حماية المسجد الأقصى تحت الاحتلال الإسرائيلي في القانون الدولي الإنساني

ملخص مذكرة تخرج لنيل شهادة الماجستيـــــــر

اختصاص: القانون الدولي العام / فرع : القانون الدولي الإنساني

الباحثة: طيبي وردة إشراف الأستاذ الدكتور لحرش عبد الرحمن

معلومات عامة
ناقشت الباحثة: طيبي وردة، تحت إشراف الأستاذ الدكتور لحرش عبد الرحمن ، أستاذ تعليم عالي بكلية الحقوق جامعة الجزائر 1، مذكرة تخرج لنيل شهادة الماجستيـــــــر اختصاص: القانون الدولي العام، فرع : القانون الدولي الإنساني “، بقاعة المناقشات الخاصة بكلية الحقوق جامعة عنابـة حيث تكونت لجنة المناقشة من الأساتذة الآتية أسماؤهم:

أ. د / مانع جمال عبد الناصر          ـ جامعة عنابة            ـ رئيسا
د / براهميـة الزهرة                    ـ جامعة عنابة             ـ عضوا
د / خير الدين شمامة                 ـ جامعة باتنة              ـ عضوا
د / محياوي رحيـم                     ـ جامعة عنابة             ـ عضوا

ملخص المذكرة
يقول الله عز وجل في كتابه الكريم، بسم الله الرحمن الرحيم : ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾.

يعد المسجد الأقصى المبارك من بين أكثر المعالم قدسية عـــند المسلمين، إذ يعد أولى القبلتين في الإسلام وثالث الحرمين الشريفين بعد المسجد الحرام بمكة المكرمة والمسجد النبوي بالمدينة المنورة. وهو أحد المساجد الثلاثة التي لا تشد الرحال إلا إليها، كما قال رسول الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: ” لا تشدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام، ومسجدي هذا ، يعني المسجد النبوي الشريف، والمسجد الأقصى”.

يقع المسجد الأقصى داخل البلدة القديمة لمدينة القدس في فلسطين. وهو اسم لكل ما دار حول السور الواقع في أقصى الزاوية الجنوبية الشرقية من المدينة القديمة المسورة، ويعد كل من مسجد قبة الصخرةوالجامع القبلي من أشهر معالم المسجد الأقصى. ومدينة القدس مدينة مقدسة بالنسبة للديانات التوحيدية الثلاثة: الإسلام، المسيحية، اليهودية،

بالنسبة للمسلمين فهي تحوي المسجد الأقصى الذي منه عرج برسول الله ” صلى الله عليه وسلم” إلى السماء، بعد ما أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى في ليلة الإسراء والمعراج التي تم ذكرها في القرءان الكريم .

أما بالنسبة للمسيحية فهي مكان كنيسة القيامة فهي المدينة التي شهدت صلب المسيحوقيامته بحسب المعتقدات المسيحية. كذلك الأمر مدينة القدس مدينة مقدسة لليهود وتقول الشريعة اليهودية بأن أهم صلواتهم يجب أن تكون بالتوجه نحو القدس، فيقدس اليهود أيضا نفس المكان، ويطلقون اسم “جبل الهيكل” على ساحات المسجد الأقصى نسبة لهيكل النبي سليمان عليه السلام المزعوم . وتحاول العديد من المنظمات اليهودية المتطرفة التذرع بهذه الحجة لبناء الهيكل المزعوم حسب معتقدها .

وأمام هذه الأهمية والقدسية ثلاثية الجوانب كانت ومازالت وستبقى هذه المدينة دوما عبر التاريخ مركز اهتمام كبير لجميع أتباع الديانات التوحيدية وهي طالما جمعت أتباع هذه الديانات في ظلّها، وطالما شهدت حروبا مختلفة للسيطرة عليها غالبا ما كانت تأخذ طابعا دينيا.

أهمية الموضوع :

منذ مؤتمر بال عام 1897 والحركات الصهيونية تركز في دعايتها على دفع الأعراق اليهودية المختلفة إلى توجيه عواطفهم الدينية نحو المكان المقدس أو قدس الأقداس بنظرها وهو الهيكل المزعوم ، ولقد تطورت هذه الدعاية منذ أن حصلت هذه الحركات على وعد بلفور حيث انتقلت حملتها إلى التركيز على ضرورة تغيير الوضع القانوني للاماكن المقدسة ، وخصوصا المسجد الأقصى،ومن هنا تكمن أهمية هذه الدراسة من زاويتين رئــيسيتن :

أولاهما :

أنها دراسة قانونية تسلط الضوء على الأعمال الإجرامية المنظمة التي تقوم بــها الحكومة الإسرائيلية من عمليات الحفر غير القانونية تحت أساسات المسجد الأقصى المبارك قصد هدمه وبناء الهيكل المزعوم مكانه، وعمليات التهويد من خلال بناء جدار الفصل العنصري . لذلك تركز هذه الدراسة على البحث في القواعد والنصوص القانونية الدولية التي تتضمن الحماية لهذا الإرث الثقافي والتراثي التاريخي الكبير ليس فقط للمسلمين وحدهم بل للإنسانية قاطبة . كما تعرض أيضا لتحديد الوضع القانوني للقدس العتيقة والمسجد الأقصى، وتبيان الموقف الدولي من ذلك خصوصا موقف منظمة اليونسكو من محاولات سلطات الاحتلال الاسرائيلي تغيير الوضع القانوني للمسجد الأقصى المبارك والقدس العتيقة .

ثانيهما :

أنها دراسة تاريخية لمدينة القدس العربية العتيقة والمسجد الأقصى الإسلامي المبارك، فلقد أثبتت الحقائق التاريخية نوايا الأصولية الصهيونية العدوانية ضد المقدسات الدينية الكثيرة والمتعددة في القدس العتيقة ، والتي كان أخرها منع وصول العرب الفلسطينيين إلى المسجد الأقصى ، وكنيسة القيامة بعد إتمام بناء جدار الفصل العنصري ليسهل من ثم هدم المسجد الأقصى . ولكن حقيقة الوضع التاريخي بالنسبة للمسجد الأقصى وللقدس ومبانيها المقدسة تبقى واحدة لا تتغير، وهي تلك التي أخذت بها الهيئات الدولية في معالجتها لهذه القضية في مراحلها المختلفة ، وما تحاول الحركات اليهودية تزييفه حول تاريخ حائط البراق هو باطل بالاستناد الى الحقائق التي تثبتها المراجع التاريخية .

أهداف الدراسة

الأهداف العملية :

تهدف هذه الدراسة الى محاولة الوقوف على الاتفاقيات الدولية المتعارف عليها كاتفاقيات لاهاي واتفاقيات جنيف لعام 1949 عموما وجميع الاتفاقيات الدولية الأخرى المتعلقة بحماية الأعيان المدنية و اتفاقية الأمم المتحدة لمنظمة اليونسكو المتعلقة بحماية الممتلكات الثقافية وقت الحرب والنزاعات المسلحة لعام 1954 والبروتوكول الإضافي الثاني لعام 1999 الذي جاء بنظام الحماية المعززة .

وكذلك للوقوف على أهم الآليات القانونية الدولية في القانون الدولي الإنساني التي من شانها ان توفر الحماية الكافية والمستعجلة، وذلك لوقف عمليات التخريب والحفر والهدم وجميع المخاطر التي يتعرض إليها المسجد الأقصى ومدينة القدس تحت الاحتلال الإسرائيلي، وهو الوضع القانوني الذي جاء القانون الدولي لمعالجته وإيجاد السبل الكفيلة لذلك.

الأهداف التاريخية :

يهدف هذا العمل الى البحث والمعرفة وتقصي الحقائق التاريخية حول الوضع القانوني للمسجد الأقصى المبارك وعروبة مدينة القدس الشريف، والوقوف على مدى شرعية وقانونية المزاعم الصهيونية حول أحقية اليهود بذلك دون غيرهم من المسلمين وغير المسلمين.

كما يهدف إلى فتح المجال أمام ابحاث أخرى لارتباطه بالجانب التاريخي علاوة عن جانبه القانوني، لأن أهم ما تثيره مشكلة البحث في القانون الدولي الانساني هو تأثير الاعتبارات السياسية الواضح بحكم الصلة الوثيقة مع علم السياسة والعلاقات الدولية، وصلاته بالعلوم الأخرى كالتاريخ و الجغرافية، ونظرا لتشعب واقعة الاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة فقد تناولتها الدراسات السياسية بكثرة دون الدراسات القانونية المعمقة.

وأخيرا يهدف الى إثراء المكتبة الجزائرية والعربية بمثل هذه الدراسات القانونية.

دوافع اختيار الموضوع :

أ ـ الدوافع الموضوعية :

أهمها قلة الدراسات القانونية العربية المتعلقة بالمسجد الأقصى والآليات الدولية الكفيلة بحمايته، خصوصا وأنه يخضع لوضع قانوني صعب ومعقد حيث يخضع لسلطة الاحتلال الإسرائيلي. كما يعتبر جزءا من التراث العالمي المشترك بين أكثر من ديانة سماوية وهو ما زاد من تعقد الأمر مما جعل هذه الدراسات تختلف تبعا لمنظور كل طرف ، وهذا ما يحتاج إلى البحث الدقيق والمعمق.

ب ـ الدوافع دينية :

أهمها ارتباط المسجد الأقصى بالإسلام وخصوصيته ومكانته عند المسلمين، حيث يعتبر قبلة الأنبياء جميعاً قبل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، والقبلة الأولى التي صلى إليها النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يتم تغير القبلة إلى مكة المكرمة. وقد توثقت علاقة المسجد الأقصى بالإسلام ليلة الإسراء والمعراج .

وفي ظل الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة للقانون الدولي والأعراف والنظم الدولية ضد مدينة القدس والمسجد الأقصى يحز في نفس كل مسلم وعربي وكل من في نفسه ضمير حي وقلب سليم ان يرى مثل هذه الجرائم ترتكب في حق مقدساته وتراثه العربي والإسلامي والإنساني. وهذا ما يجعل البحث في إمكانية توقيف هذه الجرائم وتوفير الحماية القانونية الدولية أكثر من ضرورة . وهذا هو أكبر دافع لي لاختيار هذا الموضوع .

الدراسات السابقة في الموضوع :

تركز الدراسات القانونية حول حماية المسجد الاقصى غالبا على مسالة المسجد الاقصى في الاطار العام لقضية القدس والقضية الفلسطينية، أو في إطار الممتلكات الثقافية بصفة عرضية، وأذكر هنا مثلا ما تم طرحه من قبل الاستاذ خياري عبد الرحيم، تحت عنوان: “حماية الممتلكات الثقافية في المنازعات المسلحة على ضوء احكام القانون الدولي الانساني” في بحث مقدم لنيل درجة الماجيستر في القانون الدولي والعلاقات الدولية. هذا على المستوى المحلي ، أما على المستوى العربي والاقليمي فهناك كذلك بعض الدراسات ذات الصلة منها مثلا ما قام به الاستاذ جعفر عبد السلام في كتابه: “المركز القانوني للقدس في القانون الدولي” .

وما تطرق إليه الدكتور مصطفى كمال شحاته في كتابه ” قواعد الاحتلال الحربي والقانون الدولي المعاصر ” بحيث تطرق في جزئية معتبرة الى الانتهاكات الإسرائيلية التي مارستها ولازالت تمارسها ضد المسجد الاقصى، والى مسؤوليتها الدولية المدنية والجنائية الفردية .

وما خصه الدكتور هشام أبو حاكمة في كتاب له تحت عنوان ” مسجد داود وليس هيكل سليمان ” في عام 2008 ، وهو من أحدث الدراسات ذات الصلة بموضوع بحثنا .

إشكالية البحث :

تخضع أماكن العبادة وممارسة الحريات الدينية بها وقتالسلم للقواعد العامة المنصوص عليها في القوانين الداخلية والمواثيق الدولية، مثل الإعلان العالميلحقوق الإنسان لعام 1948 ، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 ، والتي أكدت على حقكل فرد في حرية الفكر والضمير والديانة، والحق في إقامة الشعائر سواءً أكان ذلكسراً أم مع الجماعة .

أما في حالة الاحتلال والنزاعات المسلحة فهي تخضع لقواعد القانون الدولي الانساني المتعارف عليها ، ومن خلال هذا البحث سنسلط الضوء ولو بصورة مقتضبة على موقف القانون الدولي عموما والقانون الدولي الانساني على وجه الدقة والاتفاقيات والمعاهدات الدولية ومنظمات المجتمع الدولي إزاء مسألة تدمير الآثارمن قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي حول المسجد الأقصى المبارك وفي القدس المحتلة عموما، وأثر جميع ذلك على حق السيادة الفلسطينية على تلك المقدسات. ومن هنا يثور التساؤل الأساسي والجوهري في هذا المجال عن المركز القانوني للمسجد الاقصى في القانون الدولي ؛ وبعبارة أدق : هل يحظى المسجد الاقصى من حماية، بما تحظى به الممتلكات الثقافية المشمولة بالحماية المعززة طبقا للبروتوكول الاضافي الثاني لعام 1999 ، الملحق باتفاقية لاهاي لعام 1954، المتعلقة بحماية الممتلكات الثقافية؟ وما مدى مسؤولية حكومة الاحتلال الإسرائيلي الدولية عن انتهاكاتها الاجرامية المنظمة، والمتكررة ضد حرمة المسجد الأقصى المبارك في القانون الدولي الإنساني بما تضمنه من قواعد خاصة بحماية أماكن العبادة الخاضعة للاحتلال وفي جميع حالات النزاعات المسلحة الأخرى؟

صعوبات البحث: تتمثل فيما يلي

ـ سعة وتشعب الموضوع لاشتماله على العديد من المسائل المتداخلة قانونيا وسياسيا وتاريخيا ودينيا .

ـ إضافة إلى بيئة البحث التي تبقى بعيدة مكانيا عن البيئة الحقيقية وما يحيط بها من انتهاكات وجرائم بحق الأعيان الثقافية والدينية والأماكن المقدسة في الحرم القدسي الشريف وما يحيط به من ساحات وباحات ومعالم مقدسة .

المناهج المستخدمة: تم الاعتماد على جملة من المناهج العلمية منها

المنهج التحليلي : من خلال القيام بتحليل جملة النصوص القانونية والمعاهدات الدولية، المتصلة بالموضوع ، والوقوف على القواعد القانونية اتي تحظر استخدام القوة المسلحة، والوقوف على جميع الانتهاكات والجرائم المرتكبة ضد المسجد الاقصى وفق القانون الدولي الإنساني، وتحديد المسؤولية الدولية الجنائية، والمدنية لسطات الاحتلال الإسرائيلي.

المنهج الوصفي : وذلك بتدعيم عرض الموضوعات والقضايا بالشواهد التطبيقية العملية من واقع سلوك الدول في العلاقات الدولية المتبادلة، أو في أحكام القضاء، والمحاكم الجنائية الدولية، وشواهد الانتهاكات والجرائم الواقعة على انتهاك القانون الدولي الانساني من قبل السلطات الإسرائيلية.

المنهج التاريخي:وذلكمن خلال التطرق إلى الحقائق العلمية التاريخية المتعلقة بحقيقة الوضع القانوني والتاريخي للمسجد الأقصى المبارك ومدينة القدس العتيقة وتطور قواعد حماية الممتلكات الثقافية اثناء النزاعات المسلحة والاحتلال.

خطة البحث : تم تقسيم هذه الدراسة إلى فصلين

تناول الفصل الأول الوضع القانوني للممتلكاتالثقافية الواقعة تحت الاحتلال الحربي في ثلاثة مباحث:

عرض المبحث الأول لماهية الممتلكات الثقافية في القانون الدولي،

وعرض الثاني الماهيةالاحتلال الحربي،

أما الثالث فتناول القواعد القانونية الخاصة بحماية الممتلكات الثقافية الواقعة تحت الاحتلال الحربي.

أما الفصل الثاني فتناول واقع الحماية في المسجد الأقصى المبارك ومحيطه في ظل الاحتلال الحربي الإسرائيلي وذلك في ثلاثة مباحث:

عرض الأول للوضع القانوني للمسجد الأقصى المبارك في القانون الدولي المعاصر،

و الثاني تناول جريمة انتهاك حرمة المسجد الأقصى المبارك ومحيطهفي القانون الدوليالإنساني،

وأخيرا تناول المبحث الثالث المسؤولية الدولية لسلطات الاحتلال الإسرائيلي عن جريمة انتهاك حرمة المسجد الأقصى المبارك في القانون الدولي الإنساني . وخاتمة اشتملت على بعض النتائج والتوصيات التي تم التوصل اليها من خلال هذا البحث.

أهم النتائج والتوصيات التي تم التوصل اليها:

يعتبر المسجد الاقصى جزء لا يتجزأ من مدينة القدس، ومدينة القدس القديمة مسجلة رسمياً ضمن لائحة التراث العالمي المهدد بالخطر لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة ،اليونسكو، و نظرا لأهميته، فهو يعتبر من المقدسات الاسلامية العالمية والتاريخية الهامة، و جزء من التراث الثقافي العالمي ليس للمسلمين فقط بل للبشرية جمعاء . وهو يتمتع بما تتمتع به الأعيان الثقافية من حماية خاصة في القانون الدولي الإنساني أقرتها العديد من المعاهدات، لتضاف إلى الحماية الممنوحة لها باعتبارها أعيانا مدنية.

يعد الفصل الثالث من البروتوكول الثاني لعام 1999م واحدا من اكبر المجالات الاساسية لتطور القانون الدولي الانساني فيما يتعلق بحماية الممتلكات الثقافية، وذلك من خلال تجريم بعض الاعمال الموسومة بالانتهاكات الخطيرة ووضع نظام لقمع تلك الانتهاكات وهذا ما نصت عليه المادة 15 من هذا البروتوكول واكدته المادة 8 من النظام الاساسي للمحكمة الدولية الجنائية لعام 1998 م .وبالتالي يترتب على ارتكاب سلطات الاحتلال الاسرائيلي جرائم منظمة وانتهاكات بشعة في المسجد الاقصى المبارك ومحيطه من خلال عمليات الحفر او الحرق او المساس بالحريات الدينية قيام المسؤولية الدولية المدنية والجنائية.

إن السلب الإسرائيلي للممتلكات التاريخية والدينية والثقافية في المسجد الاقصى المبارك وفي مدينة القدس العتيقة يمثل اعتداء على التراث الثقافي الذي تمتلكه الإنسانية جمعاء، حيث نصت اتفاقية لاهاي لعام 1954، على أن الأضرار التي تلحق بالممتلكات الثقافية التي يمتلكها أي شعب بمثابة المساس بالإرث التراثي الذي تمتلكه الإنسانية جمعاء، وذلك تأكيدا لأهمية الإرث التراثي والتاريخي للشعوب. والقوة المحتلة لا تكتسب ملكية الممتلكات غير المنقولة في الأراضي المحتلة، لأنها ليست مسئولة عن إدارتها إلا بصفة مؤقتة.

إن مسألة المسجد الاقصى هي أهم القضايا التي يقوم عليها الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، والاسلامي اليهودي بشكل اعم، ومزاعم هيكل سليمان هي مسالة اساسية في الخيال اليهودي، يحيطونه بهالة من القدسية ويعتبرون وجوده اساسا لوجودهم في ارض فلسطين العربية، ولتبرير هذا الادعاء المزعوم فهم يحاولون ارجاع كل اثر يجدونه في حفرياتهم في منطقة الحرم القدسي الشريف الى عصر داود وسليمان عليهما السلام، على اعتبار انهما يمثلان العصر الاسرائيلي الاول في المنطقة، ولكن حتى الان لم يثبت أي شيء من ذلك اثريا ولا تاريخيا .

إن قضية القدس والمسجد الأقصى جزء لا يتجزأ من قضية فلسطين، ولا تنفصل عن مشكلة الأراضي الفلسطينية المحتلة، و للقدس أهمية خاصة نظراً لأنها مدينة الإسراء والمعراج وأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين. وقد احتلت مدينة القدس مركزا مهما في أروقة مؤسسات المجتمع الدولي، وكانت على الدوام، وما زالت حتى اليوم، من القضايا الساخنة المطروحة في إطار الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية لاسيما العربية والإسلامية ، بحكم أن القدس هي القضية الوحيدة التي تمتلك المواصفات لتكون نقطة تجمع للعالم العربي والإسلامي، وهدفا مقدسا تتجه إليه المشاعر والقلوب، حتى أصبحت قضية تشغل العالم بأسره.

إن ضم القدس العربية لدولة الاحتلال ونقل السيادة العربية إلى الدولة المحتلة يتنافى وأحكام القانون الدولي العام والعديد من المواثيق الدولية. فضم القدس المحتلة وتهويدها إجراء غير شرعي وباطل لا يستند الى أي أساس قانوني، لأن الكيان الصهيوني يتذرع بحق ديني مزعوم له في مدينة القدس العربية، ولكن هذا الحق ليس له أي أساس قانوني في القانون الدولي.

يعتبر القيام بعدوان عسكري والاستيلاء على الأراضي عن طريق الاحتلال العسكري، ونزع طابعها العربي وتهويدها شكلا من اشكال استخدام القوة التي يحظرها القانون الدولي. و الطبيعة المؤقتة للاحتلال تلزم المحتل بعدم القيام بإجراءات تغيير المعالم الجغرافية أو الديمغرافية، للإقليم المحتل أو الشؤون الاقتصادية والقانونية والتعليمية والاجتماعية للإقليم. وبالتالي لا يجوز على الإطلاق ضم الإقليم المحتل ونقل السيادة عليه لدولة الاحتلال أو نقل جزء من مواطنيه إلى الأراضي المحتلة وهذا ما نصت المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 والتي وقعتها دولة الاحتلال.

إذا كان القانون الدولي الإنساني يهدف الى التقليل من المعاناة الانسانية الناجمة عن الحروب والنزاعات الدولية، من خلال توفير جملة من القواعد القانونية الخاصة لحماية ضحايا الحروب من مدنيين وممتلكات مدنية , وعلى الرغم من وفرة القواعد الملزمة التي تفرض على اطراف النزاع عموما وقوات الاحتلال على وجه الخصوص واجب احترامها، فان ما يحدث في الاراضي الفلسطينية في القدس الشريف وحول المسجد الاقصى المبارك، من مخالفات جسيمة وانتهاكات صارخة لأحكام ومبادئ القانون الدولي الإنساني، دليل قوي على ضعف اليات تطبيقه على ارض الواقع، خصوصا في وجه القوى الإمبريالية في المجتمع الدولي .

إن الكيان الاسرائيلي او ما يعرف بدولة اسرائيل هي دولة فوق القانون بحيث نلاحظ أنه، منذ قيام الكيان الصهيوني عام 1948م،قد صدرت عشرات، بل مئات القرارات عن مؤسسات المجتمع الدولي المختلفة” مجلس الأمن الدولي، الجمعية العامة للأمم المتحدة، المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة، منظمة الصحة العالمية، لجنة حقوق الإنسان العالمية، المؤتمر الدولي لحقوق الإنسان، منظمة اليونسكو، منظمة العمل الدولية، تعرب جميع هذه القرارات الدولية عن إدانتها وشجبها واستنكارها للخروقات والانتهاكات التي تقوم بها سلطات الاحتلال الإسرائيلي لحقوق الإنسان والمدنيين واللاجئين الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وتدعو هذه القرارات سلطات الاحتلال للكف عن خرق القوانين الدولية في حماية المدنيين الفلسطينيين، وطردهم أو تهديم منازلهم وملاجئهم، وتقديم المساعدة الصحية اللازمة لهم، ووقف سياسة التمييز العنصري وخرق حقوق وحريات النقابات التي تمارسها إسرائيل في فلسطين، وإدانة إسرائيل لقيامها بتدمير المؤسسات التربوية والتعليمية والثقافية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، إلا أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي لم ترضخ أو تنفذ أي قرار من هذه القرارات حتى الآن.

إن الجانب القانوني لقضية القدس عموما والمسجد الأقصى خصوصا، وما يجري داخلها من حفريات، ومصادرة لأراضيها، وطرد لسكانها، وتهويد لها، لا يحظى إلا بكتابات ودراسات عربية وإسلامية قليلة نسبيا، وعادة ما تضيع مثل هذه الدراسات في جنبات المؤتمرات الخاصة بالقدس، وذلك في زحمة الدراسات التاريخية والسياسية والإعلامية أو الخطب والكلمات الإنشائية التي تكتفي بالتغني بأمجادنا في القدس.

لذلك فإن معالجة ما يجري في القدس بشكل عام، وما يجري فيها من حفريات بشكل خاص، ينبغي أن يستند إلى القوانين المعاهدات والاتفاقيات الدولية، وكذلك إلى قرارات الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة في هذا المجال.

وعليه نوصي بما يلي:
يتعين على السلطة الوطنية الفلسطينية والحكومات العربية والإسلامية، العمل على كافة الأصعدة والمستويات لحماية المسجد الاقصى وجميع الممتلكات الدينية والتاريخية والثقافية في القدس والاراضي الفلسطينية عامة، وأن تضع استراتيجية عمل موحدة، تتضمن أهدافا ونشاطات عملية، وعدم الاقتصار فقط على التنديد والشجب والاستنكار. خصوصا بعد انضمام فلسطين إلى منظمة اليونسكو وقبول عضويتها بصفة كاملة وبالأغلبية الساحقة في أواخر شهر اكتوبر2011، على الرغم من معارضة الدول الكبرى المؤيدة لإسرائيل.

ويجب على اللجنة الدولية للصليب الأحمر، كجهة مراقبة لتطبيق قواعد وأحكام القانون الدولي الإنساني، العمل والاتصال بالجهات الإسرائيلية على كافة المستويات لوقف هذه الممارسات والجرائم البشعة لجميع الحفريات ومحاولة هدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم.

كما يجب على منظمة الأمم المتحدة للثقافة والعلوم والتربية، اليونسكو، الاضطلاع بمسؤولياتها في حماية المسجد الأقصى وجميع الأعيان الثقافية في القدس المحتلة واتخاذ إجراءات سريعة وعاجلة لوضع حد للسياسة الإسرائيلية العدوانية المتمثلة في نهب وتدمير وسرقة الممتلكات الثقافية والدينية والتاريخية وعمليات الحفر تحت وحول المسجد الأقصى.