مقال قانوني هام حول تطور جريمة الزنا في القوانين الحديثة

أ/ عبد الصبور

إن الكلام عن تطور وأحكام جريمة الزنا في القوانين الحديثة وبالخصوص في القانون الفرنسي يجعلنا نعود إلى الوراء وبالضبط للقانون الفرنسي القديم الذي أخذ بأحكام هذه الجريمة من القانون الروماني، هذا الأخير الذي شمل على جملة أحكام سميت بالأحكام الإستثنائية، ومؤداها أن المساواة كانت معدومة بين المرأة وزوجها، كما كانت جريمة الزنا لا ترتكب إلا من طرف الزوجة
وفي عهد الجمهورية، حينما كانت سلطة الرجل على زوجته غير محدودة، كان الزنا يحاكم عليه أمام المحكمة المنزلية، ومن ثم كان الزوج هو الحكم المتصرف في أمر زوجته الزانية، ولكن كان عليه قبل أن يقضي بالعقوبة – وكانت العادة النفي – أن يأخذ رأي الأقربين من قرابتها. بعد ذلك أصدر الإمبراطور أغسطس القانون الذي نظم المحاكمة على جريمة الزنا، وبمقتضى هذا القانون كان لزوج الزانية ووالدها دون غيرهما أن يرفعا دعوى الزنا في ظرف الستين يوما التالية للطلاق. وبعد هذا الأجل، تصبح الدعوى عامة، لكل فرد من الأهالي أن يرفعها.
وكان عقاب الزوجة وشريكها السجن في منزل منعزل، ثم استبدل الإمبراطور قسطنطين عقوبة السجن بعقوبة الإعدام مع حصر حق الاتهام في أقارب الزوجة الأقربين.

وأخيرا قرر جوس تينيان أنه ليس للزوج أن يطلق زوجته إلا إذا أقام عليها دعوى زنا وحكم عليها بالعقوبة، وقد إستبقى عقوبة الإعدام بالنسبة للشريك وخففها بالنسبة للزوجة، إذ أمر بأن تضرب بالسياط وبعد ذلك تسجن في أحد الأديرة على أن يكون لزوجها حق أخذها منه في ظرف سنتين من تاريخ السجن، فإذا لم يستعمل الزوج حقه في العفو عن زوجته، وجب عليها الحجاب وذلك بعد أن يؤمر بحلق رأسها ووضع النقاب على وجهها طول حياتهاأما قانون العقوبات الفرنسي الصادر في 1791، فإنه لم ينص على جريمة الزنا. ولكن القانون المدني الصادر في 1804 فقد نص على أن للزوج أن يطلب الطلاق أو الفرقة بسبب زنا زوجته. وفي حالة قبول الطلب يحكم على الزوجة في ذات الحكم القاضي بالطلاق أو الفرقة، وبناء على طلب النيابة العامة، بالحبس من 2 إلى 3 سنوات، وللزوج أن يوقف تنفيذ هذا الحكم بقبول معاشرة زوجته على أن القانون ما كان يعاقب سوى الزوجة.

أما الزوج فلم يكن هناك نص يعاقبه ولو زنى في منزل الزوجية، وكل ما خوله القانون للزوجة من حقوق هو أن لها في هذه الحالة طلب الطلاق أو الفرقة من زوجها.
وفي سنة 1810، صدر قانون العقوبات، ووضع جريمة إنتهاك حرمة الزوجية في عداد جرائم التهجم على الآداب، وما كان ليغرب على بال المشرع تلك النتائج الخطيرة التي تترتب على ترك مثل هذه الجريمة المنكرة دون حد أو تعزير، فعمد إلى تجريمها تجريما جنائيا .

وتبعا لذلك فإن أساس تجريم الزنا في القوانين الحديثة هو قانون العقوبات لسنة 1810 الذي نص على عقاب الزوج كما نص على عقاب الزوجة الزانية وشريكها، كما أنه أول من خول للزوجة حق شكوى زوجها الزاني. غير أن مبدأ عدم المساواة بين الجنسين لا يزال له أثره سواء من ناحية أركان الجريمة أومن ناحية مقدار العقوبة، والحال كذلك بالنسبة لحق العفو أو عذر الزوج إذا ما فاجأ زوجته متلبسة بجريمة الزنا وقتلها. فلا تتوفر الجريمة في حق الزوج إلا إذا زنى غير مرة في منزل الزوجية بامرأة تكون قد أعدها لذلك. أما الزوجة فيثبت زناها وتجب العقوبة إذا زنت ولو مرة واحدة وفي أي مكان .

وما يجب ملاحظته، هو أنه بالرغم من صدور قانون 1810، فقد ظلت نصوص القانون المدني الخاصة بجريمة الزنا محتفظة بقوتها. حتى لقد كانت توجد هناك محكمتان مختصتان بمحاكمة الزوجة الزانية إلى أن صدر قانون الطلاق في :27/07/1884 وأوقف هذا التناقض بإبطاله المواد :298 – 308- 309 من القانون المدني الفرنسي

كما تجدر الإشارة أيضا إلى انه قبل إصلاح سنة 1975 حول الطلاق ، فإن جريمة الزنا التي كانت تشكل جنحة، لم تكن متابعتها ممكنة إلا بناء على شكوى من الزوج . كما كان زنا الزوجة يستوجب عقوبة السجن ولشريكها، في حين أن زنا الزوج لم يكن يعاقب عليه إلا إذا إرتكبت الجريمة في بيت الزوجية ولم تكن العقوبة إلا الغرامة دون المساس بالشريك . وأمام عدم المساواة بين الزوج والزوجة إزاء هذه الجريمة، فقد صدر قانون في 11/7/1975 الذي قرر عدم إعتبار جريمة الزنا جريمة جنائية ولا سبب من أسباب الطلاق(

أما باقي القوانين الغربية، فتكاد تكون مجمعة على تجريم الزنا تجريما إجتماعيا، ماعدا القانون الإنجليزي الذي إعتبر الزنا جريمة مدنية والزوج الذي يرغب في الطلاق بسبب هذه الجريمة يجب عليه أن يطلب في نفس الوقت محاكمة الشريك، والمحكمة تقضي له في هذه الحالة بتعويض مالي. وعلى نفس المنوال سار قانون العقوبات المعروف بقانون جونيفا وهو الفريد من القوانين السويسرية الذي لايعرف التجريم الجنائي للزنا. وما عدا ذلك فأغلب التشريعات الأوربية تعاقب على جريمة الزنا بعقوبة الحبس لمدة ستة أشهر إلى سنتين كقانون عقوبات النمسا في المادة 502 وقانون عقوبات بلجيكا في المواد :387 إلى 390 وقانون عقوبات إيطاليا في المواد:353 – 354 وقانون ألمانيا في المادة 192 وقانون المجر في المادة 246.