الإسلام والتأمينات الاجتماعية
مدخل تعريفى

إعـــداد
دكتور محمد عبد الحليم عمر
أستاذ المحاسبة
مدير مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامي
جامعة الأزهر

فى الفترة من 13-15 أكتوبر 2002م

تقديم:
لقد كرم الله سبحانه وتعالى الإنسان ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي ءَادَمَ﴾ (الإسراء: 70) وخلق له ما يجعله يعيش حياة كريمة مستقرة في الدنيا والآخرة فيقول سبحانه وتعالى ﴿وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ﴾ (البقرة: 36) ويقول عز وجل ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا﴾ (البقرة: 29) وسخر الكون للإنسان لقوله تعالى ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ﴾ (الجاثية: 13) ومعنى التسخير هو جعلها في متناول يده ونطاق عقله وقدرته لينتفع بها، وهذا لكل الناس عامة بصفتهم عباد الله عز وجل خالقهم ورازقهم،

ومن حكمة الله عز وجل وتقديره أن فضل بعض عباده على بعض في الرزق فيقول سبحانه ﴿وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ﴾ (النحل: 71) وأمر الأغنياء برعاية الفقراء ﴿وَءَاتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي ءَاتَاكُمْ﴾ (النور: 33) كما أمر بمواساة من تحل به بلوى وإعانتهم لتخفيف ما حل بهم في إطار من التعاون والتكافل الاجتماعي فيقول سبحانه ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ (المائدة: 2) وشرع الله سبحانه وتعالى أساليب عديدة لتحقيق هذا التعاون والتكافل الاجتماعى منها الزكاة والصدقات والأوقاف وغيرها، والتأمينات الاجتماعية نظام يعمل على توفير دخل مستمر للإنسان ولذويه بعد أن ينقطع دخله لعجزه عن العمل أو شيخوخته أو وفاته أو توفير تكاليف العلاج من مرض يصيبه في إطار من مسئولية الدولة عن رعاية مواطنيها والتكافل بين أفراد المجتمع، وفي هذه الورقة نحاول أن نبين موقف الإسلام من التأمينات الاجتماعية لبيان مدى تمشيها مع نظم الحماية الاجتماعية التى قررها الإسلام وبيان الحكم الشرعى عليها وعلى الإجراءات التى تتم بها، وذلك كله وفق التنظيم التالي:

المبحث الأول: الأمن حاجة إنسانية والتأمين مطلب إسلامي
المبحث الثاني: مفهوم وخصائص ومزايا التأمينات الاجتماعية
المبحث الثالث: التأمينات الاجتماعية في ميزان الإسلام

المبحث الأول
الأمن حاجة إنسانية، والتأمين مطلب إسلامي

لأن التأمين بشكل عام يوفر الأمن للإنسان والتأمينات الاجتماعية إحدى صور هذا التأمين لذلك نبدأ ببيان موقف الإسلام من توفير الأمن بواسطة التأمين وبيان أنواع التأمينات المعاصرة بحسب أسلوب ممارستها والحكم الشرعى عليها وذلك كمدخل لبيان موقف الإسلام من التأمينات الاجتماعية.

أولا: الأمن حاجة إنسانية
الإنسان هو الكائن الوحيد الذى يعيش الزمن بكل أبعاده الثلاثة، الماضى منه بالتاريخ والذكريات والخبرات والتجارب التي يستفيد منها، والحاضر بالمعايشة إن كان خيرا يخشى فواته، وإن كان شرا يتمنى زواله، كما يعيش المستقبل بالأمل، ولكن المستقبل مجهول والإنسان يخاف المجهول، لذلك فحياة الإنسان قائمة في كل وقت على الرجاء والخوف،

وكما أن الإنسان يحتاج لبناء جسمه ونمائه للطعام والشراب والشرب والملبس والمسكن (الحاجات الفسيولوجية) فإنه يحتاج إلى الأمن للاستقرار والراحة النفسية (الحاجات السيكولوجية) وهكذا تتحدد حاجات الإنسان في الدنيا في نوعين هما: الحاجات الفسيولوجية، والتي من والتي من أهمها الطعام والحاجات النفسية والتى من أهمها الأمن، وهذا ما توصل إليه العلماء وسجلوه في مؤلفات العلوم السلوكية وفق ما يعرف بنموذج ماسلو للحاجات الإنسانية، وسبحان الله العلىّ الحكيم خالق الإنسان وأعلم بما يحتاجه ويصلحه،

فقبل أن يجهد العلماء أنفسهم ويختلفوا فيما بينهم في نظريات تحديد الحاجات الإنسانية إلى أن انتهوا إلى أنها تتحدد إجمالا في ما يلزم لبناء وصيانة الجسم (الحاجات الفسيولوجية) وبناء النفس وصيانتها (الحاجات السيكولوجية) نجد القرآن الكريم تناول في تحديد واضح واستقرار بيّن هذه الحاجات في مواطن عديدة حيث اعتبر إشباع هذه الحاجات نعمة يمتن الله سبحانه بها على عباده في قوله تعالى ﴿فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَءَامَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾ (قريش: 3،4) وأملا دعى سيدنا إبراهيم  ربه في قوله تعالى ﴿رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا ءَامِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ﴾ (البقرة: 126) ونقيض الشبع والأمن عتابا لمن يخرج عن منهج الله في قوله تعالى ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا قَرْيَةً كَانَتْ ءَامِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾ (النحل: 112) ويأتى الرسول  ويوضح أن إشباع هذه الحاجات يوميا يمثل قمة الغنى في الدنيا حسب نص الحديث الشريف “من بات آمنا في سربه معافا في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا”.

وهكذا نصل إلى أن الأمن من الحاجات الإنسانية التي أقرها الإسلام، والتأمين إحدى الوسائل التى تحقق الأمن، وبالتالي فهو مطلب إسلامي كما نوضحه في الفقرة التالية:

ثانيا: التأمين مطلب إسلامي
لكى يمكن للإنسان العيش بسلام لابد له من إشباع حاجاته السابق ذكرها، ولكى يمكنه إشباع هذه الحاجات لابد له من دخل يوفر له المال اللازم للإنفاق على شراء السلع والخدمات وهو اليوم قد يكون صحيحا سليما يمكنه السعى لكسب رزقه والحصول على دخله ولكن عوادى الأيام وتصاريف القدر تحمل في طياتها انقطاع الدخل أو نقصانه في المستقبل بالشيخوخة أو العجز أو الوفاة وترك عائلة لا عائل لها سواه، وهذا ما يؤرقه ويجعله في حالة خوف من المستقبل المجهول، ولذلك فهو يدخر من دخله الحالى لمواجهة مخاطر نقص الدخل أو فقدانه بما يحقق له الأمن على مستقبله ومن يعولهم،

وهذا مطلب إسلامي لقول الرسول  “رحم الله امرءاً اكتسب طيبًا وانفق قصدًا وقدم فضلاً ليوم حاجته” ففي هذا الحديث الشريف إشارة إلى أنه على المرء أن يعمل وهو في صحته ليكتسب دخلا ينفق منه على حاجياته باقتصاد واعتدال أى بدون سرف وتبذير أو تقتير ويدخر جزءا منه (قدم فضلاً) لوقت حاجته حينما ينقطع الدخل أو ينقص، ويؤكد ذلك قول الرسول  لأحد الصحابة “أمسك عليك بعض مالك فهو عَّدة لك” أى لا تنفق كل دخلك الحاضر بل ادخر جزءا منه للأيام المقبلة،

ولكن قد تطرأ على الإنسان حاجة في مستقبل الأيام لا تكفى مدخراته عن مواجهتها، وهنا يأتى التعاون بين الناس بتجميع مدخراتهم معا وتعويض من يتعرض لمخاطر منهم من هذه المدخرات، والتعاون من القيم الإسلامية العالية التى أمر بها رب العزة في قوله تعالى ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ (المائدة: 2) ومن معانى البر في القرآن الإنفاق والبذل للآخرين المحتاجين لقوله تعالى ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ (آل عمران: 92) وإذا كان التأمين بشكل عام يقوم على تضامن مجموعة من الناس على تعويض المخاطر التى تصيب أحدهم من المال المجمع منهم في صورة أقساط فإنه بذلك يكون مطلبًا إسلاميًا من حيث فكرته القائمة على طلب الأمن والادخار والتعاون، غير أن أسلوب ممارسة التأمين في الحياة المعاصرة يأخذ أشكالاً عدة نتعرف عليها وعلى موقف الإسلام منها في الفقرة التالية:

ثالثا: أنواع التأمين وموقف الإسلام منها:
تنقسم أنواع التأمين المعاصرة إلى عدة أقسام من أهمها ما يلي:
التقسيم الأول: أنواع التأمينات بحسب نوع الخطر المطلوب مواجهته:
فيوجد منها ثلاثة أنواع هى: (التأمين على الأشياء والممتلكات) ضد ما قد يصيبها من مخاطر السرقة أو الحريق أو الاتلاف بأى صورة، و(التأمين على المسئولية) ضد التقصير في أداء المسئوليات المنوطة بشخص، وترتب على ذلك خسارة للغير يتم تعويضها من مال التأمين، ثم (التأمين على الأشخاص)

والذى كان يسمى قديما التأمين على الحياة والذى هو في حقيقته تأمين على فقدان الدخل أو نقصه بالعجز أو الوفاة أو الشيخوخة ولأنها جميعا متصلة بحياة الإنسان وشخصيته لذلك سميت بالتأمين على الحياة أو التأمين على الأشخاص، ولقد وجد خلاف بين علماء الشريعة الإسلامية في بداية ظهور التأمين حول مدى الجواز الشرعى لهذه الأنواع من التأمينات،

حيث أجازوا التأمين على الأشياء والممتلكات، والتأمين على المسئولية، وتحفظ البعض على التأمين على الحياة لفهم أن في ذلك تحدٍ للقدر، ولكن بالبحث المتواصل يمكن القول أن المجامع الفقهية والباحثين الشرعيين انتهوا إلى الجواز الشرعى لكل أنواع التأمينات بحسب أنواع المخاطر المطلوب مواجهتها.

التقسيم الثاني: من حيث أسلوب ممارسة التأمين:
يوجد منها الأنواع التالية:
أ – التأمين التعاونى أو التكافلى البسيط:
وهو الذى يتم بين مجموعة من الأفراد تجمعهم رابطة عمل أو مهنة أو حتى قرابة ويتم تنظيم التأمين فيما بينهم إما بأسلوب الدفع عند الاستحقاق وهو استعداد كل منهم للإسهام في دفع مبلغ لمن يصيبه منهم خطر ما لتعويضه عن الخسائر التى تلحق به مثل من يحرق بيته أو سيارته أو يتوفى ويترك أسرة ليس لها دخل، أو بأسلوب الرصيد التراكمى بدفع اشتراك شهرى أو سنوى وإنشاء صندوق تكافل ويتم دفع التعويض من الاشتراكات المجمعة والباقى (الفائض) يستثمر لزيادة موارد الصندوق.
ولقد انتهى الاجتهاد الفقهى المعاصر على جواز هذا النوع من التأمين.

ب- التأمين التجارى:
وهو الذى يتم من خلال شركة تأمين ينشئها مجموعة من المستثمرين (المساهمين) وتحصل أقساط دورية من الراغبين في التأمين على أنفسهم أو ممتلكاتهم مقابل التعهد بأن تدفع التعويض المقرر في العقد عند وقوع الخطر المؤمن ضده لأى منهم، على أن تستحق الشركة الفائض التأميني وعائئد استثماره، وهذا النوع هو المنتشر الآن في صورة شركات التأمين المعروفة.

ولقد اختلف الفقهاء المعاصرون حول مشروعية هذا النوع فبعضهم يرى جوازه والغالبية منهم ترى عدم جوازه للآتي:

1- أن فيه أكلا لأموال الناس بالباطل، لأن الشركة تستحوذ على الفائض التأميني (الفرق بين مجموع الاشتراكات المحصلة وبين التعويضات التى تدفعها) وعلى عائد استثمار هذا المبلغ.
2- أن الشركة تستثمر جزءا من الأموال في صورة إقراض أو إيداع في البنوك بفوائد ربوية.

جـ- التأمين الإسلامي:
ويسمى أحيانًا التأمين التكافلي أو التعاونى المركب: ويتم من خلال شركات أنشئت لهذا الغرض في بعض دول العالم الإسلامي يبلغ عددها حوالى 66 شركة، وهى تقوم بكل الخدمات التأمينية التى تقوم بها شركات التأمين التجارى بأسلوب يبعد عن المحظورات الشرعية السابق الإشارة إليها ويتم ذلك عن طريق اعتبار أقساط التأمين مال مضاربة يستثمر لصالح المؤمن عليهم الذين يتفق معهم في عقد التأمين على تبرعهم بجزء من هذا المال لدفع التعويضات عن الأخطار التى تقع على أحدهم وبالتالى فالعلاقة بين الشركة والمؤمن عليهم تقوم على الآتي:

– اعتبار الأقساط مال مضاربة تستثمره الشركة وتوزع عوائد الاستثمار بين المؤمن عليهم مقابل مالهم والشركة مقابل عملها في إدارة هذه الاستثمارات وهو ما يعرف بالتأمين مع المشاركة في الأرباح.

– تحصل الشركة على أجر محدد يذكر في العقد عن إدارتها لعمليات التأمين.

– الفائض التأميني ملك للمؤمن عليهم ويحق لأى منهم ما لم يحصل على تعويض أن يسترده في نهاية عقد التأمين.

ومن الجدير بالذكر أن بعض شركات التأمين التجارى في أمريكا وبريطانيا ومصر بدأت الأخذ بهذا الأسلوب في بعض وثائقها التأمينية تحت مسمى “التأمين مع المشاركة في الأرباح، والحق في استرداد المؤمن عليهم لما دفعوه من أقساط في نهاية العقد ما لم يحصلوا على تعويضات”، الأمر الذى يؤكد صحة الموقف الإسلامي من ممارسة التأمين.

د- التأمينات الاجتماعية:
وهى إحدى نظم الحماية الاجتماعية التى تتولاها الدولة عن طريق تحصيل اشتراكات من المواطنين خاصة الموظفين وتعويضهم في صورة معاش أو راتب شهرى حينما يحالون إلى التعاقد أو يصيبهم عجز عن العمل أو الصرف لذويهم بعد وفاتهم.

ولكى نتعرف على موقف الإسلام من هذا النوع الأخير (محل هذا البحث) فإنه يلزم أولا التعرف على مفهومه وخصائصه ومزاياه لأن الحكم الشرعى على الشئ فرع عن تصوره، وهذا ما سنتناوله في المبحث التالي.

المبحث الثاني
مفهوم وخصائص ومزايا التأمينات الاجتماعية

أولا: مفهوم التأمينات الاجتماعية:
توجد عدة مداخل يمكن من خلالها تعريف التأمينات الاجتماعية نختار منها مدخل النظم والذى يمكن القول من خلاله إن “التأمينات الاجتماعية نظام إجبارى يلتزم من خلاله الأفراد العاملين وأصحاب الأعمال والدولة بدفع أقساط دورية للجهة الحكومية التى تدير المال المتجمع من هذه الأقساط باستثماره ودفع دخل شهرى حينما يتوقف العامل عن العمل إما لعجزه أو بلوغه سن التقاعد أو دفع تكاليف علاجه أو الدفع لمن يعولهم بعد وفاته”.

ثانيا: خصائص التأمينات الاجتماعية: ومن أهمها ما يلي:
1- أنه نظام إجبارى يلزم بالاشتراك فيه جميع العاملين في الدولة وأصحاب الأعمال وفي بعض الأحيان يطبق اختياريا على بعض الفئات كما هو الحال في التأمين على العاملين في الخارج الذى كان إجباريا ثم تحول إلى اختيارى وينادى البعض الآن بتحويله إلى نظام إجبارى عليهم لأن عدد العاملين في الخارج الآن في حدود 4 مليون لا يؤمن منهم إلا 33 ألف فقط.

2- أنه نظام تكافلى اجتماعى ويظهر ذلك في أن العامل وصاحب العمل يشتركون في الأقساط كما أن الدولة تساهم في هذا النظام في صورة الإعانات التى تدفعها لصناديق التأمينات الاجتماعية لمواجهة الزيادات التى تتقرر في المعاشات لمواجهة التضخم وزيادة أعباء الحياة على مستحقى التأمين.
3- دفع العاملين المؤمن عليهم جزءا من قسط التأمين وبذلك يفترق عن الضمان الاجتماعى الذى لا يطالب فيه المواطن الذى يحصل على الضمان بدفع شئ.

4- الشمول لجميع العاملين وأصحاب الأعمال والعمالة غير المنتظمة، كما أنه يشمل المتعطلين عن العمل في فترات بينية حين انتهاء عملهم في جهة والانتظار للحصول على عمل آخر.

5- الفائض التأمينى وعائد الاستثمار يكون لصالح المؤمن عليهم ولا يشاركهم فيه غيرهم.

6- أن الحكومة تقوم بإدارة هذه التأمينات من خلال صناديق التأمين التى تقوم عليها الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى ثم وزارة التأمينات وتتحمل أموال التأمينات بتكاليف ومصروفات الصناديق.

ثالثا: مزايا التأمينات الاجتماعية: وتتلخص فيما يلي:
1- ضمان استمرار الدخل للمشترك في التأمين عندما يقل الدخل أو ينقطع للعجز أو الشيخوخة أو الوفاة وتوفير تكاليف العلاج أثناء المرض مما يؤدى إلى توفير الأمن الاقتصادى للإنسان في مستقبل حياته أو لذويه بعد وفاته مما يجعله مطمئنا وينصرف إلى عمله بجدية وكفاءة.

2- تحقيق التكافل والتعاون بين أفراد المدجتمع باعتبار ذلك قيمة عالية تعمل على تماسك المجتمع واستقراره.

3- إعادة توزيع الدخل بين أفراد المجتمع لأن المشترك يدفع مبالغ قليلة ويحصل على مزايا متعددة.

4- توفير المدخرات اللازمة للاستثمار في المجتمع إذ لو ترك الأمر بدون تأمينات اجتماعية إجبارية فسوف تقل مدخرات الأفراد.
5- تدعيم قدرة الدولة اقتصاديا عن طريق استثمار الفائض التأميني في المشروعات المختلفة.

6- الإسهام في سد عجز الموازنة العامة للدولة من خلال اقتراضها لبعض أموال التأمينات الاجتماعية.

7- استمرار الدخل للمواطنين بعد التعاقد يوفر لهم قوة شرائية تساهم في تنشيط حركة السوق ومواجهة الركود.

ومن ثم يتضح أن التأمينات الاجتماعية تدخل شرعا في نطاق مقصود الشريعة الإسلامية وهو تحقيق مصالح الناس والتعاون بينهم فهل ذلك كاف للحكم عليها شرعا؟ هذا ما سنتبينه في المبحث الثالث.

المبحث الثالث
التأمينات الاجتماعية في ميزان الإسلام

أولا: التأمينات الاجتماعية ونظم الحماية الاجتماعية في الإسلام:
لأن الله سبحانه وتعالى خالق الإسلام وأعلم بما يصلحه لذلك اقتضت حكمته عز وجل واستقر تقديره على رزقهم بما ينفعهم وفي حدود قدرها سبحانه بحكمته العالية يقول عز وجل ﴿وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ﴾ (الشورى: 27) وفضل بعضهم على بعض في الرزق فيقول سبحانه ﴿وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ﴾ (النحل: 71) وبالتالي وجد الأغنياء والفقراء لكى تستقيم الحياة يقول سبحانه ﴿قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ﴾ (سبأ: 29)

ولم يترك الفقراء هكذا يعانون ولكنه سبحانه شرع من النظم والأساليب ما يوفر لهم الحياة الكريمة وجعل ذلك حقا لهم وواجبا على الأغنياء والقادرين في إطار من التكافل والتعاون يقول سبحانه ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ (المائدة: 2) ومن البر الإنفاق في سبيل الله على الفقراء والمحتاجين لقوله تعالى ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ (آل عمران: 92) وجاءت التقوى في القرآن بمعان عدة من بينها القيام بشئون المحرومين والمحتاجين فيقول عز وجل ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ءَاخِذِينَ مَا ءَاتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِين كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ (الذاريات: 15-19).

ولم يكتف الإسلام بمجرد الحث على رعاية المحتاجين وإنما أوجد الأساليب التى تحقق ذلك عمليا مثل الزكاة والوقف والصدقات التطوعية وفقات الأقارب وحقوق الجار والضيف إلى غير ذلك من الأساليب التى تكون نظام الحماية الاجتماعية الإسلامي الذى لم يصل إليه أى نظام لاحق في شموله وتكامله.

والتأمينات الاجتماعية طبقا لما تم توضيحه في خصائصها ومزاياها وبما تقوم عليه من فكرة التكافل والتعاون وما تنطوى عليه من فكرة تفريج الكربات والتيسير على الناس إنما يسير في إطار نظام الحماية الاجتماعية الإسلامي وتعمل على تحقيق أهدافه،

بل إن الأمر يزيد بأن بذور هذا النظام وجدت في الإسلام وتحديدا في مدى مسئولية الدولة عن رعاية من توفى وترك عيالا بدون دخل، أو من بلغ سن الشيخوخة وعجز عن العمل، ويظهر ذلك جليا في عدد من الوثائق والممارسات نذكر منها ما يلي:

– حديث رسول الله  الذى بين فيه مسئولية الدولة عن رعاية عيال من يتوفى ولم يترك لهم مالا كما جاء في الحديث الشريف “من ترك مالا فلأهله وفي رواية أخرى فلورثته، ومن ترك ضياعا فإلىَّ” وضياعا: بمعنى ليس لـه شئ فأنا أعوله وأنفق عليه وفي معنى آخر: ترك عيالا ولم يترك لهم مال.

– قصة الفاروق عمر بن الخطاب  مع اليهودى الذى رآه يتسول في طرقات المدينة فقال الفاروق: ما أنصفناك أن أكلنا شبابك ثم تركناك تسأل الناس في شيبتك، ثم أخذه وتوجه به إلى بيت المال، وقال لخازنه: انظر هذا وضربائه أى من هم في مثل حالته- فأسقط عنه الجزية واقرض له من بيت المال ما يقيم حياته”.

وكل هذا جعل الفقهاء المعاصرين يقولون بجواز التأمينات الاجتماعية.

هذا مع مراعاة أن نظم الحياة الاجتماعية في الإسلام تزيد عن نظام التأمينات الاجتماعية في كونها حقا بدون التزام فهى حق على المجتمع والدولة دون أن يلتزم المحتاج بدفع أقساط مسبقة وهذا مثل الضمان الاجتماعي الذي يستفيد منه الفقراء حاليا، أما التأمينات الاجتماعية فيمكن القول إنها وسط فهى حق مع التزام بسيط حيث أن المؤمن عليه يلتزم بدفع جزء من قسط التأمينات يصل إلى 10% من الراتب،

وصاحب العمل يدفع جزءًا آخر يصل إلى 15%، كما أن الدولة تشارك بدفع جزء لمواجهة الزيادة في المعاشات عن الحد المقرر لها طبقا للحساب الاكتواري، وكذا لتمويل المعاشات للعمال غير المنتظمة التي يدفع فيها العامل جنيها واحدا فقط شهريا ويحصل على معاش قدره 80 جنيها شهريا.

وبذلك ننتهى إلى أن التأمينات الاجتماعية مطلب إسلامي، ولكن هل إجراء ممارستها يتمشى مع الأحكام الشرعية ولا تخالفها؟ هذا ما سنتعرف عليه في الفقرة التالية.

ثانيا: إجراءات ممارسة التأمينات الاجتماعية من منظور إسلامي:
تمارس التأمينات الاجتماعية في الواقع المعاصر من خلال جهة حكومية وتطبق على عدد من فئات المجتمع، تحصَّل منهم اشتراكات دورية، ويتم استثمار المال المتجمع من هذه الاشتراكات، وتدفع للمؤمن عليهم معاشات ومزايا مختلفة، وبالتالي فإن عنصر الممارسة التأمينية تتمثل في كل من: الجهة التنظيمية الحكومية الإجبار- الشمولية بالتأمينات- الاشتراكات- الاستثمار- التعويضات أو المزايا، وسوف نبين كل منها في ضوء الأحكام والتوجيهات الإسلامية.

1- الإدارة الحكومية للتأمينات الاجتماعية، كما سبق ذكره فإن أسلوب ممارسة التأمين بشكل عام إما أن يتم من خلال صناديق التكافل (التأمين التعاونى البسيط) أو شركات مساهمة عادية (التأمين التجارى) أو شركات مساهمة إسلامية (التأمين التكافلى المركب) أو من خلال الدولة (التأمينات الاجتماعية) وإشراف الدولة على التأمينات الاجتماعية باعتبارها إحدى أساليب أو نظم الحماية الاجتماعية مطلب إسلامي كما سبق ذكره في حديث رسول الله  السابق وفي قصة الفاروق عمر بن الخطاب مع اليهود.

2- الإجبار في الاشتراك في التأمينات الاجتماعية ممثلا في إجبار الموظفين وأصحاب الأعمال على دفع اشتراك تأمينات اجتماعية دورية وهذه سياسة مقبولة إسلاميا ولا تمثل اعتداء على حق الملكية لأن المال المتجمع من هذه الاشتراكات يظل مملوكا لدافعيه من المؤمن عليهم، وإجبار أصحاب الأعمال على دفع جزء من القسط إنما ذلك يكون باعتبار المدفوع أجرا للعامل عن عمله ولكن يجنب ولا يدفعه له حالا، ومن جانب آخر فإن صاحب العمل يدفع أموالا لصيانة الآلات والمعدات ويجنب جزءا من الدخل في صورة قسط إهلاك لإمكان إحلال آلة جديدة، محل القديمة، والإنسان ليس أقلا من الآلة فيلزم على صاحب العمل أن يدفع ما يوفر للعامل الاطمئنان على مستقبله.

3- الشمول بالتأمينات الاجتماعية: وهم: العاملون في الحكومة- العاملون في قطاع الأعمال العام- العاملون في قطاع الأعمال الخاص- أصحاب الأعمال- العاملون في الخارج- العمالة غير المنتظمة- العاطلون عن العمل في فترات إقتطاع عن العمل السابق وانتظار العمل اللاحق.

وهنا نرى أن غالبية المشمولين بالتأمينات الاجتماعية من ذوى الدخول، أما من لا يعمل أصلا أو غير القادرين على العمل والفقراء والمحتاجين فإن النظام لا يشملهم بل توجد وسيلة أخرى لإعانتهم حكوميا من خلال الضمان الاجتماعى، وهذا التحديد للمشمولين بالتأمينات لا يمثل قصورًا في النظام بل هو نظام محدود بضوابط معينة وتكمله أنظمة أخرى.

د- الاشتراكات:
نرى أن تحديد الاشتراكات يختلف بحسب الفئة المشمولة بالتأمينات الاجتماعية فهى للعاملين غير أصحاب الأعمال، أما العمالة غير المنتظمة فيظهر في تحديد اشتراكاتها معنى التكافل الحق حيث يدفع الفرد جنيها واحد فقط كل شهر ويحصل على معاش 80 جنيه شهريا.

هـ- استثمار أموال التأمينات:
إن واقع الحال في مصر يقول بأن حوالى 92% من أموال التأمينات تودعها الصناديق بحكم القانون في بنك الاستثمار القومى بفائدة الذى يعيد إقراضها لوزارة المالية وللهيئات العامة الاقتصادية لتمويل عجز الموازنة بفائدة، وحوالى 8% تستثمرها إما في ودائع في بنوك أخرى بفائدة أو شراء أسهم وسندات.

وتقويم ذلك إسلاميا، أن الاستثمار عن طريق الايداع والاقراض بفائدة يدخل في نطاق الربا المحرم شرعا، وهو ما يجب الابتعاد عنه، ولقد أظهرت تجربة الاستثمار هذه قصور الاستثمار عن طريق الاقراض بفائدة حيث تعانى وزارة المالية من تراكم الفوائد على ما تقرضه من أموال التأمينات إلى جانب عدم قدرتها على سداد القروض.

الأمر الذى دفع مجلس الوزراء أخيرا (جريدة الأهرام بتاريخ 3/8/2002) إلى إصدار توصية بتمليك صناديق التأمينات مقابل ديونها لبعض شركات قطاع الأعمال العام المطروحة للخصخصة، ومن الجدير بالذكر أنه عند إصدار قانون الموازنة العامة رقم 53 لسنة 1973 وما تضمنه من إنشاء صندوق استثمار أموال الودائع والتأمينات قبل أن ينشأ بدلا منه بنك الاستثمار القومى بموجب القانون رقم 119 لسنة 1980،

وأنه ورد في القانونين في أساليب استثمار هذه الأموال النص أولا على استثمارها عن طريق المشاركة وجاء الاستثمار عن طريق الاقراض تاليا، كما أنه أثيرت في اللجنة المشتركة بمجلس الشعب عند مناقشة قانون بنك الاستثمار القومي مسألة الاقراض بفوائد ومدى مخالفتها للأحكام الشرعية لإنطوائها على الربا أو شبهة الربا.

و – التعويضات والمزايا التأمينية:
والتى تتمثل أساسا في المعاشات التى تصرف للمؤمن عليهم عند بلوغهم سن التقاعد أو في حالة العجز عن العمل أو لذويهم عند وفاته، إلى جانب توفير نفقات العلاج، وتقدر هذه التعويضات بمبالغ ونسب محددة في القوانين تعمل على التوازن بين المتحصلات والمدفوعات وبما يوفر احتياطى لاستثماره،

ومن المعروف أن الاشتراكات المحصلة وعائد الاستثمارات لا يكفى أحيانا التعويضات السنوية المنصرفة فتدفع الدولة إعانة لاستكمال ذلك خاصة لمواجهة القرارات الحكومية بزيادة المعاشات لمواجهة التضضخم وزيادة أعباء المعيشة، وفي هذا تظهر قيمة التكافل الاجتماعى حيث لا يتم الربط بصورة شاملة بين ما يدفعه المؤمن عليه وبين ما يحصل عليه من معاشات، ولا بين ما يدفعه بعضهم وبين ما يأخذونه.

وبذلك ننتهى إلى ما يلي:
1- أن فكرة نظام التأمينات الاجتماعية تسير مع أحكام وتوجيهات الإسلام التى ترى أن الأمن حاجة إنسانية وأن التأمين مطلب إسلامي.

2- أن الأساس الذى تقوم عليه التأمينات الاجتماعية هو التكافل الاجتماعى وهو مطلب إسلامي.

3- إن إجراءات ممارسة التأمينات الاجتماعية تسير في كل عناصرها وفق أحكام الإسلام وتوجيهاته ماعدا عملية استثمار أموال التأمينات عن طريق الإقراض والايداع بفائدة ربوية.

والله الموفق