نظرة عامة حول النزاعات المسلحة و القانون الدولي الإنساني

نظرة عامة

للنزاعات المسلحة تاريخ قديم يعود إلى نشأة البشرية نفسها. ومع أن الحروب عرفت دائماً عدداً من الممارسات العرفية، فإن الدول لم تضع قواعد دولية للحد من آثار النزاعات المسلحة لأسباب إنسانية إلا في السنوات 150 الأخيرة. وتعد اتفاقيات جنيف واتفاقيات لاهي أبرز مثالين عن ذلك. وهذا القانون المعروف بتسمية “القانون الدولي الإنساني” يعرف أيضا باسم قانون الحرب أو قانون النزاعات المسلحة.

يشكل القانون الدولي الإنساني جزءاً من مجموعة القواعد القانونية الدولية التي تحكم العلاقات بين الدول. والغرض منه هو الحد من آثار النزاعات المسلحة لأسباب إنسانية. ويهدف أيضا إلى حماية الأشخاص الذين لا يشاركون أو كفّوا عن المشاركة في الأعمال العدائية، والمرضى والجرحى والأسرى والمدنيين، وإلى تحديد الحقوق والواجبات التي تقيّد أطراف النزاع في سير الأعمال العدائية.

ويفرض القانون الدولي الإنساني، بحكم طبيعته القانونية، التزامات على الجهات المشاركة في النزاعات المسلحة. فلا تكون ملزمة فقط باحترام القانون بل أيضا بضمان احترامه. ومن غير المقبول أن تغض النظر عن ذلك.
تشكل اتفاقيات جنيف الركن الأساسي للقانون الدولي الإنساني، وقد وقع 16 بلداً أولى هذه الاتفاقيات عام 1864. وعلى مدى قرون قبل ذلك، كانت هناك قواعد تحكم سير الحروب إلا أنها كانت تستند إلى العرف والتقليد وتسري محلياً أو لفترة مؤقتة. وجاءت سنة 1864 نقطة تحول تغيّرت على إثرها هذه الممارسات وبدأت عملية إنشاء مجموعة النصوص القانونية التي ما انفكت تتطور إلى يومنا هذا.

وبرزت فكرة وضع هذه الاتفاقية التي تعد الأولى من نوعها بمبادرة من خمسة مواطنين من مدينة جنيف كان من بينهم “هنري دونان” الذي عاش، صدفة، معركة “سولفرينو” عام 1859 وروّعه رؤية الجرحى الذين لا يلقون أية مساعدة فحمل السكان المحليين على تنظيم صفوفهم لإسعاف هؤلاء الجرحى. وانبثق عن هذا التصرف أحد العناصر الرئيسية التي تضمنتها الاتفاقية الأولى وهي المعاملة الإنسانية الواجبة للذين لم يعودوا يشاركون في المعركة بصرف النظر عن الطرف الذي ينتمون إليه.

وتم في الوقت ذاته اعتماد رمز للحياد ولحماية الأفراد الذين يقدمون المساعدة إلى ضحايا النزاع وكان في شكل صليب أحمر على خلفية بيضاء وهو مقلوب العلم السويسري تماما.
وتطورت مجموعة قواعد القانون الدولي الإنساني خلال فترة القرن ونصف القرن التالية. وامتدت اتفاقية جنيف في عامي 1906 و1929 لتشمل تحسين ظروف المرضى والجرحى من الجنود في الميدان وتضع قواعد جديدة بشأن حماية أسرى الحرب. واعتُمدت، في عامي 1899 و1907 ، اتفاقيات لاهاي التي تهدف أساساً إلى تنظيم سير الحروب. وفي أغسطس/آب 1949، تم اعتماد اتفاقيات جنيف الأربع كما نعرفها اليوم. وقد شملت هذه المرة مسألة حماية المدنيين كذلك رداً على التجربة الرهيبة التي عاشها العالم في الحرب العالمية الثانية.

وأُلحقت إلى اتفاقيات جنيف، في 1977 و2005، بروتوكولات إضافية وسلسلة من الاتفاقيات والبروتوكولات الدولية الأخرى التي تغطي مجالات معينة مثل الأسلحة التقليدية والأسلحة الكيميائية والألغام الأرضية وأسلحة الليزر والذخائر العنقودية فيما جاءت حماية الأطفال في النزاعات المسلحة لتوسع من نطاق القانون الدولي الإنساني. وكذلك فعل تدوين القانون العرفي.

إلا أن اتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها الإضافية تبقى حجر الأساس، فهي تجمع بين التزامات قانونية واضحة وتكرس مبادئ إنسانية أساسية.
– يحق للجنود الذين استسلموا أو كفّوا عن المشاركة في القتال أن تحترم أرواحهم وسلامتهم النفسية والبدنية. ويحظر قتلهم أو تعريضهم للأذى.
– يجب جمع الجرحى والمرضى ورعايتهم من قبل طرف النزاع الذي يخضعون لسلطته. وتشمل الحماية أيضا الأفراد العاملين في المجال الطبي، والمنشآت، ووسائل النقل والمعدات. وتكون شارة الصليب الأحمر أو الهلال الأحمر أو الكريستالة (البلورة) الحمراء هي العلامة التي تدل على هذه الحماية ويجب احترامها.
– يحق للمقاتلين الذين يقعون في قبضة الطرف الخصم أن تحترم أرواحهم وكرامتهم وحقوقهم الشخصية ومعتقداتهم. ويجب حمايتهم من جميع أعمال العنف والأعمال الانتقامية. ويحق لهم مراسلة عائلاتهم وتلقي الإغاثة.
– يحق للمدنيين الواقعين تحت سلطة طرف في النزاع أو قوة محتلة ليسوا من رعاياها أن تحترم أرواحهم وكرامتهم وحقوقهم الشخصية ومعتقداتهم.
– يحق لكل شخص الاستفادة من الضمانات القضائية الأساسية. ويجب ألا يدان أحد دون وجود حكم سابق تصدره محكمة مشكّلة تشكيلاً قانونيا. لا يجوز اعتبار أي شخص مسؤولاً عن عمل لم يرتكبه. ولا يجوز إخضاع أي شخص للتعذيب البدني أو النفسي، أو العقاب البدني أو المعاملة الوحشية أو المهينة.
– لا يملك أطراف النزاع وأفراد قواتها المسلحة حرية مطلقة في اختيار وسائل الحرب وأساليبها. ويحظر استخدام أسلحة أو أساليب حرب تسبب خسائر غير ضرورية أو معاناة مفرطة.
– على أطراف النزاع التمييز في جميع الأوقات بين السكان المدنيين والمقاتلين من أجل تجنب إصابة السكان المدنيين والممتلكات المدنية. ويجب اتخاذ الاحتياطات اللازمة في هذا الشأن قبل شنّ هجوم.
وتعتبر اللجنة الدولية للصليب الأحمر “حارس” اتفاقيات جنيف والمعاهدات المختلفة التي تشكل القانون الدولي الإنساني. ومع ذلك، لا يمكنها أن تتصرف بصفة الشرطي أو القاضي. فذلك يدخل ضمن اختصاصات الحكومات التي هي طرف في المعاهدات الدولية وملزمة بمنع الانتهاكات للقانون الدولي الإنساني ووضع حد لها. كما أنها ملزمة بمعاقبة الأشخاص الذين ارتكبوا ما يعرف بأنها “انتهاكات خطيرة” للقانون الدولي الإنساني أو جرائم حرب.