نظام التنفيذ .. وتعزيز التعاملات الاستثمارية
باحث قانوني سعيد بن ناصر الحريسن
لعل من أهم ما يميز أي بيئة استثمارية واعدة ومتطلع إليها من قبل كل راغب، هو وجود القوانين الاقتصادية المنسجمة مع القوانين الإجرائية المراعية لسرعة التعاملات، – والتي أصبحت معيار تفاضل عالمي -، إلى جانب ما توفره تلك القوانين من جوانب حمائية للمتعاملين تحت مظلتها.

فتوفير جانب الحماية في القوانين الاقتصادية – خاصة – سواء كانت ضمن نصوصها أو بموجب قوانين جزائية وحمائية عامة، أصبح ضرورة ملحة في ظل القضايا المتعددة والناشئة في الغالب عن عقود وتعاملات تجارية اختلت فيها التزامات المتعاقدين.

من الطبيعي أن يتطلع الشخص لإيجاد نتيجة من وراء أي عمل يقوم به، وإلا فلنا الحق باعتبار ذلك الجهد والوقت الذي أمضاه فيه هدراً يعود عليه حتما بعائد سلبي. تأتي هذه الفكرة مماثلة لما يقع في بعض من التعاملات والعقود التجارية، التي سرعان ما يركن أحد أطرافها وبشكل غالب (المدين)، إلى عدم تنفيذ ما تقرر عليه من التزام عقدي، فتبدأ جولات من المطالبات الحقوقية، التي تستظل في كثير من الأحيان بسقف طول الانتظار والمماطلة من قبل المدين المحكوم ضده. وتغيب عنا معانٍ تعاملية ذات أساس راسخ وقوي (مطل الغني ظلم) فإطلاق كلمة (ظلم) فيه دلالة على المبالغة في التنفير من هذا السلوك في التعامل مع الآخرين. (ليُ الواجد يحل عرضه وعقوبته) أخرجه أحمد في المسند. قال العلماء معنى (يحل عرضه) أي يبيح أن يذكره الدائن بين الناس بأنه شخص مماطل، صاحب سوء في التعامل، وهو من باب التحذير والنصح. قال ابن القيم – رحمه الله – في الطرق الحكمية في السياسة الشرعية(لا نزاع بين العلماء على أن من وجب عليه حق من عين أو دين وهو قادر على أدائه وامتنع عن الوفاء به، عوقب حتى يؤديه).

ومن أبرز ما حمله الأسبوع المنصرم من تطوير في منظومة القانون السعودي عامة، والقوانين القضائية خاصة (نشر نص الكامل لمشروع نظام التنفيذ) الموسوم بأنه المكمل لمنظومة قوانين التمويل العقاري، والمكونة من (نظام الرهن العقاري، ونظام التمويل العقاري، ونظام التأجير التمويلي، ونظام مراقبة شركات التمويل). وقد تكون ذلك النظام من (مائة مادة) مقسمة على ثلاثة أبواب، عالجت تلك الجوانب التي كانت تحتاج إلى مزيد من التنظيم في مسائل تنفيذ الأحكام المدنية والتجارية على حد سواء.

و(قضاء التنفيذ، أو قاضي التنفيذ) جانب قضائي وتقنيني مهم عرفته جل القوانين المدنية والقضائية على حد سواء العربية منها والأجنبية، وأذهب كما يذهب كثير من الباحثين في هذا المجال أن قضاء التنفيذ من المواضيع العريضة المهمة التي تفرض علينا تقنينها بشكل مفصل، إذ هي تطبيق للنتيجة والمحصلة من الأحكام القضائية.

إن ما حمله هذا النظام من مفردات وإجراءات قانونية جديدة، نجده من خلالها ينشد حل كثير من القضايا المالية خاصة – ولن أنحى منحى المبالغة لو قلت إن كل من اطلع على فيض قلمي سيوجه الفكرة في المقام الأول (للمساهمات العقارية)، فأرى أنه من أهم الرؤى التي يرتقبها الجميع من خلال هذا النظام إعادة الثقة للعقود الاستثمارية التي باتت منزوعة منها، وإن تضمنت عقودها بنوداً للحماية، وقدمت في سبيل ذلك الضمانات، بحق يحتاج السوق الاستثماري إلى إعادة الثقة في عقوده من خلال هذه النصوص القانونية القوية، خاصة ونحن نعيش في مرحلة طفرة اقتصادية مختلطة بمزيج من التضخم.

[email protected]

إعادة نشر بواسطة محاماة نت