القانون 05-53 المتعلق بالتبادل الالكتروني للمعطيات القانونية

ونظرا لعجز قواعد الإثبات التقليدية عن استيعاب التوقيع الالكتروالوطني، ثم التطورات المتسارعة التي يعرفها المجتمع على المستوى المعلوماتي، أصبح من اللازم الاعتراف التشريعي بالتوقيع الالكتروني بإجراء تعديلات قانونية لقواعد الإثبات، وقد تعرضنا للجهود التي بذلت في سبيل ذلك على المستويين الدولي والوطني، فعلى المستوى الدولي بينا الجهود التي قامت بها لجنة الأمم المتحدة للقانون الدولي (الأونيسترال)، حيث اعتمدت قانونين نموذجيين ,والثاني خاص بالتوقيع الالكتروني سنة 2001, وضمن نفس الإطار, تعرضنا للجهود المبذولة على الصعيد الإقليمي, والمثمتلة أساسا في المجهودات التي قام بها الاتحاد الأوربي الذي عمل على ملائمة القوانين الأوربية قصد تمكينها من الولوج السليم والمتجانس والموحد لمجتمع الإعلام والتواصل، الأول خاص بالتجارة الالكترونية سنة 1996, كما بينا الجهود التي قام بها المشرع الوطني لترميم ترسانته القانونية وإدخال تعديلات جوهرية على قواعد الإثبات، مع اختلاف مستويات ذلك الترميم من مشرع لآخر, بدءا بالمشرع الفرنسي, المصري, التونسي, الأردني، وصولا إلى المشرع المغربي من خلال إصدار القانون 05-53 المتعلق بالتبادل الالكتروني للمعطيات القانونية, متأثرا في ذلك بالقانون النموذجي الخاص بالتوقيعات الالكترونية ,والتوجيهات الأوربية حيث قام المشرع بتعديل بعض نصوص ق.ل.ع لتتلاءم مع طبيعة المعاملات الالكترونية والاعتراف بحجية التوقيع الالكتروني في الإثبات ومساواته بالتوقيع اليدوي .

كما بينا أثر هذا الاعتراف بالمحرر الالكتروني بشكل عام والتوقيع بشكل خاص على دور القاضي في الترجيح بين نوعي الكتابة العادية والالكترونية.

ومن أجل إضفاء عنصر الأمان على التوقيع الالكتروني , عمل المشرع المغربي على غرار باقي الدول الأخرى التي اعترفت بالتوقيع الالكتروني إلى اتخاذ وسائل تضمن ثقة المتعاملين مع وسائل الاتصال الحديثة ,حيث تم استعمال نظام التشفير كآلية لمنح الثقة في المحررات الموقعة الكترونيا ,نظرا لقدرته على تأمين التوقيع الالكتروني من العبث فيه وتزويره وذلك من خلال تعريفه وبيان العلة منه,وطرقه ,بالإضافة إلى إبراز الحماية القانونية له.

كما عمل المشرع على تنظيم عمل الطرف الثالث أو كما يعرف بمقدم خدمة المصادقة سواء من ناحية تعريفهم أو تحديد شروط اكتساب صفة مقدم خدمة المصادقة الالكترونية وبيان صلاحياتهم وفي الأخير إبراز مسؤوليتهم وذلك نظرا لأهمية الدور الذي يلعبه مقدم الخدمة في التحقق من صحة التواقيع الالكترونية الصادرة عن أطراف التصرف القانوني ,باعتباره شاهدا على صحة التواقيع التي تصدر عن أصحابها.

وفي الأخير ندرج ملاحظاتنا حول القانون 05-53 المتعلق بالتبادل الالكتروني للمعطيات القانونية قبل أن نستخلص بعض الاقتراحات البسيطة, التي من الممكن مساهمتها في التشجيع على الإقبال على التوقيع الالكتروني من جهة, وضمان تفعيله على أحسن وجه إذا ما اتخذت بعين الاعتبار على الشكل التالي:

أولا: ملاحظاتنا على القانون 05-53 المتعلق بالتبادل الالكتروني للمعطيات القانونية.

لقد انتهى عصر الأوراق والدفاتر والأسماء والألقاب, وأصبح كل إنسان يحمل رقما, يعرف به ويميزه عن الآخرين, ويمكنه بمجرد أن يضع يده على شاشة صغيرة أن يتصل بالآخرين, في أقصى البلاد, ويطلب ما يشاء من الخدمات, وهو ما يسمح به عالم الاتصالات الحديثة,فمن الهاتف القار , إلى الهاتف النقال,ومن الجريدة والصحيفة ,إلى الراديو والتلفزة, ثم إلى الكمبيوتر.

بذلك فتحت المعلومات آفاقا رحبة أمام البشرية, دعتها إلى محاولة البحث فيها, والتوصل إلى مكوناتها والاستفادة منها في كافة مجالات الحياة الإنسانية, الاجتماعية, منها والاقتصادية والثقافية والقانونية.
حيث أن شبكة الإنترنت ,من أهم وسائل المعلوماتية التي أحدثت تطورا هائلا في هذا العصر, نتيجة لاختزالها للوقت, وتقريب المسافات بين المتعاملين بها, حتى غدا العالم كأنه قرية صغيرة فأصبح الاتصال الشخصي سهلا وميسورا عن طريق هذه الشبكة.
لذلك بادرت جل الدول الأوربية والأنجلوسكسونية, لتعديل تشريعاتها تماشيا ومتطلبات التجارة الالكترونية الحديثة.

فهذا التوجه الدولي, شكل حافزا لدول أخرى قصد النهوض بترسانتها القانونية ,كذلك الأمر بالنسبة للمغرب, الذي كان لزاما عليه مسايرة مجتمع الإعلام والاتصال,فقد وضع خطة وطنية لدخول الحقبة الرقمية, ضمن ما اصطلح عليه بإستراتيجية المغرب الالكتروني, والتي من ضمن عناصرها تأهيل الترسانة القانونية المغربية و ملائمتها لمتطلبات هذا المجتمع, ووضع إطار قانوني ملائم لتنمية والنهوض بالتجارة الالكترونية.

أدرك المشرع المغربي, على غرار باقي التشريعات, ضرورة تجاوز الهوة الرقمية, وما يترتب عنها من هوة قانونية, وهو بالفعل ما تعرفه المنظومة القانونية المغربية, في السنوات الأخيرة ، لكن يبدو أن ظهير قانون الالتزامات والعقود غير مسطر في جدول أعمال هذا الإصلاح على الأقل في الوقت الراهن، ولكن هذا لا يعني أن ظهير الالتزامات والعقود بقي بعيدا عن مسايرة الركب القانوني .
فبين الفينة والأخرى يتدخل المشرع المغربي ببعض الإضافات لتتميم وتعديل بعض مقتضيات الظهير المذكور.ومن بين أبرز هذه الإضافات التي عرفها ( أب القوانين ) ، هي الإضافة المتعلقة بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية من خلال القانون رقم 53-05 المتعلق والذي تم نشره بالجريدة الرسمية رقم 5584 الصادرة يوم الخميس 6 دجنبر 2007. وفيما يخص ملاحظاتنا حول القانون 05-53 سنوجزها على الشكل التالي:

1- : ايجابيات القانون 05-53.

2- : نواحي قصور القانون 05-53.

صادق المغرب على القانون المتعلق بالتبادل الالكتروني أسوة بالعديد من الدول مسايرة منه للتطورات التي يعرفها العالم, على الصعيد المعلوماتي, حيث أضحت مجموعة من المعاملات المدنية والتجارية, تتم بين الأفراد دون الاعتماد على الدعامة الورقية ,بحيث تم الانتقال من العالم المادي إلى العالم الافتراضي.فما هي الانجازات الايجابية التي جاء بها القانون05-53 ؟ وما هي مظاهر المحدودية ونواحي قصور هذا القانون ؟

1 ـ ايجابيات القانون 05-53.

ما يمكن أن نلاحظه على هذا القانون ,هو مرونته وتجانسه والاتفاقيات الأوربية, والقانون النموذجي للتجارة الالكترونية, المعتمد سنة 1996.من جهة أخرى استطاع القانون, تأمين التبادل التجاري والمعاملات التجارية, في وجه المستثمر الأجنبي, وكذا تدعيم اتفاقية التبادل الحر, من قبل المغرب وباقي الدول الأخرى.بالإضافة إلى أن تبني هذا القانون, سيفتح الباب أمام الجميع للتسويق عبر الانترنت ,وماله من تسهيل في وسائل العيش.كما أن العمل بهذا القانون, سيجعل من المغرب يواكب التشريعات المقارنة, التي كانت سباقة في هذا الصدد, وسيدخل بلدنا ضمن لائحة الدول المتعاملة بهذه التقنية, مما سيزيد معه اتساع دائرة التعامل والانفتاح أكثر على العالم. الخارجي.بالإضافة إلى الاعتراف بالتوقيع الالكتروني ,وتحديد نظامه القانوني, والآليات القانونية لضمان فعاليته, لتيسير التعامل بين الأفراد, مما انعكس ايجابيا على جميع الجوانب ,خصوصا المجال الاقتصادي, وعلى مستوى المعاملات الالكترونية, والتجارة الالكترونية, التي تعددت وتطورت بتعدد المتعاملين في إطارها, أفرادا كانوا أو جماعات.

فيما يخص إثبات العقود الالكترونية ,التي تظهر من خلال المحررات الالكترونية, والتوقيع الالكتروني, فقد وجدنا أن المشرع المغربي, من خلال إصداره لهذا القانون قد أضفى حجية على هذه المحررات والتوقيع الالكتروني, بإثبات التصرف القانوني ,الذي تظهر من خلاله. وبالتالي فانه أخرجها من سلطة القاضي في تقدير مدى صلاحيتها بالإثبات, ومدى انطباقها على قواعد الإثبات التقليدية ,إضافة إلى حسم الخلافات الفقهية في تقدير صلاحية المحرر الالكتروني, كدليل اثبات ومساواته بالمحرر التقليدي .

2 ـ نواحي قصور القانون.

ما اكتمل شيء إلا وبه نقصان فإذا جاء القانون بالعديد من النقاط المهمة والايجابية إلا أنه لم يخلو من القصور.ففيما يتعلق بعبء الإثبات, نص الفصل 1-417 على أنه“تتمتع الوثيقة المحررة على دعامة الكترونية, بنفس قوة الإثبات ,التي تتمتع بها الوثيقة المحررة على الورق.تقبل الوثيقة المحررة بشكل الكتروني ,شأنها في ذلك شأن الوثيقة المحررة على الورق,شريطة أن يكون بالإمكان التعرف,بصفة قانونية ’على الشخص الذي صدرت عنه وأن تكون معدة ومحفوظة وفق شروط من شأنها تماميتها”.من خلال هذا النص, يتبين لنا أن المشرع, لم يتطرق لا بصفة صريحة ,ولا ضمنية, على من يقع عبئ الإثبات من بين أطراف العقد, وبالتالي يمكن الملاحظة على أن هذا المقتضى قاصر.

كذلك لم يأخذه المشرع بعين الاعتبار, ما يتعلق بإشكالية التراضي بتطابق الإيجاب والقبول, بحيث لقد استعملت عبارة”العرض” عوض عبارة “الإيجاب”.وفيما يتعلق بالتوقيع الالكتروني ,الذي يشكل محورا أساسيا في القانون 05-53 نلاحظ أن المشرع, لم يورد له تعريفا دقيقا بذلك يمكن استخلاص تعريف التوقيع الالكتروني من خلال خصائص, أو وظائف هذا التوقيع,أيضا محدودية القانون فيما يخص حماية المستهلك من خلال إبرام العقد الالكتروني تماشيا مع القوانين المقارنة في هذا المجال.بالإضافة إلى أن القانون, لم يتطرق لمشكلة تبادل المعلومات بأمان عبر الانترنت وضمان حرية الرسائل الالكترونية عن طريق وسائل الاتصال الحديثة.

كما لم ينظم الإطار القانوني, للدفع الالكتروني.وأيضا ما يتعلق بالضريبة ,التي يصعب معها وكيفية احتسابها هل من خلال ما ينهجه بلد البائع الذي سيعفى من الضريبة ’إذ باع المنتج خارج بلاده أم بما ينهجه بلد المشتري,هذه مسألة معقدة لأن مجال احتساب الضرائب مسألة تقنية حيث كان من الأجدر على المشرع تبيانها لتسهيل الأمر على المتعاقد الكترونيا.ومن بين المسائل المهمة أيضا والتي لم تحضي بمكان في ظل هذا القانون, ما يتعلق بحماية الملكية الفكرية والعلامة التجارية.زيادة على ذلك لم يحدد القانون 05-53 القانون الواجب التطبيق على تنازع القوانين.

ـ ثانيا: ملاحظاتنا

– من اللازم ترك مسألة التنظيم القانوني للتوقيع الالكتروني المأمون المنصوص عليه في قانون 05-53 بكل جزئياته للمرسوم التطبيقي للقانون,وذلك لارتباط هذا التوقيع بالظروف التقنية التي لا تتسم بالثبات والاستقرار اسوة بما فعله المشرع الفرنسي من خلال تنظيمه للتوقيع الالكتروني المأمون من خلال المرسوم 30 مارس 2001.

– الخروج من إطار العمل المحلي والوطني إلى العمل في إطار دولي وذلك بتحري ودراسة كافة القوانين المتعلقة بالتجارة الالكترونية عموما والتوقيع الالكتروني خصوصا والعمل على إيجاد إطار قانوني موحد للتوقيع الالكتروني.
– ضرورة العمل المشترك بين رجال القانون والمعلوماتيين بغية الوصول لصياغة قانونية محكمة توفر ضمانات حقيقية للمتعاملين بالتوقيع الالكتروني والعمل على تشجيع الاستثمار الوطني والأجنبي.
– التكوين المستمر لرجال القانون(القضاة,المحامون,الشرطة)في المجال المعلوماتي ,وكذا تدريب الخبراء ومساعدتهم على التخصص في الحقول الالكترونية .
– التأكيد على إدراج المعلومات ضمن برامج التعليم القانوني في إطار قانون المعلومات.
– تكثيف الجهود لمحاربة الأمية, لكونها تشكل عائقا أمام انتشار التوقيع الالكتروني الذي يتطلب قدرا كافيا من المعرفة.
– العمل على حماية المستهلك باعتباره الطرف الضعيف في التعاقد الالكتروني ,بالإضافة إلى حماية العلامة التجارية والملكية الفكرية.
– تقوية مؤسسة القضاء حتى تتمكن من مواكبة هذا التطور المتسارع وتعمل في ظل التوقيع الالكتروني
– تنظيم ندوات ,لقاءات وأيام دراسية لتوعية الفاعلين بمقتضيات قانون 05-53 و بهذا المولود الجديد –التوقيع الالكتروني -.
– بيان الاختصاص القضائي والقانون الواجب التطبيق على العقود تبرم عن بعد.
في الختام أتمنى أن أكون قد وفقت في الإحاطة بالموضوع وإبراز الإشكالات القانونية التي يطرحها التوقيع الالكتروني , كما نأمل أن في القريب العاجل إيجاد حلول للمشاكل التي يعرفها التوقيع بصفة خاصة وقوانيننا بشكل عام.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت