وجهة نظر قانونية في مكافحة الارهاب العراقي

ضياء التميمي

أثار قانون مكافحة الإرهاب رقم 13 لسنة 2005 ومنذ دخوله حيز التنفيذ في التاسع من تشرين الثاني سنة 2005 العديد من الاستفهامات وردود الأفعال بين مؤيد ومعارض ، ففي تلك الفترة كانت الحكومة العراقية بحلتها الجديدة لا تزال تحبو والأجهزة الأمنية كانت معطلة وغير فعالة وان زمام الأمور مرتبطة بقوات التحالف فكانت الحدود مفتوحة لكل من هب ودب مما أدى إلى ارتفاع وتيرة الأعمال الإجرامية بكافة أشكالها . لذا ارتأت الحكومة وقتها ان القوانين السارية لا يمكنها مجاراة هذا الواقع لذا كان لا بد من إصدار قانون جديد أشبه بقانون طوارئ يتلائم مع متطلبات المرحلة فتم الاتفاق على إصدار هذا القانون تماشياً مع نص الفقرة ثانياً من المادة السابعة من الدستور الذي يشير إلى التزام الدولة بمحاربة الإرهاب بكافة أشكاله و لا يزال هذا القانون ساري المفعول إلى يومنا هذا.

ومع المطالبات الجماهيرية الكثيرة بإلغاء هذا القانون وتحديداً المادة الرابعة منه لأن الكثير من الناس بل حتى شخصيات مهمة يجهلون بأنه قانون متكامل يتكون من عدة مواد ومصادق عليه من قبل رئيس الجمهورية ، ومع كل الخلافات السياسية والشعبية بهذا الشأن لا بد من الإشارة إلى عدة أمور من وجهة نظر شخصية اولاً وقانونية ثانياً فلو راجعنا النصوص العقابية الواردة في قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل لوجدنا ان قانون مكافحة الإرهاب لا داعي لوجوده خصوصاً في المرحلة الراهنة التي عادت فيها الأجهزة التشريعية والتنفيذية والقضائية لممارسة دورها الطبيعي دون أي ضغوط أو مخاوف وحسبما خولها الدستور ، وبالإمكان عمل مقارنة بسيطة بين ما ورد في مواد القانونين المشار إليهما أعلاه لبيان أسباب هذا الرأي .

في البدء لا بد من تعريف مصطلح الإرهاب و كما ورد في المادة الأولى من قانون مكافحة الإرهاب فهو ” كل فعل إجرامي يقوم به فرد أو جماعة منظمة استهدف فردا أو مجموعة أفراد أو جماعات أو مؤسسات رسمية أو غير رسمية أوقع الاضرار بالممتلكات العامة أو الخاصة بغية الإخلال بالوضع الأمني أو الاستقرار والوحدة الوطنية أو إدخال الرعب أو الخوف والفزع بين الناس أو إثارة الفوضى تحقيقا لغايات إرهابية ” في حين وردت في قانون العقوبات تعابير أكثر دقة حيث قسمت المادة (20) ق.ع الجرائم من حيث طبيعتها إلى جرائم عادية وجرائم سياسية ثم فصلت المادة (21/)أ ق.ع أنواع الجرائم وكان من إحدى هذه الأنواع “الجرائم الإرهابية” التي وردت في الفقرة (5) من هذه المادة ، ومن الجدير بالذكر ان مصطلح الإرهاب قد ورد في ثلاث مناسبات أخرى في قانون العقوبات في المواد (200/2) و(365) و(366) .

فيما اعتبرت المادة الثانية من قانون مكافحة الإرهاب بعض الأفعال بعداد الأعمال الإرهابية كالعنف والتهديد وإلقاء الرعب بين الناس وتعريض الممتلكات العامة والخاصة وتعريض الممتلكات العامة والخاصة للخطر وكذلك الاعتداء بالأسلحة والمتفجرات بكافة أنواعها على دوائر الجيش والشرطة والدوائر الرسمية ومقرات البعثات الدبلوماسية وأي عمل من شأنه تهديد الأمن والوحدة الوطنية . واغلب هذه الأفعال ورد ذكرها في قانون العقوبات في المواد (190-196) ووضعت على فاعلها عقوبة الإعدام أو السجن المؤبد ، كما وتم تجريم هذه الأفعال في المواد (224) و(414) و(521) ق.ع ووقع لها العقاب المناسب المتلائم وكل حالة .

واعتبرت المادة الثالثة من قانون مكافحة الإرهاب بعض الأعمال من الجرائم التي تهدد امن الدولة وسبق للمشرع العراقي ان وضع هذه الأفعال ضمن باب الجرائم الماسة بأمن الدولة في المواد (9) و(21) ق.ع كما تم وضع العقوبات لهذه الجرائم في المواد (156-170) من القانون ذاته .

ثم نأتي على تفاصيل المادة الرابعة من قانون مكافحة الإرهاب حديث الساعة والشغل الشاغل لوسائل الإعلام بكافة توجهاتها فهذه المادة تتكون من فقرتين تفرض الأولى عقوبة الإعدام لكل من ارتكب الأعمال الإرهابية التي تم شرحها مسبقاً أي كانت صفة المجرم أصيل أو شريك ، وفرضت الفقرة الثانية عقوبة السجن المؤبد على كل من آوى فعل أو شخص إرهابي .

فلو تمعنا في جوانب الجريمة بركنيها المادي والمعنوي نجد ان هناك تطابق تام في هذه الأركان لما ورد في القانونين فالركن المعنوي والمتمثل بعلم الجاني بخطورة وجسامه ما يفعله وكيف ستؤول الأمور عند اكتشاف أمر جريمته وإلقاء القبض عليه وكذلك انعقاد إرادته على القيام بهذا العمل في زمان ومكان معينين ، وايضاً الركن المادي الذي يتكون من السبب الذي يقف وراء القيام بالعمل الجرمي والاهم من كل ذلك نتيجة هذا العمل الذي يؤدي بالنهاية إلى موت إنسان أو أكثر وتخريب في الممتلكات العامة والخاصة ، وعليه فأن عقوبة الإعدام هي ذاتها التي وردت في المادة (406) من قانون العقوبات والتي حددت (12) فعل في باب القتل العمد هي أكثر دقة وتفصيل مما ورد في المادة (4 إرهاب) ، حيث جاء في المادة (406/أ) ق.ع ” يعاقب بالإعدام من قتل نفساً عمداً في الحالات الآتية : القتل مع سبق الإصرار أو الترصد ، القتل باستعمال مواد سامة أو مفرقعة أو متفجرة ، القتل بدافع دنيء أو لقاء اجر ، القتل باستعمال طرق وحشية ، قتل موظف أو مكلف بخدمة عامة أثناء الواجب أو بسببه ، قتل أكثر من شخص و اقتران القتل بجريمة أو جرائم أخرى ” وغيرها من الحالات التي تؤدي إلى إزهاق الأرواح البريئة ، فأيهما وضع تفصيل أكثر للجرائم هل قانون مكافحة الإرهاب ام قانون العقوبات؟

ومن الجدير بالذكر ان إقليم كردستان وبموجب القرار رقم (21) لسنة 2003 الغى التعامل مع بعض المواد العقابية الواردة في قانون العقوبات العراقي خصوصاً تلك التي تحكم على المدانين بالإعدام فخففتها إلى السجن المؤبد أو المؤقت . ويكمن الفارق فقط في المادة (4/2) إرهاب التي تحكم بالسجن المؤبد على إيواء المجرمين بينما تكون العقوبة السجن سبع سنوات في قانون العقوبات وفق المادة (273) .

اما بخصوص الاعذار المخففة للعقوبة والتي وردت في المادة الخامسة من قانون مكافحة الإرهاب فأنها وردت ايضاً في قانون العقوبات في المواد (128-132) وبتفاصيل أكثر دقة . واخيراً ما ورد في المادة السادسة من أحكام ختامية في قانون مكافحة الإرهاب وبالأخص ما ورد في الفقرة (2) التي تتحدث عن مصادرة الأموال والمواد المضبوطة والمبرزات الجرمية فأن لها ما يماثلها في قانون العقوبات وتحديداً المادة (101) منه .

قد نصطدم بقاعدة تقول ان الخاص يقيد العام وان قانون مكافحة الإرهاب هو حالة خاصة تقيد بدورها الحالة العامة وهي قانون العقوبات ، إلا إنني أقول كيف بالإمكان ان يقيد قانون يتكون من ستة مواد فقط واغفل عن توضيح بعض الحالات وتركها مفتوحة للاجتهادات ان يحل محل قانون عريق ذكر وبأدق التفاصيل كل حالات الإرهاب من خلال أكثر من أربعين مادة ؟ ولماذا كل هذه المخاوف من إلغائه ؟ بل على العكس تماماً أدعو الأجهزة التشريعية إلى وضع برنامج للتقليل من القوانين الخاصة كقانون مكافحة الإرهاب وقانون الأسلحة وغيرها والعمل على تطوير القوانين العامة بإضافة مواد جديدة أو تعديل مواد أخرى بناءاً على متطلبات المرحلة الراهنة وتماشياً مع التطور الحاصل في كافة المجالات ، لأن الدولة التي تحكمها القوانين الخاصة لا يمكنها السير في ركب التطور والازدهار مهما طالت بها الأزمان