اقتطاع راتب الزوجة في مقابل موافقة الزوج

د. أسامة بن سعيد القحطاني
إعادة نشر بواسطة محاماة نت

قرأت تغريدات للدكتورة نوال العيد حول اقتطاع الزوج من راتب زوجته في مقابل تنازله عن احتباسها الكامل له كما عبرت، ونظرا لاستغرابي لهذا الرأي وددت مناقشته، وسيكون تركيزي على الرأي نفسه باختصار، فهو ليس مقتصرا على السيدة الكريمة، حيث هناك شريحة تؤمن بهذا الرأي مع كامل الاحترام للجميع.

الحقيقة وأنا أقرأ التغريدات حمدت الله أن هناك عازلا حضاريا بيننا والآخرين بعامل اللغة، ووقتها كنت أفكر لو أن امرأة تفكر في دخول الإسلام، وعلمت بأنه يجوز لزوجها اقتطاع راتبها في مقابل أنه فقط يوافق على ممارستها لحق إنساني بديهي في أغلب دول العالم وهو العمل! لا أعرف كيف سيكون رد فعلها تجاه هذا الرأي!

والسؤال هنا؛ من أين أوجب هؤلاء احتباس المرأة الكامل للزوج أصلا؟ ما النص الذي استندوا إليه؟

عقد الزواج قائم على استحلال المرأة لمتعة النكاح فقط، وليس على احتباسها الكامل بمعنى أنها حتى لا تمارس حياتها الطبيعية، حتى إنهم اختلفوا في خدمتها له، وأرجعها بعضهم للعرف، والصحابيات كن يعملن ولم يأتِ أثر واحد يمنعهن أو يشترط عليهن موافقة الأزواج. فالمرأة عندما تدرس أو تعمل فهي تمارس حقا إنسانيا تمتلكه، كما أن لها حق التملك المنفرد عن الزوج بدون أي تدخل منه. والمصيبة أن أصحاب هذا الرأي يجمعون الظلم كله في تبعات هذا الرأي؛ فلو منع الزوج زوجته من التعليم أو العمل ثم بعد سنين طويلة طلقها، فهم لا يقولون إن الغرم بالغنم، فهو لا تجب عليه النفقة عليها بمجرد طلاقها وانتهاء عدتها وقد منعها من التعليم والعمل! وهذا بلا شك غاية الظلم في نظري أن تعطي الزوج حق منع المرأة من العمل، ولا توجب عليه النفقة بعد الطلاق أيضا! أما في حال أصر الرجل على عدم عملها فقد أعطاه الشرع حق الطلاق، ومن حق المرأة أن تقرر مصيرها في ذلك.

سيكون كلام هؤلاء وجيها لو قالوا إن المرأة التي تعمل لا تجب على الزوج النفقة عليها، مثلها مثل الابن والبنت عندما يكون لديهما القدرة المالية، فالأب حينها لا تجب عليه النفقة، أما أن تعطي الزوج حق اقتطاع راتب زوجته لمجرد موافقته على عملها، فإن هذا الأمر نوع من الاستعباد الذي لا ترضاه الشريعة في مقاصدها.

لا أود تفصيل الحديث في هذه المسألة بشكل فقهي معمق لضيق المساحة وتكفي الإشارة، وهذه الحالة ليست إلا صورة من صور الجمود الفقهي الذي هو أحد أهم أسباب عرقلة تطور المجتمعات، ومن المفترض أن الدراسات الأكاديمية تؤسس للفقه الحر وليس الاستنساخ والتقليد.