المصلحة العامة

المصلحة العامة L’intéret général هي مصلحة الجميع، سواء الأجيال الحاضرة أم المقبلة في المجتمع، وذلك بمقابلة مصلحة الفرد في حد ذاته بصرف النظر عن غيره، ومادام كل من القانون والدولة مرتبطين بفكرة المجتمع ذاتها؛ فإن غاية كل من القانون والدولة هي الغاية التي يتوخاها المجتمع والمتمثلة في المصلحة العامة.

وللمصلحة العامة مضمون يحتوي على عناصر جوهرية؛ تتجسد في العدالة والاستقرار الاجتماعي والتطور.

ـ العدالة: هي التوازن الذي يجب تحقيقه بين المصالح المتعارضة؛ بغية كفالة النظام اللازم لاستقرار المجتمع الإنساني وتطوره، وتنقسم العدالة إلى ثلاثة أنواع تبعاً لطرفي الرابطة، فعندما يكون طرفا الرابطة شخصين على قدم المساواة – كما لو كانا شخصين من أشخاص القانون الخاص – فإن العدالة التي تربطهما تسمى «عدالة المساواة»، أما عندما يكون طرفا الرابطة جماعة وأفرادها، وعلى الأخص الدولة ورعاياها، فإن العدالة تسمى «عدالة توزيعية» لما هو مستحق على الجماعة قِبَل أفرادها، و«عدالة تكليفية» فيما يتعلّق بما هو مستحق للجماعة قبل أفرادها.

ـ الاستقرار الاجتماعي: ويتمثل مفهوم الاستقرار الاجتماعي ضمن روابط الأفراد المتنوعة ضمن المجتمع؛ وذلك على أساس الاعتراف المتبادل بوجود الآخرين فيه، والاعتراف بين المجتمعين السياسي والمدني بالوجود المتبادل، وهو ما ينتج عنه ضرورة تعيين الحدود لما لكل ولما عليه، وللاستقرار الاجتماعي تطبيقات شتى في نطاق الروابط القانونية في المجتمع، وذلك كما هي الحال مثلاً في القاعدة المستقرة في النظم القانونية كافة؛ والمتعلقة بعدم سريان القانون على الماضي، والقاعدة المتعلقة بعدم جواز استيفاء الحق بالذات، وتلك المتعلقة بوجوب قوننة الجريمة والعقوبة، فلا يجوز إيقاع جريمة أو عقوبة بلا نص.

ـ التطور الاجتماعي: إذ إن المصلحة العامة تتجسد في تنمية العنصر البشري في المجتمع خير تنمية وبتحقيق التقدم المادي والمعنوي للمجموع.

وللمصلحة العامة جملة من الخصائص تتجسد فيما يأتي:

– يجب أن تكون المصلحة العامة عائدة إلى أفراد الجماعة وموزعة بينهم بحيث تعينهم على تحسين أموالهم.

– المصلحة العامة هي الأساس الذي تستند إليه؛ وتقوم من أجله السلطة الحاكمة في المجتمع، ومن خلال هذه الخصيصة للمصلحة العامة تكتسب الحكومة الشرعية اللازمة لها، وهي التي أدت إلى ابتداع إجراءات رقابة الحاكمين في أداء وظائفهم حتى لا ينحرفوا عن الأساس الذي قامت عليه سلطتهم؛ والمتمثل في المصلحة العامة، وليست إعلانات الحقوق التي ظهرت في التاريخ الدستوري أكثر من مرة – وفي أكثر من مكان – إلا تعبير المجتمع أو الطبقة المفكرة في المجتمع عن الصورة التي يتوخاها هذا المجتمع للمصلحة العامة؛ لذلك فإن هذه الإعلانات ليست مطلقة، بل نسبية حيث يصيبها التغيير كلما تغيرت فكرة المجتمع عن المصلحة العامة.

– يجب أن تكون المصلحة العامة ذات طابع أخلاقي؛ لأن المصلحة العامة لا تقتصر على أن تكون مجموعة من الفوائد أو المنافع، بل تنطوي أساساً على إرساء الحياة السليمة لمجموع الأفراد في المجتمع؛ لذلك كانت العدالة من العناصر الجوهرية لفكرة المصلحة العامة.

دور المصلحة العامة في نطاق القانون الإداري: لا يوجد فرع من فروع القانون يقوم في مبادئه ونظرياته على فكرة المصلحة العامة مثل القانون الإداري[ر]، فنشاط الإدارة العامة[ر] يجب أن يستند من حيث المبدأ إلى فكرة المصلحة العامة؛ كما أن النصوص التي تحكم نشاط الإدارة العامة تشير في بعض الأحيان صراحة إلى غاية بعينها أو موضوع بذاته بحسبانهما يعكسان فكرة المصلحة العامة، بل إن الدساتير تشير إلى فكرة المصلحة العامة من خلال طرحها لبعض الموضوعات، فمقدمة دستور 1946 في فرنسا ـ على سبيل المثال ـ أشارت إلى أن الصحة وحماية الأسرة تعدّان من الموضوعات التي تعكس وجه المصلحة العامة، وفي بعض الأحيان يلاحظ أن القوانين تقارب بين فكرتي المصلحة العامة والنظام العام l’ordre public؛ كما هي الحال في مجال الضبط الإداري مثلاً.

وفي الحقيقة فإن طرح مفهوم المصلحة العامة في نطاق القانون الإداري يسند للسلطة العامة نوعاً من السلطة التحكيمية بين المصالح الخاصة المختلفة، وهذا الطابع إما أن يتم على أساس كمي quantitatif وذلك باعتبار المصلحة العامة متمثلة في مصلحة المجموعة الأكثر عدداً في المجتمع، وإما يتم على أساس نوعي qualitatif بحيث تعدّ مصلحة عامة كل قيمة عليا valeur supérieure تتفوق على التصورات الخاصة في المجتمع.

ومن الناحية العضوية للمصلحة العامة؛ أي الجهة التي تضطلع بعبء المصلحة العامة؛ فإن أصل أن يقوم بها الأشخاص المعنوية العامة في الدولة؛ إلا أن ذلك لا يمنع أن يشارك أشخاص القانون الخاص في القيام بعبء هذه المصلحة، كما هو الحال مثلاً عندما يتولى شخص من أشخاص القانون الخاص إدارة مرفق عام بالطريق التعاقدي، وتوزيع خدماته على المنتفعين به.

وقد تطورت فكرة المصلحة العامة بعدّها الأساس الجوهري الذي يقوم عليه القانون الإداري، فقد كانت فكرة المصلحة العامة في طور الدولة الحارسة محددة ومقتصرة على بعض الأنشطة القليلة التي تقوم بها الإدارة العامة؛ إلا أن تطور فكرة المرفق العام[ر]؛ وازدياد دور الدولة قد جعلا للمصلحة العامة بعداً اقتصادياً؛ وذلك بعد دخول الدولة ميدان النشاط التجاري والصناعي؛ مما أدى إلى ظهور المرافق العامة التجارية والصناعية تعبيراً قانونياً عن المصلحة العامة الاقتصادية، وكذلك فإن اتساع الدور الاجتماعي للدولة؛ وانتشار أفكار العدالة الاجتماعية قد أعطيا فكرة المصلحة العامة وجهاً اجتماعياً ترجم قانوناً إلى ما اصطلح على تسميته بالمرافق العامة الاجتماعية، كما هي الحال مثلاً في مرافق مكافحة البطالة والفقر… ومرافق تنمية الثقافة والصحة وحماية البيئة.

إضافة إلى ما تقدم، فقد أدت فكرة المصلحة العامة دوراً كبيراً في إنضاج مبادئ القانون الإداري وأفكاره، ففكرة النظام القانوني غير المألوف في القانون الخاص التي ظهرت في نطاق العقود الإدارية[ر] خصوصاً؛ لم تظهر إلا لأن مثل هذه العقود هي عقود المصلحة العامة باعتبارها تتصل بحاجات المرافق العامة، وكذلك الحال في الأفكار المتعلقة بنزع الملكية للمنفعة العامة وبالأشغال العامة.

ولعل أهم دور تضطلع به فكرة المصلحة العامة في نطاق القانون الإداري أنها تسوّغ للإدارة العامة استعمال امتيازات السلطة العامة les prérogatives de puissance publique التي من أهمها على الإطلاق إمكانية أن تتصرف الإدارة العامة بإرادتها المنفردة في إنشاء المراكز القانونية للأفراد وتعديلها وإنهائها، ولكن استعمال هذه الامتيازات يجب أن يتم في إطار فكرة القانون السائدة في المجتمع؛ وإلا يكن تصرف الإدارة غير مشروع؛ بحكم فقدانه لأساس المصلحة العامة الذي يجب أن يقوم عليه.