند إلى تاريخ إبرام العقد لا إلى تاريخ صدورها. وهذا ما نصت عليه المادة ( 396 ) من مرشد الحيران إذ تنص على أنه “إذا أجاز المالك بيع الفضولي الذي تصرف في ماله بغير إذنه إجازة معتبرة بالقول أو بالفعل تعتبر إجازته توكيلا له عنه في البيع ويطالب الفضولي بالثمن إن كان قبضه من المشتري وإن لم يكن قبضه منه فلا يجبر المشتري على أدائه للمالك لكن إن دفعه إليه صح الدفع وبرئ”.

وقبل الانتقال إلى النتيجة الثانية المترتبة على إقرار المالك الحقيقي البيع الوارد على ملكه دون إذنه، لابد من التذكير بأن هذا الإقرار قد يأخذ الشكل الصريح وقد يأخذ الشكل الضمني.

الفرع الثاني: سقوط حق المشتري في طلب الإبطال

يترتب على إقرار المالك للبيع الصادر على ملكه من الغير، تأكيد صحة هذا البيع في القانون الوضعي، وبالتالي سقوط حق المشتري في طلب إبطال هذا البيع. ويتفق الفقه المصري، على أن سقوط حق المشتري في طلب الإبطال في حالة إقرار المالك للبيع، يشترط فيه أن يصدر هذا الإقرار قبل رفع المشتري دعوى الإبطال، أما إذا كان الإقرار لاحقا لرفع دعوى الإبطال، فليس للإقرار أي أثر، حتى لو لم يفصل القاضي بعد بدعوى الإبطال، ذلك أن القاضي ينظر في الدعوى كما هي يوم رفعها، وفي ذلك الوقت كان المشتري صاحب الحق الوحيد في طلب الإبطال، وبالتالي يتوجب على القاضي أن ينظر دعوى الإبطال بالرغم من صدور الإقرار من المالك في وقت لاحق، إذ لا يجوز أن يضار المشتري بسبب تأخر المحكمة في الفصل في الدعوى.

ويلاحظ أن هناك اختلاف في الحكم بين الفقه الإسلامي الذي يأخذ بفكرة العقد الموقوف، إذ ليس للمشتري في ظل هذا الفقه حق الإجازة أو البطلان وإنما قد يكون له حق الفسخ كما سبق أن قلنا.

الفرع الثالث: علاقة المالك بالمشتري

عندما يقر المالك الحقيقي البيع الوارد على ملكه من قبل الغير، ويسري هذا البيع في حقه، ويسقط حق المشتري في طلب إبطاله، أين يقع المالك في معادلة بيع ملك الغير بعد الإقرار، بمعنى هل يحل المالك المقر محل البائع، فتقوم العلاقة التعاقدية بين المالك المقر والمشتري مباشرة؟ أم هل ينضم المالك بعد الإقرار إلى البائع ليصبح ملتزما معه في مواجهة المشتري؟ أم هل يقتصر أثر الإقرار على مجرد إزالة العقبة التي كانت تحول بين البيع وبين ترتيب أثره في نقل الملكية؟ اختلف الفقهاء في هذه المسألة إلى ثلاثة آراء:

الرأي الأول: ينشئ علاقة مباشرة بين المالك المقر والمشتري، فيحل المالك الحقيقي محل البائع في جميع حقوقه والتزاماته قبل المشتري، وذلك من تاريخ إقراره. فيجوز للمالك أن يطالب المشتري بالثمن وأن يعرض عليه تسلم المبيع، ويجوز للمشتري أن يطالب المالك بالتسل يم وأن يرجع عليه بضمان التعرض أو بضمان العيوب الخفية. ويترتب على إقرار المالك البيع وعلى تنفيذه الإلتزامات الناشئة عن العقد أن تبرأ أيضا ذمة البائع من هذه الإلتزامات. وإذا أخل المالك ببعض الإلتزامات الناشئة عن العقد كان البائع مسؤولا معه عن ذلك ولا تبرأ ذمة البائع من هذه الإلتزامات إلا بالوفاء بها من طرفه أو من طرف المالك.

وقد انتقد هذا الرأي – وبحق – على أساس أن الإقرار الذي يصدر بإرادة المالك وحده دون تدخل من المشتري، سيترتب عليه تغيير في شخص المدين بغير إرادة الدائن، وقد يكون في ذلك ضرر به. إذ أن المالك قد يرهن المبيع بعد البيع وقبل الإقرار، فيسري هذا الرهن في حق المشتري، لأن الإقرار لا يؤثر في الحقوق التي يكون المالك قد قررها للغير قبل صدور الإقرار. وفي حالة كون المالك معسرا فلن يجد المشتري حقه في الرجوع عليه في الضمان.

الرأي الثاني: يتجنب هذا الرأي الانتقاد الموجه إلى الرأي الأول ويقول بانضمام المالك إلى العقد بحيث يصبح هو والبائع ملتزمين به، أي مسؤولين مسئولية مجتمعة في مواجهة المشتري.

إذ يتساءل صاحب هذا الرأي عن جدوى هذا الرأي في ظل المشاكل التي يثيرها النص المصري (1/468 ) بقوله “إذا أقر المالك البيع سرى العقد في حقه ” فهل المقصود بسريان العقد في حق المالك، انضمام المالك بعد إقراره إلى العقد بحيث يصبح هو والبائع ملتزمين به؟ وبهذا يكون صاحب هذا الرأي قد تجنب إلحاق الضرر في حق المشتري.

وإذا سلمنا بأن هذا الرأي يجنب المشتري من الضرر الذي قد يقع فيه كما في الرأي الأول، إلا أنه وبموجب هذا الرأي قد يلحق الضرر بالبائع، إذ قد يكون أساس إقرار المالك للعقد علاقة بين المالك وبين البائع، من شأن هذه العلاقة احتفاظ البائع بالثمن، ومع ذلك فإن انضمام المالك إلى البائع في العقد من شأنه أن يبرأ ذمة المشتري إذا وفى بالثمن للمالك. لأن المشتري ملتزم تجاههم تضامني.

الرأي الثالث: وهذا الرأي يتجه إلى أنه إذا اقتصر المالك على مجرد إقرار البيع، دون أن يبرم أي اتفاق بينه وبين البائع والمشتري بشأن الإلتزامات والحقوق التي رتبها العقد، فيجب أن يقتصر أثر الإقرار على مجرد إزالة العقبة التي كانت تحول بين البيع وبين ترتيب أثره في نقل الملكية، مع بقاء العلاقة التعاقدية بين البائع والمشتري كما هي بغير تغير.

وأتفق مع هذا الرأي الأخير، ذلك أن إقرار المالك للعقد، من شأنه نقل الملكية، دون أن نشرك المالك في هذا العقد، لا في علاقة مع المشتري ولا مع البائع، بل تبقى العلاقة كما هي، علاقة بيع بين مشتري وبائع، أجازها المالك لتسري في حق الجميع ما لم يتم الاتفاق على غير ذلك بين المالك”صاحب الحق في الإقرار من عدمه” والمشتري. حينها نستطيع وضع تصو ر آخر لمفهوم الإقرار.

بالرغم من كل ما تقدم من آراء وانتقادات عليها، إلا أني أرى أن على المشرع تنظيم آثار الإقرار الصادر من المالك، دون ذكر مصطلح الإقرار في عبارات النص السابق دون تفصيل ما يترتب عليه من آثار ونتائج.

أما إجازة البيع من قبل المالك في الفقه الإسلامي، من شأنها متى وقعت صحيحة، أن ينفذ البيع ويصير الفضولي بمنزلة الوكيل، فالإجازة اللاحقة بمنزلة الوكالة السابقة، وبما أن الفضولي يعتبر كالوكيل، فإننا نطبق الأحكام الخاصة بالوكالة، هذه الأحكام التي من شأنها أن ترجع حقوق العقد إلى الفضولي، كما ترجع إلى الوكيل، أما حكم العقد فينصرف إلى المالك.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت