الدفعات المستعجلة في قانون التأمين الفلسطيني والأنظمة والأوامر العسكرية الإسرائيلية

“دراسة مقارنة”

 

 

إعداد المحامي حسام حطاب_ النشر عبر الفيس بوك

لما كانت حماية المصاب في حوادث السير إحدى أهداف التشريعات التأمينية فان اغلب هذه التشريعات تنظم نصوصها موضوع الدفعات المستعجلة التي تدفع للمصاب ليستعين بها في سد متطلبات معيشته ومتطلبات معيشة الأشخاص الذين يعيلهم , وذلك لحين الفصل رفي الدعوى الأصلية التي يكون موضوعها المطالبة بالتعويضات الناتجة عن حادث السير والتي قد تدور في المحاكم لسنوات .

قراءة في تنظيم قانون التأمين الفلسطيني لموضوع الدفعات المستعجلة والمقارنة مع الأنظمة و الأوامر العسكرية الإسرائيلية :

ينظم قانون التأمين الفلسطيني رقم 20 لسنة 2005 موضوع الدفعات المستعجلة في عشر مواد , هي المواد (160-169)
فتوجب المادة 160 من القانون على المسؤول عن التعويض بموجب احكامه أن يدفع للمصاب دفعة مستعجلة خلال 30 يوم من التاريخ الذي يخطر به من قبل المصاب وهذه من الايجابيات التي جاء بها قانون التأمين الفلسطيني حيث كانت المدة في الأمر العسكري الإسرائيلي رقم 677 لسنة 1976 والذي كان مطبقا على الضفة الغربية قبل صدور القانون الفلسطيني 60 يوما من تاريخ مطالبة المسؤول عن التعويض , أي أن المشرع الفلسطيني خفض المدة إلى النصف .
بيد أن القانون الفلسطيني وان تفوق على الأمر العسكري677في مدة المطالبة , وكان تفوقه هذا لمصلحة المصاب الذي جاء القانون ليحميه ,إلا انه اغفل الحالة التي يخالف فيها المسؤول عن التعويض هذا الالزام المفروض عليه في نفس المادة وهو اداء الدفعات المستعجلة بينما كان الأمر العسكري ينص في الفقرة ج من المادة الخامسة على فرض غرامة تأخير على المسؤول عن التعويض في حال تخلفه عن اداء هذه الدفعات بمقدار 44% سنويا ,إلا إذا رأت المحكمة أن ثمة ظروف تبرر مقدارا أقل .
وتحدد الفقرتان الأولى والثانية من المادة 160 من قانون التأمين الفلسطيني ماهية المبالغ التي تشملها هذه الدفعات وهي عبارة عن النفقات الضرورية التي انفقها المصاب على علاجه بسب الحادث بما فيها نفقات مكوثه بالمستشفى والنفقات التي يتحتم انفاقها على علاجه وتمريضه بسب الحادث , ودفعات شهرية تكفي لسد متطلبات معيشته ومعيشة الأفراد الذين يعيلهم بالإضافة إلى متطلبات العلاج والتمريض التي يستوجب انفاقها عليه بسب الحادث
والأمر نفسه ينطبق على الأمر العسكري 677 حيث انه يحدد هذه النفقات في الفقرة (أ) من المادة الخامسة منه .
وتنص الفقرة الثالثة من المادة 160 تأمين فلسطيني على وجوب مراعاة دخل المصاب خلال الثلاثة أشهر التي سبقت الحادث على أن لا يؤخذ في الاعتبار الدخل الذي يزيد على مثلي معدل الأجور في الحقل الاقتصادي الذي ينتمي إليه المصاب وفقا لاخر نشرة يصدرها الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني
ولا شيء من هذا القبيل في الأمر العسكري الإسرائيلي677,لكن المادة السادسة من نظام تعويض مصابي حوادث الطرق (أصول المحاكمات الموجزة للدفع المستعجل) الضفة الغربية 5736 لسنة 1976 وان كانت لا تضع محددات للمحكمة إلا أنها تنص على وجوب مراعاة المبالغ المعفاة من الحجز بموجب قانون العمل رقم 2 لسنة 1960 .

تجيز المادة 161 من قانون التأمين الفلسطيني للمصاب في حال عدم التزام المسؤول عن التعويض بأداء الدفعات الشهرية بعد انتهاء مدة الثلاثين يوم , تقديم طلب الدفع المستعجل لقاضي الأمور المستعجلة أو المحكمة المختصة .
ويجيز الأمر العسكري 677 إقامة الدعوى بصورة مستقلة عن بقية التعويض وفقا لإجراءات موجزة يقررها قائد المنطقة لهذا الغرض , و ينص النظام 5736 على أن دعوى الأمور المستعجلة تسري عليها أحكام قانون أصول المحاكمات الحقوقية بالقدر الذي لا يتعارض فيه مع هذا النظام , والأمر نفسه نص عليه المشرع الفلسطيني إذ يسحب بموجب المادة 163 قواعد التبليغ المنصوص عليها قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية لتسري على نظر الطلب وهي المواد من (7- 22)
المادة 162 من قانون التأمين الفلسطيني تنص على أن القاضي يعين جلسة لنظر الطلب خلال أسبوع من تاريخ تقديمه لكن المادة توجب على القاضي مراعاة إعطاء المستدعي ضدهم مدة 15 يوم لتقديم لائحة جوابية من تاريخ تبلغهم لائحة الطلب وما يفهم من النص أن قاضي الأمور المستعجلة ليس له الخيار بأن يصدر قرارا في الجلسة ,وقبل تبليغ المستدعى ضده , ويكون قانون التأمين قد خرج عن النهج المتبع في قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية رقم 2لسنة 2001 ,حيث أن هذا القانون الأخير ينص في المادة 104 على حرية القاضي في أن ينظر الطلب بحضور المستدعي أو أن يقرر تعيين جلسة خلال مدة لا تتجاوز اسبوع لنظر الطلب وتبليغ المستدعى ضده بالحضور , ومن النافلة القول هنا أن النص الخاص يقيد النص العام إذا يسبق تطبيق قانون التأمين على تطبيق قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية فيسري على الدفعات المستعجلة نص المادة 162 ولا ينظر الطلب إلا بعد تبليغ المستدعى ضده ( على أساس أن القانونان مختلفان ,حسب فهمي لهذه المادة) .وسيتبين وجود ما يتناقض مع هذا النص .

توجب المادة 164 على المستدعي أن يحضر أمام قاضي الأمور المستعجلة ليتم مناقشة استدعائه , كما توجب الفقرة الثانية من نفس المادة على القاضي أن يستمع لبينة أولية حول المسؤولية عن التعويض ,حيث يستطيع القاضي من خلال الاستماع لهذه البينة الأولية تقدير ما إذا وجد احتمال أن الجهة المستدعى ضدها هي المسؤولة عن التعويض أم أن الاستدعاء كيدي أو عبثي .
وتناقض الفقرة الثالثة من المادة 164 نص المادة 162 حيث تعطي للقاضي أن يصدر قرار الدفعات المستعجلة بوجود المستدعي فقط ودون دعوة المستدعى ضده للمناقشة أو تقديم لائحة جوابية ويكون المشرع بذلك قد ناقض نفسه عندما ألزم القاضي في المادة 162 إعطاء المستدعى ضده مدة 15 يوم لتقديم اللائحة الجوابية

ويحدد قاض الأمور المستعجلة إذا وافق على طلب المستدعي مدة معينة يقدم خلالها الاخير لائحة دعواه الأصلية أمام المحكمة صاحبة الاختصاص و اذا لم يفعل يوفق صرف الدفعات الشهرية كما يوقف الصرف أيضا في حال اودعت لائحة الدعوى ثم شطبت لاي سبب .

وتضع المادة 165 سقفا أعلى لمجموع الدفعات الشهرية تحدده باثنتي عشر دفعه , وهذا نص جائر حيث أنه ضرب عرض الحائط بحق المصاب بأن يدفع له المسؤول عن تعويضه طالما لزم الأمر قبل الفصل بالدعوى , فالدعوى الأصلية قد تحتاج لسنوات طويلة قبل الفصل فيها , ومعنى أن يضع المشرع سقف أعلى للدفعات المستعجلة مقداره اثنتي عشر دفعه انه جعل مدة الدفع المستعجل سنة واحدة فقط , وفي هذا ظلم كبير للمصاب

وبعد أن يصدر قرار يحدد قيمة الدفعة الشهرية لا يجوز تقديم طلب لتعديله قبل مرور ست شهور على صدور القرار وان يكون ثمة ظروف تغير الظروف بيحث يصبح ما يبرر إصدار قرار جديد , وهذا الطلب بالتعديل يقدم إلى نفس القاضي مصدر القرار الأول أو إلى المحكمة المختصة .
ويعطى الخصوم مدة 7 أيام لاستئناف القرار الصادر بالدفعات المستعجلة ويكون حكم محكمة الاستئناف نهائيا غير قابل للطعن , وهذه المدة القصيرة التي نص عليها المشرع , والنص على عدم قابيلة قرار محكمة الاستئناف للطعن كان من اجل إضفاء المزيد من الحماية على المصاب كي لا يتعسف المسؤول عن تعويضه بحقه في اللجوء للاستئناف خلال مدة طويلة , واللجوء للطعن بقرار الاستئناف فيكون المشرع قد قطع الطريق عليه لكي يحول بينه وبين كسبه للعبة الوقت فما يهم المشرع في المقام الأول المصاب الذي يكون بأمس الحاجة لهذه الدفعات .
وهذه الدفعات المستعجلة تخصم نهاية المطاف من إجمالي التعويض الذي يحصل عليه المصاب إذا ثبتت مسؤولية الجهة التي تدفعها
وفي حال زادت قيمة الدفعات المستعجلة عن إجمالي التعويض فان لدافعها الرجوع على المصاب بمقدار هذه الزيادة
واذا ردت دعوى المصاب الأصلية بحكم نهائي فان لدافع الدفعات المستعجلة الرجوع على المصاب أو المسؤول عن الضرر أو الصندوق بجميع المبالغ التي دفعها .

المحامي حسام حطاب