اعتبارات هامة في منح الجنسية السعودية للأجانب

محمد عبدالله السهلي٭
بعد صدور المرسوم الملكي قبل شهرين تقريباً بالموافقة على قراري مجلس الشورى ومجلس الوزراء بتعديل ثماني مواد من مواد نظام الجنسية العربية السعودية الصادر عام 1374ه، دار حديث وجدل حول هذه التعديلات من حيث كونها ميسرة أم مشددة للحصول على الجنسية السعودية، ولماذا لم تمنح المرأة السعودية المتزوجة من الأجنبي ذات الحقوق التي تم منحها للرجل السعودي المتزوج من أجنبية.؟

في البدء هناك مفاهيم أساسية حول الجنسية يجدر توضيحها. حيث يرى الكثير أن الجنسية مضمون وكيان ذاتي يميزها عن الأفكار الاجتماعية الأخرى كالأسرة والعشيرة والقبيلة والإقليم، فهي تعبر عن انتماء نفسي وروحي إلى وحدة اجتماعية أكبر، فالجنسية هي الرابط بين الفرد والدولة، وهي المعيار الحديث الذي يعترف به القانون الدولي لتحديد انتماء أو انتساب الفرد إلى دولة معينة. وفي القانون الدولي للدولة الحق في التشريع في مجال الجنسية لتعلقه بسيادة الدولة، فيكون لها الحق والحرية في وضع الشروط والضوابط التي يلزم توافرها في منح الجنسية، أو فقدها أو التجريد منها، كل ذلك بما يتفق مع مصالح الدولة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. مع وجود بعض القيود على حرية الدولة في تشريع قانون الجنسية مثال المعاهدات والاتفاقيات الدولية الملتزمة بها، لذا فمن المتفق عليه أن منح الجنسية عمل سيادي وتقديري للسلطة العامة، فهو ليس بحق مكتسب للفرد، بل هي منحة تفضليه من الدولة.

كما أن للتجنيس اعتبارات عملية تقتضيها حاجات الدولة وسياستها السكانية، فمثلاً يلاحظ أن دول مثل الولايات المتحدة وكندا وأستراليا تتوسع في منح الجنسية للأجانب، ووفق شروط ميسرة لحاجتها إلى العنصر البشري من الناحية الكمية، فهذه الدول تمتلك مساحات شاسعة ولديها بنية اقتصادية هائلة، وتحتاج بشكل سنوي متزايد للعنصر البشري لضمان استمرارية نموها الاقتصادي، وتحقيق الرفاهية لمواطنيها.

وفي المملكة العربية السعودية الوضع يختلف فبعد تأسيس المملكة وتعيين حدودها مع الدول المجاوة كان هناك توسع في منح الجنسية لاعتبارات عدة أهمها ضرورة احتواء كل المتواجدين داخل هذه الحدود، وحاجة الدولة الحديثة إلى العنصر البشري لتحقيق التنمية في جميع المجالات، بالإضافة إلى اعتبارات سياسية، ولكن هذه الظروف والاعتبارات قد تغيرت الآن، حيث قارب عدد السكان في المملكة سقف العشرين مليوناً، إضافة إلى أن معدل النمو السكاني في المملكة يعد من أعلى معدلات النمو في العالم، لذا فمن الطبيعي أن تستقر التعديلات الأخيرة على نظام الجنسية والواقع التطبيقي على المعيار النوعي وليس الكمي لمنح الجنسية السعودية، علماً بان آخر إحصائية لسكان المملكة تبين أن عدد الأجانب فيها قد تجاوز ستة ملايين نسمة، وسيتمحور النقاش في مسألة التعديلات الأخيرة على نظام الجنسية على محورين وهما: شروط منح الجنسية السعودية للأجنبي، ومسألة المساواة في الحقوق بين المرأة السعودية المتزوجة من أجنبي، والرجل السعودي المتزوج من أجنبية.

أولاً: شروط وضوابط منح الجنسية للأجنبي المقيم في المملكة ومدى الحاجة لذلك:– نظراً لحساسية منح الجنسية وارتباطها بمسألة الولاء والارتباط والانصهار في المجتمع وقيمه وعادته، فمن الطبيعي أن يتم التشديد في شروط منح الجنسية خاصة في ظل التركيز على المعيار النوعي في منحها، ويتضح ذلك من إضافة شرط (أن يكون من أصحاب المهن التي تحتاجها البلاد) إلى شروط منح الجنسية للأجنبي المقيم في المملكة العربية السعودية فضلاً عن الإقامة لمدة لا تقل عن عشر سنوات وأن يكون حسن السيرة والسلوك، وما يهمنا هنا هو شرط أن يكون من أصحاب المهن المهمة، وهي عبارة مرنة وتحتاج إلى ضوابط أكثر حتى لا تفسر بأكثر من تفسير، ويمكن تدارك ذلك من خلال اللائحة التنفيذية لنظام الجنسية والمزمع إصداره قريباً، فنحن في المملكة لا نحتاج إلى فتح باب الجنسية على مصراعيه، ونصوص النظام تؤكد ذلك ولا أن نتساهل في منحها ولسنا في حاجة للتوسع السكاني في ظل معدلات البطالة الحالية بين الجنسين.

وأرى التشدد قدر الإمكان في منحها، ومسألة المهن التي تحتاجها الدولة يجب أن تقتصر فعلاً على المهن المهمة للدولة مثل الطب والعلوم التكنولوجية وتطبيقاتها، وألا يزيد عمر المتقدم لطلب الجنسية عن سن معين حتى تتحقق الفائدة من تجنيسه، فلا يتصور أن يكون منح الجنسية لأجنبي ناهز ستين عاماً مفيداً بشكل كبير. كما أن مسألة الانصهار في بوتقة المجتمع السعودي أمر مهم ولا يجب إغفاله، فالكثير ممن يرغب في الحصول على الجنسية السعودية لم يندمج بعد في المجتمع بالشكل الكافي ولم يتشرب قيمه وعاداته بل ولهجاته.

وتقديراً لمسألة الإقامة الطويلة في المملكة ولم يكن المتقدم للجنسية من أصحاب المهن المهمة، فيمكن معالجة ذلك بمنحه بعض الامتيازات والحقوق التي تتجاوز الحقوق العادية للأجنبي المقيم حديثاً. وينادي البعض تحت ستار العولمة والإصلاح وحقوق الإنسان بالتساهل اكثر في منح الجنسية، وهو أمر لا يمكن القبول به لإن هذه المفردات فضفاضة، وحق الدولة في التشريع في مسائل الجنسية لا يصطدم بها بشكل مباشر أو يتعارض معها، فمنح الجنسية حق سيادي للدولة وفق القانون الدولي، ويعود لمصالحها واعتباراتها المحضة بعيد عن الضغوط الخارجية.

المحور الثاني: المساواة بين المرأة والرجل السعوديين المتزوجين من أجنبيين: بعد صدور التعديلات على نظام الجنسية طالب البعض بمساواة المرأة السعودية المتزوجة من أجنبي بالرجل السعودي من حيث منح الأولاد والزوج الأجنبي الجنسية السعودية أسوة بالمرأة الأجنبية المتزوجة من سعودي. من خلال قراءة نظام الجنسية والتعديلات عليه يتبين ما يلي:

أن السعودي إذا تزوج من أجنبية فأولاده يمنحون الجنسية بقوة النظام، لإن نظام الجنسية يأخذ بمبدأ (حق الدم من جهة الأب)، وأما الزوجة الأجنبية فيجوز منحها الجنسية السعودية بقرار من وزير الداخلية، إذا تقدمت بطلب ذلك على أن تتنازل عن جنسيتها الأصلية، كما يمكن لوزير الداخلية أن يقرر فقدانها للجنسية السعودية إذا انقطعت علاقتها الزوجية بالسعودي لأي سبب، وهو أمر مهم حتى لا يكون غرض الأجنبية من الزواج من السعودي هو الحصول على الجنسية السعودية (زواج المصلحة) خاصة في الزيجات غير المتكافئة كزواج الشابة الأجنبية من سعودي طاعن في السن، وأتمنى أن تحدد اللائحة التنفيذية القادمة ضوابط تتعلق بوجوب مضي مدة معينة من تاريخ الزواج حتى يتسنى للزوجة الأجنبية التقدم بطلب الحصول على الجنسية، وذلك لضمان دوام واستقرار الزواج.

أما الفرض الثاني وهو زواج المرأة السعودية من أجنبي، فهذا الزواج لا أثر له في منح الزوج الأجنبي الجنسية السعودية، وإن أراد التجنس فتنطبق عليه الشروط ذاتها التي تنطبق على أي أجنبي يريد الحصول على الجنسية السعودية، وأهمها شرط أن يكون من أصحاب المهن التي تحتاجها البلاد، أما أولاد المرأة السعودية المتزوجة من أجنبي، فهم يكتسبون جنسية أبيهم الأجنبية، ويمكن منحهم الجنسية السعودية وفق شروط معينة أهمها أن يولد في إقليم المملكة العربية السعودية وأن يحافظ على إقامته في المملكة إقامة توطن من يوم ميلاده إلى تاريخ تقديم الطلب، وأن يتقدم بالطلب بعد بلوغ سن الرشد، حتى يثبت انتمائه للمملكة. ويمنح الجنسية بقرار من وزير الداخلية وله سلطة تقديرية في ذلك. ومن الطبيعي هنا عدم المساواة بين أولاد الرجل السعودي والمرأة السعودية المتزوجة من أجنبي، ففي اغلب تشريعات دول العالم تثبت الجنسية للأولاد من جهة أبيهم، كما أن الأولاد ينسبون لأبيهم.

مع العلم بأن المرأة السعودية لا تفقد الجنسية السعودية بمجرد زواجها من أجنبي، إلا إذا رغبت في الالتحاق بجنسية زوجها. وعدم المساواة في صورتها السابقة بين الرجل والمرأة قد يستغله البعض في الاستمرار بترديد الاسطوانة المشروخة والمتمثلة في ظلم المرأة في المجتمع السعودي وانتهاك حقوقها، في حين أن إدراكهم يقصر عن الفلسفة والمصلحة الكامنة وراء مسائل الجنسية والتجنيس. ولا سيما أن ذات الأمر موجود في تشريعات دول من أعتى الدول الديمقراطية، ولا يخالف القانون الدولي الذي يؤكد كما أسلفنا حرية الدولة في مسائل التشريعات المتعلقة في مسائل الجنسية.

٭ باحث قانوني
إعادة نشر بواسطة محاماة نت