هيئة حقوق الإنسان والمشاركة في صناعة التشريعات

د. عبد العزيز الغدير

في رسالة هيئة حقوق الإنسان الأخيرة قرأت كلاما جميلا مفاده أن “”حق الإنسان في الحياة الكريمة هو جوهر وجود هيئة حقوق الإنسان””، وهو كلام يقول إن مهمة الهيئة الرئيسة لا تتعلق بمعالجة حالات ضياع حقوق الإنسان للبعض ـــ وإن كان ذلك مهما ــــ بل تتعلق بتحقيق حق الإنسان في بلادنا بالحياة الكريمة دون معاناة ودون الحاجة إلى الشكوى ومتابعتها حثيثا للحصول على حقوقه التي أقرها ديننا الإسلامي قبل أن تقرها وثيقة حقوق الإنسان الدولية، وبالتالي فإن عمل الهيئة يعتني بالأغلبية لتهنأ بالحياة الكريمة كأمر رئيس ثم يعتني بالحالات الجماعية أو الفردية التي تعاني من ضياع حقوقها الإنسانية.

وهذا المفهوم يدل بصورة أو بأخرى على أن مهام هيئة حقوق الإنسان الرئيسة هي مهام وقائية في الدرجة الأولى لحماية حقوق الإنسان وحماية صورة بلادنا الإنسانية، وهو ما يتضح جليا في تنظيم الهيئة الذي ينص على “”أن هدف الهيئة حماية حقوق الإنسان وتعزيزها وفقا لمعايير حقوق الإنسان الدولية في جميع المجالات ، ونشر الوعي بها والإسهام في ضمان تطبيق ذلك في ضوء أحكام الشريعة الإسلامية؛ والهيئة هي الجهة الحكومية المستقلة المختصة بإبداء الرأي والمشورة فيما يتعلق بمسائل حقوق الإنسان””.

ويتضح أيضا من خلال أغراضها التي نص عليها نظامها ومنها التأكد من تنفيذ الجهات الحكومية المعنية للأنظمة واللوائح السارية فيما يتعلق بحقوق الإنسان، والكشف عن التجاوزات المخالفة للأنظمة المعمول بها في المملكة والتي تشكل انتهاكاً لحقوق الإنسان، واتخاذ الإجراءات النظامية اللازمة في هذا الشأن، وإبداء الرأي في مشروعات الأنظمة المتعلقة بحقوق الإنسان، ومراجعة الأنظمة القائمة واقتراح تعديلها وفقاً للإجراءات النظامية، ومتابعة الجهات الحكومية لتطبيق ما يخصها من الصكوك الدولية لحقوق الإنسان التي انضمت إليها المملكة، والتأكد من اتخاذ تلك الجهات الإجراءات اللازمة لتنفيذها.

ولو أمعنا النظر في هدف الهيئة وأغراضها في إطار الفهم العام القائل بأن كل نظام أو إجراء يتعلق بحق من حقوق الإنسان في مجال ما بصورة أو بأخرى لأدركنا حجم المسؤولية الملقاة على عاتقها خصوصا من الجهة القانونية، حيث عليها أن تراجع جميع الأنظمة واللوائح والإجراءات في القطاعات والمجالات كافة، وتتأكد أولا أنها تتواءم مع وثيقة حقوق الإنسان كمرجعية دولية، ومن ثم تتأكد من تطبيق هذه الأنظمة واللوائح والإجراءات دون تغول على حقوق الإنسان بأي صورة من الصورة ومن أي جهة من الجهات، ودون أدنى شك فإن هذا الأمر يتطلب تخطيطا سليما وتنظيما متميزا يقوم على الشراكات الحقيقية مع الجهات ذات الصلة في إطار العمل المشترك لتحقيق أهداف الدولة ـــ رعاها الله ــــ في حفظ حقوق الإنسان التي أقرتها الشريعة الإسلامية قبل الشرائع الأرضية، كما يتطلب تعاونا كبيرا من جميع الأجهزة الحكومية وبمرونة كبيرة للوصول إلى قاعدة قانونية وإجرائية صلبة تضمن حقوق أي إنسان يعيش على هذه الأرض الطيبة في جميع المجالات منذ ميلاده حتى وفاته.

أذكر أنني طلبت من أحد الزملاء ممن أمضى أكثر من 20 سنة في الولايات المتحدة والدول الاسكندنافية أن يصف لي هذه الدول الغربية بكلمات مختصرة حيث قال لي بعد تفكير كلمتين فقط وباللغة الإنجليزية سرحت بهما ولا زلت إذا قال Human oriented وهي عبارة تعني أنهم يتمحورن حول الإنسانية في جميع أنظمتهم ولوائحهم وإجراءاتهم وتعاملهم وإن كانت تتعارض مع مصالحهم أحيانا كمنح الجنسية لكل طفل يولد على أراضيهم أو حقوق المقيمين بمشاركة المواطنين في الكثير من الأمور المقتصرة لدينا على المواطنين من الرعاية والمشاركة في صناعة القرار واتخاذه ومراقبته، ويضيف زميلي هذا: لم أشعر يوما بأني مقيم في هذه الدول وأن الهوة واسعة بين حقوقي وحقوق المواطنين في تلك الدول، ولم أشعر أن عملية تحولي من مقيم إلى مواطن عملية صعبة لو أردت ذلك، مشيرا إلى أن أبناءه يحملون جنسية تلك الدول حاليا بسبب الولادة وبقوة القانون.

وعلى كل حال الوصول لما وصلت له الدول المتقدمة ليس بالأمر اليسير والسريع، ولكن لعلنا نضع العربة على السكة وننطلق في هذا الاتجاه بعد أن أصبحت لدينا هيئة حكومية وأخرى أهلية لحقوق الإنسان، أي أننا نتحرك جديا في إشراك هيئة حقوق الإنسان بصورة مباشرة لمراجعة جميع الأنظمة واللوائح والإجراءات وفي جميع المجالات للتأكد من مدى ملاءمتها لوثيقة حقوق الإنسان ومدى تطبيقها، كما نشركها أيضا في مراجعة أي نظام جديد للتأكد أيضا من مطابقته وعدم معارضته لمبادئ حقوق الإنسان.

حقوق الإنسان في محصلتها ليست زيارة سجون والتأكد من عدم مظلومية المساجين وإن كان ذلك مهما بل هي مراجعة كاملة للأنظمة واللوائح والإجراءات في الأجهزة الحكومية كافة ومدى تطبيقها وعقد الشراكات مع هذه الأجهزة ومؤسسات المجتمع المدني للوصول إلى بنية أساسية قوية تضمن حقوق الإنسان في المجالات كافة، وهذا ما نريد لهيئة حقوق الإنسان أن تتمحور حوله وتترك قضايا مخالفة حقوق الإنسان لجمعية حقوق الإنسان الأهلية على سبيل المثال.

ختاما: سرني ما أعلنت عنه هيئة حقوق الإنسان من توقيع اتفاقية مع الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد لتشكيل فريق عمل من الهيئتين لإعداد إطار مشروع مذكرة شراكة لتعزيز الأدوار المشتركة بينهما، وأتمنى أن تتوسع الهيئة في عقد مثل هذه الشراكات للوصول إلى بنية تشريعية وإجرائية تضمن حقوق الإنسان في المجالات كافة.