امتداد عقد الإيجار … مخالفة شرعية صارخة

كانت قوانين الإيجار في البلاد العربية تخضع للأحكام الشرعية وفق الشريعة الإسلامية حتى وقت قريب حين قامت الثورات والانقلابات والتغييرات السياسية العلمانية والشيوعية في بلادنا؛ فألغت ذلك واستبدلته بقوانين الإيجار الممتدة الظالمة.

وفي زمن الدولة العثمانية كانت هذه القوانين المستمدة من الشريعة تنشر بواسطة مجلة الأحكام العدلية، التي تمثل موسوعة الأحكام المنظمة للمعاملات، ومنها: عقود الإيجار وكانت هذه المجلة تجمع فيها الأحكام الشرعية الصادرة على وفق المذهب الحنفي الذي كان مذهب الدولة العثمانية الرسمي آنذاك.

ولكن القوانين المصرية في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، أثناء مناداته بالاشتراكية وتأثره بالشيوعية وتركيزه على قاعدة العمال والفلاحين التي هي أساس تكوين قاعدة شعبية، هذه القوانين حادت عن الشرع وحدود الله والدين وثبتت أجرة المساكن إلى الأبد، ومازالت حتى الآن وبعد أن أصبح العمال والفلاحون من الأعيان نجد أن الأجرة مثبتة لا تتحرك.

فإذا كانت هذه القوانين قد راعت القاعدة الشعبية من العمال والفلاحين، فإنها لم تراع صغار الملاك من الأطفال والأرامل والفقراء الذين قد يعتمدون في معيشتهم على ريع تلك الإيجارات وهم الفئة العريضة من الملاك، حتى أصبح إيجار الشقة الشهري الآن أقل من استهلاك الماء أو الكهرباء أو الغاز لذات الشقة في الشهر.
وبالمقارنة بنسبة الغلاء خلال الأربعين عاما الماضية، أصبح متوسط إيجار الشقة حاليًا لا يكفى شراء دجاجة واحدة؛ وبالرغم من أن كثيرًا المستأجرين أثروا ثراء فاحشًا وتغير حالهم وأصبحوا من كبار الموظفين أو أصحاب العقارات والعمارات، إلا أنهم يفضلون البقاء في شققهم المؤجرة له بمبالغ زهيدة، من أجل تأجير شققهم بعمائرهم السكنية بمئات وآلاف الجنيهات للشقة الواحدة.
إن تدخل المشرع في العلاقة الإيجارية بين ملاك ومستأجري العقارات السكنية أفسد هذه العلاقة‏؛‏ لأنه لم يحقق التوازن ولم يراع العدالة بين الطرفين‏,‏ ولهذا فإن إيجارات المساكن في حاجة إلي مراجعة تشريعية دقيقة للعودة بها إلي الوضع الطبيعي حفاظًا علي الاستقرار والسلام الاجتماعي‏.

كما أن الامتداد القانوني لقوانين إيجار الأماكن يشكل اعتداء على حق الملكية؛ فهو أفرغها من مضمونها بمنح المستأجرين حق الاستمرار في العين المستأجرة دون أي زيادة في القيمة الإيجارية؛ بل وورثها لأبنائهم المقيمين معهم بما أفرغ مضمون حق الملكية من فحواه، فالمفروض أن للمالك سلطة الاستغلال، والتي تمكنه من الحصول على مقابل لما يتنازل عنه للأغيار من ملكه، إلا أن هناك شقق مؤجرة بجنيهات قليلة وهو في الواقع تفوق بكثير إيجار شقق مجاورة تؤجر بآلاف الجنيهات؛ بل يشكل هذا الامتداد اعتداء من قبل المشرع على حق الملكية الخاصة.

ليس هذا فقط، بل خالف المشرع طبيعة حق الإيجار واعتباره من الحقوق الشخصية وليست الحقوق العينية، وولد حقوقا للمستأجر أقوى من حقوق المالك حتى أصبح الملاك عبيدًا تحت سوط المستأجرين، يخضعون للمبالغ التي يطلبونها حتى يتركوا ما يستأجرونه بجنيهات قليلة، حتى وصل الأمر لمشاركة المالك في ملكة بالحصول على نسبة من ثمن العين المباعة، والمستأجرة للمستأجر حتى يسلمها المالك للمالك الجديد خالية، ويبيع المستأجر شقته إيجارًا إلى الغير ويتفاوض مع المالك الذي لا حول له ولا قوة إلا مقاسمة المستأجر فيما يدفعه المستأجر الجديد، استغلالًا ونهبًا للحقوق وهدمًا للقواعد القانونية المألوفة.

إن الأصل في عقود الإيجار أنها مؤقتة، وحرية التعاقد قاعدة أساسية يقتضيها الدستور صونًا للحرية الشخصية، التي لا يقتصر ضمانها على تأمينها ضد صور العدوان على البدن، بل تمتد حمايتها إلى أشكال متعددة من إرادة الاختيار وسلطة التقرير التي ينبغي أن يملكها كل شخص، فلا يكون بها كائنًا يُحمل على ما لا يرضاه.

وأركان عقد الإيجار في الشريعة الإسلامية كما يلي:

– الركن الأول: العاقدان، ويعتبر فيهما العقل والبلوغ كسائر التصرفات.

– الركن الثاني: الصيغة، وهي أن يقول: أكريتك هذه الدار، أو أجرتها مدة كذا بكذا، فيقول: على الاتصال قبلت، أو استأجرت، أو اكتريت؛ ولو أضاف إلى المنفعة فقال: أجرتك أو أكريتك منافع هذه الدار.

– الركن الثالث: الأجرة، فالإجارة قسمان: واردة على العين كمن استأجر دابة بعينها ليركبها أو يحمل عليها، أو شخصًا بعينه لخياطة ثوب، أو بناء الحائط وواردة على الذمة، كمن أستأجر دابة موصوفة للركوب أو الحمل، أو قال: ألزمت ذمتك خياطة هذا الثوب، أو بناء الحائط، فقبل.

إن شريعة الله أباحت للإنسان حرية التملك واستثمار ما يملكه من عقار وأرض زراعية، إما بالبيع أو الإيجار وبالتراضي بين المالك والمستأجر، دون إجحاف أو ابتزاز أي طرف للطرف الآخر.

والشريعة الإسلامية لم تشترط أي تأبيد أو التزام للمالك تجاه المستأجر بتمديد العقد لمدة تزيد على ما ذكر في العقد وما اتفق عليه عملًا بالقاعدة الفقهية: العقد شريعة المتعاقدين، والناس ملزمين بما ألزموا به أنفسهم.