الجوانب القانونية للقرصنة البحرية و أثرها على حركة الملاحة البحرية محلياً و عالمياً

تعد البحار أداة اتصال الشعوب، ويتم عبرها المد الحضارى والثقافى ومعرفة عادات الشعوب وتقاليدها، وكانت ومازالت تعتبر أهم قنوات التواصل الاجتماعي والاقتصادي. وعبر السنين لم تنجو البحار من كونها أداة للقراصنة للسلب والنهب والسطو المسلح واختطاف السفن ومن عليها والمراكب التي تمر بالبحار.

وتعد القرصنة البحرية من أبرز وأهم التحديات والمخاوف التي تواجه المجتمع الدولي في السنوات الأخيرة حيث تزايدت التهديدات الناجمة عن القرصنة نتيجة لتردي الأحوال السياسية والأمنية لمجموعة من الدول التي تحتل مواقع استراتيجية بحرية هامة. وتعد دولة الصومال في مقدمة تلك الدول التي أنهكتها الحروب الأهلية والصراعات الداخلية منذ عام 1992 مما ساهم في إضعاف الحكومة المركزية وفشلها في مواجهة القرصنة البحرية والسيطرة على المياه الإقليمية الصومالية بما في ذلك الممرات البحرية الدولية. وكان من تداعيات ذلك أن أصبحت السواحل الصومالية والسفن التي تمر عبرها فريسة للقراصنة والميليشيات المسلحة الذين يقومون باعتراض وتطويق سفن الشحن التجارية وناقلات النفط العملاقة أثناء مرورها ثم اختطافها والمساومة على الافراج عنها مقابل مبالغ مالية ضخمة.

وسوف نستعرض في هذا المقال الجوانب القانونية لجريمة القرصنة البحرية وذلك من خلال تعريف القرصنة البحرية في الفقه الدولي من مواثيق واتفاقيات دولية، ثم نستعرض عقب ذلك عناصر جريمة القرصنة البحرية، ويستتبع ذلك التمييز بين القرصنة البحرية والإرهاب الدولي ثم نستعرض أركان جريمة القرصنة البحرية وتجريمها في القانون الدولي، وأخيرا نتعرض لجهود دولة الامارات العربية المتحدة في مكافحة القرصنة البحرية.

تعريف القرصنة البحرية في الفقه الدولي

لقد استخدمت كلمة “القرصنة” للدلالة على أعمال التعرض للناس بالقوة فى أسفارهم البحرية أو الجوية، وباللجوء إلى المعجم الوسيط يتبين أن لفظ “القرصان” يعنى لص البحر، وأن “القرصنة” هي السطو على السفن أو السطو على الطائرات، أما “القرصنة الجوية” فتعني التعرض للطائرات في مساراتها الجوية بالسيطرة عليها وتغيير مسارها أو التعرض للمسافرين عليها بالقتل أو بالسلب أو بالنهب.

ويرى البعض أن القرصنة البحرية هى كل اعتداء على أشخاص أو أموال على متن سفينة فى أعالي البحار، أو فى أى مكان يخرج عن ولاية أية دولة، أو أنها كل عمل من أعمال الاعتداء أو الاحتجاز غير المشروع التى تتعرض له السفن فى أعالى البحار أو فى أى مكان لا يخضع لسيادة الدول بقصد السلب أو النهب.

ونرى من جانبنا، وجوب توافر ثلاثة عناصر فى الفعل الإجرامى لإسباغ صفة القرصنة البحرية عليه، الأول يتعلق بطبيعة العمل وهو أنه عمل من أعمال العنف غير المشروع موجه ضد الأشخاص أو الأموال، الثانى يتعلق بمكان وقوع الفعل غير المشروع وهو أن يكون فى أعالى البحار أو فى أى مكان آخر لا يخضع لسيادة أى دولة من دول العالم، أما الثالث فهو يتعلق بالباعث أو الغاية من وقوع هذا العمل غير المشروع وهو تحقيق منفعة مادية خاصة لمرتكب أو مرتكبي الفعل غير المشروع.

وسوف نستعرض ماهية مفهوم القرصنة البحرية فى كل من اتفاقية جنيف لأعالى البحار لعام 1958، واتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982، واتفاقيتى قمع الأعمال غير المشروعة الموجهة ضد أمن الملاحة البحرية لعامى 1988، 2005 وأخيراً مدونة السلوك بشأن قمع القرصنة والسطو المسلح اللذان يستهدفان السفن فى غربى المحيط الهندي وخليج عدن.

مفهوم القرصنة البحرية فى اتفاقية جنيف لأعالي البحار لعام 1958

لقد اكتفت اتفاقية جنيف لأعالى البحار بسرد الأعمال التى تعد – وفقا لها – من قبيل أعمال القرصنة وذلك فى المادة (15) منها، والتى نوجزها فى أنها إتيان أى عمل من الأعمال الآتية:

أى عمل من أعمال العنف أو أعمال الحجز غير القانونى أو السلب التى يقوم بارتكابها الطاقم أو الركاب على سفينة خاصة، أو طائرة خاصة ولأغراض خاصة ويكون موجها ضد سفينة أخرى، أو طائرة فى فى أعالى البحار أو ضد الأشخاص أو الأموال على ظهر السفينة أو على متن الطائرة ذاتها، أو على أى مما سبق وذلك فى مكان يقع خارج نطاق الاختصاص الإقليمي لأي دولة من الدول.
أى عمل يُعد اشتراكا طوعيا فى إدارة سفينة أو طائرة مع العلم بأنها تمارس القرصنة.
أى عمل من أعمال التحريض أو التسهيل عمدا لأي من الأعمال السابقة.
أى عمل من الأعمال السابقة التى تُرتكب بواسطة سفينة حربية أو حكومية أو طائرة حكومية تمرد طاقمها وتحكم في السيطرة عليها.
أى سفينة أو طائرة قد استعملت لإرتكاب أى من الأعمال السابقة ما دامت باقية تحت سيطرة الأشخاص المذنبين.

مفهوم القرصنة البحرية فى اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982

لم تخرج اتفاقية الأمم المتحدة في تعريفها لمفهوم القرصنة البحرية عن اتفاقية جنيف لأعالي البحار لعام 1958. إلا أنه يلاحظ أن كلا الاتفاقيتين قد قصرت وصف القرصنة على الأعمال غير المشروعة التى ترتكب فى أعالى البحار أو الأماكن التى تقع خارج ولاية أية دولة، واستبعدت تلك التى ترتكب ضد السفن الموجودة فى المياه الإقليمية للدولة وربما يكون هذا الاستبعاد على ذريعة أنها تشكل جريمة سطو مسلح بما أنها داخل المياه الإقليمية للدولة. كما يلاحظ أيضاً أن أى من الاتفاقيتين لم تأت بتعريف محدد لمصطلح القرصنة البحرية اكتفاء بتحديد الأفعال التى تعد من قبيل القرصنة البحرية.

مفهوم القرصنة البحرية في اتفاقيتى قمع الأعمال غير المشروعة الموجهة ضد سلامة الملاحة البحرية لعامي 1988، 2005

لم تخرج هاتين الاتفاقيتين عما سبق تعريفه فى كل من اتفاقية جنيف لأعالى البحـار، واتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، ولكنها أضافت صوراً أخرى لأفعال القرصنة البحرية كالقيام بتدمير أو إعطاب أى وسيلة ملاحة أو خدمة بحرية أو تدخل فى سير عملها على نحو ربما يؤدى إلى تعريض أمن ملاحة السفينة للخطر، القيام بإعطاء معلومات غير صحيحة وهو يعلم عدم صحتها إذا كان من شأن ذلك تعريض أمن ملاحة السفينة للخطر. ويلاحظ هنا أن تعريف القرصنة البحرية أوسع من حيث الناحية المكانية، إذ أنه لم يقيدها بمنطقة أعالى البحار وإنما يشمل جميع ما يقع على السفينة المبحرة فى أعالى البحار وأيضاً فى مياه إقليمية خاضعة لسيادة الدولة.

مفهوم القرصنة البحرية وفقاً لمدونة السلوك بشأن قمع القرصنة والسطو المسلح اللذان يستهدفان السفن غربي المحيط الهندي وخليج عدن

تبنت مدونة السلوك المفاهيم السابقة للقرصنة البحرية ولم تخرج في تعريفها للقرصنة عن الأفعال المجرمة في الاتفاقيات السابقة.

وننتهي مما سبق إلى تكوين مفهوم شامل للقرصنة البحرية يحتوي على الأعمدة الأساسية المكونة للجريمة ويتلخص في أن القرصنة البحرية هي أي عمل من أعمال العنف أو الاحتجاز أو النهب أو السلب بطريقة غير مشروعة ترتكب بغية تحقيق منافع وأغراض خاصة من قبل طاقم أو ركاب سفينة أو طائرة خاصة في أعالي البحار ضد سفينة أو طائرة أو ضد أشخاص أو ممتلكات على ظهر تلك السفينة أو على متن تلك الطائرة، ويضاف إلى هذا التعريف الصور السابق التنويه عنها في الاتفاقيات المشار إليها عالية.

عناصر جريمة القرصنة البحرية

نستنتج في ضوء ما سبق ذكره أن عناصر جريمة القرصنة البحريـة تشترط أن تقع أعمال الإكراه وهي الأعمال السابق سردها، والتي تكون موجهة ضد الأفراد أو الأموال، كما أنه لكي تعتبر أعمال الإكراه عنصراً في جريمة القرصنة، فإنه يتعين أن ترتكب ضد سفينة أو طائرة. وأن تقع تلك الأعمال في البحار العالية أو فى مكان لا يخضع لسيادة أي دولة. وألا يكون هناك سلطة مشروعة للقيام بتلك الأعمال. بالإضافة إلى أنه يجب أن تتم أعمال العنف غير المشروعة بقصد تحقيق منافع شخصية أو أغراض خـاصة.

التمييز بين القرصنة البحرية والإرهاب الدولي

ينحصر التمييز بين كل من المفهومين فى أوجه تشابه وأوجه اختلاف، فبينما يكمن الاختلاف فى كون أن أعمال العنف المسلح ترتكب بالنسبة للقرصنة البحرية لتحقيق منفعة مادية خاصة لمرتكبي هذه الأفعال، فإن الغرض من الأفعال الإرهابية يكون لتحقيق أهداف سياسية أو أيديولوجية أو دينية أو خلافه، وأن القرصنة البحرية لا تقع إلا فى البحر أو فى الجو، بينما يقع الإرهاب فى أى مكان براً أو بحراً أو جواً ويكمن التشابه فى كون العنف هو العنصر المشترك وكذا كون كل منهما يكون جريمة دولية وأن كافة الدول تدين هاتين الجريمتين.

أركان جريمة القرصنة البحرية

إن جريمة القرصنة البحرية شأنها شأن أى جريمة تقوم على ركنين أساسيين هما، الركن المادي والركن المعنوي. “الركن المادي” والذي يتمثل في أفعال العنف المادية السابق تناولها والتي تؤدى إلى النتيجة المقصودة ويتكون هذا الركن من السلوك الإجرامى الذي يتصف بالعنف والمجاهرة – (لكي يتم التفرقة بينه وبين السرقة على ظهر السفينة التى تتم فى الخفاء) – والنتيجة الحاصلة وعلاقة السببية بينهما. “الركن المعنوي” والذي يتمثل في القصد الجنائى لارتكاب الفعل المادي الذي يعد جريمة، بمعنى وجوب توافر القصد الجنائى لدى فاعلها (أي إرادة إتمام الأفعال المادية المكونة للجريمة) مع توافر القصد الخاص لدى مرتكب الفعل الإجرامي بنية الكسب الخاص.

تجريم القرصنة البحرية في الاتفاقيات الدولية

لقد تم تجريم القرصنة البحرية في الاتفاقيات الدولية بداية من اتفاقية جنيف لأعالي البحار 1958، وذلك في المواد من 14 إلى 23. ويلي ذلك تجريمها في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 والتي وقعت عليها دولة الامارات العربية وذلك في المواد من 100 إلى 107. ثم تجريمها في اتفاقية روما عام 1988، وذلك فى المواد من 5 إلى 8. وأخيرا تجريمها من خلال اتفاقية قمع الأعمال غير المشروعة والموجهة ضد سلامة الملاحة البحرية لعام 2005.

الجهود الإماراتية في مكافحة القرصنة البحرية

تنبهت دولة الامارات العربية المتحدة في وقت مبكر لخطر القرصنة البحرية في الممرات الدولية المائية لخليج عدن والسواحل الصومالية وانعكاسات حدوث هذه الجرائم سلباً على أمن وحركة التجارة العالمية وكذلك العربية في تلك المناطق، ومن ثم قامت باتخاذ مجموعة من الإجراءات الرادعة على المستويين المحلي والدولي والتي من شأنها التصدي لذلك الخطر وصولاً للحد من تداعياته.

فعلى الصعيد المحلي – على سبيل المثال لا الحصر- قامت دولة الامارات بدعم وتعزيز قدرات القوات المسلحة المختصة بالأمن البحري والتي قامت بالفعل بتنفيذ العديد من العمليات الأمنية الناجحة ضد القراصنة وتقديمهم للمحاكمة.

وعلى الصعيد الدولي فقد تقدمت دولة الامارات بمجموعة من المبادرات والمساعدات الخارجية التي تهدف إلى دعم النظم الأمنية للدول الأكثر تضررا من القرصنة البحرية وعلى رأسهم دولة الصومال وجمهورية سيشل. وذلك بالإضافة الى ترأسها الجلسة العامة الحادية عشر لمجموعة التواصل لمكافحة القرصنة قبالة سواحل الصومال في 31 من مارس 2012،

Dr. Amany Ismail

إعادة نشر بواسطة محاماة نت