الجرائم الانتخابية القاضي إياد محسن ضمد

النظم القانونية الخاصة بالانتخابات ، دأبت على تجريم الأفعال التي تؤثر على نتائجها كونها جرائم ذات خطر بالغ واثارها تمس النظام السياسي وطريقة تشكيل الحكم وادارة السلطة واذا كانت الفلسفة من تجريم افعال القتل والسرقة والاحتيال والتزوير…الخ هي حماية المصلحة الخاصة والعامة ، فان فلسفة تجريم الأفعال ، الماسة بنزاهة الانتخابات ، هي اعم وأوسع كونها تتعلق ببنية الدولة وتحديد الأحزاب و الكيانات والشخصيات التي ستتولى ادراتها وان اي مساس بحيادية وعدالة العملية الانتخابية يجرد النظام السياسي من شرعيته ويعرض الثقة العامة بالدولة ومؤسساتها واحترام ممثليها للخطر و المواطن سيشعر بالإحباط وعدم الجدوى فالعملية السياسية التي تبنى على نتائج انتخابية غير نزيهة ، سوف لن تحقق اهدافه وتطلعاته . المادة (22) من الدستور نصت على ، ان (للمواطنين رجالاً ونساءً، حق المشاركة في الشؤون العامة، والتمتع بالحقوق السياسية، بما فيها حق التصويت والانتخاب والترشيح ) و المادة (47/3) اشار الى موضوعة الانتخابات وضرورة تنظيم كل ما يتعلق بها بقانون حيث نصت الفقرة ثالثاً على ان (تنظم بقانونٍ، شروط المرشح والناخب وكل ما يتعلق بالانتخاب) .

و تضمن قانون مجلس النواب العراقي رقم 16 لسنة 2005 المعدل بابا خاصا بالجرائم الانتخابية وكذلك تضمن قانون انتخابات مجالس المحافظات والاقضية والنواحي رقم 36 لسنة 2008 المعدل مبحثا خاصا بالجرائم الانتخابية فجٌرم مجموعة من الأفعال التي تمس نزاهة وعدالة العملية الانتخابية وحدد العقوبات الخاصة بكل جريمة منها.

و الجرائم الانتخابية تتعدد بحسب المرحلة التي تمر بها العملية الانتخابية فمن الجرائم ما يرتكب في مرحلة الاعداد للانتخابات كجريمة القيد او الحذف المخالف للقانون ومنها ما يرتكب اثناء مرحلة الدعاية الانتخابية والترويج للمرشحين كجريمة التاثير على ارادة الناخبين ومن الجرائم ما يرافق عملية التصويت كجريمة التصويت المخالف للقانون وجريمة الرشوة الانتخابية وجريمة الاخلال بامن العملية الانتخابية وايا كان وقت ارتكاب الجريمة فهي بالتاكيد تؤشر خللا في نزاهة العملية الانتخابية وتؤثر على نتائج تصويت الناخبين ورغم ان القوانين تختلف في الجزاءات التي تفرضها على مثل هذه الجرائم الا ان اكثر العقوبات هي الغرامة والغاء ترشيح المرشح اضافة الى العقوبة الاهم والتي اراها اكثر عدالة وهي الغاء نتائج التصويت في المحطات او المراكز التي حدث فيها تلاعب او تزوير لارادة الناخبين اما بخصوص الجهات المختصة بنظر الشكوى فهي اكثر من جهة كون الجرائم الانتخابية ذات طبيعة خاصة ، لذلك فهي تتطلب آليات للتعامل معها تختلف عن الجرائم العادية المنصوص عليها في قانون العقوبات ، ولعل من أهم أسباب اضفاء الطابع الخاص على لجرائم الانتخابية هو ارتباطها بتشكيلة النظام السياسية ، وان عنصر الزمن وضرورة إعلان النتائج خلال زمن معين يفرضان على المشرع وضع آليات خاصة للنظر بهذه الجرائم سواء من حيث الجهات المختصة بنظر الشكاوى الانتخابية او من حيث الزمن الذي يجب ان يبتّ خلاله بهذه الشكاوى ، ومن خلال الاطلاع على قانون انتخابات مجالس المحافظات وقانون انتخابات مجلس النواب والأنظمة الصادرة من المفوضية والمتعلقة بالشكاوى والطعون الانتخابية نجد ان المشرع قد اتبع نظاما مزدوجا لنظر الشكوى الانتخابية يجمع بين الإداري وهو قسم الشكاوى ومجلس المفوضين في المفوضية والقضائي وهو الهيئة القضائية الانتخابية المشكلة في محكمة التمييز كذلك جعل من العقوبة المترتبة على الجريمة الانتخابية جامعة للصفتين الإدارية كإلغاء بعض النتائج او إعادة الفرز وبين العقوبات الجزائية كالغرامة والإحالة الى المحاكم المختصة لفرض العقوبة نظام الشكاوى والطعون رقم (16) لسنة 2009 نص في القسم الثالث منه وفي الفقرة (ج) على ان الشكوى تقدم في مرحلة التسجيل إلى مدير مركز التسجيل او مدير المكتب وفي مرحلة الاقتراع إلى مدير المحطة او مدير مركز الاقتراع او مدير المكتب الإقليمي او المحافظة او مدير المكتب الوطني مباشرة .

وأشارت المادة (5) من نفس القسم على إن قسم الاستشارات والشكاوى في مجلس المفوضين يتولى عملية التحقيق في الشكاوى وتقديم التوصيات بشأنها إلى مجلس المفوضين . وقد أعطت المادة (1) من القسم الثاني من نفس النظام صلاحية فض النزاعات بما فيها إجراءات التحكيم والشكاوى إلى مجلس المفوضين.

أما القسم الرابع من نفس النظام فقد أعطى للمجلس صلاحية عقد جلسات استماع يستدعي خلالها شهوداً و أطراف الدعوى يطلب خلالها الأدلة . وللمجلس ان يقبل الشكوى إذا كانت مستندة إلى أدلة مقنعة وثبوتية او يرفضها اذا كانت غير موثقة بأدلة ثم يقوم بتبليغ المشكو منه ليجيب على الشكوى ويتخذ بعد ذلك المجلس قراره بخصوص الشكوى . وقد نص القسم السابع على العقوبات التي يتخذها مجلس المفوضين بخصوص الشكاوى الانتخابية وهي أما غرامات مالية او إعادة الحال إلى ما كانت عليه او منع الكيان السياسي من المشاركة . وقد نصت المادة (الثامنة/ثالثا) من قانون المفوضية رقم 11 لسنة 2007 على ان (تقوم محكمة التمييز بتأليف هيئة قضائية تسمى الهيئة القضائية للانتخابات تتألف من ثلاثة قضاة غير متفرغين للنظر في الطعون المحالة إليها من مجلس المفوضين او المقدمة من المتضررين من قرارات المجلس مباشرة الى الهيئة القضائية .) .

وهذا يعني ان قرارات مجلس المفوضين تكون قابلة للطعن أمام الهيئة القضائية الانتخابية المشكلة في محكمة التمييز وقد اوجبت الفقرة (خامسا) من نفس المادة نشر قرارات مجلس المفوضين في ثلاث صحف يومية لمدة ثلاثة أيام ويجب أن يتم استئناف قرار المجلس خلال ثلاث أيام تبدأ من اليوم التالي للنشر ونصت الفقرة (سادسا) من نفس المادة على ان الهيئة القضائية يجب ان تبت بالطعن خلال فترة عشرة أيام من تاريخ إحالة الطعن إليها من قبل مجلس المفوضين والفقرة (سابعا) من نفس المادة نصت على ان تكون قرارات الهيئة القضائية باتة . وفي ما يخص صلاحية مجلس المفوضين ، في النظر في الشكاوى الانتخابية المقدمة إليها من قبل الأشخاص والمرشحين والكيانات السياسية فأنه ، عند نظر المفوضية في الشكاوى المقدمة اليها ان ثبت لديها وقوع جريمة انتخابية تمس سير ونزاهة العملية الانتخابية فعليها ان تحيلها الى السلطات المختصة ، وهذا ما يفسر غاية المشرع العراقي من جعل جميع الشكاوى ومنها المتعلقة بالجرائم الانتخابية يجب التحقيق فيها مسبقاً من قبل مجلس المفوضين او اللجان التحقيقية المشكلة في مكاتب المحافظات ، وذلك من اجل التحقق من صحة ادعاء المشتكي من وقوع الجريمة الانتخابية من عدمه وذلك على اعتبار ان اغلب الشكاوى تقدم من قبل الكيانات الخاسرة في الانتخابات لذا لابد من ان تكون الشكاوي المقدمة إلى مجلس المفوضين مدعمة بالأدلة الكافية حتى يحيلها إلى السلطات المختصة .

وذلك وفقاً لمـا نصت عليه المادة ( 8 / اولاً ) مــن قانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات والتي جاءت بما يأتي : ” يتمتع المجلس بسلطة حصرية في ما يتعلق بالتنفيذ المدني لإجراءاته وأنظمته ويجب على المجلس أن يحيل اية قضية جنائية إلى السلطات المختصة اذا وجد دليلاً على سوء تصرف في نزاهة العملية الانتخابية ” . وهذا ايضاً ما جاءت به المادة (3) من القسم الثاني من نظام الشكاوي والطعون الانتخابية والتي تنص على ان : ” على المجلس ان يحيل اية قضية جنائية الى السلطات المختصة اذا توافرت لديه ادلة على وقوع مخالفة جنائية ضد سلامة عمليتي الاستفتاء والانتخابات وان فرض عقوبة مدنية من قبل المجلس عن مخالفة لن يحول دون فرض عقوبة جنائية حسب القوانين العراقية السارية ” .

ومن نص المواد الواردة اعلاه فان دور المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في الشكوى المتعلقة بالجرائم الانتخابية تتعلق بمدى اقتران الشكوى بالادلة القانونية واحالتها الى السلطات المختصة ، هذا ولم يبين قانون الانتخابات ولا قانون المفوضية والأنظمة الصادرة عنها السلطة المختصة بالتحقيق في الدعاوى الجنائية في الجرائم الانتخابية وعليه نرى ان السلطة المختصة بالتحقيق في الجرائم الانتخابية هي ذات الجهة المختصة بالتحقيق في الجرائم العادية ، وذلك بالرجوع إلى الأحكام العامة المنصوص عليها في قانون أصول المحاكمات الجزائية الذي أعطى صلاحيات التحقيق لقضاة التحقيق وللمحققين تحت إشراف قضاة التحقيق. وعليه فان الجهة التي تملك الاختصاص في التحقيق في الجرائم الانتخابية هي كل سلطة تحقيق وقع ضمن اختصاصها كل الأفعال المكونة للجريمة الانتخابية أو جزء منها أو وجد المجني عليه فيها أو وجد المال الذي ارتكبت الجريمة بشأنها استنادا للمادة 53 من قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 المعدل وإذا ثبت لمحكمة التحقيق المختصة ان الأدلة كافية لإحالة المتهم الى المحكمة المختصة فانه يحال حسب الاختصاص النوعي والمكاني سواء لمحكمة الجنح او الجنايات وحسب نوع الجريمة الانتخابية المرتكبة سواء أكانت تزويرا او رشوة انتخابية او تهديدا او قذفاً وسباً او غيرها من الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات والتي نصت عليها القوانين والأنظمة الانتخابية باعتبارها جرائم ترتكب بمناسبة الانتخابات وترتب اثار تمس نزاهة وعدالة العملية الانتخابية .

إعادة نشر بواسطة محاماة نت