نظرة متأملة في مشروع قانون التحكيم والوساطة الاتفاقية 17.95

مقال حول: نظرة متأملة في مشروع قانون التحكيم والوساطة الاتفاقية 17.95

قراءة في مشروع قانون التحكيم والوساطة الاتفاقية 17.95

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

بقلم : طارق بوجندار

طالب باحث بسلك الدكتوراه

مختبر البحت قانون الأعمال سطات

مقدمة:

بات اللجوء للتحكيم والوساطة الاتفاقية كوسائل بديلة لحل النزاعات لزوما استجابة للرغبة الملحة للمستثمرين في تبسيط وتسريع المساطر الإدارية والقضائية في عملية الاستثمار ,وتنفيذا للتعليمات الملكية الواردة في الخطاب الملكي ليوم 20 غشت 2009 بمناسبة الذكرى 56 لثورة الملك والشعب الذي أعلن عن إطلاق الإصلاح الشامل والعميق للقضاء والذي اكد فيه جلالته على (ضرورة تطرير الطرق القضائية البديلة كالوساطة والتحكيم والصلح تنزيلا لأهداف وتوصيات ميثاق إصلاح منظومة العدالة الصادر في يوليوز2013.

جاء مشروع قانون التحكيم والوساطة الاتفاقية بمجموعة من المستجدات الجوهرية فهو ليس وليد اللحظة بل أتى كنتيجة حتمية للعديد من المحطات الأساسية او التي ساهمت بالأساس في رسم واغناء الأبعاد القانونية لهدا لهذا المشروع بدءا من الشكل النظامي مرورا بالتعديلات التي توالت.

فصدور مشروع قانون التحكيم والوساطة الاتفاقية بهذا الزخم التشريعي كان لغاية مشرعنا الوطني من استدراك مكامن النقص التي تخللت قانون قانون08.05 والانفتاح على رؤية جديدة وفق منظور جديد ولعل هذا ما يدفعنا كمهتمين بهذا المجال إلى محاولة الوقوف على أهم المستجدات التي أتى بها هذا المشروع سواء على مستوى الشكل أو المضمون.

أولا:على مستوى الشكل .

جاء مشروع القانون المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية95.17 ليصحح ذلك التشوه الذي طال قانون05.08 على المستوى الشكلي والموضوعي ويخرجه من قانون المسطرة المدنية ليعطيه القيمة التي يستحقها,و للإشارة فجل التشريعات المقارنة خصت للتحكيم قانونا مستقلا تعزيزا لضمانات أكثر للمستثمرين.

ويتضمن المشروع 104 مادة,بالمقارنة مع قانون 05.08 المتضمنة 91 مادة,هذا التنظيم ليس بالمعيب وإنما اقتضته التعديلات والإضافات التي أدخلت على القانون08,05.

ويرى الأستاذ الدكتور رياض فخري[1] من خلال تعليقه على هذه المسألة أنه لاعلاقة بالصياغة التي صيغ بها قانون 05.08 والمشاكل التي وردت في هذا القانون التي لم ترجع إلى نية المشرع وإنما إلى الصياغة المعيبة التي صيغت بها مقتضيات قانون 05,08.

وللأمانة نقول أنه من خلال قراءتنا لهذا المشروع يتبين أن هناك فرقا شاسعا بين المشروع والقانون05.08،والسر يرجع إلى طبيعة اللجنة التي أشرفت على النسخة الثالثة لمشروع قانون التحكيم والوساطة الاتفاقية المكونة من قضاة وأساتذة جامعيين بالإضافة إلى عدة محكمين دوليين ووطنيين.

وللإشارة فقد خصصت المسودة 85 مادة للتحكيم و15مادة للوساطة الاتفاقية و4مواد للأحكام الانتقالية بالمقارنة مع قانون 08.05 الذي كان قد خصص مادة وحيدة هي المادة 2 التي كانت تطرح عدة مشاكل لم يستطع المشروع الحالي تجاوزها.

ثانيا:على مستوى المضمون

علاقة التحكيم بالنيابة العامة.
أول المقتضيات الفارقة بين قانون08.05 والمشروع الجديد17.95 والتي تسببت في نقاش فقهي سياسي هو المتعلق بعلاقة التحكيم والمحكميين بالنيابة العامة من حيت القدرة على ممارسة المهمة التحكيمية من قبل الأشخاص وضرورة تقييدهم بسجلات تمسكها النيابة العامة,حيت جاء هذا المشروع لكي يصحح هذا الوضع بشكل نهائي بخصوص مسألة التقييد وان كان أبقى على سجل وجب أن يسجل فيه المحكمون وذلك بواسطة نص تنظيمي, لذلك لا يجب التفسير والتوسع في هاته النقطة الى حين صدور هذا النص التنظيمي,آملين أن لا نرجع الى الحالة السابقة المنتقدة في حق الممارسة التحكيمية في بلادنا,ولكن بالصيغة الحالية للمشروع نبدي كما يبدي معنا ثلة من المهتمين في المجال على نوع من التفاؤل على أن مهمة التحكيم أصبحت بعيدة كل البعد على أي رقابة للنيابة العامة بأي شكل من الأشكال.

مستجد الصيغة التنفيذية
كانت هذه المسالة سبب مجموعة من الخلافات القضائية والفقهية وبالتالي جاءت المسودة الثالثة لإزالة اللبس وأبانت عن رؤية واضحة المعالم من خلال توضيحها لجميع حالات طلب الصيغة التنفيذية بحسب معيار واضح واحد هو المعيار الموضوعي بحسب طبيعة النزاع الذي يصدر فيه الحكم التحكيمي ليتحدد الجهة التي تختص بوضع الصيغة التنفيدية (رئيس المحكمة الابتدائية أو رئيس المحكمة التجارية او رئيس القسم المتخصص في القضاء الإداري بالمحكمة الابتدائية او رئيس المحكمة التجارية او رئيس القسم المتخصص في القضاء التجاري بالمحكمة الابتدائية).

تطرق المشروع بالنسبة للصيغة التنفيذية في مقتضى عام وبعد ذلك تحدث عن كل حالة على حدة,حيث تحدث عن أحكام التحكيم الصادرة في المادة الإدارية الى جانب الأحكام الصادرة في المادة التجارية على المستوى الدولي.

وكمقتضى جديد أتت به المسودة،اعترفت لأول مرة بالتحكيم في مجال العقود الإدارية الدولية ويتعامل معها على المستوى المنهجي بنفس الطريقة التي يتعامل بها في العقود التجارية,كما تحدثث المسودة ايضا عن الصيغة التنفيدية للأحكام الدولية الوطنية والتي لم تكن موجودة في القانون08.05 وتعامل ايضا مع الحالة التي يطلب فيها الصيغة التنفيذية للأحكام التحكيمية التي تصدر في المرحلة القضائية(مرحلة الاستئناف)

مستجد المسطرة التواجهية
هذا المقتضى الجديد حسم النقاش والجدال الفقهي بخصوص مسألة التواجهية,قبل إثارة المسالة على المستوى القضائي,حيث ثار نقاش فقهي حول ما إذا كانت الصيغة التنفيذية يجب أن ينظر إليها بالمسطرة التواجهية ام لا,وبالتالي تدخل مشرعنا الوطني ليحسم المسالة واعتبر أن الأمر يتعلق بمسطرة تواجهية قبل إضفاء الصيغة التنفيذية على الحكم التحكيمي وذلك تعزيزا للضمانات القضائية للمتقاضين أمام التحكيم والتجربة العملية هي الفيصل لتثبت مدى نجاعة هذا المقتضى أم لا.

صلاحية المحكم
قام المشرع بتحسين وضع المحكمين من خلال الاختصاصات الممنوحة له في الحصول على الوثائق,حيت منح له الحق أن يطالب حتى الغير وليس فقط الأطراف بكافة الوثائق التي يطلبها ويمكن أيضا ممارسة المساطر امام القضاء.

القضاء الاستعجالي
تم تكريسه في المسودة وهو ما يسمى بالتحكيم الإستعجالي,حيت أن التنفيذ المعجل يكون في الأحكام التحكيمية التي لا يطلب فيها الصيغة التنفيذية لأن الأحكام التي يطلب فيها الصيغة التنفيذية لها قوة أخرى تستمد من الإجبار على التنفيذ ويمكن أن تستعمل فيها القوة العمومية,حيث أن قاعدة التحكيم لا يجب القضاء الاستعجالي إذا حدث مشكل استعجالي,وبالتالي فهيئة التحكيم يمكن أن تقوم مقام القضاء الاستعجالي بالقيام ببعض الإجراءات التحفظية.

مسألة الدولية(التحكيم الدولي)
في النص القديم كان يتحدث عن التجارة الدولية وان كان المصطلح يشوبه بعض الغموض في تحديد ما هو للمصالح التجارة الدولية من ما ليس هو داخل في مصالح التجارة الدولية فالمشرع كما هو معلوم اتى من اجل توسيع مجال المعيار,وبالتالي يضيف الى معيار المصلحة مصالح التجارة الدولية الذي هو معيار اقتصادي ويضيف اليه تحديد معيار يتعلق باحد الاطراف الذي له موطن او مقر بالخارج وهذا المعيار ينظر له من الزاوية التي ننظرله منها حيث يمكن ان يكون معيار واسع او ضيق هذا من جهة ومن جهة اخرى نعتقد انه وجب حسم الاشكال قي الصياغة بين المادة 1 والمادة 70 حيث نجد ان المادة 1 تتضمن مفهوم التحكيم الدولي وقالت انه هو الذي يتعلق بمصالح التجارة الدولية,ولكن بالمقابل نجد المادة70والتي قالت ان التحكيم الدولي انه يعتبردوليا التحكيم المتعلق بمصالح التجارة الدولية والذي يكون لاحد اطرافه موطن اومقر بالخارج لدى وجب على المشرع حسم الاشكال بين المادة 1والمادة 70.

ابرام اتفاق التحكيم
يجب ان يكون مكتوبا نسبيا حسم الجدال الحاصل ما اذا كانت الكتابة شرط وجود ام شرط اثبات غير انه توسع بشكل كبير في طبيعة الكتابة حسب المشرع كما جاء بالكتابة يشكل الكتروني وبالتالي اصبح جائزا القول بوجود اتفاق التحكيم عقدا كان او شرط, أحسن المشرع صنعا بتنظيمه للتبليغ الالكتروني واعتبره بمثابة تبليغ قانوني صحيح منتجا لكل آثاره ضمانا لفعالية التحكيم.

مقترحات

أ) المطالبة بفصل التحكيم عن الوساطة الاتفاقية:

يجب أن تصاغ مدونة خاصة بالتحكيم على اعتبار انه قضاء من نوع خاص وترك الوساطة ضمن مقتضيات قانون المسطرة المدنية على غرار التشريع التونسي الذي كان رائدا في هذا الاتجاه.

ب)عدم إدراج مبدأ الاستوبل ضمن مشروع قانون التحكيم والوساطة الاتفاقية(مبدا الحيلولة,مبدأ الاسطوبل) الذي لم يتم التنصيص عليه ضمن هذا المشروع ,باعتبار معيار حسن النية والمرتبط أساسا بمبدأ الاستوبل سار مبدأ قانونيا يتوقف عليه استمرارية وسلامة العقد.

ج)التحكيم يعتبر قضاء من نوع خاص

وهذا ما عبر عليه الأستاذ مصطفى بونجة في احدى الندوات بالمحمدية من خلال كون التحكيم هو قضاء من نوع خاص,والذي يرى أن مشرعنا الوطني لطالما استعمل من اجل تنظيم التحكيم قواعد قانونية واجرائية, والتي من شانها غل إرادة الأطراف بمجرد الاتفاق على التحكيم.

[1]الدكتور رياض فخري مدير مختبر البحث قانون الأعمال،مداخلة ضمن أشغال المواعيد القانونية حول ” قراءة قي مشروع قانون التحكيم والوساطة الاتفاقية” المنظمة من طرف مختبر البحث قانون الأعمال بتاريخ 30 مارس 2018.

شارك المقالة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.