مقال قانوني حول ماهية و إغراض العقوبة

أ/ حنين نصار

أولاً : ماهية العقوبة :-

تعرف العقوبة بأنها جزاء مقرر بنص في القانون ينزله القاضي على من يثبت ارتكابه جريمة ويتناسب مع درجة الجرم . ويتضح من هذا التعريف أن معنى العقوبة يشتمل على ما يلي من عناصر :

العنصر الأول :
الجزاء :-

كون العقوبة جزاء مؤداه أنها تنطوي على إيلام مقصود ينزل بالجاني نظير سوء صنيعه . ويتمثل هذا الإيلام في أشد صورة في حرمان المتهم من أحد أو بعض حقوقه المقررة له بحسب الأصل . ومثال ذلك عقوبة الإعدام التي يحرم المحكوم عليه بها من حقه في الحياة ، وعقوبة السجن التي تحرمه من حقه في الحرية بصفة مؤبدة أو مؤقتة ، والمصادرة التي تحرمه من حق الملكية . وقد لا يصل إيلام إلى حد الحرمان من الحق وإنما يقتصر على مجرد الانتقاص أو التضييق منه . ومثال ذلك عقوبة الغرامة ، والوضع تحت مراقبة الشرطة ، ومنع الإقامة في مكان معين أو خطر
ارتياده ، وعقوبة الجلد .

العنصر الثاني :
الحكم بها من القاضي :-

لما كانت العقوبة جزاء يقرره الشارع بنص في القانون وكان القاضى هو المنوط به تطبيق القوانين ، فإنه لا توقع عقوبة إلا بحكم قضائي 00 ولكن الذي نود إيضاحه هنا أن كل من المشرع والقاضي وغيرهم من المعنيين بأمر العدالة الجنائية يقوم بالدور المنوط به في مجال تقرير أو تطبيقها باعتباره ممثلا للهيئة الاجتماعية ونائبا عنها في اقتضاء حقها في عقاب الجاني وكل من يخرج عن القانون ، وليس بوصفه ممثلا لمصلحته الخاصة . وتفسير ذلك أن كل جريمة تحدث ضررا أو خطرا اجتماعيا عاما مفترضا وملازما لها ، وهذا الضرر أو الخطر العام يصيب الجماعة بأسرها . ويكون هذا الضرر العام واضحا جليا في الجرائم التي تقع مباشرة على المصالح العامة للجماعة ، حيث تكون هذه الأخيرة هي المعتدي عليها فيها دون غيرها . أما عند تقع الجريمة مباشرة على إحدى المصالح الخاصة للأفراد (كما هو الحال مثلا في جرائم : القتل ، والجرح والإيذاء البدني ، والسرقة ، والنصب ، والاغتصاب ، وهتك العرض ، وإحراق الممتلكات الخاصة وغيرها) فإن الجماعة تبقى كذلك هي المعتدي عليها في المقام الأول ويبقى الضرر العام للجريمة قائما حتى في هذه الأحوال .

العنصر الثالث :
تناسب العقوبة مع الجرم :-

تناسب العقوبة مع درجة جسامة الجريمة المقررة جزاء لها هو أمر يستوجبه ضمان نجاح العقوبة في إدراك الغاية المرجوة منها. فلا أمل يرجى من تحقيق العقوبة للهدف الذي تنشده – سواء تمثل في ردع خاص أو عام أو تحقيق العدالة أو حتى إصلاح المجرم وتأهيله إذا جاءت غاية في القسوة أو متناهية في البساطة واليسر.
وتتجلى مراعاة الشارع للمعيار الشخصي في التناسب الذي نحن بصدده فيما يلي:-
(أ) تمييز الشارع في عقاب بعض الجرائم التي تقع عدوانا على مصلحة واحدة وتمسها بذات القدر على أساس من صورة الركن المعنوي فيها لدى الجاني. فيشدد من العقاب
في حالة العمد ويخففه في صورة الخطأ.
(ب) وضع الشارع للغالب من العقوبات بين حدين حد أدنى وحد أقصى تاركا أمر اختيار العقوبة الملائمة لظروف الجاني بين هذين الحدين لقاض الموضوع الذي يكون له أن يتراوح بينهما صعودا أو هبوطا حسبما يرتأيه وبغير معقب عليه.
(ج) تقرير الشارع لأكثر من عقوبة جنائية تختلف نوعا أو مقدارا لذات الفعل الإجرامي، وذلك على سبيل التخيير للقاضي. ومثال ذلك أن يقرر الشارع للجرم عقوبة الاعدام (أو) الأشغال الشاقة المؤبدة.
(د) اتخاذ الشارع من ظروف خاصة بشخص المتهم كأسباب لتشديد العقاب المقرر أصلا جزاء للجرم (كظرف العود، وصفة الطبيب في الاجهاض ، ومتولى التربية في الاغتصاب وهتك العرض) ، أو تخفيفه (كعذر صغير السن ، وضبط الزوجة متلبسة بالزنا ).

ثانياً:
خصائص العقوبة :-

(أ) تخضع لمبدأ الشرعية الجنائية.
(ب) تمثل انتقاصا من حقوق المتهم وتقييدا لحريته الشخصية.
(ج) لا توقع إلا بحكم قضائي وبعد محاكمة قانونية عادلة.
(د) تتسم بطابع الشخصية فلا تصيب سوى شخص الجاني. وذلك كله على التفصيل سابق البيان، فنحيل إليه منعا للتكرار.

ثالثا:
أغراض العقوبة:-

(أ) غرض الردع :-
ساد هذا الغرض للعقوبة في ظل الفلسفة الجنائية التقليدية القديمة، التي اتخذت من الجريمة لا شخص المجرم محورا لها ، وأقامت مسئولية المتهم على أساس أخلاقي قوامه مبدأ حرية الإرادة والاختيار لدى المتهم في جنوحه وإجرامه، ومن ثم فهو آثم مذنب.
وكان طبيعيا أن يأتي رد الفعل المقرر جزاء للجرم (العقوبة) هادفا إلى زجر وردع هذه الإرادة الآثمة المذنبة للمجرم (الردع الخاص) حتى لا يعود ثانية إلى الجريمة، وهادفا كذلك إلى ردع وزجر إرادة الغير ممن لم يجرموا فعلا لئلا يحذووا حذو المجرم ويحاكوه (الردع العام).

(ب) غرض العدالة :-
نتيجة إدخالهم بعد الاضافات والتعديلات البسيطة على مبادئ وأفكار المدرسة التقليدية القديمة، فقد حاول أنصار الفكر التقليدي الحديث الجمع في مجال غرض العقوبة بين وظيفتها الأساسية في الردع والزجر ووظيفتها المستحدثة في تحقيق اعتبارات العدالة ، وذلك من خلال محاولتهم التوفيقية بين مبدأي “نفعية ” العقوبة و “عدالتها “.

(ج) غرض الإصلاح والتقويم :-
جاءت السياسة الجنائية الوضعية منكرة عن العقوبة أي وظيفة نفعية لها خاصة في صورة ” الردع العام “. وقد كان ذلك نتيجة طبيعة وحتمية لفلسفة هذه المدرسة القائمة على هدم مبدأ ” الإرادة الحرة ” في اختيار طريق الإجرام وإحلالها مبدأ ” الجبرية والانسياق ” محله. فما دامت الارادة الحرة لا وجود لها أصلا في فكر هذه المدرسة ، فلا يكون متصورا والحال كذلك أن تقوم العقوبة بوظيفة ما في الردع والزجر، حيث لا وجود للارادة التي تكون محلا لهذا الردع أو ذاك الزجر .
وفي ظل هذه الفلسفة الوضعية القائمة على ” الجبرية والانسياق ” إلى طريق الإجرام – والتي أوجدت التدابير الاحترازية كبديل للعقوبة بمفهومها التقليدي – فقد قامت مسئولية المجرم على أساس من ضرورات ” الدفاع الاجتماعي ” ضد ” خطورته الاجرامية ” ، وأن هذا الدفاع ضد تلك الخطورة لا يتأتى بالزجر والردع وإنما بالاصلاح والتقويم والتهذيب ، الذي كان هو غرض التدابير التي استحدثتها هذه المدرسة .