اتفاقية التربس

الأحكام العامة والمبادئ الأساسية فى اتفاقية التربس
تناول الجزء الأول من اتفاقية التربس المبادئ الأساسية التى تقوم عليها الاتفاقية فى المواد من 1-8، وتضمن ما يلى :
طبيعة ونطاق الالتزامات ( المادة الأولى )
تناولت المادة الأولى من الاتفاقية تحديد طبيعة ونطاق التزامات الدول الأعضاء. وقد ألزمت الفقرة الأولى البلدان الأعضاء فى المنظمة بمراجعة قوانينها ولوائحها وكافة القواعد الداخلية المنظمة لحقوق الملكية الفكرية لمراعاة توافقها مع أحكام الاتفاقية .
غير أن الاتفاقية لم تفرض على الدول الأعضاء قواعد موضوعية أو إجرائية موحدة تتعلق بحقوق الملكية الفكرية بل ألزمتها بتوفير حد أدنى من حقوق الملكية الفكرية ومعايير الحماية . وهذا يعنى أن مستويات الحماية سوف تتفاوت فى البلدان الأعضاء بسبب اختلاف سياساتها وفلسفاتها فى معالجة موضوعات الملكية الفكرية .
ومن الجدير بالذكر أن اتفاقية التربس لا تخاطب سوى الدول الأعضاء فى منظمة التجارة العالمية ولا تلزم سواها ، فنصوص الاتفاقية ليست ذاتية التنفيذ non self executing ومن ثم فإن رعايا الدول الأعضاء لا يكتسبون حقوقا مباشرة من نصوص الاتفاقية ، ولا يجوز لهم التمسك بأحكامها واستبعاد أحكام القوانين الوطنية. وتختلف اتفاقية التربس فى هذا الخصوص عن اتفاقية باريس لحماية الملكية الصناعية 1883 وتعديلاتها، فاتفاقية باريس – شأنها فى ذلك شأن اتفاقية برن لحماية المصنفات الأدبية والفنية 1886 وتعديلاتها – تتضمن نصوصا ذاتية التنفيذ self executing وتعتبر أحكامها جزءا من القانون الداخلى بمجرد المصادقة عليها ( ونشرها إذا كان القانون الداخلى للدولة يوجب ذلك بالكيفية التى ينص عليها ). ويجوز لكل شخص من رعايا الدول الأعضاء فى اتحاد باريس التمسك بأحكامها فى مختلف الدول الأعضاء الأخرى بغض النظر عن أحكام القوانين الوطنية .
ومن الجدير بالذكر أنه يشترط لقبول عضوية أى دولة أو إقليم جمركى منفصل يملك استقلالا ذاتيا كاملا فى منظمة التجارة العالمية أن تقبل / أو يقبل اتفاقية مراكش لانشاء منظمة التجارة العالمية والاتفاقيات التجارية متعددة الأطراف multilateral trade agreements المرفقة بها الواردة فى الملاحق 1، 2، 3. ومن أهم هذه الاتفاقيات اتفاقية التربس وهى واردة فى الملحق 1 (جيم) من ملاحق اتفاقية مراكش ، ومن ثم فإن قبول أى دولة كعضو فى منظمة التجارة العالمية مشروط بقبولها لاتفاقية التربس وكافة الاتفاقيات التجارية متعددة الأطراف الأخرى ، ولا فكاك للدول التى ترغب فى الانضمام لمنظمة التجارة العالمية من قبول أحكام اتفاقية التربس ، وبالتالى فإن الاتفاقية تعتبر جزءا من صفقة واحدة تشمل كافة الاتفاقيات متعددة الأطراف التى أسفرت عنها جولة أورجواى. وبالإضافة إلى ذلك لا يجوز للدول الأعضاء إبداء أى تحفظ على نصوص الاتفاقية إلا بموافقة سائر البلدان الأعضاء الأخرى .
وقد ذكرت الفقرة الثانية من المادة الأولى من الاتفاقية أنه حيثما يرد اصطلاح الملكية الفكرية فى اتفاقية التربس فهو يشير إلى فروع الملكية الفكرية التى تناولتها الأقسام من 1 إلى 7 من الجزء الثانى من الاتفاقية وهى : حقوق المؤلف والحقوق المتعلقة بها ، العلامات التجارية ، المؤشرات الجغرافية ، التصميمات الصناعية ، براءات الاختراع ، التصميمات التخطيطية للدوائر المتكاملة ، حماية المعلومات السرية . ويتضح من ذلك الطبيعة الشاملة لاتفاقية التربس .
أما الفقرة الثالثة من المادة الأولى فقد أوجبت على الدول الأعضاء تطبيق المعاملة المنصوص عليها فى الاتفاقية على مواطنى البلدان الأعضاء الأخرى ومن فى حكمهم وهذا الحكم يضمن لجميع مواطنى البلدان الأعضاء فى منظمة التجارة العالمية ومن فى حكمهم التمتع بالحد الأدنى من مستويات الحماية التى تقررها اتفاقية التربس .

علاقة اتفاقية التربس بالمعاهدات المبرمة فى شأن الملكية الفكرية
لم تنسخ اتفاقية التربس أحكام الاتفاقيات الدولية الرئيسية التى سبق إبرامها فى مختلف مجالات الملكية الفكرية ، بل شملت واستغرقت وطورت أحكام هذه الاتفاقيات .
وقد أحالت اتفاقية التربس إلى القواعد الموضوعية التى قررتها الاتفاقيات الدولية الرئيسية المبرمة من قبل فى شأن حقوق الملكية الفكرية، وألزمت الدول الأعضاء بمراعاة أحكام المواد التالية :
1- المواد من 1 إلى 12 والمادة 19 من اتفاقية باريس لحماية الملكية الفكرية الصناعية وفقا لتعديل استكهولم 1967 ( المادة 2/1 من إتفاقية التربس).
2- المواد من 1 الى 21 من اتفاقية برن لحماية المصنفات الأدبية والفنية(وفقاً لتعديل باريس 1971) وملحقها ، فيما عدا المادة 6 مكرر من الاتفاقية أو الحقوق النابعة عنها (المادة 9 من اتفاقية التربس ) .
3- المواد من 2 إلى 7 ( باستثناء الفقرة 3 من المادة 6) ، والمادة 12 والفقرة 3 من المادة 16 من معاهدة الملكية الفكرية فيما يتصل بالدوائر المتكاملة ( اتفاقية واشنطجن 1989) ( المادة 35 من اتفاقية التربس ) .
4- كما أحالت اتفاقية التربس إلى بعض المواد التى تضمنتها اتفاقية روما لحماية فنانى الأداء ومنتجى التسجيلات الصوتية وهيئات الإذاعة (اتفاقية روما 1961 ) ، وأوجبت على الدول الأعضاء مراعاة أحكام هذه المواد.
وأوجبت اتفاقية التربس على جميع الدول الأعضاء فى منظمة التجارة العالمية تطبيق أحكام الاتفاقيات الدولية التى أحالت إليها دون تفرقة بين الدول التى انضمت إلى هذه الاتفاقيات الدولية والدول التى لم تنضم إليها.
وهكذا جمعت اتفاقية التربس أحكام الاتفاقيات الدولية الرئيسية فى مجال الملكية الفكرية فى وثيقة واحدة فحققت الترابط فيما بينها، بعد أن كانت هذه الأحكام متفرقة ومبعثرة فى الاتفاقيات الدولية المختلفة، وألزمت جميع الدول الأعضاء فى منظمة التجارة العالمية بتطبيق أحكامها بغض النظر عن انضمامها إلى هذه الاتفاقيات الدولية أو عدم الانضمام إليها.
ولم تقف اتفاقية التربس عند حد الاحاله إلى أحكام الاتفاقيات الدولية المبرمة فى شأن الملكية الفكرية ، بل أنها اعتبرت أحكام هذه الاتفاقيات هى نقطة البداية التى انطلقت منها نحو تدعيم وترسيخ حقوق الملكية الفكرية، فاستحدثت أحكاماً جديدة لم تنظمها الاتفاقيات الدولية من قبل ، كما طورت أحكامها من أجل تدعيم حقوق الملكية الفكرية وترسيخها على المستوى الدولى.
المعاملة الوطنية والمعاملة الخاصة بحق الدولة الأولى بالرعاية
تضمنت المادة 3 من الاتفاقية مبدأ المعاملة الوطنية ، وبمقتضى هذا المبدأ تلتزم البلدان الأعضاء فى منظمة التجارة العالمية بأن تعامل مواطنى البلدان الأخرى ومن فى حكمهم فيما يتعلق بحقوق الملكية الفكرية معاملة لا تقل عن المعاملة المقررة لمواطنيها ، فتمنحهم – على الأقل – نفس المزايا التى يتمتع بها رعاياها وتخضعهم لنفس الالتزامات. وهذا المبدأ يتوافق مع حكم المادة الثانية من اتفاقية باريس لحماية الملكية الصناعية التى سبقت اتفاقية التربس فى إرسائه .
وقد تضمنت المادة 4 من اتفاقية التربس مبدأ المعاملة الخاصة بحق الدولة الأولى بالرعاية ، وبمقتضاه تلتزم الدول الأعضاء فى منظمة التجارة العالمية بألا تميز فى المعاملة بين رعايا الدول الأعضاء الأخرى ومن فى حكمهم. ومن ثم يجب على الدول الأعضاء المساواة بين رعايا جميع الدول الأعضاء فى الحقوق والالتزامات ، بمعنى أنها تلتزم إذا منحت أى ميزة أو تفضيل أو امتياز أو حصانة لمواطنى أى بلد عضو فى المنظمة بأن تمنح جميع مواطنى الدول الأعضاء الأخرى نفس الميزة أو التفضيل أو الامتياز أو الحصانة . وهذا المبدأ يطبق لأول مرة فى مجال الملكية الفكرية ، إذ لم يسبق لأى اتفاقية دولية فى مجال الملكية الفكرية الأخذ به.
وقد أجازت المادتان 3، 4 للدول الأعضاء الاستفادة من الاستثناءات التى ذكرتها من الالتزام بتطبيق مبدأى المعاملة الوطنية والمعاملة الخاصة بحق الدولة الأولى بالرعاية. كما استبعدت المادة 5 المبدآن من التطبيق على الاتفاقيات المتعددة الأطراف التى أبرمت تحت مظلة الوايبو وتتعلق بالجوانب الإجرائية الخاصة باكتساب حقوق الملكية الفكرية أو استمرارها، ومن أمثلة هذه الاتفاقيات اتفاقية التعاون الدولى بشأن براءات الاختراع المبرمة فى واشنطجن 1970.

استنفاد حقوق الملكية الفكرية
من المعلوم أن حقوق الملكية الفكرية تخول لصاحبها الحق فى منع الغير من استيراد المنتج المشمول بالحماية من سوق أى دولة . على أن تطبيق هذا المبدأ على إطلاقه يعنى أنه يحق لمالك البراءة أو العلامة ( أو صاحب أى حق من حقوق الملكية الفكرية ) أن يمنع الغير من استيراد كافة المنتجات المشمولة بالحماية بما فى ذلك المنتجات التى طرحت للبيع فى الخارج عن طريق صاحب البراءة أو العلامة سواء بنفسه أو بموافقته ، مما يتيح لأصحاب حقوق الملكية الفكرية إمكانية تقسيم الأسواق وطرح المنتجات فيها بأسعار متفاوتة.
وتداركا لهذا الوضع تأخذ تشريعات بعض الدول بمبدأ الاستنفاد الدولى international exhaustion لحقوق الملكية الفكرية . وبمقتضى مبدأ الاستنفاد الدولى يسقط حق صاحب البراءة أو العلامة ( أو أى حق من حقوق الملكية الفكرية الأخرى ) فى منع الغير من استيراد المنتجات المشمولة بالحماية بمجرد أن يطرح تلك المنتجات للتداول فى سوق أى دولة سواء بنفسه أو عن طريق أحد تابعيه أو بموافقته .
وتقف الدول من مبدأ الاستنفاد الدولى مواقفاً متعارضة بحسب اختلاف مصالحها، فهو من أكثر المسائل التى يثار حولها الجدل . ولم تأخذ اتفاقية التربس أى موقف إيجابى من قضية استنفاد حقوق الملكية الفكرية ، ( المادة 6 من الاتفاقية ) ومن ثم فإن تبنى تشريعات الدول الأعضاء فى منظمة التجارة العالمية لمبدأ الاستنفاد الدولى لا يخالف أحكام اتفاقية التربس .
ومن الغنى عن البيان أن الأخذ بمبدأ الاستنفاد الدولى لحقوق الملكية الفكرية يتيح الاستيراد الموازى parallel importation , ولذلك فإن من مصلحة الدول النامية أن تتبناه فى تشريعاتها الوطنية لتوفير المنتجات المشمولة بالحماية فى السوق المحلى بأقل الأسعار السائدة عالميا ، وعلى وجه الخصوص المنتجات الدوائية .

الأهــداف والمبادئ
ذكرت المادة 7 من الاتفاقية أنها تهدف إلى إسهام حماية وانفاذ حقوق الملكية الفكرية فى تشجيع روح الابتكار التكنولوجى ونقل وتعميم التكنولوجيا ، بما يحقق المنفعة المشتركة لمنتجى المعرفة التكنولوجية ومستخدميها ، بالأسلوب الذى يحقق الرفاهة الاجتماعية والاقتصادية والتوازن بين الحقوق والواجبات .
كما أجازت المادة 8/1 من الاتفاقية للدول الأعضاء عند وضع أو تعديل قوانينها ولوائحها التنظيمية اتخاذ التدابير اللازمة لحماية المصلحة العامة والتغذية وخدمة المصلحة العامة فى القطاعات ذات الأهمية الحيوية للتنمية الاقتصادية الاجتماعية والتكنولوجية ، شريطة اتساق هذه التدابير مع أحكام الاتفاقية . كما أجازت المادة 8/2 للدول الأعضاء أن تتخذ التدابير اللازمة لمنع حائزى حقوق الملكية الفكرية من اساءة استخدامها ، أو منع اللجوء إلى ممارسات تسفر عن تقييد غير معقول للتجارة أو تؤثر سلبا على النقل الدولى للتكنولوجيا .
ولاشك أن النصوص المتقدمة تتيح للدول النامية فرصة التخفيف من الآثار السلبية التى قد تنجم عن تطبيق الاتفاقية . ومن مصلحة الدول النامية عند وضع أو تعديل قوانينها بما يتوافق مع أحكام الاتفاقية اتباع سياسات تشريعية رشيدة تعتمد على الأغراض والمبادئ المتقدمة للتخفيف من الآثار السلبية التى يتوقع حدوثها عند تطبيق الاتفاقية.
المبحث الثالث
معايير حماية حقوق الملكية الصناعية فى اتفاقية التربس
(Standards)
تناولت اتفاقية التربس فى الجزء الثانى منها (المواد من 9- 40) المعايير المتعلقة بتوفير حقوق الملكية الفكرية ونطاقها واستخدامها. وألزمت الاتفاقية الدول الأعضاء باحترام الحد الأدنى من معايير الحماية التى ذكرتها فى مختلف فروع الملكية الفكرية التى عالجتها وهى :
1- حقوق المؤلف والحقوق المتعلقة بها
2- العلامات التجاريـــة
3- المؤشرات الجغرافية
4– التصميمات الصناعية
5- براءات الاخـــــتراع
6- التصميمات التخطيطية ( الرسوم الطبوغرافية) للدوائر المتكاملة،
7- المعلومات السرية.
وتناولت الاتفاقية فى معالجتها لكل فرع من فروع الملكية الفكرية المتقدمة على حده المواد (أو المسائل) التى تنصب عليها الحماية the subject matter to be protected ومايتمتع به أصحابها من حقوق the rights to be conferred ، والاستثناءات التى يجوز تقريرها على هذه الحقوق permissible exceptions to those rights والحد الأدنى لمدة الحماية the minimum duration of protection.
ورغم أن اتفاقية التربس قد وضعت معاييراً لحماية حقوق الملكية الفكرية تفوق من حيث المستوى معايير الحماية التى قررتها الاتفاقيات الدولية السابقة ،إلا أن اتفاقية التربس لم تنسخ أحكام الاتفاقيات الدولية المبرمة من قبل فى مجالات الملكية الفكرية الرئيسية، بل سارت فى سبيل تدعيمها وترسيخها . واتبعت اتفاقية التربس اسلوباً فريداً فى تحديدها لمعايير الحماية عن طريق الزام كافة الدول الأعضاء بمراعاة تطبيق الأحكام الموضوعية التى تضمنتها الاتفاقيات الدولية الرئيسية السابقة عليها وهى : اتفاقية باريس لحماية الملكية الصناعية ( استكهولم 1967) ، اتفاقية برن لحماية المصنفات الأدبية والفنية ( تعديل باريس 1971) ومعظم الأحكام الموضوعية التى تضمنتها اتفاقية الملكية الفكرية فيما يختص بالدوائر المتكاملة(واشنطجن1989) . كما أحالت اتفاقية التربس إلى بعض مواد اتفاقية روما لحماية فنانى الأداء ومنتجى التسجيلات الصوتية وهيئات الإذاعة (روما1961). كما عالجت عدداً من المسائل التى لم تتناولها هذه الاتفاقيات ، وطورت وعدلت بعض أحكامها بقصد تدعيم مستوى حماية حقوق الملكية الفكرية وترسيخها .
ونستعرض فيما يلى معايير حماية الملكية الصناعية فى اتفاقية التربس ، وسوف نخص بالذكر العلامات التجارية ، وبراءات الاختراع .

أولا : العلامات التجــارية
تناولت اتفاقية التربس المعايير المتعلقة بحماية الحقوق الناشئة عن العلامة التجارية فى القسم الثانى من الجزء الثانى من الاتفاقية فى المواد من 15-21 . وقد تضمنت هذه المواد مايلى :-

المواد القابلة للحماية Protectable Subject Matter
تعتبر علامة تجارية كل علامة تكون قادرة على تمييز السلع والخدمات التى تنتجها منشأة ما ، عن تلك التى تنتجها منشأة أخرى . وتدخل فى عداد العلامة التجارية الكلمات التى تشتمل على أسماء شخصية والحروف والأرقام والأشكال ومجموعات الألوان أو أى مزيج منها، وهى تصلح جميعها للتسجيل كعلامة تجارية ( المادة 15 فقرة 1 تربس).
ومن الغنى عن البيان أن التعداد المتقدم وارد على سبيل المثال لا على سبيل الحصر. وقد عدلت اتفاقية التربس وطورت ما تضمنته اتفاقية باريس للملكية الصناعية (تعديل استكهولم 1967) فيما يتعلق بالعلامة التجارية من عدة وجوه أهمها :
(أ‌) أن اتفاقية التربس لم تقصر العلامة التجارية على علامة السلعة ، بل أضافت إلى مفهوم العلامة التجارية علامة الخدمة ، ومن ثم تسرى على علامة الخدمة كافة المواد التى تعالج العلامة التجارية شأنها فى ذلك شأن علامة السلعة . وقد سارت اتفاقية قانون العلامات التجارية لسنة 1994 فى ذات اتجاه اتفاقية التربس .
(ب‌) أن اتفاقية التربس أبرزت خاصية العلامة التجارية فى تمييز السلع والخدمات، واتخذت خاصة التمييز كأساس تقوم عليه العلامة التجارية .
على أنه بالنسبة للعلامات التى لا تصلح بذاتها لتمييز السلع والخدمات ، فقد أجازت الاتفاقية للبلدان الأعضاء فى منظمة التجارة العالمية أن تشترط لتسجيل هذه العلامات اكتساب خاصية التمييز عن طريق الاستعمال . كما أجازت للدول أن تشترط لتسجيل العلامة أن تكون قابلة للإدراك بالنظر ، ومن ثم يجوز للبلدان الأعضاء استبعاد علامة الرائحة والعلامة الصوتية من التسجيل كعلامة تجارية (المادة 15 فقرة 1 تربس).
وقد جازت الفقرة الثالثة من المادة 15 من الاتفاقية للدول الأعضاء أن تشترط تشريعاتها لتسجيل العلامة سبق استعمالها ، حيث أن تشريعات بعض الدول تشترط استعمال العلامة قبل تسجيلها، وهذا هو الحال فى الولايات المتحدة الأمريكية وكندا.
ولا يجوز أن تحول طبيعة السلعة أو الخدمة التى يراد أن تستخدم العلامة فى تمييزها دون تسجيل العلامة ( مادة 15 فقرة 4).
وتلتزم الدول الأعضاء بنشر كل علامة تجارية إما قبل تسجيلها أو فى أعقاب التسجيل، وإتاحة فرصة معقولة لتقديم التماسات بإلغاء التسجيل . كما يجوز للدول إتاحة فرصة الاعتراض على تسجيل العلامة التجارية ( مادة 15 فقرة 5).

الحقوق الممنوحة Rights Conferred
ووفقا للفقرة الأولى من المادة 16/1 من اتفاقية التربس يتمتع صاحب العلامة التجارية المسجلة بالحق المطلق فى منع الغير من استعمال علامته التجارية أو أى علامة مشابهة لها بصدد السلع أو الخدمات التى تميزها العلامة ، أو السلع المماثلة التى يؤدى استعمال العلامة بصددها إلى احتمال حدوث لبس .
وهذا الحكم يضمن لصاحب العلامة التجارية حداً أدنى من الحقوق . ولم يكن لهذا الحكم مقابل فى اتفاقية باريس للملكية الصناعية التى لم تحدد مضمون حق صاحب العلامة التجارية.
ومن الجدير بالذكر أن اتفاقية باريس للملكية الصناعية تضمنت فى المادة 6 مكرر أحكاما تتعلق بالعلامة المشهورة well-known mark ؛ وأسبغت عليها الحماية ولو كانت غير مسجلة . غير أن اتفاقية باريس لم تضع أى ضابط لتحديد المقصود بالعلامة المشهورة ، مما أثار جدلا كبيرا واختلافا حادا فى وجهات نظر الدول الأعضاء فى اتحاد باريس، كما أن اتفاقية باريس تحدثت عن العلامة المشهورة بصدد علامة المنتجات دون علامة الخدمات.
وقد عالجت اتفاقية التربس العلامة المشهورة فى المادة 16 فقره 2، فقرة 3 ، وطورت أحكامها من عدة جوانب أهمها :
1. توسعت اتفاقية التربس فى مفهوم العلامة المشهورة فلم تقصرها على علامة السلعة، بل أدخلت فيها أيضا علامة الخدمة . ( المادة 16 فقرة 2 تربس ).
2. وضعت اتفاقية التربس ضابطا عاما يمكن للدول الأعضاء فى منظمة التجارة العالمية الاسترشاد به فى تحديد مفهوم العلامة المشهورة ، إذ نصت المادة 16 فقرة 2 على أنه ” … وعند تقرير ما إذا كانت العلامة التجارية مشهورة تراعى البلدان الأعضاء مدى معرفة العلامة التجارية فى قطاع الجمهور المعنى بما فى ذلك معرفتها فى البلد العضو المعنى نتيجة ترويج العلامة التجارية “.
3. توسعت الاتفاقية فى نطاق الحماية المقررة للعلامة المشهورة فحظرت استخدام العلامة المشهورة إذا كانت مسجلة على سلع أو خدمات غير مماثلة للسلع أو الخدمات التى تستخدم العلامة فى تمييزها، إذا توافر شرطين : الأول : أن يؤدى استخدام العلامة المشهورة على السلع أو الخدمات غير المماثلة إلى الاعتقاد بوجود صلة بين تلك السلع أو الخدمات غير المماثلة وصاحب العلامة المشهورة المسجلة . والثانى : أن يؤدى استخدام العلامة على سلع غير مماثلة إلى احتمال المساس بمصلحة صاحب العلامة وتعريضه للضرر .

الاســـتثناءات Exceptions
أجازت المادة 17 من الاتفاقية للبلدان الأعضاء أن تمنح استثناءات محدودة من الحقوق المقررة لصاحب العلامة التجارية ، شريطة مراعاة المصالح المشروعة لصاحب العلامة والغير .
ومن أمثلة هذه الاستثناءات: جواز الاستخدام العادل للعبارات الوصفية للسلعة أو الخدمة بمعرفة الغير، وقد تتضمن هذه العبارات الوصفية التعريف بالسلعة ومواصفاتها ودرجة جودتها. وكذلك استخدام الأسماء الشخصية والأسماء الجغرافية بحسن نية ومنشأ السلعة . ويشترط النص لجواز منح هذه الاستثناءات أن تكون محدودة، وأن تراعى المصالح المشروعة لصاحب العلامة التجارية .

مدة الحمايـــة Term of Protection
وفقا للمادة 18 من اتفاقية التربس فإن أقل مدة لحماية العلامة التجارية هى سبع سنوات. ومن حق مالك العلامة أن يطلب تجديد العلامة مرة أو عدة مرات متلاحقة إلى أجل غير مسمى.

وجوب استعمال العلامة Requirement of Use
ووفقا للمادة 19/1 من اتفاقية التربس ، إذا كان استعمال العلامة التجارية شرطا لازما لاستمرار تسجيلها، فلا يجوز شطب تسجيل العلامة إلا بعد مضى 3 سنوات متواصلة دون استعمالها ، ما لم يثبت صاحب العلامة وجود مبررات وجيهة تستند إلى وجود عقبات تحول دون الاستخدام ، مثل القيود التى قد تفرضها الحكومة على استيراد المواد الأولية التى تدخل فى صناعة السلعة التى تستخدم العلامة فى تمييزها، أو تضع قيودا على استعمالها .
ويعتبر استعمال العلامة التجارية بمعرفة شخص آخر برضاء صاحبها ، كما هو الحال فى عقود الترخيص ، بمثابة استخدام للعلامة لأغراض تسجيلها ( المادة 19/2).

تقييد استخدام العلامة بشروط أخرى Other Requirements
حظرت المادة 20 من اتفاقية التربس على الدول الأعضاء فى منظمة التجارة العالمية تقييد استخدام العلامة فى التجارة بشروط خاصة ، وخصت بالذكر :
(أ‌) تقييد استخدام العلامة عن طريق اشتراط وجوب استخدامها إلى جانب علامة تجارية أخرى ، كاشتراط استخدام العلامة الأجنبية إلى جانب علامة المنتج المحلى مع الربط بين العلامتين .
(ب‌) اشتراط استخدام العلامة بشكل خاص كاشتراط استخدام اسم نوعية المنتجات generic name – وخاصة المنتجات الدوائية – إلى جانب العلامة التجارية ، أو استخدامها بأسلوب يقلل من قدرتها على التمييز بين السلع والخدمات التى تنتجها منشأة معينة وتلك التى تنتجها منشأة أخرى .

الترخيص والتنازل Licensing and Assignment
أجازت المادة 21 من اتفاقية التربس للدول الأعضاء فى منظمة التجارة العالمية أن تضع شروطا للترخيص باستخدام العلامة التجارية أو التنازل عنها، غير أنها حظرت الترخيص الإجبارى باستخدام العلامة التجارية .
وقد أجازت المادة 21 لصاحب العلامة أن يتنازل عن العلامة التجارية بصفة مستقلة دون أن يرتبط التنازل عنها بالتنازل عن المنشأة التى تستخدم العلامة فى تمييز منتجاتها. وبينما يتفق هذا الحكم مع الوضع الذى كان معمولاً به فى التشريع الفرنسى قبل التربس وبعض التشريعات الأخرى ، إلا أنه يخالف تشريعات كثير من الدول الأخرى التى كانت لا تجيز التنازل عن العلامة إلا بالارتباط بالمتجر أو المشروع الذى تستخدم العلامة فى تمييز منتجاته أو خدماته .

ثانيا : براءات الاخـــتراع
خصصت اتفاقية التربس القسم الخامس من الجزء الثانى للمعايير الخاصة ببراءات الاختراع وتناولتها فى المواد من 27 إلى 34، وعالجت هذه المواد : المواد القابلة للحصول على براءات الاختراع ( المادة 27) ، الحقوق الممنوحة ( المادة 28) ، شروط التقدم بطلبات الحصول على براءات الاختراع ( المادة 29) ، الاستثناءات من الحقوق الممنوحة ( المادة 30)، الاستخدامات الأخرى بدون الحصول على موافقة صاحب الحق (المادة 31)، الإلغاء والمصادرة ( المادة 32)، مدة الحماية (المادة 33) ، براءات اختراع العملية الصناعية : عبء الإثبات (المادة 34). وقد فرضت هذه المواد على الدول الأعضاء توفير حد أدنى من مستويات الحماية يفوق مستويات الحماية المقررة فى تشريعات الدول النامية .
ونوضح فيما يلى بإيجاز أهم ما تتضمنه هذه المواد من أحكام :

المواد القابلة للحصول على براءات اختراع Patentable Subject Matter
1- مبدأ قابلية كافة الاختراعات للحصول على البراءة :
ألزمت اتفاقية التربس الدول الأعضاء بأن تتيح إمكانية الحصول على براءات إختراع لكافة الاختراعات سواء أكانت منتجات أم عمليات صناعية فى كافة ميادين التكنولوجيا ( ) .وقد أوجب هذا الحكم على جميع الدول الأعضاء حماية كافة طوائف الاختراعات عن طريق البراءة أيا كان المجال التكنولوجى الذى ينتمى إليه الاختراع إذا توافرت الشروط الثلاثة التى ذكرتها المادة 27/1 وهى : الجده ، والخطوة الابداعية ، والقابلية للتطبيق الصناعى.
ويلزم هذا الحكم الدول الأعضاء التى تستبعد الاختراعات الدوائية أو الكيميائية أو الغذائية من نطاق الحماية عن طريق البراءة، أو تقصر منح البراءة على الاختراعات المتعلقة بالطريقة الصناعية دون الاختراعات المتعلقة بالمنتجات بتعديل قوانينها بما يتوافق مع أحكام الاتفاقية ( ) . وقد وفقت الدول الاعضاء فى منظمة التجارة العالمية تشريعاتها لإتاحة منح براءة المنتج وبراءة الطريقة الصناعية عن الاختراعات الدوائية والكيميائية والغذائية، شأنها فى ذلك شأن الاختراعات التى تنتمى إلى المجالات التكنولوجية الأخرى .

2- مبدأ عدم التمييز بين الاختراعات :
كما أوجبت المادة 27/1 من الاتفاقية على الدول الأعضاء عدم التمييز بين الاختراعات فيما يتعلق بمنح البراءة أو التمتع بحقوق ملكيتها على أساس مكان الاختراع، أو المجال التكنولوجى الذى ينتمى إليه، أو ما إذا كانت المنتجات مستوردة أم منتجة محلياً.
ومن ثم لا يجوز للدول الأعضاء أن تميز فى المعاملة بين الاختراعات التى ابتكرت فى داخل إقليمها والاختراعات التى تم التوصل إليها فى الخارج سواء فيما يتعلق بإمكانية الحصول على البراءة، أو الحقوق التى تمنح لأصحابها، كما لا يجوز التفرقة فى المعاملة بين الاختراعات على أساس المجال التكنولوجى الذى ينتمى إليه الاختراع. ولا يقتصر تطبيق مبدأ المساواة فى المعاملة بين الاختراعات على المساواة فيما بينها من حيث إمكانية الحصول على البراءة ، بل يمتد تطبيق مبدأ المساواة ، إلى التمتع بحقوق ملكية البراءة .
ومن ثم فقد ألزمت الاتفاقية الدول الأعضاء التى تميز بين الاختراعات التى تنتمى إلى مجالات تكنولوجية مختلفة بأن تعدل هذا الحكم لتقرير المساواة فى المعاملة بين طوائف الاختراعات المختلفة من حيث شروط منح البراءة ، والتمتع بحقوق ملكيتها .
ومن الجدير بالذكر أن التفرقة فى المعاملة بين الاختراعات، من حيث مدة الحماية كانت مقررة فى تشريعات دول كثيرة، وخصوصاً فى الدول النامية. ففى مصر مثلا كان قانون براءات الاختراع والرسوم والنماذج الصناعية الملغى رقم 132 لسنة 1949 يحدد فى المادة 12 منه مدة البراءة بخمسة عشر سنه تبدأ من تاريخ طلب البراءة ، ويجوز تجديدها مرة واحدة لمدة لا تجاوز خمس سنوات، غير أن البراءة التى تمنح عن الاختراعات الكيميائية المتعلقة بالأغذية أو العقاقير الطبية أو المركبات الصيدلية ( وهى براءة الطريقة الصناعية دون براءة المنتج) كانت مدتها عشر سنوات غير قابلة للتجديد ( ). وحيث أن المادة 27/1 من اتفاقية التربس تلزم الدول الأعضاء بعدم التفرقة فى المعاملة بين الاختراعات فقد أوجب هذا الحكم على جميع الدول الأعضاء التى تتضمن تشريعاتها أحكاماً تماثل ما كان يتضمنه القانون المصرى إلغاء التفرقة فى المعاملة بين الاختراعات الدوائية والكيميائية والغذائية وغيرها من طوائف الاختراعات الأخرى . ولذلك فقد جعل قانون حماية حقوق الملكية الفكرية المصرى الجديد رقم 82 لسنة 2002 مدة الحماية بالنسبة لبراءة الاختراع 20 سنة دون تفرقة بين براءة المنتج و براءة الطريقة الصناعية, و دون تفرقة بين المجال التكنولوجي الذى ينتمى إليه اختراع و المجال التكنولوجي الذى ينتمى إليه اختراع آخر.
وبالإضافة إلى ذلك أوجبت المادة 27/1 من اتفاقية التربس على الدول الأعضاء أن تمنح براءات اختراع ويتم التمتع بحقوق ملكيتها دون تمييز بين الاختراعات فيما يتعلق بما إذا كانت المنتجات مستوردة أم منتجة محلياً . وقد نصت على ذلك بقولها ” … تمنح براءات الاختراع ويتم التمتع بحقوق ملكيتها دون تمييز فيما يتعلق بـ .. أو …أو ما إذا كانت المنتجات مستوردة أم منتجة محلياً ” .
وقد قيل فى تفسير هذا النص أنه يفرض على الدول الأعضاء إلغاء الالتزام بالاستغلال الصناعى للاختراع فى إقليم الدولة المانحة للبراءة وهو التزام تفرضه كثير من التشريعات المقارنة – وخاصة فى الدول النامية – على مالك البراءة لجذب الاستثمارات الأجنبية ودفع عجلة التنمية الصناعية والاقتصادية. غير أن هذا التفسير لم تأخذ به تشريعات بعض الدول النامية . ففى البرازيل لم يأخذ قانون الملكية الصناعية البرازيلى رقم 279-9 الصادر فى 14 مايو 1996 بهذا التفسير ، وفرضت المادة 68 منه على صاحب البراءة استغلال اختراعه فى البرازيل استغلالا صناعيا. وقد اعترضت الولايات المتحدة الأمريكية على هذا النص وتقدمت بشكوى لجهاز تسوية المنازعات بمنظمة التجارة العالمية بدعوى مخالفة البرازيل لأحكام المواد 27 ، 28 من اتفاقية التربس والمادة III من جات 1994 ( ) . وبعد أن تم إنشاء فريق تحكيم للنظر فى النزاع أخطر طرفى النزاع جهاز تسوية المنازعات فى 5 يوليه 2001 بالتوصل إلى حل ودى للنزاع .

3– الاستثناءات التى يجوز تقريرها على مبدأ قابلية جميع الاختراعات للحصول على البراءة
أجازت الاتفاقية للدول الأعضاء أن تستثنى من قابلية الحصول على البراءة ثلاث طوائف من الاختراعات هى :
• الاختراعات التى يكون منع استغلالها تجاريا فى أراضيها ضروريا لحماية النظام العام أو الأخلاق الفاضلة بما فى ذلك حماية الحياة أو الصحة البشرية أو الحيوانية أو النباتية أو لتجنب الإضرار الشديد بالبيئة.
• طرق التشخيص والعلاج والجراحة اللازمة لمعالجة البشر أو الحيوانات .
• النباتات والحيوانات ( خلاف الكائنات الدقيقة ) والطرق البيولوجية فى معظمها لإنتاج النباتات أو الحيوانات ( خلاف الأساليب والطرق غير البيولوجية والبيولوجية الدقيقة).

ومن الجدير بالذكر أن استثناء طرق التشخيص والعلاج والجراحة اللازمة لمعالجة البشر أو الحيوانات لا يمتد إلى الأدوات الطبية ولا المنتجات الدوائية .
وتتفق الاستثناءات المتقدمة التى أجازت اتفاقية التربس للدول أن تقررها مع ما هو مقنن فى تشريعات معظم الدول الأوروبية . وهذا الحكم مقرر أيضا فى اتفاقية ميونيخ 1973 بشأن البراءة الأوروبية .

4- حماية الأصناف النباتية الجديدة
ورغم أن اتفاقية التربس أجازت للدول الأعضاء فى منظمة التجارة العالمية استثناء النباتات من قابلية الحصول على براءة اختراع، إلا أنها أوجبت عليها أن تحمى الأصناف النباتية الجديدة أما عن طريق براءات الاختراع ، أو عن طريق نظام فريد من نوع خاص ، أو عن طريق نظام مزيج منهما .
ومن الغنى عن البيان أن من مصلحة الدول النامية ألا تحمى الأصناف النباتية الجديدة عن طريق براءة الاختراع ، وأن تضع نظاما خاصا لحمايتها يتفق مع مصالحها الوطنية . ويمكن للدول الأعضاء فى منظمة التجارة العالمية أن تسترشد عند وضع نظام خاص للحماية بالاتفاقية الدولية لحماية الأصناف النباتية الجديدة المعروفة باتفاقية اليوبوف (UPOV) .

الحقوق الممنوحــــة Rights Conferred
1- براءة المنتج :
وفقا لحكم المادة 28-1(أ) من الاتفاقية يكون من حق صاحب البراءة إذا كان موضوعها منتجا ماديا ( براءة المنتج ) ، منع الغير من صنع أو استخدام أو عرض للبيع أو بيع أو استيراد المنتج لهذه الأغراض. ويحظر على الغير القيام بأى فعل من هذه الأفعال ما لم يحصل على موافقة مالك البراءة .
ولقد توسعت المادة 28-1(أ) فى تعداد الحقوق الاستئثارية المقررة لصاحب البراءة ، فلم تقصر حقوق صاحب البراءة على الحق فى منع الغير من صنع المنتج أو استخدامه أو بيعه ، بل أضافت إلى قائمة الفعال المحظورة على الغير عرض المنتج موضوع البراءة للبيع أو استيراده للأغراض المتقدمة .

2– براءة الطريقة الصناعيــة :
وفقا لحكم المادة 28-1(ب) يكون من حق مالك براءة الطريقة الصناعية أن يمنع الغير من الاستخدام الفعلى للطريقة الصناعية فى الإنتاج. ويمتنع على الغير استخدام أو عرض للبيع أو بيع أو استيراد المنتج الذى يتم الحصول عليه مباشرة بهذه الطريقة للأغراض المتقدمة، ما لم يحصل على موافقة مالك البراءة .
وقد توسعت المادة 28-1(ب) إلى حد بعيد فى نطاق الحقوق الاستئثارية التى منحتها لمالك براءة الطريقة الصناعية ، فلم تقصر حق مالك البراءة على منع الغير من تصنيع المنتج باستخدام الطريقة الصناعية موضوع البراءة ، بل أضافت إلى ذلك حق مالك البراءة فى منع الغير من استخدام أو عرض للبيع أو بيع أو استيراد المنتج الذى يتم الحصول عليه مباشرة بهذه الطريقة لهذه الأغراض. ويلزم هذا الحكم الدول الأعضاء فى منظمة التجارة العالمية بأن تمنح قوانينها مالك براءة الطريقة الصناعية حقوقا استئثارية على المنتج ذاته ، لا على طريقة تصنيعه فحسب .
وقد بلغ مستوى الحماية الذى قرره هذا الحكم حداً يفوق مستويات الحماية المقررة لبراءة الطريقة الصناعية فى كثير من التشريعات المقارنة .

3- التصرف فى البراءة :
عالجت المادة 28-2 من اتفاقية التربس أهم التصرفات التى يكون من حق مالك البراءة القيام بها ، وهذه التصرفات ترد على البراءة على اعتبار أن لها قيمة مالية .
وقد أوجبت المادة 28-2 من الاتفاقية على الدول الأعضاء إقرار حق مالك البراءة فى التنازل عنها للغير the right to assign the patent وانتقال ملكيتها بالإرث transfer by succession ، وحق مالكها فى إبرام عقود ترخيص باستغلالها licensing contracts .
ويقصد بالتنازل عن البراءة للغير نقل ملكيتها للغير بعوض أو بغير عوض ، ومن أهم صور التنازل عن البراءة بعوض بيع البراءة أو تقديمها كحصة عينية على سبيل التمليك فى رأس مال شركة. أما التنازل عن البراءة بدون عوض فيعتبر هبة للبراءة.
وقد يكون التنازل عن البراءة كليا وفى هذه الحالة يكتسب المتنازل إليه كافة الحقوق التى كانت ثابتة لصاحب البراءة المتنازل عدا حقه الأدبى فى أبوة الاختراع. وقد يكون التنازل جزئيا لا ينصب إلا على بعض حقوق المتنازل دون البعض الآخر.

شروط يجب توافرها فى طلب الحصول على براءات الاختراع
Condition on Patent Applications
تلزم التشريعات المقارنة المخترع عند ايداع طلب الحصول على البراءة بالإفصاح الكامل عن الاختراع باسلوب واضح يكفى لتمكين أى شخص لديه الخبرة الفنية فى مجال التخصص الذى ينتمى إليه الاختراع من تنفيذه . وقد أوجبت المادة 29/1 من اتفاقية التربس على البلدان الأعضاء أن تلزم من يتقدم بطلب الحصول على البراءة بذلك. كما أجازت للدول الأعضاء أن تشترط على المتقدم أن يبين أفضل اسلوب يعرفه المخترع لتنفيذ الاختراع فى تاريخ التقدم بالطلب أو فى تاريخ أسبقية الطلب المقدم حين تزعم الاسبقية . وهذا يقتضى من المخترع أن يكشف عن كافة المعارف الفنية والتكنولوجية والمعلومات اللازمة لتنفيذ الاختراع على أفضل وجه .
كما أجازت المادة 29/2 للبلدان الأعضاء أن تشترط على من يتقدم بطلب للحصول على براءة اختراع تقديم المعلومات المتعلقة بالطلبات المماثلة التى تقدم بها فى دول أجنبية أو البراءات التى حصل عليها فيها .

الاستثناءات من الحقوق الممنوحـــة Exceptions to Rights Conferred
تجيز المادة 30 من اتفاقية التربس للبلدان الأعضاء فى منظمة التجارة العالمية منح استثناءات محدودة من الحقوق الاستئثارية الممنوحة بموجب براءة الاختراع شريطة ألا تتعارض هذه الاستثناءات بصورة غير معقولة مع الاستغلال العادى للبراءة ، وألا تخل بصورة غير معقولة بالمصالح المشروعة لصاحب البراءة مع مراعاة المصالح المشروعة للغير .
ومن الأمثلة على الاستثناءات المقررة فى التشريعات المقارنة على الحقوق الاستئثارية الممنوحة بموجب البراءة استخدام الغير للاختراع فى مجال البحث العلمى، والأغراض التعليمية ، وإجراء التجارب عليه للوقوف على الأسرار التى لم يفصح عنها المخترع. وكذلك الأعمال التى تقتصر على نطاق محدود وتتخذ طابعا خاصا مثل الاستعمال الشخصى للاختراع لأغراض غير تجارية ، وتحضير الدواء المشمول بالحماية عن طريق البراءة فى الحالات الفردية طبقا لتذكرة العلاج التى يعدها الطبيب المعالج ، وتصنيع الأدوية المحمية بقصد الحصول على الموافقة التسويقية من الجهات المسئولة فى الدولة عن الصحة العامة قبل طرحها للبيع.

الاستخدامات الأخرى بدون الحصول على موافقة صاحب الحق :
Other Use Without Authorization of the Right Holder
وقد تناولت المادة 31 من اتفاقية التربس الاستخدامات الأخرى للاختراع بمعرفة الغير بدون الحصول على موافقة صاحب الحق ، وهذه الاستخدامات على نوعين هما : استخدام الاختراع بمعرفة الحكومة ، والترخيص الإجبارى للغير باستغلال الاختراع.
وقد وضعت المادة 31 شروطا صارمة لاستخدام البراءة بدون الحصول على موافقة صاحب الحق ، وقيدت بذلك استخدام الترخيص الإجبارى . ويلاحظ أن حالات منح الترخيص الإجبارى التى ذكرتها المادة 31 لم ترد على سبيل الحصر ، بل وردت على سبيل المثال ، ومن ثم يجوز لتشريعات الدول الأعضاء أن تقرر منح تراخيص اجبارية فى أى حالات أخرى بخلاف الحالات التى وردت فى المادة 31 إذا ما توافرت الشروط التى ذكرتها المادة 31 تربس .

الإلغاء والمصادرة Revocation / Forfeiture
وفقا للمادة 32 من اتفاقية التربس يجب على الدول الأعضاء فى منظمة التجارة العالمية أن تتيح فرصة الطعن أمام القضاء فى أى قرار بإلغاء أو مصادرة الحق فى براءة الاختراع .

مدة الحمايـــة Term of Protection
وضعت المادة 33 من اتفاقية التربس حداً أدنى لمدة الحماية المقررة للاختراع الذى تمنح عنه البراءة ، وهى مدة عشرين سنة على الأقل تحسب اعتباراً من تاريخ التقدم بطلب الحصول على البراءة .

براءات اختراع الطريقة الصناعية : عبء الإثبات
Process Patents : Burden of Proof
من القواعد الأصولية المقررة فى مجال الإثبات فى كل الشرائع القانونية أن ” البينة على من ادعى ، واليمين على من أنكر ” . ومن ثم فإن الأمر يقتضى إذا ادعى مالك براءة الطريقة الصناعية وقوع اعتداء على حقوقه المقررة بموجب البراءة عليه عبء إثبات أن المنتج المطابق محل الإدعاء قد تم تصنيعه باستخدام الطريقة الصناعية المشمولة ببراءة الاختراع .
ولما كان من الصعب على مالك البراءة إثبات ذلك ، خاصة فى مجال الصناعات الكيميائية والدوائية ، فقد طالبت الدول المتقدمة فى مفاوضات جولة أورجواى بتعديل هذا الوضع عن طريق تعديل قواعد الإثبات لمصلحة مالك البراءة تدعيما لحقوقه . وقد وضعت المادة 34 من اتفاقية التربس لتحقيق هذا الغرض، فقررت نقل عبء الإثبات فى الدعاوى المدنية المتعلقة ببراءة الطريقة الصناعية من المدعى إلى المدعى عليه بالمخالفة للقواعد الأصولية للإثبات فى كل الشرائع القانونية .
وقد أوجبت الفقرة الأولى من المادة 34 على الدول الأعضاء فى منظمة التجارة العالمية أن تخول للسلطات القضائية صلاحية نقل عبء الإثبات إلى المدعى عليه وذلك بأن تأمره بإثبات أنه قام بتصنيع المنتج المطابق بطريقة تختلف عن الطريقة الصناعية المشمولة ببراءة اختراع الطريقة الصناعية . وتلتزم الدول الأعضاء بأن تقيم فى تشريعاتها قرينة بسيطة مضمونها أن المنتج المطابق قد تم الحصول عليه باستخدام الطريقة الصناعية المشمولة ببراءة الاختراع فى إحدى الحالتين التاليتين على الأقل :
(أ‌) إذا كان المنتج الذى تم الحصول عليه وفق الطريقة الصناعية المشمولة ببراءة الاختراع جديداً،
(ب‌) إذا توفر احتمال كبير فى أن يكون المنتج المطابق قد صنع وفق هذه الطريقة ، ولم يتمكن صاحب الحق فى براءة الاختراع من تحديد الطريقة التى استخدمت فعلا من خلال بذل جهود معقولة فى ذلك السبيل .
وقد أوضحت الفقرة الثانية من المادة 34 أن الدول الأعضاء يجوز لها أن تقصر نقل عبء الإثبات إلى المدعى عليه على حالة واحدة فقط من الحالتين المتقدمتين .
ووفقا للفقرة الثالثة من المادة 34 إذا ما قدم المدعى عليه دليلا خص به الادعاء الموجه ضده يتعين أن تؤخذ فى الاعتبار مصالحه المشروعة وذلك باتخاذ الإجراءات الكفيلة بحماية أسراره الصناعية والتجارية .