مقال قانوني بعنوان موقف المحكم الدولي من قانون الإرادة في العقود الدولية

لا بد لنا من الحديث عن مشكلة بالنسبة للقانون الذي يحكم موضوع النزاع لحالات التحكيم التجاري الدولي التي تكون الدولة أو إحدى هيئاتها أو مؤسساتها العامة فيها طرفا في عقد من عقود التجارة الدولية مع طرف أخر من أشخاص القانون الخاص كالأفراد أو الشركات الخاصة من رعايا الدول الأخرى وهي العقود التي اصطلح على تسميتها بالاتفاقيات شبة الدولية مثل عقود الامتياز التي تبرم بين الدول والشركات الأجنبية الخاصة بشأن استغلال أو استخراج الثروات الطبيعية كالبترول والمناجم، أو عقود التوريدات الصناعية، أو عقود استيراد أو استغلال التكنولوجيا، أو الاستثمارات بين الدول ورعايا الدول الأخرى[1].

وإذا كان صحيحا أن الكثير من العقود التي تبرم بين الدولة أو إحدى هيئاتها أو مؤسساتها العامة وبين رعايا الدول الأخرى من الأشخاص الخاصة، تخضع المنازعات التي تثور بشأنها لنظام التحكيم، وإذا كان صحيحا كذلك أن قانون الإرادة الصريحة هو الذي يسري في هذه الحالة، ولو لم يكن هو قانون الدولة طرف النزاع ما دامت هذه الدولة قد ارتضت ذلك وهذا ما تشير إليه المادة (43) من اتفاقية واشنطن (لسنة 1965) المعروفة باسم الاتفاقية الخاصة بتسوية المنازعات المتعلقة بالاستثمارات بين الدول ورعايا الدول الأخرى، والتي تنص على أن (سريان القانون الذي يختاره المتعاقدان وإلا سرى قانون الدولة المضيفة للاستثمارات).

إذا كان ذلك صحيحا فإن تحديد القانون الذي يحكم موضوع المنازعة في حالة عدم الاختيار الصريح لقانون معين يثير الكثير من الجدل بل و الصعاب من ناحيتين: الأولى، من حيث مبدأ الحصانة القضائية للدولة الذي يعني عدم خضوع الدولة طرف النزاع لقانون أجنبي ولو كان قانونا محايدا. والثانية، فإنه أحيانا يتضمن تشريعات الدول نصوصا وطنية تحدد القانون أو القواعد التي تحكم النزاع في مثل هذه الحالة فضلا عما قد تحتويه أحيانا بعض هذه العقود من إشارات ذات طابع سياسي تتعلق بضرورة احترام مبدأ سيادة الدولة على ثرواتها الطبيعية الذي لا بد وأن تنعكس آثاره بصورة أو بأخرى على الحلول القانونية للمنازعات التي تثور بشأنها. إلا أن هناك اتجاها آخر يرى أنه في مثل هذه العلاقة التعاقدية بين الدولة ورعايا الدول الأخرى يجب التفرقة بين ما إذا كانت العلاقة التعاقدية تتعلق بسيادة الدولة ومرافقها العامة، وفي هذه الحالة يتعين إبعاد النزاع فيها عن مجال التحكيم التجاري، وعلى العكس إذا تعلق نشاط الدولة في مثل هذه العلاقة بنشاطات ذات طابع تجاري تنزل فيه منزلة الأفراد فإنه يكون من الطبيعي خضوع المنازعات التي تتعلق بهذا النوع من النشاط لنظام التحكيم التجاري. إن أحكام القضاء الداخلي وقرارات التحكيم التجاري الدولي تتضارب في القانون الذي يحكم موضوع المنازعات في مثل هذه العقود وذلك في حال غياب الاختيار الصريح لقانون وطني معين.

[1]- د. جورج حزبون، النظام القانوني للتحكيم الأجنبي في القانون الداخلي، مرجع سابق، ص 131.