مزايا مكاتب الإصلاح بين المتخاصمين

بحثت وزارة العدل في المملكة إنشاء مكاتب للإصلاح بين المتخاصمين وفضّ المنازعات في المحاكم وذلك قبل أن تأخذ القضية إجراءاتها إلى التقاضي، وهو ما يتسق مع ما تقرره الشريعة الإسلامية من الدعوة إلى الإصلاح بين الناس, كما أنه يُحقق مصالح المتنازعين في توفير الوقت والجهد والمال.

ويتفق هذا المنحى أيضًا مع تجارب الكثير من الدول في هذا الاتجاه، كما أن إنشاء مكاتب للصلح يتفق مع ما تقرره القوانين والأنظمة الخاصة بالتحكيم في مختلف دول العالم, ومنها نظام التحكيم السعودي الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/46) وتاريخ 12/7/1403هـ, والذي ينصّ في مادته الثانية وفي المادة الأولى من لائحته التنفيذية على أن (التحكيم لا يُقبل في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح).

ومن المعروف وجود تجربة سابقة أثبتت نجاحها وتتعلق بمكاتب الصلح في محكمة ضمان الأنكحة, إذ استطاع القضاة أن يُصلحوا بين أكثر من ألفي حالة دون بلوغها حد الخصومة أو النزاع.

ومن مميزات عقد الصلح, من الناحية العملية:

تخفيف العبء عن القضاة رغم كونه حاسماً للنزاع ويضع حداً لخصومات قائمة بين يدي القضاء هذا إذا تم الصلح أثناء نظر القضية, وهو ما يسمى بالصلح القضائي.

ومن جهة ثانية قد يتم الصلح بين الخصوم قبل رفع الدعوى وفي هذا تخفيف للعبء الواقع على القضاة.

وكذلك يخفف الصلح العبء عن الخصوم؛ إذ إن في إنهاء الخلاف بينهم صلحاً بدلًا من اللجوء إلى التقاضي تخفيفًا كبيرًا عنهم, فإجراءات التقاضي تأخذ كثير من التعقيد والجهد والمشقة وتستغرق وقتاً طويلاً, ويتحمل الخصوم بسببها تكاليف باهظة واستنزافًا لجهودهم ووقتهم, وتبقى النتيجة بعد ذلك غير مضمونة لأن القاضي بشر يقضي بواقع الأوراق والمستندات أمامه.

ومن المميزات الأخرى أنه وسيلة من وسائل تحقيق العدالة؛ فحسم النزاع بين طرفي المشكلة بعقد الصلح أدعى إلى الإنصاف وأدنى إلى تحقيق العدالة, لأن طرفا الخصومة أعلم من غيرهما بعدم استحقاق كل منهما في ما يدعيه أو فيما يُدعى عليه.

ومن هنا فإن في حسم النزاع بالصلح عن تراض وتشاور تحقيق للعدالة التي قد لا يُحققها الحكم الذي يصدر لصالح أحدهما، ومصداق ذلك ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي, فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض, فأقضي له بنحو ما أسمع منه, فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذ منه شيئاً, فإنما أقتطع له قطعة من النار”.

-ويُعد نشر السلم الاجتماعي من أبرز مميزات الصلح بين الطرفين، فعقد الصلح بإنهائه النزاع القائم أو المحتمل يُسهم في تحقيق السلام وإشاعة الأمن بين أفراد المجتمع، ويقضي على الخصومة من جذورها, ويؤلف بين القلوب المتشاحنة, ويضع حداً لما تركته الخصومة من أحقاد، وكل هذه الأمور لا تقضي عليها الأحكام القضائية بل قد تثيرها.

وبالنظر إلى كل هذه الميزات للصلح القضائي، فإن تفعيله بصورة عملية من خلال مكاتب متخصصة لدى المحاكم يُعد خطوة موفقة, ولكن مع ضرورة وضع الكثير من الضوابط التي يجب مراعاتها في آلية عمل هذه المكاتب, مثل أن يتم الصلح تحت الإشراف المباشر للمحكمة، وإعطاء فاعلية للقرار الصادر بالصلح بين المتنازعين, بحيث يُصبح أمراً ملزماً للجانبين وتوثيقه للاحتجاج به عند الضرورة, بل ويُعطى الصيغة التنفيذية مثل الأحكام القضائية النهائية.