جريمة الرشوة و أحكامها في القانون العراقي

المحامية : منال داود العكيدي

يعرف فقهاء القانون الجنائي الرشوة على انها : ( اتجار موظف في اعمال وظيفته عن طريق الاتفاق مع صاحب الحاجة او التفاهم معه على قبول ما عرضه الاخير من فائدة او عطية نظير اداء او الامتناع عن اداء عمل يدخل في نطاق وظيفته او دائرة اختصاصه ) . واستنادا لذلك يذهب الفقه الجنائي الى ان الرشوة هي جريمة خاصة بالوظيفة العامة حيث يقوم بها الموظف نظرا لتمتعه بسلطات عامة هي سلطات الوظيفة التي تتيح له قدرة الاتجار فيها .

و تذهب غالبية التشريعات الجنائية الحديثة فيما يتعلق بجريمة الرشوة الى ان هناك جريمتين الاولى يسال عنها الموظف المرتشي الذي قبل الوعد او طلب الرشوة وهناك جريمة اخرى يقوم بها الراشي او الرشوة الايجابية كما يطلق عليها في القانون الجنائي والرشوة السلبية وهي جريمة المرتشي ( الموظف ) و يسلك هذا الاتجاه المشرع الجنائي الفرنسي والالماني والمغربي ، اما الاتجاه الثاني فيرى ان جريمة الرشوة واحدة لا تتجزأ حيث يعد ان المرتشي ( الموظف ) فاعل اصلي اما الراشي فهو شريك في جريمة الرشوة وقد سلك هذا الاتجاه كل من المشرع المصري و السوري و العراقي.

و تتكون جريمة الرشوة من ركن مادي و هو : ( فعل مادي قوامه ان يطلب الموظف او من في حكمه هدية او يقبل وعدا بها سواء لنفسه ام لغيره نظير ان يقوم بعمل او ان يمتنع عن عمل يدخل في اختصاصه ) .

اذن فالركن المادي يتكون من : القبول او الطلب يقابله العمل او الامتناع الذي يدخل في الاختصاص الفعلي للموظف اما الركن المعنوي و هو : القصد الجنائي فهو من الاركان الثابتة في كل جريمة حيث ان كل جريمة تتكون من الركن المادي وهو النشاط الى جانب الركن المعنوي وهو القصد الا ان هناك ركنا ثالثا لا بد من توفره في جريمة الرشوة وهو ان يكون المرتشي موظفا عاما وهو ركن مختلف عليه من قبل فقهاء القانون الجنائي فقد ذهب اتجاه الى اعتباره ركنا مستقلا و بذلك يصبح لجريمة الرشوة ثلاثة اركان وهناك اخرين لا يعتبرونه ركنا مستقلا بذاته انما هو صفة تدخل ضمن الركن المادي لجريمة الرشوة و لكن هذا الاختلاف لا تاثير له طالما ان الاتجاهين متفقان على وجوب توافر صفة الموظف العام او من في حكمه ، على ان صفة الموظف العام لا تكفي وحدها لتحقق الركن الخاص في جريمة الرشوة انما ينبغي ان يكون العمل الذي سيقوم به الموظف لقاء الوعد او الهدية داخلا ضمن اختصاصه الوظيفي لان جريمة الرشوة تسند اساسا على فكرة ( الاتجار باعمال الوظيفة و تفترض ان يكون الفاعل موظفا او مكلفا بخدمة عامة ) وهي بهذا المعنى تدخل في طائفة ” جرائم ذوي الصفة ” كما انه الى جانب ذلك ينبغي ان يكون العمل المطلوب القيام به او الامتناع عنه يدخل في اختصاص الموظف او المكلف بخدمة عامة ويقصد به : ( جميع الاعمال الداخلة في نطاق الاختصاص القانوني للوظيفة التي يكون الموظف مكلفاً بها بصورة مباشرة او ان يكون الموظف على علاقة بها ) .

و يذهب المشرع العراقي الى انه لا يشترط في جريمة الرشوة ان يكون العمل المطلوب اداؤه او الامتناع عنه داخلا في اختصاص الوظيفة التي يتقلدها الموظف بل يكفي ان يدعي الموظف او ان يعتقد خطأً بان العمل من اختصاصه و هو في هذه الحالة يجمع في سلوكه الغش و الرشوة و ليس شرطا ان يرتبط ادعاء الموظف بدخول العمل او الامتناع ضمن اختصاصه الوظيفي بطرق احتيالية و لكن المهم هو ادعاءه المجرد و لا يلزم كذلك ان يفصح الموظف صراحة عن ذلك بل يكفي ان يبدي استعداده للقيام بالعمل الذي لا يدخل ضمن اختصاصه فهذا يتضمن الادعاء بالاختصاص .

وقد نص قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 وتعديلاته في المواد من ( 307 الى 314 ) على احكام جريمة الرشوة حيث تناول تعريف الرشوة في المادة 307 ثم بين العقوبات التي تفرض على كل موظف او مكلف بخدمة عامة قام بتعاطي الرشوة وهي غالبا عقوبات سالبة للحرية ( السجن المؤقت ) و التي تتراوح مدته بين العشر سنوات او الحبس و الغرامة على ان لاتقل الغرامة عن ما اخذ او طلب او اعطى ، واكد في المادة ( 308 ) على معاقبة الراشي و المرتشي و الوسيط بذات العقوبة ، اما في المادة ( 311 ) من قانون العقوبات العراقي فقد نص على ( يعفى الراشي والوسيط من العقوبة اذا بادر بابلاغ السلطات القضائية او الادارية بالجريمة او الاعتراف بها قبل اتصال المحكمة بالدعوى. ويعد عذراً مخففاً اذا وقع الابلاغ او الاعتراف بعد اتصال المحكمة بالدعوى وقبل انتهاء المحاكمة فيها).

كما ان المادة ( 314 ) من قانون العقوبات نصت على مصادرة العطية التي قبلها الموظف او التي عرضت عليه وذلك بقولها : ( يحكم فضلاً عن العقوبات المبينة في مواد هذا الفصل بمصادرة العطية التي قبلها الموظف او المكلف بخدمة عامة او التي عرضت عليه).