التنظيم القضائي الجديد بالمملكة
عمر عامري الحدادي
قبل الشروع بالحديث عن الدعاوى وانواعها ارتأيت أن أمهد له بالحديث ابتداء عن التقسيم القضائي الجديد لما له من أثر كبير في تأسيس معرفة، تجعل القارئ الكريم على اطلاع على المحاكم واختصاصها وتقسيماتها، كي يستطيع في حال رفع الدعوى توجيهها التوجيه الصحيح كونه أصبح على معرفة مبدئية بالمحاكم وأنواعها واختصاصات كل منها.

فالتنظيم القضائي بالمملكة العربية السعودية يقوم على مجموعة من المبادئ الأساسية الهدف منها هو حسن سير القضاء وضمان حصول جميع المتقاضين على محاكمات قضائية عادلة حيث روعي في النظام القضائي المقرر في المملكة اعتبار ماتقوم عليه هذه البلاد المباركة من أسس ومبادئ تأصلت من وحي رسالتها وانبعثت من مشكاة مهمتها النبيلة السامية، حيث إن من أهم المبادئ الاساسية المستقرة في التنظيم القضائي هو أن المرجع في نظر جميع القضايا والمخاصمات إلى أحكام الشريعة الاسلامية والأنظمة المرعية وهو أهم المبادئ، كذلك مبدأ مجانية القضاء وهو عدم تكليف أي من الخصوم بدفع أية نفقات مطلقاً مقابل الفصل في الدعاوي، ومبدأ استقلاليه القضاء فلا سلطان على القضاء إلا لأحكام الشريعة الاسلامية والأنظمة المرعية المتفقة مع الشرع الحنيف، وكذلك مبدأ حصانة القضاة، ومبدأ تأصيل الأحكام القضائية.

ويقوم التنظيم القضائي بالمملكة على الأخذ بالنظام القضائي المزدوج، والذي يتمثل في وجود جهتين قضائيتين مستقلتين تتوليان الفصل في المنازعات إحداهما جهة القضاء العام والتي تختص بالفصل في المنازعات بين الافراد بعضهم البعض، والأخرى جهة القضاء الإداري والتي تختص بالفصل في المنازعات التي تنشأ بين الأفراد وجهة الإدارة.

وأود الاشارة إلى أنه قد صدر في التاسع عشر من شهر رمضان المبارك من عام ثمانية وعشرين وأربعمائة وألف للهجرة المرسوم الملكي بالموافقة على التنظيم القضائي الجديد والمتضمن كلاً من نظامي القضاء وديوان المظالم وهما يشكلان جهة القضاء العام وقضاء المظالم (الإداري) بالمملكة ولكل جهة نظامها وتشكيلها الخاص والاختصاصات الممنوحة لها، ويشترك كلا النظامين في أمر واحد هو ابتغاء حصول المتداعيين على أقصى درجات العدالة من خلال تبنيهما لمبدأ التقاضي على درجتين وذلك يحدث لأول مرة في تاريخ التنظيم القضائي بالمملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى وجود محكمة عليا تراجع وتراقب أحكام محاكم الدرجة الأدنى في صحة تطبيقها لأحكام الشريعة الإسلامية والأنظمة المرعية.

محاكم القضاء العام ترتيبها وولايتها:

جاء التنظيم القضائي الجديد بالمملكة العربية السعودية بتغييرات كبيرة على نظام التقاضي المعمول به منذ عام 1395هـ فجعل التقاضي يتم على مرحلتين لإتاحة الفرصة للخصم الذي صدر الحكم لغير صالحه في المرحلة الأولى أن يعرض النزاع مرة أخرى أمام محكمة أعلى درجة لتفصل فيه من جديد وهو الأمر الذي أصبحت معه المحاكم على مجموعتين.

المجموعة الأولى: محاكم الدرجة الأولى (المحاكم الابتدائية) وهي التي تنظر في النزاع لأول مرة وقد تم التوسع في اختصاصاتها وتشمل هذه المحاكم (المحاكم العامة، المحاكم التجارية، محاكم الاحوال الشخصية، المحاكم الجزائية، المحاكم العمالية، المحاكم المرورية) لتغطي بذلك أوجه النزاعات المختلفة – وذلك على خلاف النظام القضائي السابق الذي لم يعرف سوى نوعين من محاكم الدرجة الأولى بحسب نص المادة الخامسة منه، وهما المحاكم الجزئية والمحاكم العامة – وهو الأمر الذي استتبع إلغاء السواد الأعظم من اللجان الإدارية ذات الاختصاص القضائي التي كان معمولاً بها بجانب المحاكم الشرعية (مثل الهيئات العمالية واللجان المرورية) وانسلاخ الدوائر التجارية والجزائية عن اختصاص ديوان المظالم وانتقالها إلى محاكم القضاء العام.

المجموعة الثانية: محاكم الدرجة الثانية وهي محاكم الاستئناف التي تنظر في النزاع للمرة الثانية من خلال عدد من الدوائر التي تغطي أوجه المنازعات المختلفة والتي تم الفصل فيها من محاكم الدرجة الأولى وهي الدوائر (الحقوقية، التجارية، الأحوال الشخصية، الجزائية، العمالية، المرورية) ويكون لكل طرف من الأطراف المتنازعة في حال صدور الحكم في غير صالحه أو في حال لم يحكم له بكل طلباته من محكمة الدرجة الأولى أن يطعن فيه أمام محكمة أعلى منها وهي (محكمة الاستئناف).

بالإضافة إلى ذلك فقد نص النظام القضائي الجديد على إنشاء المحكمة العليا وحصر اختصاصها في (التطبيق الصحيح والسليم لأحكام الشريعة الاسلامية وما يصدره ولي الأمر من أنظمة لا تتعارض معها في القضايا التي تدخل ضمن ولاية القضاء العام) بالإضافة إلى الاختصاصات المنصوص عليها في نظام المرافعات الشرعية ونظام الإجراءات الجزائية.

محاكم القضاء الإدارى وترتيبها وولايتها:

يمثل ديوان المظالم الجهاز القضائى الذى ينضم تحت لوائه محاكم القضاء الادارى بالمملكة، وقد مر بمراحل تاريخية مختلفة أبرزها التحول الأخير الوارد في نظام ديوان المظالم الحالي الصادر بالمرسوم الملكي رقم 78 وتاريخ 19/09/1428هـ فقد جاء هذا النظام مختلفاً بالكلية عن النظام السابق لأنه قد أصبح بحق قضاءً إدارياً قلباً وقالباً حيث لم يعد له حق النظر في القضايا الجزائية كالرشوة والتزوير وانتحال الصفة وغيرها كما لم يعد مختصاً بالنظر في القضايا التجارية مما أدى إلى انسلاخ الدوائر الجزائية والدوائر التجارية عنه وانتقالها إلى محاكم الدرجة الأولى بالقضاء العام بالإضافة إلى أن نظام ديوان المظالم الجديد أسبغ على جهازه القضائي وصف (المحاكم) لتكون كل دائرة من دوائره تحت مظلة محكمة، بخلاف نظام ديوان المظالم السابق الذي كان يباشر مهامه واختصاصاته القضائية من خلال دوائر.

-وقد انتهج ديوان المظالم المبدأ نفسه الذي سار عليه نظام القضاء الذي جعل التقاضي على درجتين فأنشأ المحاكم الإدارية لتكون محاكم درجة أولى في التقاضي ثم أنشأ محاكم الاستئناف الإدارية لتكون محاكم درجة ثانية، واخضع الاحكام الصادرة أو المؤيدة من المحاكم الإدارية الاستئنافية لرقابة المحكمة الإدارية العليا، لذلك فإن التنظيم الجديد لمحاكم ديوان المظالم تكون بحق هيئة قضاء إدري مستقلة كما نصت على ذلك المادة الأولى منه، ومما لاشك فيه أن وجود قضاء متخصص على هذا النحو يمارس الرقابة على أعمال الإدارة ويرتبط مباشرة بالمقام السامي أعلى سلطة في البلاد يعد ضمانة حقيقية لحقوق وحريات الأفراد في مواجهة تعسف الإدارة حتى تكون جميع أعمالها مطابقة للشرع الحنيف والأنظمة المرعية.

رغم ما ذكرناه من النقلة النوعية الكبيرة والمهمة فى النظام القضائي الجديد بالمملكة، بصدور نظامي القضاء وديوان المظالم وما استتبع ذلك من تعديل نظام المرافعات الشرعية والاجراءت الجزائية ونظام المرافعات امام الديوان، الا اننا نلاحظ البطء فى التطبيق العملي لذلك ونقل لاختصاصات، فرغم مرور ما يقارب تسع سنوات حتى الان الا انه لم يتم تفعيل تلك الانظمة بنقل الاختصاصات من الدوائر التجارية والجزائية من ديوان المظالم الى القضاء العام او نقل الاختصاصات من اللجان الملغية الى القضاء العام. مما استتبع معه بقاء رفع الدعاوى ونظرها كما هو في النظام السابق.