مقترحات و حلول حول قانون الانتخاب

نظرات حول قانون الانتخاب.. مقترحات وحلول (د.نوفان عجارمه)

إن مفتاح الديمقراطية وبداية الإصلاح السياسي، ومن ثم الارتقاء بالمجتمع، إلى مصاف الدولة المتقدمة حضاريا، هو صندوق الانتخاب، فكلمان كان الصندوق معبرا تعبيرا حقيقيا وصادقا عن إرادة الناخبين، ومجسدا لعملية انتخابية حرة ونزيهة وشفافة، كلما أمكن القول إننا نعيش ديمقراطية حقيقية.

ومن هذا المنطلق و من واجبي كأكاديمي متخصص في هذا المجال أن أقول كلمة بشأن قانون الانتخاب، لعلها أن تضيف جهدا بسيطا إلى جهود لجنة الحوار الوطني، و التي شكلت من قبل مجلس الوزراء للبحث في عدة محاور منها قانون الانتخاب.

،ومن خلال استعراض نصوص أحكام هذا القانون نجد بان ثمة إشكالية عملية في بعض مواده، و عدم اتفاق بعضها الآخر مع أحكام الدستور، و سوف نسلط الضوء في هذا المقال على أهم ما جاء فيه هذا القانون من اطر عامة، مبينين ايجابيات وسلبيات هذا القانون، ومقترحين بعض التوصيات والحلول.

أولا: من حيث الإطار العام(الوصفي) للقانون:

1. لقد اخذ المشرع الأردني بأسلوب الانتخاب المباشر:
• ويكون الانتخاب مباشرا: عندما يقوم الناخبون بانتخاب النواب من بين المرشحين مباشرة دون واسطة أشخاص آخرين في هذا العمل ووفق الأصول والإجراءات التي يحددها القانون , ولذلك يطلق البعض على هذا النظام نظام الانتخاب على درجة واحدة،لان الانتخاب يتم على مرحلة واحدة فقط،

• لقد تبنى الدستور الأردني أسلوب الانتخاب المباشر، في (67) منه حيث جاءت بالقول: يتألف مجلس النواب من أعضاء منتخبين انتخابا عاما سريا ومباشرا وفقا لقانون الانتخاب” وقد استجاب المشرع الأردني في قانون الانتخاب رقم(9) لسنة 2010 لهذا الحكم الدستوري عندما نصت(21) بالقول: ((..يكون الاقتراع عاما وسريا ومباشرا.))

2. لقد اخذ المشرع الأردني بأسلوب الانتخاب الفردي.
تأخذ الدولة عادة بنظام الانتخاب الفردي عندما تقسم الدولة إلى دوائر انتخابية بقدر عدد النواب المراد انتخابهم، وبالتالي يكون لكل دائرة انتخابية نائب واحد ينتخبه سكانها، ولا يجوز لأي ناخب أن ينتخب أكثر من مرشح واحد، وهذا المعمول به في قانون الانتحاب الأردني رقم (9) لسنة 2010 مع بعض الاختلاف، وتأخذ الدول عادة بنظام الانتخاب الفردي للاعتبارات التالية:

•يمتاز نظام الانتخاب الفردي بالبساطة وسهولة الإجراءات، حيث تنحصر مهمة الناخب في اختيار نائب واحد فقط في دائرته الانتخابية (وعادة تكون محدودة المساحة)،مما يجعل مهمته سهله وميسره. وهذا بخلاف نظام الانتخاب بالقائمة والذي يشمل بعض الإجراءات المطولة والمعقدة، نظرا لكبر واتساع الدائرة الانتخابية مما يصعب من مهمة الناخب في اختيار مرشحي الدائرة.

•يستطيع الناخب في نظام الانتخاب الفردي معرفة السيرة الذاتية لكل مرشح والحكم عليه في صوته الانتخابي مما يجعله قادرا على اختيار الامثل ليكون نائبا عنه، بعكس نظام الانتخاب بالقائمة الذي يتم فيه خداع الناخبين من خلال وضع اسم شخص بارز على راس القائمة التي قد تتضمن أشخاصا قليلي الكفاءة أو غير مرغوب بهم، مما يؤدي إلى تمرير القائمة على الناخبين.

•الانتخاب الفردي يزيد من حرية الناخب ويقلل من سيطرة الأحزاب السياسية على إرادة الناخبين وتوجيهها لانتخاب الأشخاص الذين تريدهم الأحزاب وليس الأشخاص الذين يريدهم المجتمع ويحتاج لخبراتهم وكفاءاتهم.

•يحقق الانتخاب الفردي المساواة بين الدوائر الانتخابية، لان هذا النظام يقوم على توزيع الدولة إلى دوائر صغيرة لكل دائرة نائب واحد فقط. وغالبا يكون تقسيم الدوائر بشكل متساو، هذه المساواة قد لا تحقق في نظام الانتخاب بالقائمة نظرا لاتساع الدوائر الانتخابية وتعدد المقاعد النيابية المخصصة لكل دائرة. (مثال ذلك: دوائر محافظة العاصمة عمان عدد المقاعد فيها متفاوتة)

• قيل بان نظام الانتخاب الفردي قد يوفر فرص للأحزاب الصغيرة والأقليات بالحصول على مقاعد نيابية في بعض الدوائر الانتخابية (مثال ذلك: دائرة ذيبان الانتخابية افرزت سيدة في الانتخابات السابقة و الدائرة الثالثة وأيضا أفرزت سيدة (ريم بدران) في الدائرة الثالثة في محافظة العاصمة)، أما نظام الانتخاب بالقائمة الذي يطبق في الدوائر الانتخابية الواسعة فانه لا يوفر تلك الفرص.

3. لقد اخذ المشرع الأردني بنظام حجز المقاعد (الكوتا) و تمثيل الاقليات.
• من حيث تحديد مفهوم الاقلية: لقد حظيت حماية الاقليات باهتمام واسع في المجال الدولي، حيث نص على ذلك في المادة (2) من الاعلان العالمي لحقوق الانسان لعام 1948 و المادة (1) من الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع اشكال التمييز العنصري و المادة (2) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966. لقد اختلف الفقه الدولي و الدستوري حول تحديد المقصود بالاقلية التي يتعين حمايتها ورعايتها من الناحيتين القانونية و السياسية، حيث نظر جانب من فقهاء القانوني الدولي للاقلية نظرة عددية (مجموعة اصغر عددا من باقي افراد الشعب و يختلفون عن بقية الشعب من حيث الجنس او الدين او اللغة، وتكون هذه المجموعة في وضع غير مسيطر)، ومنهم من نظرة اليها نظرة موضوعية ( طائفة من افراد الشعب المنتمين الى دولة بعينها، تختلف عن باقي افراد الشعب (المكونين للدولة) من حيث الجنس او الدين او اللغة)، ومنهم من نظر اليها نظرة شخصية مبنية على الارادة والمشاعر فهي ( مجموعة من مواطني الدولة تختلف عن اغلبية الرعايا من حيث الجنس او الدين او اللغة أو الثقافة وغير مسيطرة وتشعر بالاضطهاد، يجمعها التضامن بغية الحفاظ على هويتها الخاصة او طابعها الخاص.اما مفهوم الأقلية في القانون الدستوري فتعني الأقلية الحزبية التي لم تنل اغلبية المقاعد النيابية التي تؤهلها دستوريا لتشكيل الحكومة سواء حصلت على بعض المقاعد في البرلمان او لم تحصل.

•أسلوب حجز المقاعد (الكوتا) وهو اسلوب الذي اتبعه المشرع الاردني منذ عام 1928 وحتى اليوم : ففي ظل الدساتير السابقة على الدستور الحالي: لقد نصت الدساتير السابقة صراحة على التمثيل العادل للأقليات، حيث نصت المادة (25) من القانون الاساسي لسنة 1928 على (… يتالف المجلس التشريعي من ممثلين منتخبين طبقا للقانون الذي ينبغي ان يراعى فيه التمثيل العادل للاقليات )، كما نصت المادة (33) من الدستور الاردني لسنة 1946 على (..يتالف مجلس النواب من ممثلين منتخبين طبقا لقانون الانتخابات الذي ينبغي ان يراعى فيه التمثيل العادل للاقليات)، وقد حقق المشرع الأردني هذا الأمر، في قوانيين الانتخاب في ظل الدستورين السابقين، من خلال تخصيص مقاعد للشركس و الشيشان وكذلك المسحيين.أما في ظل الدستور الحالي: فقد اغفل الدستور موضوع تمثيل الأقليات بصورة كلية، حيث جاءت المادة (67) منه بالقول: ” يتألف مجلس النواب من أعضاء منتخبين انتخابا عاما سريا ومباشرا وفقا لقانون الانتخاب”، ومع ذلك سار المشرع العادي على نفس المنوال السابق، حيث احتفظ المشرع العادي في قوانين الانتخاب المتعافية، بفكرة حجز المقاعد للشركس والشيشان و المسيحيين و البدو واخيرا للمرأة ؟؟

ثانيا: من حيث تحليل موقف المشرع الأردني:

بعد أن تطرقنا للإطار العام للقانون، فلا بد لنا من تسليط الضوء على بعض ما يعتري هذا القانون من عيوب مقترحين بعض الحلول:

أولا: لقد اخذ المشرع بالاقتراع العام والسري والمباشر: اعتقد بأنه لا توجد سلطة تقديرية للمشرع العادي بخصوص، طريقة الانتخاب، لان الدستور الأردني تبنى أسلوب الانتخاب المباشر، في (67) منه حيث جاءت بالقول: يتألف مجلس النواب من أعضاء منتخبين انتخابا عاما سريا ومباشرا وفقا لقانون الانتخاب”.

ثانيا: التأكيد على تبني نظام الاقتراع الفردي
إن المتفحص لأحكام المادة (88) من الدستور يجد بان المشرع الدستوري الأردني اتجهت نيته إلى الأخذ بنظام الاقتراع الفردي و مجال للأخذ بنظام الانتخاب بالقائمة، فالنص يقول ((..إذا شغر محل احد أعضاء مجلسي الأعيان أو النواب بالوفاة أو الاستقالة، أو غير ذلك من الأسباب فيملأ محله بطريق التعيين إذا كان عينا أو الانتخاب الفرعي إن كان نائبا….)) و هذا توجيه من المشرع الدستوري إلى المشرع العادي بضرورة الأخذ بنظام الاقتراع الفرعي، لأنه في ظل الأخذ بنظام الانتخاب بالقائمة، لن تكون هناك انتخابات فرعية لملء المقعد الشاغر، بل يتم ملء هذا المقعد من خلال اختيار الشخص الذي يليه بالقائمة، وهكذا.

ثالثا: لابد من الأخذ بنظام الاقتراع الفردي
أو ما يعرف بنظام الصوت الواحد، صوتا واحدا لكل ناخب، لكن لابد من مسايرة ما جرت عليه الأنظمة الانتخابية و الدستورية في العام،حيث جعلت الانتخاب الفردي مقترنا بتقسيم الدولة إلى دوائر جغرافية حقيقية بعدد مقاعد البرلمان، بحيث يخصص لكل دائرة نائب واحد، لذا نقترح تقسيم المملكة إلى دوائر انتخابية ذات إطار جغرافي محدد وبعدد مقاعد مجلس النواب، فإذا كان العدد يتكون من (110) نائبا فيتم تقسيم المملكة إلى (110) دائرة انتخابية، على أن يراعي التقسيم المساحة الجغرافية و الكثافة السكانية، و لابد من التخلص كلية من نظام الدوائر الافتراضية (أو ما يعرف بالدوائر الوهمية) لان هذا النظام يخالف ابسط الممارسات الديمقراطية المطبقة في العالم، و لا يسوي بين الأردنيين في مباشرة حقوقهم السياسية، و إفرازات القانون المؤقت كان واضحة، حيث حرمت عدد من المرشحين من دخول البرلمان، على الرغم من حصولهم على اصوات أكثر من الأشخاص الفائزين، رغم تنافسهم في نفس الإطار الجغرافي و السكاني ؟؟

رابعا: لابد من إلغاء نظام حجز المقاعد (الكوتا) وللكافة
لان هذا النظام يخالف أحكام المادة (6) من الدستور، و المشرع الدستوري الأردني في الدستور الحالي جاء في حكم مغاير للدساتير السابقة، وما نص عليه الدستور مسموح به، وما لم ينص عليه فهو محظور. ونستطيع القول بان ما هو معمول به حاليا في المملكة لا يتوافق و أحكام الدستور الأردني لسنة 1952، نصا وروحا، وللأسباب التالية:
1- إن نظام حجز المقاعد (الكوتا) فيه مخالفة صريحة لأحكام المادة (67) من الدستور، لان المشرع الدستور اغفل وبشكل مقصود عبارة (التمثيل العادل للأقليات)، ومن المعلوم إن المشرع منزه عن اللغو وإذا أراد قال، وكان حذف هذه العبارة مقصودا، ومن ثم، لا يجوز للمشرع العادي أن يسير على نفس المنوال السابق، دون الأخذ بعين الاعتبار، ما قرره الدستور من أحكام جديدة،لان المشرع الدستوري أراد أن يتم اختيار ممثلي الأمة على أسس سياسية و حزبية و ليست على أسس دينية أو عرقية، حيث تبنى المشرع قواعد موضوعية من شانها صهر كافة الفوارق بين إفراد الشعب. وعليه، لا يجوز أن نطبق نفس الإحكام السابقة، دون النظر إلى التغيير الذي تم على الدستور، و لا مجال للقول بان هناك عرفا دستوريا بشأن الأخذ بنظام الكوتا منذ عام 1928، لان من أهم شروط العرف، المشروعية وذلك بان لا يخالف العرف النصوص القانونية المكتوبة، باعتباره العرف مصدرا تكميليا للقاعدة القانونية، نلجأ إليه عند وجود نقص في التشريعات المكتوبة.

2-إن نظام حجز المقاعد (الكوتا) فيه مخالفة لمبدأ المساواة: فهذا الأسلوب (أسلوب تخصيص المقاعد) يتنافى مع المبدأ الذي قررته المادة (6) من الدستور والتي تنص على ( الأردنيون أمام القانون سواء تمييز بينهم في الحقوق و الواجبات وان اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين). فالمشرع الدستوري الأردني صاغ المساواة من ناحية قانونية خالصة، وفكرتها تدور حول إن يكون جميع أفراد المجتمع إزاء القانون في مركز واحد دون تفرقه أو استثناء سواء كان هذا القانون يقرر منفعة(المساواة في المنافع العامة) أو يفرض التزاما ( المساواة في تحمل التكاليف العامة) بحيث يكون القانون عاما عمومية مطلقة و ينطبق على جميع أفراد المجتمع دون تمييز بينهم أو تفرقة على أساس الدين أو العرق ازو الجنس.

3-تتنافى فكرة حجز المقاعد مع أحد خصائص النظام النيابي: وهو إن النائب يمثل الأمة بأكملها وليس دائرته الانتخابية، والتخصيص يجعل النائب ممثل لطائفة أو فئة معينة.

4-يتجاهل أسلوب تخصيص المقاعد أفكار التسامح الموجودة في المجتمع الأردني، ولم يعد مستساغا في العالم المتحضر الحديث عن هذه الموضوعات .

5- فكرة تخصيص المقاعد عديمة الجدوى من الناحية القانونية: لان هناك العديد من النصوص القانونية التي تؤدي إلى تحقيق الفوائد التي ترمي فكرة حجز المقاعد إلى تحقيقها، فالعقيدة مكفولة( المادة 14 من الدستور)، وحرية الرأي مكفولة (( المادة 15 من الدستور)) و المساواة أساس التعامل بين أفراد المجتمع ( المادة 6 من الدستور)، و لا يمكن استبعاد فئة أو طائفة ؟؟.

6-لقد زاد المشرع الطين بلة، عندما خصص كوتا، للمرأة، فهل يعقل أن نخصص كوتا، للمرأة، والتي تعتبر نصف المجتمع ؟ إن قضية تولي المرأة المناصب العامة ( ومنها المنصب النيابي) تتحدد – برأينا- نتيجة تفاعل ثلاثة عوامل وهي:

•العامل الأول قانوني: والذي يتمثل بالنصوص القانونية التي تسوي أو تفرق بين الرجل والمرأة في تولي المناصب العامة، في عام 1974 زال المشرع الأردني كافة المعوقات التي من شانها أن تحول دول مشاركة المرأة في الانتخابات النيابية حيث اعترف بحق المرأة في أن تكون ناخبه ومنتخبه.

•العامل الثاني قضائي: ويمثل بموقف القضاء من السلطة التقديرية للإدارة بشأن التفرقة ما بين الرجل والمرأة في تولي المناصب العامة ومدى إقراره أو تقييده لهذه السلطة ووضع الضوابط لها، وحسب معرفتي لم أجد حكما قضائيا واحد أعطى للإدارة الحق في إقصاء المرأة ( كونها أنثى ) من تولي المناصب العامة.

•العامل الثالث اجتماعي سياسي: ويتمثل بمدة تهيؤ المجتمع وتقبله اجتماعيا وسياسيا لتولي المرأة المناصب العامة وان تصبح نائباً تمثل الشعب، ونجد بان هذا العامل قد يجعل من النصوص القانونية والأحكام القضائية مجرد هياكل لا روح فيها، عندما يسبق التطور القانوني التطور الاجتماعي و السياسي عندها تغدو النصوص القانونية، بلا شرعية اجتماعية، وعندها تفقد قيمتها الفعلية. وعليه، فإننا نجد بان مشكلة تولي المرأة للمناصب العامة( ومنها المنصب النيابي) ليست مشكلة قانونية بل هي مشكلة اجتماعية قبل كل شيء، فهذا الأمر يخضع للتقاليد الاجتماعية والظروف الاقتصادية التي تسود الدولة.

خامسا: من حيث الرقابة القضائية الطعون الانتخابية

اتفق مع مسلك المشرع الأردني في قانون الانتخاب لمجلس النواب لسنة2010، والمتمثل بقصر الاختصاص بنظر الطعون المتعلقة بالإجراءات الممهدة لانتخاب مجلس النواب على القضاء النظامي، ممثلا بمحكمتي البداية والاستئناف، وإقصاء محكمة العدل العليا عن هذا الأمر المهم. لذا لابد من إعطاء الاختصاص القضائي في الرقابة على الإجراءات الممهدة للانتخابات لمحكمة العدل العليا: على ان تنظر المحكمة لهذه الطعون بصفة الاستعجال و تخصص هيئة خاصة بهذه الطعون بحيث تفصل بهذه الطعون في (5) أيام على الأكثر، على أن تختص المحكمة بكافة الطعون الممهدة للانتخابات سواء تعلق الأمر في الطعون المتعلقة بكشوفات الناخبين أو الطعون المتعلقة بقبول أو فرض قبول المرشحين، و للأسباب التالية:

1-من حيث التوزيع الوظيفي الطبيعي للقضاء: نجد بان الطعون الانتخابية – باعتبارها ذات طابع إجرائي إداري- تدخل في صميم المحاكم الإدارية، و لا تدخل في اختصاص المحاكم النظامية، وقد سبق لمشرعنا ( في فوانيين الانتخاب السابقة) أن أعطى الاختصاص لمحكمة العد العليا، فيما يتعلق بالاعتراض على التسجيل في سجلات الناخبين أو الاعتراض على صحة الترشيح.

2-إن إعطاء الاختصاص لمحكمة واحدة (وهي محكمة العدل العليا) من شانه أن يوحد المبادئ الأحكام الصادرة عن هذه المحاكم: هذا بخلاف الوضع الحالي، فالمشرع أعطى الاختصاص لمحكمة البداية التي تقع الدائرة الانتخابية ضمن اختصاصها، أي الاختصاص ينعقد حاليا لأكثر من (15) محكمة بداية، وأحكامها نهائية و لانتشر، وهذا قطعا سوف يؤدي إلى اختلاف في الاجتهاد بين هذه المحاكم، مما يؤدي إلى حرمان البعض من الترشيح للانتخابات دون البعض الآخر، وهذا يتنافى من ابسط قواعد العدالة. فعلى سبيل المثال: شخص رفض طلب ترشيحه في دائرة البلقاء في عام 2003، وتم رفض الطلب وتأكد هذا الرفض بحكم قضائي، و ترشح ذات الشخص في عام 2007 و تم رفض الطلب لذات سبب الرفض السابق، ولكن المحكمة الغت هذا الرفض وسمحت له بالتشريح ؟؟ نلاحظ وجود اجتهادين قضائيين مختلفين في دورتين متتاليتين ولنفس لمحكمة ولنفس الشخص و النفس السبب ؟؟؟ قطعا لو عرض الأمر على محكمة العدل العليا، لكن الاجتهاد واحدا.

سادسا: من حيث جداول الناخبين

1-تنفيذا لأحكام الفقرتين (1) و(2) من المادة (67) من الدستور، يجب إن ينص القانون صراحة على حق المرشحين (الذين قبلت طلباتهم) في الحصول على نسخة من الكشوفات النهائية القطعية، لان هذا يدخل في حق المرشحين في مراقبة الإعمال الانتخابية.

2-النص على اعتبار العبث في الجداول النهائية القطعية، إساءة استعمال السلطة كما هي محددة في قانون العقوبات، ويعاقب فاعلها بالعزل من وظيفته كعقوبة تبعية للجريمة الجزائية.

3-وضع الضمانات الكفيلة بتأمين سلامة وصحة جداول الناخبين: يجب اتخاذ كافة الوسائل والاحتياطات المختلفة لتكون جداول الناخبين سليمة وتدقيقية، وهذه مسالة جوهرية في الأنظمة النيابية، إذ يتوقف عليها التعبير الصادق عن إرادة الأمة، و إذا تطرق الخلل و تسرب التزوير إلى تلك الجداول سواء بالإضافة إليها أو الحذف منها، فان ذلك يؤدي إلى تشويه نتيجة الانتخاب وهدم الغرض منه و يشكل تزييفا لإرادة الأمة، ويؤدي إلى القضاء على النظام النيابي في أساسه وجوهره.

4-النص على ضرورة مراجعة جداول الناخبين بشكل سنوي لإضافة أسماء الأشخاص الذين توافرت فيهم شروط الانتخاب، وحذف الأسماء الذين فقدوا هذا الحق، لأي بسبب من الأسباب.

سابعا: من حيث تقسيم الدوائر الانتخابية

يجب أن ينص على تقسيم الدوائر في صلب القانون: حتى لا يكون الأمر بيد السلطة التنفيذية، فتتلاعب في تقسيم الدوائر كي تصل إلى إنجاح أنصارها، وبنفس الوقت تقوم بتشتيت و تفتيت الدوائر الموالية لخصومها، بحيث تصبح المعارضة أقلية، لا تستطيع التأثير بنتيجة الانتخابات، و نؤكد هنا على ضرورة تقسم المملكة إلى دوائر انتخابية ذات إطار جغرافي محدد و لابد من التخلص كلية من نظام الدوائر الافتراضية (أو ما يعرف بالدوائر الوهمية).

ثامنا: من حيث الرقابة القضائية على العملية الانتخابية (الإشراف القضائي)

من اجل ضمان (نزاهته وحرية وشفافية) الانتخابات فإننا نقترح بان تتم العملية الانتخابية تحت الإشراف القضائي، وبما يؤدي إلى تحقيق العدل والحياد التام على امتداد مراحل سير العملية الانتخابية،فبالعدل وحدة تطمئن النفوس و تنطق ملكات الإنسان الآمن على نفسه و على مستقبله، فيبدع ويسهم في حل المشكلات التي تواجه مسيرة أمته، وعليه، فأننا نوصي المشرع بما يلي:

1-يجب أن تكون اللجان المسؤولة عن سير العملية الانتخابية، بداء بالتصويت و مرورا بالفرز وانتهاء بحصر النتائج، يجب أن تكون برئاسة قاضي لا تقل درجته عن الثالثة، يسميه المجلس القضائي، ويجب أن تضم هذه اللجان في عضويتها من الناخبين من غير المرشحين.

2- يجب أن تكون اللجنة العليا للانتخابات برئاسة وزير الداخلية، و تضم في عضويتهما أربعة قضاة لا تقل درجتهم عن العليا (من غير قضاة محكمة العدل العليا)، يسميهم جميعا المجلس القضائي، وثلاثة من الشخصيات العامة من غير المنميين إلى أي حزب سياسي و رئيس المركز الوطني لحقوق الإنسان.

تاسعا: لابد من إزالة بعض التناقض الذي وقع فيه المشرع من حيث:

1. إن عدد مقاعد مجلس النواب هي 123 مقعدا و ليس 120 مقعدا، لان هناك تعارض بين أحكام المادة (42/ب) من قانون الانتخاب و أحكام نظام تقسيم الدوائر الانتخابية: فالمادة (42/ب) بينت كيفية تحديد أسماء الفائزات بالمقاعد الإضافية المخصصة للنساء على مستوى المملكة في المحافظات وفي إي دائرة من دوائر البادية، ويكون ذلك على أساس نسبة عدد الأصوات التي نالتها كل مرشحة من مجموع أصوات المقترعين في الدائرة الفرعية التي ترشحت فيها وبالمقارنة بين هذه النسب يعتبرن فائزات بهذه المقاعد المرشحات اللواتي حصلن على أعلى النسب في جميع الدوائر الفرعية، وفي كل الأحوال، لا يجوز أن يزيد عدد الفائزات بالمقاعد المخصصة للنساء في كل محافظة وفي إي دائرة من دوائر البادية الانتخابية المغلقة على فائزة واحدة.

وحسب نظام تقسيم الدوائر الانتخابية فانه يتم حصر هذه النسب على مستوى كافة الدوائر الانتخابية على مستوى المملكة، يتم تحديد أعلى 12 ممن حصلت على أعلى النسب وتعلن أسماء المرشحات اللواتي حصلن عليها كفائزات بعضوية المجلس النيابي. أي إن نية المشرع اتجهت إلى حصر مقاعد المساء على نظام الكوتا بـ(12) مقعدا فقط.

ولكن هذا القول لا يستقيم مع الحكم الذي قررته المادة (42/ب) من قانون الانتخاب المؤقت لان المادة تحدثت عن عدد الفائزات بالمقاعد المخصصة للنساء في كل محافظة وفي إي دائرة من دوائر البادية الانتخابية المغلقة بحيث لا يزيد العدد عن فائزة واحدة في كل محافظة أو دائرة، وحيث يوجد في المملكة (12) محافظة و (3) دوائر للبادية وهي دوائر مغلقة وغير تابعة لأي محافظة من محافظات المملكة، فان الاستنتاج العقلي و المنطقي لهذا النص هو إن عدد مقاعد الكوتا المخصصة للنساء هي (15) مقعدا و ليس (12) مقعدا، على أساس فائزة واحد لكل محافظة و فائزة واحدة لكل دائرة من دوائر البدو (وهي ثلاثة دوائر شمال و وسط و جنوب).لذا فأنني اقترح تعديل أحكام المادة (42) من قانون الانتخاب أو تعديل نظام تقسيم الدوائر الانتخابية بحيث تعامل دوائر البادية الثلاث (الشمال و الوسط والجنوب) كدائرة واحدة لغايات احتساب المقاعد المخصصة للنساء على نظام الكوتا.

2. مخالفة أحكام المادة (3/أ) من قانون الانتخاب للمادة (6) من الدستور: فالمادة (3/أ) من القانون تنص على((.. لكل أردني أكمل 18 سنة شمسية من عمره في اليوم الأول من الشهر الأول من كل سنة الحق في انتخاب أعضاء مجلس النواب إذا كان مسجلا في احد الجداول الانتخابية النهائية….)) و المادة (6) من الدستور تنص على ((الأردنيون أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وان اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين)).

ووفقا لأحكام المادة (3/أ) من قانون الانتخاب فانه لا يحق للأردني الذي بلغ سن الثامنة عشرة بعد تاريخ 1/1/2010 ممارسة حقه الانتخابي، ولا ذنب و جريرة له، إلا كونه مولودا بعد تاريخ 1/1/2010 ؟؟ ولم أجد جوابا أو تبريرا لهذا المسلك غير المحمود ؟؟ لماذا يتم حرمان قطاع كبير من الشباب من ممارسة حقهم الانتخابي، هؤلاء يقدر عددهم بآلاف ؟؟ إن تبنى مجلس الوزراء(في القانون المؤقت) لمثل هذا النص، يشكل تناقض واضح مع ما تدعيه الحكومة من تشجيعها لقطاع الشباب في المشاركة في الانتخابات القادمة ؟؟ لذا فأنني اقترح منح كافة الأردنيين الذين بلغوا سن 18 عام حق الانتخاب،إذا بلغوا ذلك السن قبل اكتساب جداول الناخبين للدرجة القطعية.

عاشرا: لابد من وضع تنظيم قانوني صارم للحد من المال السياسي:

لا توجد رؤية شاملة للمشرع الأردني بشأن الرقابة على تمويل الحملات الانتخابية، وإنما نجد مجموعة من النصوص المتناثرة هنا وهناك، والتي لا تشكل تشريعاً عاماً يعالج كافة الجوانب المتعلقة بهذا الموضوع.
كما نلاحظ أيضاً عدم مجاراة التشريعات الأردنية في هذا الصدد للتطورات الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع الأردني. كما نجد ضعفا شديداً في الرقابة على عملية التمويل للحملات الانتخابية، والهوة الواسعة بين النصوص التشريعية والواقع العملي.

وإذا ألقينا نظرة على التشريعات الأردنية – لاسيما قانون الانتخاب الحالي لسنة 2010- نجد أنها لا تتحدث عن تنظيم لعملية تمويل الحملات الانتخابية، وقد نص القانون في مادة واحدة على تجريم بعض الجوانب المتعلقة بالمال السياسي وهي حظر تقديم (هدايا أو تبرعات أو مساعدات نقدية أو عينية أو غير ذلك من المنافع أو يعد بتقديمها لشخص طبيعي أو معنوي سواء كان ذلك بصورة مباشرة أو بواسطة غيره بما في ذلك شراء الأصوات..))، وعلى الرغم من خطورة هذه الأفعال، فان المشرع الأردني وضع مدة تقادم قصيرة لسقوط هذه الجرائم وهي مدة ستة أشهر من تاريخ إعلان نتائج الانتخابات؟
لذا فإننا نقترح معالجة كافة الجوانب المتعلقة بهذا الأمر من خلال ما يلي:

1. وضع ضوابط قانونية للإنفاق على الحملات الانتخابية، بحيث يتم وضع سقوف للإنفاق وعدم إطلاق حرية المرشحين في الإنفاق مما يخل بمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بينهم، ويجب أن يتم ربط هذه السقوف بعدد سكان الدائرة الانتخابية، فكلما زاد عدد السكان، كلمات زاد الإنفاق. مثلا (دينار لكل نسمة )
2. إلزام كل مرشح بتقديم كشف أو إقرار بخصوص ذمته المالية.
3. إلزام كل مرشح بفتح حساب بنكي خاص لتمويل العملية الانتخابية.
4. تشكيل لجنة (إدارية/ قضائية ) خاصة كل أربع سنوات تتول مهمة الرقابة على تمويل الحملات الانتخابية،ووضع صلاحيات واسعة لها، بما في ذلك فحص حسابات المرشحين، وقراراتها تخضع لرقابة القضاء الإداري.
5. وضع عقوبات ذات طابع جنائي وسياسي على كل مرشح يخالف قواعد الإنفاق أو السقوف المحدد للإنفاق بموجب القانون.
وجهة نظر أكاديمية محايدة نقدمها إلى من يهمه الأمر.