الدعائم الاساسية التي يقوم عليها القضاء المستعجل في التشريع المغربي

سنتناول تحت هذا العنوان بيان الدعائم الاساسية التي يقوم عليها القضاء المستعجل، والتي تميزه عن القضاء العادي، وهي ما يعبر عنها عادة ( بالقواعد الموضوعية ) التي تتمثل في عنصري الاستعجال، وعدم المساس باصل الحق، ثم تقوم بتحديد المجال الذي يتحرك فيه قاضي الامور المستعجلة، أي معرفة نطاقه بسرد بعض الحالات المهمة التي يعالجها، وبعد ذلك ناتي على مؤسسة قاضي التنفيذ التي تعرفها بعض الانظمة التشريعية دون البعض الاخر مما لهذه المؤسسة من اهمية قصوى ولما تهدف اليه من اهداف جديرة بالاعتبار .

1- القواعد الموضوعية للقضاء المستعجل :
ان اختصاص قاضي المستعجلات منوط بتوافر شرطين اساسيين، اولهما ضرورة توافر عنصر الاستعجال في المنازعة، وثانيهما ان يكون المطلوب هو البت في الاجراءات الوقتية، وعدم المساس بالجوهر، ويضاف الى هذين العنصرين – بالنسبة لاختصاص الرئيس الاول لمحكمة الاستئناف، في التشريع المغربي، كقاضي الامور المستعجلة – ان يكون النزاع معروضا على محكمة الاستئناف ( الفصل 149 م. م الفقرة الثالثة منه ).

والى جانب هذه الشروط هناك قيد يرد على اختصاص القضاء المستعجل، ويتمثل في ان هذا القضاء باعتباره جزءا من القضاء المدني فهو يخضع للاوضاع التي تحدد اختصاص هذا القضاء، فيخرج من اختصاصه ما يخرج من ولاية القضاء المدني (10 ).

وسأتعرض في الفقرات الاتية باختصار شديد لهذه العناصر .

لم يضع المشرع المغربي في المسطرتين معا – القديمة والحالية – تعريفا او ضابطا لعنصر الاستعجال، لان ذلك ليس من عمل المشرع، فتركه للفقه والقضاء، فهكذا تحرك الفقه جادا لوضع تعريف دقيق ” للاستعجال” فوقع الاتفاق بين الفقه على ان الاستعجال هو الخطر الحقيقي المحدق بالحق المراد المحافظة عليه باتخاذ اجراءات سريعة لا تحتمل الانتظار، ولا يمكن ان تتحقق عن طريق القضاء العادي ولو بتقصير الميعاد (11 ).
وتدور كل تعريفات الفقهاء حول فكرة واحدة هي وجود خطر من التاخير في حماية الطالب، ويتحقق في حالة تعرضه لضرر نهائي لا يمكن ازالته اذا تاخرت اجابة طلبه على النحو الذي تستلزمه الاجراءات العادية للقضاء الموضوعي (12 ).

وينشا عنصر الاستعجال من طبيعة الحق المطلوب صيانته وفي الظروف المحيطة به، لا من صنع الخصوم، فهو لا يترك لمشيئتهم او اتفاقهم، ولم يحدد المشرع المغربي في الفصل 149 م. م الحالات التي يتوفر فيها الاستعجال بل ترك ذلك لتقدير القاضي يصل اليه عن طريق ظروف وقائع الدعوى الواردة في المقال الافتتاحي، ويستشفه من مناقشة الطرفين بالجلسة ويستنبطه من عناصر الملف، فلا يمكن ان يكون الاستعجال من مجرد رغبة احد الطرفين في الحصول على حكم في الدعوى باسرع ما يمكن (13 ).

ويختلف الاستعجال عن نظر الدعوى على وجه السرعة، في ضرورة توافر الخطر الداهم (14) في الاول دون الثاني، حيث يكتفي بتقصير مواعيد التقاضي امام القضاء العادي (15 ) ، اذ السرعة مفترضة في جميع الدعاوي كما يستدل ذلك من المقتضيات المتفرقة (16) الواردة في قانون المسطرة المدنية، وبصفة خاصة الفصل 46 م. م الذي ينص على : ” يفصل في القضية فورا، او تؤجل الى جلسة مقبلة يمكن تعيين تاريخها حالا …”.

كما يختلف الطلب المستعجل عن الطلب الوقتي بالرغم من ان المشرع المغربي قد ربط بينهما في الفصل 152 م. م (17 ) ، فالاجراء قد يكون وقتيا ولكنه غير مستعجل، فيخرج ذلك الاجراء من اختصاص قاضي المستعجلات وكمثال على ذلك ان يتعلق الامر باجراء وقتي يتطلب البحث في الموضوع فدائرة الاجراءات الوقتية اوسع مجالا من دائرة الاجراءات المستعجلة، اما الاجراء الاستعجالي فيجب ان يكون دائما إجراءا وقتيا لان طبيعة القضاء المستعجل انه لا يبت الا في المسائل الوقتية (18) ويعتبر الطلب وقتيا متى كان المطلوب من القاضي اصدار حكم وقتي وليس حكما في الموضوع والحكم الوقتي هو الذي يامر باتخاذ اجراء وقتي لحماية الحق دون ان يؤكده، وقد عبر عنه المشرع المغربي في الفصل 152 م م بانه لا يبت قاضي الامور المستعجلة الا في الاجراءات الوقتية ولا يمس ما يمكن ان يقضي به في الجوهر .

من خصائص عنصر الاستعجال انه ظرف اني أي ان صفة الاستعجال يجب ان ينظر اليها وقت الحكم في النزاع كان يكون عنصر الاستعجال غير ملازم لاقامة الدعوى ثم تظهر وقائع جديدة اثناء نظر الدعوى يستلهم فيها القاضي توافر الخطر المحدق المطلوب حمايته فان من واجب القاضي الحكم فيها(19 ) ، أما اذا زالت صفة الاستعجال وتبددت مواطن الخطر اثناء نظر الدعوى وجب النطق بعدم الاختصاص .