حرب القوقاز ومستقبل العلاقات الدولية
غازي فيصل حسين

أعلنت السلطات ألجورجية شن هجوم على إقليم اوسيتيا الجنوبية، استخدمت فيه الأسلحة الثقيلة والمدفعية، مشيرة ومؤكدة عزمها على “إعادة النظام الدستوري” للإقليم. وقد وصف الرئيس الاوسيتي ادوارد كوكويتي الهجوم “بالعمل الدنيء” من جانب الرئيس الجورجي ميكائيل ساكاشفلي، ووعد سيرغي بغباش رئيس إقليم ابخازيا “باستخدام جميع الوسائل الممكنة لمساعدة اوسيتيا الجنوبية”.

هكذا اندلعت الحرب في القوقاز، يوم الجمعة 08 أغسطس 2008م، بين روسيا وجورجيا بسبب النزاع على أوسيتيا الجنوبية، التي أعلنت استقلالها عام 1992 بعد سقوط الاتحاد السوفيتي. وكان التوتر ازداد خلال الأشهر القليلة الماضية بين الجمهورية الجورجية من جهة وبين اوسيتيا الجنوبية وأبخازيا من جهة ثانية وهما منطقتان تطمحان اليوم بالانضمام إلى الاتحاد الروسي.

استهدف التدخل العسكري الروسي للدفاع عن استقلال اوسيتيا الجنوبية، رسم “خط احمر” يتضمن رسالة مفادها : رفض موسكو المساس بمصالحها الإستراتيجية من دون ردع الخصم. ويؤكد بافل فلغنهاور المحلل العسكري في موسكو إن “الحرب كانت حتمية “، فقد أشار قادة الكرملين، خلال السنوات الماضية، بأنهم لن يسمحوا لجورجيا باستعادة السيطرة على اوسيتيا الجنوبية وابخازيا اللتين لا تتقاسمان الثقافة واللغة الجورجية.

من جهته، بين المحلل سيرغي ماركوف إن جهود جورجيا للسيطرة على اوسيتيا الجنوبية بوسائل عسكرية، قد وضع روسيا في موقف صعب للغاية، ولم يكن أمام موسكو خيارا آخر سوى الرد بطريقة مماثلة.

وفي هذا السياق، حذر جيمس جيفري، نائب مستشار الأمن القومي الأميركي، موسكو من أن ” تصعيدها غير المتكافئ والخطير” للنزاع سيترك انعكاسا كبيرا على المدى الطويل على العلاقات الروسية-الأميركية.

وبعد سيطرة القوات الروسية بنجاح المناطق المتنازع عليها، أعلنت جورجيا سحب قواتها في 10 أغسطس، ودعت القيادة الروسية إلى وقف فوري لإطلاق، كما أعلن الرئيس الجورجي أن نظيره الأميركي جورج بوش ابلغه انه “على اتصال بالرئيس الروسي ديمتري مدفيديف وانه يحاول تهدئة الروس”، مضيفا إن بوش يدرك ” أن العدوان فعليا ليس ضد جورجيا بل هو في جانب منه عدوان ضد الأميركيين”، ويستهدف وفق تصور ساكاشفيلي : ” السيطرة على نقل الطاقة من آسيا الوسطى وبحز قزوين “.

ومن المعروف إن واشنطن تدعم انضمام جورجيا وأوكرانيا التدريجي إلى منظمة حلف شمال الأطلسي، مما يثير التوتر بين واشنطن وموسكو بسبب اقتراب نطاق عمليات الحلف نحو الحدود الروسية . في سياق آخر، ندد الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ياب دو هوب شيفر: “بالاستخدام غير المتكافئ للقوة” في جورجيا مجددا دعوته إلى ” وقف فوري” لإطلاق النار.

الرئيس الروسي، ديمتري ميدفيديف، أعلن من جانبه إن ” الجزء الرئيسي ” من العمليات العسكرية الروسية في أوسيتيا الجنوبية قد انتهى، وأضاف ” أن عاصمة أوسيتيا الجنوبية، تخضع الآن لسيطرة القوات الروسية “، واتهم الرئيس ديمتري ميدفيديف، الحكومة الجورجية ” بارتكاب أعمال إبادة في أوتيسيا الجنوبية “، مضيفا: ” أن موسكو ستفتح تحقيقا في الموضوع بهدف توجيه اتهامات جنائية رسمية إلى المسؤولين عن تلك الأعمال”.

وفي غضون ذلك، تستعد روسيا لنشر 9 آلاف من مظلييها و 350 عربة مدرعة في إقليم أبخازيا الذي يسعى بدوره إلى الاستقلال عن جورجيا وذلك لتعزيز قواتها المرابطة هناك، وفق ما ذكرته وكالة إنترفاكس الروسية نقلا عن ناطق عسكري، الذي بين مهمة الجيش الروسي بقوله: إن ” من واجب جنودنا الدفاع عن المدنيين وتجنب كارثة إنسانية “.

وفي نفس الإطار، أصدرت القوات الروسية إنذارا نهائيا للقوات الجورجية المرابطة بالقرب من إقليم أبخازيا بنزع أسلحتها أو إنها ستتعرض لهجوم روسي، وقالت وكالة إنترفاكس: إن جورجيا رفضت الإنذار الروسي.

الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي

وفي تطور لاحق، أكد مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية لين باسكو، يوم الأحد 10 أغسطس: إن “الطيران الروسي واصل هذا الصباح هجماته على أهداف إستراتيجية وعسكرية خارج منطقة النزاع (جمهورية اوسيتيا الجنوبية) وقصف مطارا عسكريا وقاعدة لإصلاح الدبابات قرب العاصمة الجورجية تبيليسي، ومرفأ بوتي الاستراتيجي، وأهدافا أخرى قريبة من غوري”. وجاء في بيان نشره مكتب بان كي مون أن “الأمين العام يدعو كل الأطراف إلى وقف الأعمال الحربية فورا والبدء بدون تأخير بمفاوضات للتوصل إلى اتفاق سلام”.

وأضاف البيان أن “الأمين العام يعتقد بأنه لكي تكون المفاوضات مثمرة، على كل الفرق المسلحة غير المسموح لها بالتواجد في ذلك المكان بموجب الاتفاقات حول اوسيتيا الجنوبية، أن تغادر منطقة النزاع”. ولمواجهة تداعيات الحرب طالب الرئيس جورج بوش بعودة جميع القوات إلى ما كانت عليه قبل 6 أغسطس.

وأبدى نائبه ديك تشيني في بيان تضامن بلاده مع الشعب الجورجي وحكومته المنتخبة بشكل ديمقراطي في مواجهة هذا التهديد لسيادة جورجيا ووحدة أراضيها، مطالبا بأن “لا يمر العدوان الـــــروسي دون رد”.

لكن مجلس الأمن الدولي الذي عقد جولة رابعة من المشاورات يوم الأحد لبحث القتال الدائر بين موسكو وتبليسي، قد أخفق في التوصل لإصدار أي بيان بخصوص الوضع في أوسيتيا الجنوبية، بسبب التباين الكبير في موقف الدول الأعضاء.

كما اتهم السفير الأميركي بالأمم المتحدة زلماي خليل زاد موسكو، بالسعي لإسقاط النظام الجورجي من خلال الأزمة الحالية، والعمل على إعاقة انسحاب القوات الجورجية من أوسيتيا الجنوبية، داعيا إلى وقف فوري لإطلاق النار. وحذر السفير الأميركي من أن “هذا الاعتداء على سيادة دولة جورجيا والديمقراطية قد يترك أثرا على العلاقات الأميركية الروسية”.

وتسعى واشنطن لكي يصدر مجلس الأمن قراراً يدين روسيا بشأن تصعيدها العسكري مع جورجيا وحول إقليم أوسيتيا الجنوبية. لكن المندوب الروسي قي الأمم المتحدة استبعد أن يتفق المجلس على أي موقف رسمي.

خطة سلام أوربية-أطلسية

وفي محاولة لاحتواء النزاع، توجه وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنر إلى تبليسي وموسكو في مهمة وساطة بين الجانبين، حيث عرض خطة من ثلاث نقاط يدعمها الإتحاد الأوربي ومنظمة الأمن والتعاون في أوربا وحلف شمال الأطلسي، هي: احترام وحدة وسلامة الأراضي الجورجية ؛ وقف الأعمال الحربية فورا ؛ والعودة للوضع الذي كان سائدا قبل اندلاع المعارك .

وتحمل عبارة وحدة الأراضي الجورجية، معارضة أوربية واضحة للموقف الروسي الداعم لمساعي إقليمي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا للاستقلال عن جورجيا. وتزايد تأييد موسكو لهذه المساعي منذ دعم الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد الأوربي انفصال كوسوفو عن صربيا.

وكان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي قد تحادث هاتفيا مع الرئيس الأميركي جورج بوش بخصوص النزاع، وحسب البيت الأبيض فإن الرئيسين “متفقان بشكل عام” بشأن هذه المسألة ” وبشكل خاص حول ثلاث نقاط هي: ضرورة وقف إطلاق النار، وضرورة فك الاشتباك (العسكري)، وضرورة احترام وحدة الأراضي الجورجية”، مما يمهد لدخول الأطراف المتنازعة في مفاوضات لإيجاد تسوية سلمية للصراع القائم بإشراف أطراف دولية.

من جانبها قالت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس الثلاثاء إن العمليات العسكرية التي تشنها روسيا في جورجيا ” يجب أن تتوقف الآن “، داعية كافة الأطراف إلى ” وقف إطلاق النار “.

وأثارت الحرب في قلب منطقة القوقاز المضطربة الانزعاج في الغرب الذي ينافس روسيا لبسط النفوذ على طرق إمدادات النفط والغاز في المنطقة.

من جهته، كثف حلف شمال الأطلسي اتصالاته مع جورجيا وروسيا ساعيا لتدارك حرب ناشئة بين شريكيه الاستراتيجيين اللذين تشكل خلافاتهما مصدر توتر بين الحلفاء، غير أن حلف الأطلسي لا يميل للتدخل لأنه ” غير مفوض للعب دور مباشر في القوقاز”، كما أعلن مسؤول فيه، بسبب الانقسامات التي تجلت خلال قمة الحلف الأخيرة مطلع ابريل في بوخارست حيث رفضت فرنسا وألمانيا بدعم من عشر دول أخرى منح جورجيا وأوكرانيا وضع المرشح لدخول الحلف، في خلاف مع إستراتيجية الرئيس الأميركي جورج بوش التي ترى أن جورجيا الأطلسية ستشكل مساحة أمنية في غاية الأهمية للدرع الصاروخي في بولندا وجمهورية التشيك.

وعكس هذا الموقف الفرنسي والألماني رغبة البلدين في صون العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وروسيا المعارضة لهذا التوسيع الجديد للحلف في ما تعتبره منطقة نفوذها.

والواقع إن الأوروبيين حريصون على عدم التدخل في اختبار القوة الجاري بين موسكو وواشنطن في بلدان القوقاز وآسيا الوسطى وحريصون بالتالي على عدم جر حلف الأطلسي إلى هذه الخلافات، لاعتماد دول الاتحاد الأوروبي على روسيا لإمدادهم بالغاز والنفط.

غير أنهم في الوقت نفسه معنيون بالعديد من المواضيع الخلافية كمشروع الدرع الصاروخية الأميركية التي تجري واشنطن مفاوضات مع بولندا والجمهورية التشيكية لنصب بعض عناصرها في هذين البلدين، والدعم المعلن لحكومتي أوكرانيا وجورجيا المؤيدتين للغرب، وتطوير مشروع خط أنابيب بريطاني أميركي لنقل النفط من أذربيجان إلى تركيا عبر جورجيا.

ومن هذا المنطلق لم تستبعد بعض الآراء أن تكون واشنطن طلبت من تبليسي اختبار الرد الروسي في عهد الرئيس ديمتري مدفيديف والمدى الذي يمكنه الذهاب إليه على صعيد أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، وذلك على سبيل القراءة الاستباقية للموقف الروسي في حال إقامة الدرع الصاروخي والملف النووي الإيراني.

إعلان الاتفاق على وقف إطلاق النار

أعلن الكرملين الثلاثاء إن الرئيس ديمتري مدفيديف “اتخذ قرارا” بوقف العملية الروسية “الهادفة إلى فرض السلام على جورجيا”، وجاء ذلك خلال اجتماع مع مسؤولين في الدفاع

. واشترط مدفيديف بعد ذلك شرطان لإحلال السلام في جورجيا هما : أولا،عودة القوات الجورجية إلى مواقعها الأولية و نزع سلاحها جزئيا، وثانيا، اعتبر أنه يجب على روسيا وجورجيا التوقيع على اتفاق ملزم بعدم استخدام القوة. وفي نفس الإطار، وافق الرئيس الروسي ديمتري مدفيديف على الخطة التي اقترحها عليه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي والقاضية بإعادة إحلال السلام في منطقة القوقاز وإنهاء العمليات العسكرية بين جورجيا وروسيا.

وتتضمن الخطة الفرنسية-الأوربية ست نقاط أساسية، أهمها : عدم اللجوء إلى القوة والعنف مجددا؛ وإنهاء العمليات العسكرية بين البلدين بصفة نهائية ؛ والسماح للمنظمات الإنسانية تقديم المعونات اللازمة للمنكوبين سواء كانوا في أوسيتيا الجنوبية أو في أبخازيا أو داخل التراب الجورجي ؛ فضلا عن عودة القوات الجورجية والروسية إلى مواقعهن المعهودة. من جانبه، أكد الرئيس الروسي خلال المؤتمر الصحفي المشترك على أهمية إجراء “محادثات دولية حول مستقبل اوسيتيا الجنوبية وابخازيا وأمنهما”. وفي نفس السياق، صرح الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي انه تلقى ضمانات من نظيره الروسي ديمتري مدفيديف لعدم بقاء القوات الروسية في جورجيا، معلنا: “اتفقنا على احترام السيادة. جورجيا بلد مستقل”. والروس، بتأكيد من الرئيس مدفيديف، لا ينوون البقاء في جورجيا.

وتمتد جذور الحرب لقرار واشنطن السري إرسال قوات أميركية إلى جورجيا بذريعة تعقُّب مقاتلي القاعدة الفارين في جبال القوقاز، ” إن هذه الخطوة، وفقاً لوصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قمة رابطة الكومنولث في فبراير 2002، لا تعتبر بحد ذاتها حدثًا تراجيديًّا وإنما المشكلة تتمثل في أن هذه الخطوة جاءت سرًّا، ودون إعلان مسبق”.

بعد ستة أعوام، وردا على دعوة الرئيس جورج بوش لضم جورجيا وأوكرانيا لحلف شمال الأطلسي، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف : أن بلاده لن تقف مكتوفة الأيدي أمام قرار توسيع الحلف باتجاه أوكرانيا وجورجيا، مما دشن عودة أجواء الحرب الباردة إلى العلاقات الدولية.

يبدو أن الحرب في القوقاز اندلعت لأسباب عرقية، لكن الوجه الآخر للصراع يعكس وجود أزمة عميقة في العلاقات بين موسكو وواشنطن، تتجلى بالموقف الروسي المعارض لنشر الدرع الصاروخي الأمريكي في أوربا، ورفض موسكو لإستراتيجية توسيع انتشار حلف الناتو شرقا ليشكل ما يشبه الطوق حول روسيا، إضافة للتنافس على مصادر الطاقة. موسكو ترد في جورجيا وبشكل غير مباشر على المواقف الغربية المؤيدة لانفصال كوسوفو. ففي إقليم أوسيتيا الجنوبي صوت المواطنون في استفتاء 2006 على

الاستقلال التام عن جورجيا، هذا الاستقلال يتحول اليوم بفعل علاقات القوة العسكرية إلى حقائق يفرضها الأمر الواقع، وهو مشابه تماماً لما جرى في كوسوفو، مما يعني أن العالم بدأ يدخل حقبة تتغير فيها قواعد اللعبة السياسية الدولية من الأحادية إلى التعددية القطبية.

مقارنة قوات جورجيا وروسيا

جورجيا :

عدد أفراد القوات المسلحة: 26,900

عدد دبابات القتال الرئيسية من طراز (تي-72): 82

عدد ناقلات الجند المدرعة: 139

عدد الطائرات المقاتلة من طراز (سوخوي-25): 7

عدد قطعات المدفعية (تشمل قاذفات الصواريخ من نوع جراد): 95

روسيا :

عدد أفراد القوات المسلحة: 641,000

عدد دبابات القتال الرئيسية من طرز مختلفة: 6,717

عدد ناقلات الجند المدرعة: 6,388

عدد الطائرات المقاتلة من طرز مختلفة: 1,206

عدد قطعات المدفعية (من طرز مختلفة): 7,550