جرائم الشرف’

لعله من أكثر الموضوعات أشكالية بين البشر عموما ، قضية الدين ، واختلاف التشاريع المتعلقه به عن تلك التي يعتقدون ، ليس هذا فحسب بل القناعات الفكرية التي صاغت العقل البشري على اختلاف البشر ، وليس ابتكارا أن نقول ان القناعات الفكرية تكونت عبر سلسلة طويلة من العمليات العقلية والتعليمية التي مرت بمراحل زمنية طويلة ( فيما يسمى بالعقل الجمعي ) فما نؤمن به على أنه قناعات ثابته لا يزعزعها مزعزع ، ولا يطالها الشك أو التشكيكك ، نجدها عند أمة اخرى ضرب من الخرافات ، وباطل الأباطيل ، وتتضارب مع العقل والمنطق ، ولا يمكن تفسيرها إلا انها تراث فلكلوري توارثته الاجيال .

فقضية البكارة ، وما ارتبط بها من العفة والشرف مثلا قضية ذات اختلاف كبير بين البشر ، ففي حين تعد الفتاة التي فقدت عذريتها وفضت بكارتها خارج اطار الزواج الشرعي والعلاقة الشرعية ( الدين والقانون ) تعد فتاة سيئة الخلق توصف بصفات تلمز جانبها النقي ، وتنهش شخصيتها السوية ، وتعد خارجة عن الدين والعرف والمألوف من العادات والتقاليد التي دأب المجتمع عليها ، ونصت عليه الشرائع الدينية . نجد فتاة أخرى سلكت المسلك نفسه ، في مجتمع أخر نجدها وقد تقبلها مجتمعها ، ولم يمارس ضدها أي تمييز ، وتتزوج وتنجنب ، وربما تكون حاملا من رجل آخر ، ويتقبلها زوجها الجديد بحملها .

وظاهرة الزنا ، او ما يسمى الجنس خارج أطار الزوجية والعلاقة الشرعية والقانونية ، ظاهرة ذات اشكاليات متضاربة في المجتمعات اذا نظرنا اليها من ناحية القناعات والتطبيق ، فقضية الزنا في مجتمعات تعد قضية محرمة ، وخارجة عن المألوف ، وتنص بعض القوانين والشرائع الدينية( أي دين ) على حرمة الفعل وتصفه بالفحش وسوء الخلق والسلوك والمسلك ، ويعد هذا السلوك ( الزنا ) ثمرة للأنحراف عن العقيدة ، وفاحشة ، وكبيرة ، يصل حد العقوبة فيها الى الموت رجما بالحجارة ، كما في العقيدة الاسلامية اذا كان الفاعل متزوجا ( محصنا ) .
وعليه نجد ان ( ظاهرة ما يسمى بجرائم الشرف ) ظاهرة لها ما يبررها في بعض المجتمعات ، فعقلية المجتمع الفردية والجمعية ، بنيت على اساس رفض الفكرة ، من الناحية الاجتماعية والدينية ، فالدين والشريعة والقانون لا يبيح قتل غير المحصن ( الاعزب ) ولكن نجد من يقوم بالقتل انتقاما .. ومن المؤسف أن الضحية دائما هي الانثى .. في حين يبقى الذكر الذي قام بفعلته طليقا حرا يدفعه غروره ربما الى ارتكاب الفعلة مع أخرى وأخرى .. وفي كل مرة تذهب واحدة الى المقصلة .. ويبقى هو .. تلك احداث انا شاهد عليها .. واعرف اشخاصها معرفة تامة ..
وكانت ردة فعلي ان كنت اطالب بقتل الذكر اذا كانت الانثى ستقتل .. ففي هذا عدالة وتساوي وحق ..

بينما نجد في بعض المجتمعات ان ظاهرة الزنا ظاهرة لن اقول مقبولة .. ولكن ظاهرة مسكوت عنها .. فربما تذهب زوجة أحدهم وهي على ذمته وهي لا تزال في قيد الزواج الشرعي ، الى صديقها أو عشيقها الذي بدوره ترك زوجته في البيت وذهي الى الموعد المحدد ذلك . وربما يتم اكتشاف هذه العلاقة السرية .. قد تثور ثائرة الزوج الساذج أو تلك الزوجة النائمة .. ولكن سرعان ما يتم تلافي القضية بكلمات من الاعتذار الرقيق ..
بل ربما يذهب أحدهم ويعترف بفعلته ويتم تلافي الامر لمجرد انه صادق واعترف بنفسه ووعد انه لن يكررها .. هذا ما يحدث في بعض المجتمعات ..

ولنذهب ابعد من ذلك قليلا .. حيث نشاهد في بعض المجتمعات والامم من اباح زواج المثليين .. وشرع له قانونا ، ومنحهم حقوقا مدنية وقانونية ، بعد ان أصبحوا جماعة ذات صبغة مدنية قانونية من مؤسسات المجتمع المدني التي تمارس الضغط وتطالب بالحقوق ولها دورها في الحياة المدنية والسياسية .. ويؤخذ حسابها في العمليات الاتنخابية .
بل نجد منهم من يفاخر بانه مثلي ويعلن ذك في وسط حشد من الناس … كما شاهدنا في حفل توزيع جوائز الاوسكار لهذا العام ..وكما شاهدنا وسمعنا من تخصيص الرئيس الامريكي أوباما جزء من خطابه لهم ..
في حين نجد ان من يفعل الفعل ذاته في مجتمع آخر منبوذا محتقرا مهانا .. يحيط فعله بالسرية والكتمان ويحرص اشد الحرص ان يشيع خبره .. ذلك انه يدرك خطورة الفعلة وما ينطوي عليها في مجتمعه الذي يرفض الفكرة والفعلة لاسباب دينية واجتماعية ..

وبعد … هي عقليات وقناعات لعله من الصعب بل المستحيل ان تتغير ، وبالتالي اننا نعترف أن : قبول الاخر فن لا نزال نسعى الى اتقانه ونتهجأ حروفه ..في حين ان من يظنون انهم اتقنوا القراءة وفهموا الحكاية .. وانهم قد سبقونا بتقدمهم الحضاري والفكري لم يزالوا على غيهم القديم .. ويطالبون المجتمعات ان تحذوا حذوهم وان تكون نسخة مكررة عنهم دون ادنى احترام لحرية فكر الاخر

* بقلم د.محمود المصلح *