هدف التحقيق

المؤلف : سلطان الشاوي
الكتاب أو المصدر : اصول التحقيق الاجرامي

الغاية من التحقيق الإجرامي هي إثبات وقوع الجريمة وكيفية وقوعها وسببها لمعرفة الجاني وتحديد درجة مسؤوليته. فالتحقيق بهذا المعنى يتناول الجريمة والمجرم على حد سواء. والآن نأتي على تفصيل ما ذكرناه في أعلاه.
1-اثبات وقوع الجريمة :
أول ما يجب على المحقق عمله هو التأكد من وجود الجريمة وقوعها ماديا. وبعبارة أخرى، البحث عن جسم الجريمة واكتشافه (1)، فإذا كان المحقق يحقق في جريمة قتل مثلا وجب عليه أولا ان يتثبت من حصول القتل وحقيقة وقوعه ماديا ويكون ذلك بالبحث عن جثة المجني عليه ومعاينتها والتحقيق من شخصيتها. ويلاحظ بأن عدم العثور على جسم الجريمة لا يعني بالضرورة عدم وقوعها، فلإثبات جريمة القتل ليس من الضروري ان توجد الجثة اذا ثبت من التحقيق ان المجني عليه قد قتل فعلا، اذ يحصل في كثير من الاحيان ان الجاني قد يخفي الجثة اما في باطن الارض او برميها في بئر او نهر بعد تقطيعها حتى لا تكون هناك فرصة للمحقق وأعوانه بجمع أجزاءها وحتى لو حصل ذلك فإنهم سوف يلاقون صعوبة في التأكد من شخصيتها خاصة اذا لم يعثر على الراس، ومع هذا فان وجود الجثة يساعد كثيرا على اثبات الجريمة اذ يلقي ضوءا على الجوانب الغامضة التي تكتنف التحقيق (2). وفي حالة عدم استطاعة المحقق من العثور على الجثة او بعض اجزائها وجب عليه عندئذ ان يجمع الأدلة التي تؤيد وقوع الجريمة ماديا اذ ان وجود جسم الجريمة ليس شرطا جوهريا لإدانة المتهم. لأن القاضي الجاني حر في تكوين قناعته من جميع ما يعرض عليه من الأدلة والقوانين (3).
2-كيفية ارتكاب الجريمة :
الخطوة الثانية بعد التثبت من حقيقة وقوع الجريمة ماديا هي التأكد من كيفية ارتكابها ووقوعها، ان معرفة ذلك له اثر كبير في اثبات التهمة على المتهم او نفيها عنه. ان طريقة ارتكاب الجريمة قد تدل في أحيان كثيرة على الفاعل. فقد يرتكب الشخص جريمة بطريقة ويصعب او يستحيل عليه ارتكابها بطريقة أخرى لأسباب مادية او معنوية. اذ ان لكل مجرم طريقته الخاصة في ارتكاب الجرائم. فمعرفة الطريقة التي ارتكبت بها الجريمة توصل المحقق الى حصر الشبهة في فئة قليلة من المجرمين الذين اعتادوا ارتكاب امثال هذه الجرائم التي يحققها. ويستدل في بعض الاحيان من الكيفية التي وقعت بها الجريمة على بعض صفات الجاني او مهنته او درجة ثقافته، فطريقة كسر الباب أو الشباك قد تدل على حرفة المجرم وتبين فيما اذا كان يمتهن حرفة النجارة او الحدادة ام لا. وطريقة تنفيذ الجريمة تدل في أحيان أخرى على تعدد المجرمين فهناك جرائم تتطلب لارتكابها جهدا معينا لا يستطيع ان يقوم به شخص واحد.
3-سبب وقوع الجريمة :
لا ترتكب الجريمة من لا شيء، بل هناك أسباب كثيرة تدفع المجرم لارتكاب جريمته وهذه الأسباب تختلف باختلاف الافراد اذ ان لكل فرد استعداد وميول وطباع وثقافة ونظرة للحياة خاصة به، فقد ترتكب الجريمة بدافع الانتقام او الأخذ بالثأر أو الطمع في المال وغيرها من الأسباب.

ان معرفة الدوافع الحقيقية للجريمة تساعد المحقق كثيرا في التعرف على الجاني، فاذا عثر على جثة فتاة شابة عذراء وبين التقرير الذي قدمه الطبيب انها ثيب فيكون سبب القتل عندئذ، على الاكثر. غسل العار. وفي هذه الحالة تتجه التهمة الى اقرب الناس للمجني عليه كالأب والأخ، وهكذا فبدلاً من ان يتشعب التحقيق فانه سوف ينحصر في أشخاص معدودين يركز عليهم المحقق في سبيل التوصل للحقيقة. وعلى المحقق ان يبذل عناية كبيرة في البحث عن سبب الجريمة ويكون في بحثه هذا صبورا ودقيقا وقوي الملاحظة اذ ان الخطأ في ذلك قد تترتب عليه نتائج مضرة بالتحقيق فقد يحصل ان يكون الهدف من القتل هو السرقة وان الجاني بعد ارتكابه القتل وعند البدء في المشروع بالسرقة يحس بحركة وقع اقدام فيهرب فاذا ما جاء المحقق وكشف على محل الجريمة ووجد كل شيء على حالته ظن سبب الجناية هو الانتقام وصار في التحقيق حسب هذا الظن الخاطئ (4).
4 – معرفة الجاني :
ان اثبات وقوع الجريمة وكيفية وقوتها وسببها يساعد المحقق من ذلك يشرع في الإجراءات اللازمة للتحقيق من شخصية المجرم، عن طريق التعميق بالتحقيق مع الشخص الذي اشارت إليه الأدلة معززا اياها بأدلة أخرى وذلك كمطابقة آثار الاقدام وبصمات أصابع الشخص مع آثار اقدام المجرم وبصمات اصابعه التي عثر عليها في مكان حدوث الجريمة. وعلى المحقق عند القيام بجميع هذه الإجراءات ان يتلمس الدقة في التحقيق للحيلولة دون وقوع بريء في شبكة الاتهام اذ ان الغاية من التحقيق هي ليست الصاق التهمة فقط بل نفيها عن الأبرياء أيضاً.
_________________________
1- ان جسم الجريمة يختلف باختلاف نوع الجريمة، في جرائم القتل يكون (جثة القتيل) وفي جرائم السرقة (المال المسروق).
2- ان وجود جسم الجريمة في جريمة القتل علاوة على انه يثبت وقوع الجريمة بشكل قاطع فانه يبين كيفية ارتكابها والآلة المستعملة في ارتكابها وهذا كله من شأنه ان يسهل الاهتداء الى الجاني.
3- انظر محمود حسن، التحقيق الجنائي العملي والفني، الطبعة الأولى 1913. القاهرة.
4- انظر محمود حسن، المرجع السابق ص54 وما بعدها – أحمد فواد عبد المجيد التحقيق الجنائي القسم العلمي. القاهرة 1939 ص87 – 90.\

إعادة نشر بواسطة محاماة نت