الهيئات المستقلة هل هي سلطة رابعة / القاضي سالم روضان

تناول الاعلام في الفترة الاخيرة قرار المحكمة الاتحادية العليا العدد 88 في 18/1/2011 الذي اجاب فيه على طلب مجلس الوزراء حول الهيئات المستقلة وجهة الارتباط . وبما ان قرار المحكمة اعلاه بات وملزم لجميع السلطات على وفق نص المادة 94 من دستور العراق لعام 2005 التي ورد فيها قرارات المحكمة الاتحادية العليا باتة وملزمة للسلطات كافة , فلا يجوز لاي جهة الطعن فيه او النقاش حول مشروعية اصداره او صحة الرأي الوارد فيه لان القرارات والاحكام القضائية هي عنوان الحقيقة وتكون احياناً اقوى من الحقيقة . الا اني لمست في الجدل الذي يجري فيه الحديث وفي جميع الاوساط عدم وضوح في فهم بعض مما جاء فيه حول مفهوم استقلال الهيئات المستقلة وعلاقتها بمبدأ الفصل بين السلطات مما دعا الى بسط الامر في هذه الومضة الفكرية هذا ما تحدث به القاضي سالم روضان خلال لقائه بصحيفة (الصباح الجديد):

لماذا اقر الدستور بشأن الفصل بين السلطات ؟

– اقر الدستور العراقي لعام 2005 مبدأ الفصل بين السلطات واصبح هذا المبدأ مسار عاماً يوجب على المشرع العراقي ان يكيف قوانينه وتشريعاته الاخرى معه . واي تشريع يخالف ذلك المبدأ يطعن بعدم دستورية امام المحكمة الاتحادية العليا . ولتوضيح اسس هذا المبدأ اشار الدستور الى السلطات الاتحادية التي يوجب الفصل بينها وانها تمارس اختصاصاتها وحددها بثلاث سلطات وهي (التشريعية, التنفيذية , القضائية) وعلى وفق نص المادة (47) ونصها ما يلي : تتكون السلطات الاتحادية من السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية . تمارس اختصاصاتها ومهماتها على اساس مبدأ الفصل بين السلطات , وبذلك فأن هذه السلطات وردت على سبيل الحصر ولم يعط الدستور اي اشارة بالتلميح او التصريح الى وجود سلطات اخرى سوى ما ذكر وبذلك لا مجال لان نجتهد تجاه هذا النص لخلق سلطة رابعة او اكثر تضاف الى السلطات الثلاث المشار اليها في المادة (47) اعلاه . وان هذه السلطات الثلاث (التشريعية , التنفيذية , القضائية) فصل احكامها الدستور وبين ماهية مفردات تكوينها وعلى وفق ما يلي :

أ- نظم احكام السلطة التشريعية في الفصل الاول من الباب الثالث من الدستور في المواد (48 – 65) وجعلها تتكون من كيانين الاول مجلس النواب ونظم احكامه في المواد (49 – 64) ومجلس الاتحاد الذي اوكل مهمة تشكيله الى قانون يشرعه مجلس النواب وعلى وفق نص المادة (65) من الدستور . وهذان الكيانان يستقل كل واحد منهما عن الاخر بموجب احكام الدستور وكل كيان يعمل على وفق مقتضى الدستور او القانون ويعد كل كيان مستقلاً تجاه الاخر الا انهما جزء من السلطة التشريعية ولم يشكل اي منهما سلطة مستقلة ولم تتأثر استقلالية اي كيان بذلك الارتباط في تلك السلطة .

ب – نظم الدستور احكام السلطة التنفيذية في المواد (66 – 86) وبين انها تتكون من كيانين الاول رئاسة الجمهورية وعلى وفق نص المواد (67 – 75) والثاني مجلس الوزراء في نص المواد (76 – 86) وكل واحد منهما مستقل عن الاخر ولا يوجد اي تداخل بينهما الا بموجب الصلاحيات الممنوحة لكل واحد منهما في الدستور . ولم تتأثر هذه الاستقلالية على الرغم من انهم يشكلون مفردات تكوين السلطة التنفيذية ج – نظم الدستور احكام السلطة القضائية في المواد (87 – 101) وتتكون من كيانين الاول مجلس القضاء الاعلى في المواد (90 – 91) والثاني المحكمة الاتحادية العليا التي نظم احكامها في المواد (92 – 94) وكل كيان مستقل عن الاخر وان شكلاً بمجموعهما السلطة القضائية .

وبذلك فان السلطات الثلاث تتكون من هذه الكيانات التي اكد الدستور على استقلالها المالي والاداري وكذلك في الاداء والنشاط الذي تمارسه وبموجب نصوص واضحة سطرت في صلب الدستور .

وماذا بشأن الهيئات المستقلة ؟

من خلال العرض اعلاه نجد ان هذه السلطات تم تنظيمها في الفصل الاول و الثاني والثالث من الباب الثالث من الدستور وفي الفصل الرابع منه اشار الى وجود كيانات اخرى اطلق عليها تسمية الهيئات المستقلة ولم يسمها بالسلطات المستقلة لانه حدد حصراً في مقدمة الباب الثالث من الدستور المتعلق بشكل الدولة العراقية ومؤسساتها بان السلطات ثلاث لاغير وعلى وفق نص المادة (47) من الدستور الا ان الجدل الذي ظهر بعد صدور قرار المحكمة الاتحادية العليا رقم 88في 18/1/2011 اثار السؤال التالي ؟ هل استقلال هذه الهيئات يؤدي الى فرض مفاده انها لا تنطوي ضمن اي من السلطات الثلاث وتشكل سلطة رابعة وتتوحد هذه الهيئات فيها وتسمى سلطة الهيئات المستقلة . ام انها لا بد ان تندرج ضمن اطار واحد من هذه السلطات ؟ وارى ان الجواب كان قد ورد في المواد (102 – 108) في الفصل الرابع من الباب الثالث الموسوم بالهيئات المستقلة . إذ اطلق على بعضها مستقلة وجعلها تدور في فلك احدى السلطات .

وحسم بذلك الامر في ان الاستقلال لا يعني التفرد والبقاء خارج السلطات الثلاث اعلاه وإنما ادرجها ضمن الكيانات المكونة لها عندما اشار الى مرجعيتها باحد مكونات السلطتين التشريعية والتنفيذية على الرغم من تسميتها بالهيئات المستقلة . وضمن استقلال هذه الهيئات بموجب نصوص واضحة في الدستور او في القوانين التي تنظم اعمالها . الا ان الدستور اشار في الفصل الرابع ذاته الى هيئات اخرى ولم يحدد جهة ارتباطها ولاي سلطة تنتمي وهذا محل السؤال الذي تقدم به مجلس الوزراء الى المحكمة الاتحادية العليا . وحيث ان الثابت بان الدولة العراقية تتكون من السلطات الثلاث فلا بد ان تكون هذه الهيئات تدور في فلك احداها . إذلا يمكن الاجتهاد بايجاد سلطة الرابعة او اكثر لغرض إعطاء الوصف لها بانها تمثل الهيئات المستقلة .

إعادة نشر بواسطة محاماة نت