القانون والمجتمع
منصور الزغيبي
الانفتاح الكوني أسهم بشكل لافت في ترتيب شيء لا بأس به من الأولويات المهملة داخل المجتمع على مستوى التفكير والوعي، وفي مقدم هذه الأولويات الوعي القانوني والحقوقي بعد تأخر طويل في عملية الوعي الحقوقي، ولا شك في أن الطريق طويل وشاق.

كما لا يخفى على أي متابع للشأن العام فضلاً عن المتخصص والراصد أن هناك نمواً وتطوراً في المشهد والحراك القانوني غير مسبوق، فالكثير حينما يتعامل مع كثير من التفاصيل يسعى ويحاول بقدر ما يستطيع أن يعرف ما هي حقوقه الطبيعية، والواجبات التي يجب امتثالها من الناحية القانونية في أية مسألة تهمه مع ما يعتري ذلك، أي المحاولة من ضعف ونقص على مستوى الذات وعقبات أثناء البحث تظهر له بحكم صعوبة توافر المعلومة القانونية في بعض الأحيان حول مسألة معينة، أو عدم اكتمال الصورة بشكل قانوني كافٍ.

علاقة القانون بالمجتمع في الأساس علاقة وثيقة، فلا قانون بلا مجتمع، ومن الاستحالة إقامة مجتمع بلا قانون سواء على مستوى العلاقات المحلية أم الدولية. وجاء في كتاب تاريخ النظم القانونية للدكتور محمد حسين العبارة الآتية: «يوجد ارتباط وثيق بين القانون والمجتمع. ويظل القانون متأثراً بالمجتمع الذي نبت فيه، وكذلك يؤثر القانون في المجتمع الذي يحكمه، فالعلاقة بين المجتمع والقانون علاقة تأثر وتأثير».

إن القانون من أهم أهدافه حماية أفراد المجتمع، ودوره الأساس قائم على توزيع الحقوق والواجبات بطريقة عادلة، وحماية المصلحة العامة للمواطنين. كلمة المجتمع عند بعض علماء الاجتماع تقتصر على المجموعة التي تجمع بينها وحدة ثقافية Cultural Group تميز بين مجتمع وآخر.

في الفترة الأخيرة صدرت مجموعة من الأنظمة في فروع مختلفة من القانون وهي تختلف من ناحية الدرجة والأهمية، والمهم هنا دراسة التفاعل بين القانون والمجتمع، وكيف نجعل للقوانين تأثيراً في المجتمع؟ والعكس صحيح كذلك.

إن القانون بمثابة ظاهرة اجتماعية من الاستحالة فهمها وتحليلها من دون الأخذ في الاعتبار مدى تأثيرها وتأثرها داخل المجتمع وتقبلها. يجب أن نستحضر من الأساس أنها وضعت لمعالجة المشكلات التي يعاني منها المواطنون.

إن المبالغة في سنّ وتضخيم العقوبات هي عملية تناقض جوهر الشريعة التي من أهدافها الجوهرية والأساسية إصلاح الجاني أكثر من أي شيء آخر كالانتقام والتشفي وكأن الإنسان لا يقع بالأخطاء.

يعتقد ميشيل فوكو أن «تشديد القوانين والأحكام ضد المجرمين لن يخفض معدل الجريمة في المجتمع، لذلك يجب تفعيل منظومة القيم الأخلاقية للمجتمع بعدّها أكثر ردعاً، والتلويح بالفضيحة على المستوى الاجتماعي».

ويشير بيسون إلى مشرّعي القانون قائلاً: «إن السبيل الوحيد لخفض معدل الجريمة تعزيز المنظومة الأخلاقية للمجتمع، امنحوها قدسية خاصة في الضمير الاجتماعي، حينها لن تكونوا مضطرين لإصدار الأحكام القاسية ضد المجرمين».

وخلاصة القول، أنه من الضروري الجمع بين سنّ القوانين وتفعيل منظومة القيم الأخلاقية والقيم التربوية على أرض الواقع، وفهم أسباب المشكلات الاجتماعية من جذورها قبل كل شيء من أجل اكتمال المعادلة، وأن القانون وضع لخدمة المواطن وليس لإيذائه.

* كاتب سعودي.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت