مقال قانوني هام حول المدعي الشخصي و إقامة الدعوى العامة

بقلم القاضي الأستاذ
منيب صالح الخليل

لقد استقر الاجتهاد القضائي على أن من حق النيابة العامة ألا تقيم الدعوى العامة رغم وجود ادعاء شخصي إذا كان هناك سبب قانوني يحول دون إقامة هذه الدعوى ، وإن من حق المتضرر إذا وجد تعسفاً من قبل النيابة العامة أن يراجع محكمة الجنح مباشرة في قضايا الجنح أو قاضي التحقيق في قضايا الجناية أو الجنحة .
في التشريعات المقارنة هناك أسلوبان لإقامة الدعوى العامة أحدهما الأسلوب القانوني وبمقتضاه يجب على ممثل النيابة العامة إقامة الدعوى العامة بمجرد وصول الإخبار أو الشكوى إليه . والآخر يسمى الأسلوب التقديري وبمقتضاه يترك لممثل النيابة العامة حق تقدير الشكوى أو الإخبار فإن وجد ما يستحق معه إقامة الدعوى العامة أقامها وإلا امتنع عن ذلك . ولا يحق لغيره أن يقيم الدعوى أو يجبره على إقامتها .
المشرع السوري أخذ بالأسلوب التقديري مع شيء من التعديل فقبل بمبدأ إجبار النيابة العامة على تحريك الدعوى العامة إذا أقام المضرور نفسه مدعياً شخصياً وفقاً للشرائط المعينة في القانون .

القاعدة القانونية :

أن النيابة العامة هي التي تقيم الدعوى العامة وتباشرها (تختص النيابة العامة بإقامة الدعوى العامة ومباشرتها) . المادة /1/ ف 1. آ. جزائية .
الاستثناء :

إقامــة الدعوى العامــة من قبل بعض الهيئات
العامة في حالات حددها القانون على سبيل الحصر .
(*) في هذا الخصوص يجب لحظ الفرق بين مفهومي تحريك الدعوى ، وإقامة الدعوى ، وبين مفهومي إسقاط الدعوى وردها (المجلة) .
(ولا تقام من غيرها إلا في الأحوال المبينة في القانون). المادة /1/ ف 1. أم . جزائية .
آ – إن مدير مكتب القطع يحرك الدعاوى ويدافع عنها ويلاحقها (المادة 11 ف 4 من المرسوم التشريعي رقم 208 لعام 1952) .
ب – إدارة الاحتكار هي التي يعود لها حق القيام بالملاحقات القضائية (المادة 72 من القرار 16 ل. ر.) .
ج – قاضي الإحالة . (المادة 156 آ. م. جزائية).
د – رئيس الجمهورية يحيل الوزير إلى المحاكمة عما يرتكبه من الجرائم أثناء ممارسته مهامه أو بسببها . المادة 123 من الدستور 1973 .

المدعي الشخصي :
إذا أقام المضرور نفسه مدعياً شخصياً وفقاً للشرائط المعينة في القانون تجبر النيابة العامة على إقامة الدعوى العامة (ومع ذلك تجبر على إقامتها إذا أقام المضرور نفسه مدعياً شخصياً وفقاً للشرائط المعينة في القانون) المادة /1/ ف2 . أ. جزائية ) .
الشرائط المعينة في القانون هي :
1- الأهلية : وتنصُّ عليها المواد التالية من القانون المدني :
المادة 46 :
1- كل شخص بلغ سن الرشد متمتعاً بقواه العقلية ، ولم يحجر عليه ، يكون كامل الأهلية لمباشرة حقوقه المدنية .
2- وسن الرشد هي ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة .
المادة 47 :
1- لا يكون أهلاً لمباشرة حقوقه المدنية من كان فاقداً التمييز لصغر في السن ، أو عته ، أو جنون .
2- وكل من لم يبلغ السابعة يعتبر فاقد التمييز .
المادة 48 :
كل من بلغ سنّ التمييز ولم يبلغ سن الرشد، وكل من بلغ سنّ الرشد وكان سفيهاً ، أو ذا غفلة ، يكون ناقص الأهلية ، وفقاً لما يقرره القانون .
المادة 49 :
يخضع فاقدو الأهلية ، وناقصوها ، بحسب الأحوال ، لأحكام الولاية ، أو الوصاية ، أو القوامة ، بالشروط وفقاً للقواعد المقررة بالقانون .
ونصّت المادة 16 من قانون أصول المحاكمات على أنه :
على المحكمة في جميع الأحوال التثبت من توافر الأهلية أو من صحة التمثيل أو الإذن .
2- دفع سلفة النفقات والرسوم : عندما يطلب المدعي الشخصي من القاضي تحريك الدعوى العامة ، يقرر القاضي تحديد المبلغ الذي يتوجّب على المدعي الشخصي أن يدفعه سلفاً إلى رئيس ديوان المحكمة لقاء نفقات الدعوى وسائر المصاريف والتعويضات ويعين له مهلة للدفع لا تتجاوز عشرة أيام من تاريخ تبليغه القرار . المرسوم 105 لعام 1953 .

النتيجة الأولى : لا يجوز اعتبار الدعوى العامة مقامة بقوة القانون إذا نصب الشاكي نفسه مدعياً شخصياً ، فالمدعي الشخصي لا يملك حقّ إقامة الدعوى العامة لأنّ الاختصاص معقود للنيابة العامة حصراً بمقتضى المادة / 1 ف1 أ . م جزائية . والقول بغير ذلك يعني إعطاء المدعي الشخصي صلاحية إقامة الدعوى العامة أمام المحكمة دون الرجوع إلى النيابة العامة صاحبة الاختصاص ابتداء في توصيف الفعل وتحديد المحكمة أو المرجع القضائي المختص وهذا مخالف للنص القانوني . وإذا كان المشرع يقصد من نص المادة 58 ف2 أن الدعوى العامة تعتبر مقامة بتقديم الادعاء الشخصي ودفع السلفة لكان المشرع نص على ذلك صراحة .
لا يجوز للنيابة العامة الامتناع عن إقامة الدعوى العامة إذا نصب الشاكي نفسه مدعياً . وإذا امتنعت النيابة العامة عن إقامة الدعوى العامة وجب تطبيق المواد التالية من قانون أصول المحاكمات .

المادة 486 أصول محاكمات :
تقبل مخاصمة القضاة وممثلي النيابة العامة في الأحوال الآتية :
آ – إذا وقع من القاضي أو ممثل النيابة العامة في عملهما غشّ أو تدليس أو غدر أو خطأ مهني جسيم .
ب – إذا امتنع القاضي عن الإجابة على استدعاء قدم له أو عن الفصل في قضية جاهزة للحكم.
ج – في الأحوال الأخرى التي يقضي فيها القانون بمسؤولية القاضي والحكم عليه بالتضمينات .
المادة 487 :
الدولة مسؤولة عما يحكم به من التضمينات على القاضي أو ممثل النيابة العامة بسبب هذه الأفعال ولها حقّ الرجوع عليه .
المادة 488 :
يثبت الامتناع المشار إليه في المادة السابقة بإعذار القاضي أو ممثل النيابة العامة .
المادة 489 :
لا ترفع دعوى المخاصمة قبل مضي ثمانية أيام على الإعذار .

النتيجة الثانية :
لا يجوز للنيابة العامة الامتناع عن إقامة الدعوى العامة إذا نصب الشاكي نفسه مدعياً وإن كان الجرم مشمولاً بالعفو العام أو التقادم أو وفاة الفاعل لأن ذلك مخالف للمادة 1 ف2 . أ. م . جزائية ( تجبر النيابة العامة ) النصّ مطلق والمطلق يجري على إطلاقه . وفي هذه الحالة تقوم المحكمة بتطبيق أحكام العفو العام أو التقادم أو وفاة الفاعل فتصدر حكماً بردّ الدعوى العامة لتقديم الادعاء بعد العفو العام أو وفاة فاعل الجريمة أو التقادم . وبذلك يتمّ التمييز بين رد الدعوى العامة وبين إسقاطها في حال وفاة الفاعل أو صدور العفو العام أو مرور الزمن بعد إقامة الدعوى العامة . ويكون حكمها قابلاً للتدقيق من قبل محكمة أعلى تصحح ما يعتوره من أخطاء إذا وجدت .
المادة 57 : لكل شخص يعد نفسه متضرراً من جراء جناية أو جنحة أن يقدم شكوى يتّخذ فيها صفة الادعاء الشخصي إلى قاضي التحقيق المختصّ وفقاً لأحكام المادة 3 من هذا القانون .
يتضح من هذا النصّ أن المشرّع رخّص للمضرور من جناية أو جنحة أن يقدم شكوى إلى قاضي التحقيق المختص مكانياً . ولم يمنحه حقّ إقامة الدعوى العامة .

نصّت المادة 58 ف2 من ق.أ جزائية على أنه :
2- وللمتضرر في قضايا الجنحة أن يقدم دعواه مباشرة إلى محكمة الجزاء وفقاً للأصول المبينة في المواد التالية : وهي المادة 59 يجري في الشكاوى أحكام المادة 27 المتعلقة بالإخبار .
إنّ المادة 59 توضح المادة 58 وتكملها ولا يصح قراءة المادة 58 وفهمها إلا مع المادة 59 التي أوجبت تطبيق المادة 27 على الشكوى التي نصّت عليها المادة 58 لتصبح هذه المادة مكملة وموضحة للمادة 58 .
نصّت المادة 60/1 لا يعدّ الشاكي مدّعياً شخصياً إلا إذا اتخذ صفة الادعاء الشخصي صراحة في الشكوى أو في تصريح خطّي لاحق أو ادعى في أحدهما بتعويضات شخصية ، وعليه أن يعجل النفقات والرسوم وفقاً للأحكام الخاصة بها .
يلاحظ أن المشرع استعمل عبارة الشكوى في المادة 60 هذا يعني أن كلمة دعواه التي وردت في المادة 58 يقصد بها الشكوى وبذلك يتحقق التوافق بين المادة 58 /ف2 والمادة الأخرى التي تكملها وتوضحها والتي لا يمكن من دونها تطبيق المادة 58 ف2 ويؤكد ذلك المادة 63 التي نصّت على أنه (للشاكي أن يتّخذ صفة الادعاء الشخصي في جميع أدوار الدعوى حتى ختام المحاكمة البدائية أو الجنائية).
يفهم من نصّ المادة 63 الذي أوجبت المادة 58 ف2 تطبيقه أن الدعوى العامة تكون قائمة أمام المحكمة المختصّة من قبل النيابة العامة أو الهيئات العامة التي منحها القانون حقّ إقامة الدعوى العامة ثم يأتي الشاكي ويتّخذ صفة المدعي الشخصي أمام هذه المحكمة قبل ختام المحاكمة. ولا يجوز تفسير نصّ هذه المادة أنه بمجرد تقديم ادعاء شخصي أمام المحكمة المختصة تعتبر الدعوى العامة محركة بموجب ادعاء مباشر ولا حاجة لتدخل النيابة العامة لأن ذلك يتناقض مع المواد (1/ 58 ف2 /59/60/63 ) فلا ضرورة لوجود نص المادة 63 لأن الشاكي اتخذ صفة المدعي الشخصي ابتداءً وبسببه أقيمت الدعوى العامة.
المادة 65 – إذا رفعت الشكوى إلى قاضي تحقيق غير مختص أودعها قاضي التحقيق المختص .
المادة 66 – يودع قاضي التحقيق المختص الشكوى النائب العام .
المادة 67 – للنائب العام إذا تبين له أن الشكوى غير واضحة الأسباب أو أن الأوراق المبرزة لا تؤيدها بصورة كافيــة ، أن يطلب إلى قاضي التحقيق مباشرة

التحقيق توصلاً إلى معرفة الفاعل ، وللقاضي عندئذ أن يستمع إلى الشخص أو الأشخاص المقصودين في الشكوى وفاقاً للأصول المبينة في المادة 74 وما يليها ، إلى أن يدعي النائب العام بحق شخص معين .
المادة 68 – ( إذا كان التحقيق قد جرى بحق شخص معين بناء على اتخاذ المدعي صفة الادعاء الشخصي وفقاً للمادة 57… ) لنقف عند المادة 57 والمادة 67 .

يتوجب في جميع الحالات على قاضي التحقيق إيداع الشكوى إلى النائب العام الذي يقيم الدعوى العامة إذا كانت الشكوى واضحة الأسباب والفاعل معروف وإلا أودع الشكوى قاضي التحقيق توصلاً لمعرفة الفاعل ومن ثم إقامة الدعوى العامة .
ليس للمدعي الشخصي أن ينفرد بإقامة الدعوى العامة ، وإذا كانت النيابة العامة مجبرة على إقامتها بناء على دعوى المدعي الشخصي . (جنحة أساس 1516 / 417 لعام 1960) .

وكيل النيابة العامة بحمص
القاضي منيب صالح الخليل