وعن هذا الطريق يقوم قاضي المحكمة التي تنظر الدعوى أو من يمثل هذه المحكمة بالذهاب إلى الدولة الأجنبية، لغرض تنفيذ الإنابة القضائية التي قررتها تلك المحكمة فمثلاً يجري العمل في دول النظام الأنكلو سكسوني إنكلترا أوالولايات المتحدة، على إرسال قاضي أو موظف خاص إلى البلد الأجنبي(1). وأن هذا الطريق لتنفيذ الإنابة وأن كان مسموحاً به في قانون دولة القاضي، إلا إنه قد يكون ممنوعاً في قانون الدولة الأجنبية المراد تنفيذ الإنابة على إقليمها، وبدون السماح لهذا القاضي أو ممثل المحكمة بموجب قانون الدولة الأجنبية أو بموجب أتفاقية بين دولة القاضي والدولة الأجنبية الأخرى. يعد عمل هذا القاضي إعتداء على سيادة الدولة الأجنبية ويعد هذا القاضي في هذه الدولة الأجنبية شخصاً عادياً لا يمثل الوظيفة العامة ذلك لأن قانون تلك الدولة الأجنبية، لا يمنحه هذه الصفة ومن ثم لا يمكن لشخص عادي القيام بأعمال السلطة القضائية بدون سند قانوني(2). خصوصاً بأن هذا الشخص لا يمكن عده ممثلاً دبلوماسياً أو قنصلياً، وذلك لأن هناك شروط واضحة ومعروفة لمن يمكن عده دبلوماسي أو قنصلي، فضلاً عن ذلك فأن قيام هذا الشخص بأعمال الإنابة القضائية بهذه الطريقة قد يدخل ضمن التجريم الجنائي للأفعال التي يقوم بها داخل الدولة الأجنبية، وأن هذا المنع يتبعه منع هذا القاضي من اللجوء إلى وسائل الأكراه أو القسر لأجبار الأشخاص لتنفيذ الإنابة القضائية –أجبار الشاهد على الحضور مثلاً- حتى لو كان هؤلاء الأشخاص يحملون جنسية دولة هذا القاضي، ((ومع ذلك فأن السلطات الفرنسية في الخارج لا تستطيع أن تنفذ الإنابة القضائية من خلال أستعمال وسائل القسر حتى ولو كان ذلك في مواجهة فرد يتمتع بالجنسية الفرنسية وكل ما في الأمر هو أنه توجه دعوة إلى الشخص المطلوب فيه هذا الأجراء –أداء الشهادة مثلاً- وهذا الشخص يكون له أن يقبل أو يرفض، دون أن يكون في وسع السلطات الفرنسية أجباره على أداء الشهادة))(3).

إن تنفيذ الإنابة القضائية عن هذا الطريق لا يمكن القيام به في العراق، ذلك لأن العراق لم يصادق على أتفاقية دولية تجيز ذلك. بل حتى في الأتفاقية العراقية مع المملكة المتحدة للتعاون القانوني والقضائي لعام 1935 وهذه الدولة من أهم الدول التي تأخذ بنظام إرسال قاض أو ممثل المحكمة لتنفيذ الإنابة القضائية(4)، ولم تأخذ الاتفاقية العراق مع هذه الدولة بهذا الطريق لتنفيذ الإنابة القضائية في أقليم الأطراف المتعاقدة. وكذلك فإن القانون العراقي لم يجز لأي شخص من أية دولة بتنفيذ الإنابة القضائية على أقليم الدولة العراقية بهذا الطريق ذلك أن القانون العراقي لم يمنح لأي شخص –مهما كانت صفته في دولته سواء كان قاضياً أو موظفاً عادياً- في أجراء الإنابة القضائية على الأقليم العراقي لما لهذا التنفيذ من المساس بالسيادة الوطنية العراقية أو النظام العام فيه ذلك لأن هذا الشخص الأجنبي يفقد صفته التي يتمتع بها في دولته –داخل العراق- ويبقى شخصاً أجنبياً عادياً يتمتع فقط بالحقوق الممنوحة للأجانب داخل العراق وبموجب الأتفاقيات الدولية التي عقدها العراق والقانون الداخلي العراقي والذي لا يعطي الحق للأجانب لتنفيذ الإنابة القضائية داخل العراق بل أن هذا العمل لو قام به الشخص الأجنبي –ولو كان قاضياً في دولته- قد يعد جريمة يعاقب عليها قانون العقوبات العراقي ذي الرقم 111 لسنة 1969، فإذا ما أراد هذا الشخص الأجنبي أجراء المعاينة –مثلاً- فأن عمله هذا من الممكن أن يدخل ضمن أحكام المادة 428 من قانون العقوبات أعلاه(5).

وتوجد عدة مزايا لقيام قاضي المحكمة أو من ينوب عنه بتنفيذ الإنابة القضائية لدى الدولة الأجنبية، أهمها قيامه بتحقيق أدق وأشمل لموضوع الإنابة القضائية ذلك لأحاطته وعلمه تفاصيل الدعوى موضوع الإنابة كافة وأن قيامه بهذا التنفيذ بنفسه سيكون أقرب للحقيقة ومن ثم تحقيقه العدالة بصورة أدق، في قرار الحكم الذي سيصدر في الدعوى، من جهة أخرى فأن القاضي متخصص في العمل القانوني والقضائي. هذا هو صميم عمل القاضي، وفي كل ذلك يجب أن تكون هناك أتفاقية دولية بين دولة القاضي والدولة المعنية –المطلوب تنفيذ الإنابة على إقليمها- أو أن يسمح قانون هذه الدولة الأجنبية للقاضي بذلك التنفيذ، فلا يمكن أجراء الإنابة القضائية بهذا الطريق. إذ أن الإنابة القضائية تكون مرسلة إلى دولة مثل فرنسا في سبيل القيام ببحث، خصوصاً، إلى أحضار الشهود أن تكون متبوعة في فرنسا وكذلك أن البحث نفسه لا يصطدم بالنظام العام في فرنسا(6). ولكن إذا أرسل هذا القاضي الوطني إلى الدولة الأجنبية لغرض تنفيذ الإنابة القضائية ودخل أقليم تلك الدولة بطريق مشروع وقانوني على وفق أحكام قانونها الخاص، وكان تنفيذه للإنابة القضائية بشكل لا يخل القوانين الجزائية أو المدينة للدولة الأجنبية(7). وأن تصرفه ضمن نطاق الحقوق الممنوحة للأجانب في هذه الدولة. فأن تصرفه هنا يكون مشروعاً وله كامل الحرية في هذا التنفيذ، ذلك أن تصرفه هذا ضمن حدود قوانين تلك الدولة، ولم يعتدِ عليها أو الأخلال بنظامها العام(8). أما اللغة التي يتم بها تنفيذ الإنابة القضائية، فهي لغة القاضي الذي يجريها في الدولة الأجنبية أو لغة من ينوبه في هذا التنفيذ، كذلك فإن دولة هذا القاضي هي التي تتحمل الرسوم والمصاريف اللازمة لأجراءها كافة إلا إذا أتفق بين الدولتين على خلاف ذلك.

____________________

1- د. جابر جاد عبد الرحمن، مصدر سبق ذكره، ص350.

2-Paul D. Carrington op، cit; p. 680.

وقد ذكر د. عنايت عبد الحميد ثابت (يلاحظ أنه إذا كان يحق لبلد القاضي أن يتقيد -على أنه ما سلف البيان- من حقوق الشخصية التي يكفل القانون الدولي للأجنبي عنها التمتع بها لديها بالقدر الذي تقتضيه رعاية حقها في الحفاظ على بقائها وصيانة كيانها، فإن لها في سبيل رعاية هذا الحق –كذلك- أن تخضع الاجنبي عنها المقيم بها لأعباء التكاليف العامة التي لا تفرض قيام صفة الرعية به، كعبئ الضرائب أو عبأ التعبئة العامة أتقاء لخطر أو كارثة تهدد سلامتها). د. عنايت عبد الحميد ثابت، القيود المفروضة على ظاهرة أنتقال الأفراد عبر الحدود، القاهرة، 2002، ص13.

3- أبو العلا علي أبو العلا النمر، مصدر سبق ذكره، ص66.

4- ذكر الأستاذ الدكتور عكاشة محمد عبد العال (إن ما يجري عليه العمل في أنجلترا وأمريكا من إرسال قاض أو موظف إلى البلد الأجنبي للقيام بمثل هذه الأعمال لا يكون مقبولاً، فمثل هؤلاء الأشخاص لا تكون لهم سلطة الأجبار في مصر أو لبنان على أفراد من مواطني دولتهم، إلى هذا فأن تخويلهم مثل هذه الأعمال ما يمس بسيادة الدولة، وهو أمر لا يمكن قبوله بأي حال)، الإجراءات المدنية …، مصدر سبق ذكره، ص294.

5- نصت المادة (428) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 النافذ على ما يأتي: (1- يعاقب مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تزيد على مائة دينار أو بأحدى هاتين العقوبتين:- أ- من دخل محلاً مسكوناً أو معد للسكن أو احد ملحقاته وكان ذلك بدون رضاء صاحبه وفي غير الأحوال التي يرخص فيها القانون بذلك).

6-Hute، op. cit، p. 293.

7- تنص المادة (1) من قانون العقوبات العراقي النافذ على أنه: ((لا عقاب على فعل أو أمتناع بناء على قانون ينص على تجريمه وقت أقترافه، ولا يجوز توقيع عقوبات أو تدابير أحترازية لم ينص عليها القانون)).

8- د. جابر جاد عبد الرحمن، مصدر سبق ذكره، ص77.

المؤلف : عبد المطلب حسين عباس الموسوي
الكتاب أو المصدر : الانابة القضائية في القانون الدولي الخاص
الجزء والصفحة : ص64-67

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .