مفهوم الصحافة كسلطة رابعة

الصحافة هي المهنة التي تقوم على جمع وتحليل الأخبار والتحقق من مصداقيتها وتقديمها للجمهور، وغالباً ما تكون هذه الأخبار متعلقة بمستجدات الأحداث على الساحة السياسية أو المحلية أوالثقافية أو الرياضية أو الاجتماعية وغيرها. الصحافة قديمة قدم العصور والزمن، ويرجع تاريخها إلى زمن البابليين حيث استخدموا كاتباً لتسجيل أهم الأحداث اليومية لتعرف الناس عليها. أما في روما فقد كانت القوانين وقرارات مجلس الشيوخ والعقود والأحكام القضائية والأحداث ذات الأهمية التي تحدث فوق أراضي الإمبراطورية تسجل لتصل إلى الشعب ليطلع عليها. أصيبت هذه الفعالية بعد سقوط روما، وتوقفت حتى القرن الخامس عشر، وفي أوائل القرن السادس عشر وبعد اختراع الطباعة من قبل غوتنبيرغ في مدينة ماينز بألمانيا ولدت صناعة الأخبار والتي كانت تضم معلومات عن ما يدور في الأوساط الرسمية, وكان هناك مجال حتى للإعلانات.

في حوالي عام 1465م، بدأ توزيع أولى الصحف المطبوعة وعندما أصبحت تلك الأخبار تطبع بصفة دورية، أمكن عندها التحدث عن الصحف بمعناها الحقيقي وكان ذلك في بدايات القرن السادس عشر. وفي القرنين السابع عشر والثامن عشر أخذت الصحافة الدورية بالانتشار في أوروبا وأمريكا، وأصبح هناك من يمتهن الصحافة كمهنة يرتزق منها, وقد كانت الثورة الفرنسية حافز لظهور الصحافة الحديثة، كما كانت لندن مهداً لذلك.
مباديء أساسية ومعايير

حرية الصحافة بالنسبة للعديد من البلدان تعني ضمناً بأن من حق جميع الأفراد التعبير عن أنفسهم كتابةً أو بأي شكل آخر من أشكال التعبير عن الرأي الشخصي أو الإبداع. وينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على ان : “لكل فرد الحق في حرية الرأي والتعبير، ويتضمن هذا الحق حرية تبني الآراء من دون أي تدخل والبحث عن وتسلم معلومات أو أفكار مهمة عن طريق أي وسيلة إعلامية بغض النظر عن أية حدود”. وعادة ما تكون هذه الفلسفة مقترنة بتشريع يضمن درجات متنوعة من حرية البحث العلمي والنشر والطباعة، أما عمق تجسيد هذه القوانين في النظام القضائي من بلد لآخر فيمكن أن تصل إلى حد تضمينها في الدستور. غالباَ ما تغطى نفس القوانين مفهومي حرية الكلام وحرية الصحافة مايعني بالتالي معالجتها للأفراد ولوسائل الإعلام على نحو متساو. والى جانب هذه المعايير القانونية تستخدم بعض المنظمات غير الحكومية معايير أكثر للحكم على مدى حرية الصحافة في مناطق العالم. فمنظمة صحفيون بلا حدود تأخذ بعين الاعتبار عدد الصحفيين القتلى أو المبعدين أو المهددين ووجود احتكار الدولة للتلفزيون والراديو إلى جانب وجود الرقابة والرقابة الذاتية في وسائل الإعلام والاستقلال العام لوسائل الإعلام وكذلك الصعوبات التي قد يواجهها المراسل الاجنبي. أما منظمة Freedom House فتدرس البيئة السياسية والاقتصادية الأكثر عمومية لكل بلد لغرض تحديد وجود علاقات إتكالية تحد عند التطبيق من مستوى حرية الصحافة الموجودة نظرياً من عدمه. لذا فإن مفهوم استقلال الصحافة يرتبط إرتباطاً وثيقاً بمفهوم حرية الصحافة.

الصحافة كسلطة رابعة

يستخدم مفهوم الصحافة كسلطة رابعة لمقارنة الصحافة (وسائل الإعلام عموماً) بفروع مونتيسيكيو الثلاثة للحكومة وهي: التشريعية و التنفيذية والقضائية. وقد قال إدموند بروك بهذا الصدد: “ثلاث سلطات تجتمع هنا تحت سقف في البرلمان، ولكن هناك في قاعة المراسلين تجلس السلطة الرابعة وهي أهم منكم جميعاً”.
إن تطور الإعلام الغربي كان موازياً لتطور الليبرالية في أوروبا و الولايات المتحدة. وقد كتب فرد. س. سايبرت في مقالة بعنوان النظرية الليبرالية لحرية الصحافة: “لفهم المباديء التي تحكم الصحافة في ظل الحكوما الديمقراطية، ينبغي للمرء أن يفهم فلسفة الليبرالية الأساسية والتي تطورت طوال الفترة بين القرن السابع عشر و القرن التاسع عشر”.
لم تكن حرية التعبير حقاَ تمنحه الدولة بل حقاً يتمتع به الفرد وفق القانون الطبيعي. لذا كانت حرية الصحافة جزءاً لا يتجزء من الحقوق الفردية للإنسان التي تدعمها الآيديولوجيا الليبرالية . إن الفكرة الليبرالية للحرية تتمثل في الحرية السلبية أو بمعنى آخر على أنها الخلاص من الإضطهاد، حرية الفرد في التطور من دون معوقات. وتعتبر هذه الفكرة مضادة لبعض الفلسفات مثل الفلسفة الإشتراكية للصحافة.

الصحافة سلطة رابعة

لم يقف السعي، لتحقيق التنمية الديموقراطية، عند حدود تنظيم الثلاث سلطات التقليدية: التنفيذية، والتشريعية، والقضائية، بل أصبح يبحث عن سلطات جديدة، تتمثل في قوة وسائل الاتصال الجماهيري، من صحافة وإذاعة وغيرها، وفي هيئة الناخبين، ومدى تأثرهم بها، وتأثيرهم في السلطات التقليدية، وذلك؛ لأن الرأي العام اتجاه فكري يؤثر، ويتأثر بالظروف الطبيعية والبيئية والشخصية، وبالحالة الاقتصادية، والسياسية والثقافية، وبآراء الماضي وأحداث الحاضر وآمال المستقبل، كنتيجة حتمية للعلاقات، بين الناس، التي تقوم فيها وسائل الإعلام بدور فاعل في الاتصال بالجمهور المحلي الصغير، وبالجمهور العالمي الكبير، بغير حدود.

وهكذا فإن الصحافة كغيرها، من المؤسسات الإعلامية، في المجتمعات الديموقراطية، تؤدي مهامها، بين أفراد الشعب، من دون أن يحس أحد بالسلطة. والمؤسسات الإعلامية هي مؤسسات لها مهام، تتعلق تعلقاً شديداً، بالروابط الاجتماعية، وتحتل مرتبة عالية بين المؤسسات الأخرى، ذات الصلة بالمجتمع، ومهما كان شكل الحكومة، وطابعها؛ فإن الصحافة تربط بين مختلف المؤسسات الاجتماعية. وفي النظام الديموقراطي، تعد الصحافة كياناً قائماً يشارك الأحزاب، والجماعات، والحكومات ولها إطارها التشريعي والقانوني الخاص بها.