التحرّش الجنسي في التشريع التونسي

جعل الدستور التونسي مكانة مميزة لحقوق الإنسان، وهدفا أساسا إلى المحافظة على كرامة الفرد وشخصه وحرمته المعنوية من كل مظاهر الاعتداءات المنافية للأخلاق الحميدة.
والتحرش الجنسي هو مظهر من مظاهر النيل من كرامة الفرد وشخصه، إذ قد يلاحظ ظاهريا وفي غالب الأحيان وجود الرضا والوئام بين الأشخاص المتعايشين مع بعضهم إلا أنه في الحقيقة تخفي هذه العلاقات مشاكل عدة تتمثل في انسياق بعض الأفراد مكرهين إلى رغبات الآخر الجنسية سواء بسبب سلطة أحدهم المادية أو المعنوية أو بسبب الضعف الجسدي أو الادراك العقلي للبعض الآخر.

وقد وضع المشرع التونسي إطارا قانونيا للتصدّي إلى هذه الظاهرة التي ما تنفك تنتشر في المجتمع دون أن يعلم الضحية بوجود نصوص قانونية بالمجلة الجنائية تحميه وتدافع عن كرامته وحرمته سواء في الشارع أو العمل أو المدرسة.

لقد أضاف المشرع بمقتضى القانون عدد 73 لسنة 2004 المؤرخ في 02 ـ 08 ـ 2004 الفصل 226 ثالثا والفصل 226 رابعا من المجلة الجزائية وخصصهما لزجر التحرش الجنسي فينص الفصل 226 ثالثا بكونه: «يعاقب بالسجن مدة عام وبخطية قدرها ثلاثة آلاف دينار مرتكب التحرش الجنسي ويعد تحرشا جنسيا كل إمعان في مضايقة الغير بتكرار أقوال أو أفعال أو إشارات من شأنها أن تنال من كرامته أو تخدش حياءه وذلك بغاية حمله على الاستجابة لرغباته أو رغبات غيره الجنسية أو بممارسة ضغوط عليه من شأنها إضعاف إرادته على التصدي لتلك الرغبات.
ويضاعف العقاب إذا ارتكبت الجريمة ضد طفل أو غيره من الأشخاص المستهدفين بصفة خاصة بسبب قصور ذهني أو بدني يعوق تصديهم للجاني».
هذان الفصلان يحددان بكل دقة أركان جريمة التحرش الجنسي وإجراءات تتبعها وعقوبتها وكذلك الضمانات الممنوحة للمشتكى به.

1 ـ أركان الجريمة:
أوجب المشرع لقيام هذه الجريمة توفر ركنين الركن المادي والركن المعنوي.

أ ـ الركن المادي:
ـ إن الإمعان في مضايقة الغير بتكرار أقوال أو أفعال أو إشارات هو شرط من شروط هذه الجريمة فلا يكفي أن يكون الفعل عرضيا أو عفويا بل يجب أن يكون الفعل متكررا ولغاية الوصول إلى هدف معين أي أن تتأكد نيته في تحقيق رغباته الجنسية، فالمضايقة ليست لغاية المضايقة بل تتكرر لتحقيق هذه الأهداف الدنيئة.
ـ كما أنه لتوفر الركن المادي لهذه الجريمة لابد أن تمس هذه الأفعال كرامة الشخص وتخدش حياءه فلا تقوم الجريمة بمجرد التعبير عن عاطفة الحب أو عن نية الزواج أو عن بداية علاقة شريفة، بل يجب أن تكون دعوة واضحة إلى ممارسة الجنس ويكون ذلك بعبارات مخدشة لشعور الشخص. وهنا نشير وأنه في التطبيق قد يختلف رجال القانون في تأويل هذه العبارات وتقديرها نظرا للصبغة العمومية التي تتصف بها، إذ ما يعتبر فعلا أو قولا مخدشا للحياء عند البعض يعتبر غير مخدش لدى البعض الآخر.
ـ ولا يشترط لقيام هذه الجريمة أن يكون التحرش بسبب علاقة تبعية بالعمل بين الفاعل والضحية أو بين رجل وامرأة وإنما يمكن أن تكون بين زميل في العمل وزميله في نفس درجة العمل أو بين شخص وشخص آخر في غير إطار العمل.

ب) الركن القصدي:
لتوفر أركان الجريمة يجب أن يتوفر إلى جانب الركن القصدي العام المشار إليه بالفصل 37 من المجلة الجنائية، القصد الجنائي الخاص وهو دفع الفاعل الضحية للاستجابة لرغباته الجنسية، فإن لم يكن هذا القصد متوفرا انعدمت الجريمة، كذلك أن يكون للفاعل قصد الضغط عليه بوسيلة ما وهو على علم بالضعف النفسي أو الجسدي لضحيته.
لكن ما يلاحظ في هذا المجال ان اثبات هذا القصد الخاص قد يتطلب من رجل القانون الوقوف بدقة على الوقائع، فتعليق شخص لصور فتيات شبه عاريات على حائط مكتبه الذي يتقاسمه مع زميلته في العمل، ودعوة رجل لامرأة لمرافقته لبيته، كذلك تهديد رئيس العمل أجيرته بعدم منحها حوافز مالية أو زيادات في الأجر أو عدم ترقيتها رغم استحقاقها لذلك قد تكون قرينة لاثبات سوء نية الفاعل.

2) إجراءات تتبع هذه الجريمة:
تنص الفقرة الثانية من الفصل 226 رابعا أنه: «لا يجرى التتبع في جريمة التحرش الجنسي إلا بطلب من النيابة العمومية بناء على شكاية من المتضررة».
هذا الفصل يعتبر استثناء في القواعد المنظمة للاجراءات الجزائية باعتبار وأن الفصل 2 من مجلة الاجراءات الجزائية تمنح إثارة الدعوى العمومية وممارستها للنيابة العمومية وللمتضرر.
أما الفصل 226 رابعا فقد خص المتضرر فقط بالتتبع بناء على شكاية منه أي لا بد أن تلتقي إرادة الشاكي بإرادة النيابة العمومية وإذا انتفت رغبة المتضرر في التتبع تنتفي معه رغبة النيابة العمومية، خلاف لما هو معمول به في الجرائم الأخرى.
ولعلّ تبني المشرع لهذا الموقف هو ضمانا لجدية الدعوى وصحتها لما في رفعها من اثار سيئة على الفاعل وكذلك على الضحية نفسه.

3) عقوبة الجريمة:
يعاقب بالسجن مدة عام وبخطية مالية قدرها ثلاثة آلاف دينار مرتكب التحرش الجنسي.
ويضاعف العقاب إذا ارتكبت الجريمة ضد طفل أو غيره من الأشخاص المستهدفين بصفة خاصة بسبب قصور ذهني أو بدني يعوق تصديهم للجاني.
يلاحظ وأن المشرع قد دعم بسياسة زجره لهذه الجريمة ما يوليه من عناية خاصة للأطفال نظرا لضعف إدراكهم ولسهولة التأثير عليهم، كذلك هو الشأن بالنسبة للقاصر الذهني أو البدني باعتبار وأن حالته النفسية والبدنية الضعيفة تجعله معرضا أكثر من غيره إلى هذا النوع من الجرائم.
وفي هذه الحالة يبقى للقاضي سلطة تقدير مدى تأثير الإعاقة البدنية على قدرة المعاق على التصدي لرغبات الجاني أي إلى أي مدى تعوقه نوع إعاقته على التصدي للفاعل.
ويتشدد المشرع في زجر هذه الجريمة من جانب آخر وهي صورة تواردها مع جريمة أخرى مثل الاغتصاب أو الاعتداء بالعنف على الضحية، في هذه الحالة يوجب المشرع تطبيق العقوبات الأشد في مجموعة هذه الجرائم المقترفة.

4) الضمانات الممنوحة للمشتكى به في صورة حفظ التهمة أو الحكم بعدم سماع دعوى التحرش الجنسي:
قد تؤول مآل الأبحاث الجزائية إلى حفظ الشكاية من طرف النيابة العمومية كما قد يصدر حكما بعدم سماع الدعوى، في هذين الصورتين أجاز المشرع للمشتكى به بالفقرة الأخيرة من الفصل 226 رابعا من المجلة الجزائية طلب تعويضه عن الضرر الحاصل له كما أجاز له تتبع الشاكي من أجل الادعاء بالباطل.

إمكانية طلب المشتكى به لتعويضات:

هذه التعويضات يمكن أن تكون ناتجة عن الضرر المادي: إذا ما تم طرد المشتكى به من عمله وحرم من أجره في هذه الحالة يمكن لهذا الأخير مطالبة ما قد حرم منه طيلة مدة طرده، أو أن تكون تعويضات عن الضرر المعنوي لما قد يلحق المشتكى به من تشويه لسمعته بالعمل أو بالشارع أو وسط عائلته ويكون تقديرها راجعا لسلطة القاضي بحسب سنه وجنسه ومكانته في المجتمع.

إمكانية قيام المشتكى به لقضية في الادعاء بالباطل:

يتم تتبع الشاكي من أجل الادعاء بالباطل طبقا للفصل 248 من المجلة الجزائية الذي يعاقب بالسجن مدة عامين إلى خمسة أعوام وبخطية قدرها سبعمائة وعشرون دينارا كل من أوشى باطلا بشخص لدى سلطة عدلية أو إدارية، ويمكن للمحكمة علاوة على هذا العقاب نشر كامل الحكم أو ملخص منه بإحدى الجرائد أو أكثر وذلك على نفقة المحكوم عليه.