ـ أنـــــواع التعـــرض

استنادا لنص المادة 371 من القانون المدني الجزائري يفهم بأن هناك نوعين من التعرض، التعرض الشخصي والتعرض من الغير ونص المادة كالآتي:
“يضمن البائع عدم التعرض للمشتري في الانتفاع بالمبيع كله أو بعضه سواء كان التعرض من فعله أو من فعل الغير، يكون له وقت البيع حق على المبيع يعارض به المشتري ويكون البائع مطالبا بالضمان ولو كان حق ذلك الغير قد ثبت بعد البيع وقد آل إليه هذا الحق من البائع نفسه”.

أولا: ضمان التعرض الشخصي

من القواعد القانونية أن من يجب عليه الضمان يحرم عليه التعرض فيجب على البائع أن يمتنع عن كل عمل ينشأ منه تعرض مادي أو قانونـي لانتفاع المشترى بالمبيع كله أو بعضه.
أي أن البائع يلتزم بعدم منازعة المشتري في ملكية المبيع، وبعبارة أخرى لا يجوز له أن يتعرض للمشتري في الانتفاع بالمبيع سواء كان تعرضه قانونيا أو ماديا، ويكون التزامه سلبيا.

أ ـ أما التعرض القانوني: فهو أن يستعمل البائع حقا ادعاه على المبيع وكان ذلك يؤدي إلى نزع المبيع من يد المشتري، ومثاله أن يطلب البائع الذي لم يكن مالكا للمبيع وقت البيع استرداد المبيع من المشتري بحجة أنه كسب حق للملكية بعد البيع، ولكن لا يعتبر تعرضا تمسك البائع تجاه المشترى بحق يقره القانون لمصلحته كإقامته دعوى بطلان مطلق مؤسس على باعث من النظام العام أو دعوى بطلان نسبى مبناه حماية البائع، أو دعوى فسخ مبناها عدم قيام المشترى بتنفيذ التزاماته، وهذا ما قضت به محكمة النقض المصرية بأن ليس للبائع أن يدعي لنفسه سبب عدم تسجيل العقد وتراخي نقل الملكية ـ ملكية المبيع ـ .

ب ـ أما التعرض المادي: يكون بأي فعل مادي يعكر به البائع حيازة المشتري، دون أن يستند في القيام به إلى أي حق يدعيه على المبيع، وحتى ولو كان الفعل المكون لهذا النوع من التعرض ليس في ذاته خطأ و لا تتوافر فيه شروط الفعل الضار بل يعتبر فعلا جائزا للغير، أي أن الفعل المادي الذي يقوم به البائع يعتبر تعرضا شخصيا في حين أن غيره يستطيع القيام به، فإذا كان فعله إخلالا بالتزام ناشئ عن العقد فهي مسؤولية عقدية، أما إذا كان فعله إخلال بالواجب العام فالمسؤولية تكـون تقصيرية.
و التزام البائع بضمان أفعاله الشخصية التزام دائم، فليس للبائع، حتى بعد انقضاء 15 سنة أن يدعى تخلصه منه.

ـ شروط التعرض الشخصي:

يجب لقيام التعرض الشخصي أن يصدر من البائع عمل من شأنه أن يحول كليا أو جزئيا دون انتفاع المشتري بملكية المبيع.

فيجب إذن توافر شرطين:
1-أن ينشأ من فعل البائع نفسه إخلال بانتفاع المشترى.
2-أن يكون التعرض الذي وقع فعلا من شأنه أن يحول كليا أو جزئيا دون انتفاع المشتري بالمبيع، و يضاف عادة إلى
ذلك أن يكون العمل مما يتعارض مع التزامات البائع.
الشرط الأول وقوع التعرض فعلا: فمجرد احتمال وقوعه لا يكفـي لقيام الضمان، مثلا إذا هدد البائع المشتري بالتعرض له فلا يكفى هذا التهديد لقيام ضمان التعـرض ما دام البائع لم ينفذ تهديده، إذن يجب أن تقع فعلا الأعمال المؤدية إلى حرمان المشتري من الانتفاع بالعين المبيعة.

مثلا: إذا باع البائع العقار المبيع مرة ثانية، وبادر المشتري الثاني إلى التسجيل قبل المشتري الأول فانتقلت إليه الملكية دون المشتري الأول، لكن المشتري الثاني لم يتخذ أي إجراء لنزع العقار من يد المشتري الأول، فليس لهذا الأخير أن يحتج على البائع بضمان التعرض الناشئ من بيعه العقار مرة ثانية، وليس له أن يحتج عليه ويطلب إبطـال بيـع ملك الغير، لأن البيع الذي صدر من البائع إلى المشتري الثاني قد صدر من مالك ولكن له أن يرفع دعوى فسخ البيع لعدم قيام البائع بتنفيذ التزامه بنقل الملكية إليه.

فالقسم الأول من التعرض الشخصي يقوم على أعمال مادية محضة تقع من البائع، كأن يبيع شخص متجرا لآخر ثم يعمد إلى إنشاء متجر مجاور من نفس النوع، يجتذب إليه زبائن المحل المبيع بحكم تعودهم على التعامل مع البائع، فإن هذا العمل يعتبر منافسة غير مشروعة و إخلالا بالتزام البائع بعدم المنافسة، في حين أنه لو أن أجنبيا هو الذي أنشأ المتجر المجاور فإن منافسته تكون مشروعة ، ما دامت في حدود المنافسة المألوفة بين التجار.
(أما إذا قام البائع يعمل من أعمال العنف و التعدي على المشتري في حيازته للعين، فإنه يكون مسؤولا عنه كمسؤولية أي شخص أجنبي عن أعماله غير المشروعة وليس باعتباره بائعا ملزما بالضمان).

أما القسم الثاني من التعرض فيقوم على تصرفات قانونية، كأن يبيع البائع العقار مرة ثانية، ويبادر المشتري الثاني إلى التسجيل قبل المشتري الأول فتنتقل الملكية إليه دون الأول، فينتزع منه العقار، فهنا تعرض من جانب المشتري الثاني وهو تعرض صادر من الغير، وفي نفس الوقت تعرض شخصي صادر من البائع نفسه، لأن المشتري الثاني في تعرضه قد استمد حقه من البائع، ونفس الشيء بالنسبة لبيع المنقول، كأن يبيع البائع سيارة مرة ثانية وسلمها للمشتري الثاني، فتنتقل إليه الملكية بموجب الحيازة بحسن النية، فهنا تعرض صادر من كل من المشتري الثاني و البائع في وقت واحد للمشتري الأول.
هذا كله عن التعرض المادي الصادر من البائع سواء كان قائما على أعمال مادية محضة وقعت من البائع، أو كان قائما على تصرفات قانونية صادرة منه.

وقد قضت محكمة النقض المصرية بأن التزام البائع بعدم التعرض التزام مؤبد بمعنى أنه يتولد من عقد البيع باستمرار ويلتزم به البائع ولو بعد البيع بأكثر من 15 سنة، ولكن إذا حدث هذا التعرض من جانب البائع ووضع يده على المبيع وسكـت المشتري عن هذا التعرض بعد وقوعه ومضى على وضع يد البائع 15 سنة انقلب وضع اليد سببا مشروعا للتملك يحول دون ضمان البائع.

وإذا ما حصل تعرض من البائع كان للمشترى أن يطلب وقف التعرض و المطالبة بتعويض الضرر الحاصل فالضمان إما أن يكون تعويض، أو بالامتناع من تجديد بعض الأعمال المادية مع تهديده بغرامة مالية، أو عدم الاحتجاج على المشترى ببعض الأعمال القانونية التي باشرها البائع.
وضمان الفعل الشخصي لا يلتزم به البائع فحسب، بل يكون أيضا على الخلف العام للبائع وكل من التزموا معه فورثه البائع ملزمون مثله بالضمان، ولا يجوز لهم إقامة دعوى الاستحقاق على المشتري إذا كان البائع قد باع من غير حق شيئا مملوكا لهم، كذلك يقع الضمان على كفيل البائع و ورثته.
و إذا تعدد الملتزمون بالضمان فالرأي أن التزام البائع يعتبر غير قابل للانقسام فيما يختص بالضمان عن الفعل الشخصي، فمحل الالتزام هو ضمان الحيازة الهادئة للمشتري، و الحيازة الهادئة لا تقبل الانقسام حتى لو كان الشيء قابلا للتجزئة.