وقائع تشهير وزارة التجارة و الصناعة السعودية بمرتكبي المخالفات

خالد السريحي
سأتطرق بالحديث لواقعتين قامت من خلالها وزارة التجارة والصناعة بالتشهير بمرتكب المخالفة…

أولهما كانت مطلع هذا الأسبوع، حيث ضبطت الوزارة مصنع يقوم بتقليد منتج ويضع عليه شعار صنع في ألمانيا بدل من صنع في الصين، وهذا نص الخبر من وكالة الأنباء السعودية كما نشر في 06/06/1435هـ ، مع الإشارة إلى أنه تم حذف اسم الشركة من قبلي لكي لا أكون مساهمًا في مخالفة القانون كما فعلت الوزارة !

نص الخبر “كشفت جولات رقابية لوزارة التجارة والصناعة عن مستودع لشركة “*******” يقع شرقي جدة يزور بلد المنشأ لمواد البناء والتعمير من خلال استبدال ملصق “صنع في الصين” بملصق آخر يحمل عبارة “صنع في ألمانيا”، وتم ضبط العمالة بداخله وهم يقومون بذلك، الأمر الذي دعا الفرق إلى مصادرة جميع الكميات، وإغلاق المقر فوراً، واستدعاء المتورطين للتحقيق لاتخاذ الإجراءات النظامية بحقهم.”

عندما يتم ضبط مخالفة تتعلق بالغش التجاري فيجب على مأموري الضبط القضائي كما وردت تسميتهم بالمادة الخامسة من قانون مكافحة الغش التجاري، أن يقوموا بضبط المخالفة وتحرير محضر ضبط بهذه المخالفة.

أما ما قامت به وزارة التجارة من ضبط وتوجيه اتهام ومن ثم إدانة لهو مخالف لكل ما نص عليه قانون مكافحة الغش التجاري في مواده الثانية عشر والثالثة عشر على التوالي، والتي منحت هيئة التحقيق والإدعاء العام الحق في التحقيق والإدعاء في المخالفات التي تتعلق بالقانون وأعطى ديوان المظالم بهيئة قضاء جزائي الحق في المحاكمة ومن ثم توقيع العقوبات في حال ثبوت الإدانة، ومن ضمن تلك العقوبات التشهير وفق نص المادة الخامسة والعشرين والتالي نصها “ينشر على نفقة المحكوم عليه الملخص النهائي بالإدانة في إحدى المخالفات المنصوص عليها في المواد السابقة في جريدتين يوميتين تصدر إحداهما في المنطقة التي وقعت فيها المخالفة أو أقرب منطقة لها”.

وبالتالي اشترط المشرع في حال إيقاع عقوبة التشهير على المتهم؛ أن تتم الإدانة بحكم قضائي بات ونهائي، ولا تعد إجراءات الضبط القضائي التي يقوم بها مأموري الضبط هي دليل على الإدانة؛ فلذلك أصبح التصرف التي قامت به الوزارة من نشر اسم المصنع لهو مخالفة بحد ذاته وتعدي على حقوق المخالف الذي يعتبر في مرحلة الاشتباه وليس الاتهام حتى؛ كونه لم يصدر اتهام من الجهة المختصة بتوجيه الاتهام في هذه المخالفات وهي هيئة التحقيق والإدعاء العام؛ فضلًا على أن النظام بيّن آلية التشهير بأن تكون في جريدتين يوميتين وليس وكالة الأنباء الرسمية ! وهذا تعدِ ثانٍ على حقوق هذه الشركة والتي كفلها القانون، وأخطأت الوزارة للمرة الثانية في ذات الواقعة.

الواقعة الثانية هي ما دأبت عليه الوزارة في نشر الأحكام الصادرة في موقع التواصل الاجتماعي (تويتر) بحق محرري الشيكات من دون رصيد مقابل وفاء لها وقابل للسحب، وذلك من خلال صفحتها الرسمية في الموقع، وهذا يعد تجاوز في إيقاع العقوبة (التشهير) على المدان والصادر بحقه قرار من مكتب الفصل في منازعات الأوراق التجارية في الحق العام والذي يقضِ في الغالب بعقوبة السجن مع الغرامة ونشر القرار على نفقة المدان في جريدة محلية استنادًا للمادة الحادية والعشرين بعد المائة من قانون الأوراق التجارية “يجوز الحكم بنشر أسماء الأشخاص الذين يصدر بحقهم حكم بالإدانة بموجب هذا النظام ويحدد الحكم كيفية ذلك” ، فعندما ينص القرار بعقوبة التشهير في جريدة محلية ويتم نشر القرار أو ملخصه في تلك الجريدة، وتجتهد الوزارة بعد ذلك في نشر ملخص القرار عبر صفحتها الرسمية في (تويتر) فتعتبر تجاوزت وضاعفت العقوبة وألحقت الضرر المعنوي والمادي بالمشهر به، فعندما تتجاوز غاية المشرع في إيقاع عقوبة التشهير .

فالغاية هي كشف أمر المدان للناس فيتعاملوا معه على بصيرة طالما ارتكب جريمة تمس سمعته أو أمانته، والمقصود بالناس هم المتعاملين معه فلذلك جاء في نص المادة خمسة وعشرين من قانون مكافحة الغش التجاري …على تصدر إحداهما في المنطقة التي وقعت فيها المخالفة أو أقرب منطقة لها.” ، فنشر العقوبة في (تويتر) أصبح معه القاصي والداني على علم بما ارتكبه هذا الشخص سواء كان من المتعاملين معه أو لا، فالموقع عالمي وليس محلي ، ويمكن للجميع الإطلاع عليه وعلى ما ينشر فيه ، وهذا يلحق الضرر البليغ بالشخص لأنه تجاوز واجتهاد في غير محله ، كما لم تقتصر الوزارة على نشر القرارات المتعلقة بالشيكات عبر (تويتر) بل حتى أحكام الدوائر الجزائية فيما يتعلق بالغش التجاري تنشر في صفحتها ، وهذا تجاوز أيضًا.

وحتى لا يفُهم من كلامي أني أسعى إلى تبرير أو تبرئة المخالفين، أو عدم التشهير بهم، بل على العكس تمامًا أنا من المؤيدين لمّا تقوم به الوزارة من مجهودات كبيرة في محاربة الغش التجاري وتحرير الشيكات دون رصيد مقابل لها والتشهير بهم، واحترم دور الوزارة في ذلك وهي مشكورة، ولكن أنا احترم القانون أكثر وارغب أن يكون هو سند الجميع في تصرفاتهم، لا أن تحكمنا الأهواء ولا الاجتهادات، فتطبيق القانون بحذافيره لا بشكل ناقص ولا زائد، بل وفق النص، هذا ما يضمن لي ولك وللجميع احترام الجميع للقانون مما يحقق غايته التي شُرع من أجلها.