مقال قانوني معمق عن مسؤولية الرياضيين عن الإصابات فى الملاعب

و لكن قبل أن أرد على هذا السئوال, , أود أن أوضح أن االمطلب القانونى الذى يبتغيه المتضرر لا يلزم بالضرورة أن يكون حصيلة إجراءا جنائيا لا يفيد المتضرر مباشرة, و إنما يمكن أيضا أن يكون حصيلة إجراءا مدنيا, طبقا لقواعد التعويض عن الضرر الناشئ عن الخطأ , أو الإهمال , أو الرعونة, طبقا للقوانين المدنية, بما فيها القانون المدنى المصرى.

و سيتضمن ردى شرح القواعد العامة التى تطبقها معظم الدول التى لها نشاط رياضى ملحوظ.

تضمن السؤال عدة أمور تتطلب الحديث عن الحلول القانونية لمشاكل إصابات الرياضيين, مثل تلك التى وردت بالمداخلة الأولى. و هذابالتالى سيقودنا إلى الحديث عن الحلول التى يوفرها التقاضى مدنيا, و أيضا الحلول المترتبة على رفع دعوى جنائية.

و تقديم شرح مبسط لبعض التعبيرات و التعريفات لا يعتبر إنتقاصا من ذكاء أو معرفة القارئ, و لكن الأمور القانونية تتطلب لغة خاصة لها أسرارها و معانيها التى تحتاج لشرح فيما بعد الشرح العادى أو المنطقى.

و سأبدأ بموجز يشرح الفرق بين التقاضى المدنى, و التقاضى الجنائى, مشيرا دائما إلى طبيعة السؤال.

و للتبسيط, إذا اعتبرنا أننا سنتحدث مثلا عن اصابة فى مباراة ملاكمة نتجت من لطمة من ملاكم, موجهة إلى وجه أو جسم غريمه, و تسببت فى جرح عميق فى خد الغريم.

و أبسط توصيف لهذا الفعل,( لو لم يحث على حلبة الملاكمة), هو إدراجه تحت وصف ” الضرب المفضى إلى جرح قطعى”.

هنا , يمكننا أن نشرح دور القانون و القضاء فى التعامل مع هذه المشكلة.

و لكن, كثيرا ما يحدث لبس عندما نتكلم عن الحلول القضائية و خاصة فى مثل هذه القضايا, فأول ما يرد إلى الذهن هو أن الإعتداء بالضرب هو جريمة, و أن لكل جريمة عقاب, مستمد من قانون العقوبات.

و لكن , إذا فهمنا دور القانونين , المدنى و الجنائى, سنرى أن بعض الأمور يمكن توصيفها بأنها جريمة,كما يمكن وصفها أيضا بأنها “أخطاء مدنية”, و تسمى بالإنجليزية Torts .

و دور القانون الجنائى أصلا هو حماية المجتمع و الدولة من أفعال تضر الصالح العام, بما فيه حقوق المواطنين الشخصية, و التى يرى المجتمع أن تكون حمايتها بمعرفة الدولة.

و لكن, يختلف دور القانون المدنى,( الذى يهدف أساسا إلى حماية الحقوق الشخصية التى لا يحميها القانون الجنائى), ليس فقط لأن الفعل نفسه قد لا يكون مُجرّما, و لكن أسلوب إتيان هذا الفعل قد يضر بمصالح آخرين, و هنا يتدخل القانون المدنى لكى يرسم للمواطنين حدود حرياتهم.

إذن, فالقانون المدنى يحمى المواطن من إساءة إستعمال حق مواطن آخر, فى حين أن القانون الجنائى يعاقب من يقوم بعمل يخل بأمن الدولة , و يعاقب كلمن يتعدى على حرية و حياة و أمن المواطن.

و لنشرح ذلك بأمثلة:

إذا اعتدى شخص على آخر بالضرب مثلا, فهذا الفعل فى نظر القانون يشكل أمرين:

الأول: الإعتداء على حق المواطن فى أن يكون آمنا, و هذا يُدخل الفعل فى دائرة المحظورات, و يعاقب مرتكب الفعل لإرتكابه جريمة الضرب( و تسمى هنا جنحة ضرب).

الثانى: قد يرى الشخص المضروب أنه لا يهمه أن يُحبس من ضربه, بقدر إهتمامه بالحصول على علاج للإصابة, و التعويض عن الألم, و فقد الرزق نتيجة التبطل عن العمل.

هذا التعويض لن يحصل عليه غالبا فى الحكم الجنائى الصادر ضد المتهم بضربه, و لكن فى استطاعة المضروب أن يلجأ إلى القضاء المدنى مطالبا بالتعويض عن الضرر الناشئ عن الضرب, و الذى أثبت بحكم المحكمة أن هذا الضرر قد نشأ كنتيجة مباشرة لواقعة الضرب.

و مثال آخر سيشرح الفرق بين القانون المدنى, و القانون الجنائى.

إذا اشترى شخص بضاعة من شخص آخر, و رفض المشترى دفع الثمن متحججا أن السلعة ليست جيدة, فإن هذا الخلاف هو خلاف مدنى, تنظره المحاكم المدنية , و لكن لو أن البائع قد أوهم المشترى أنه يبيع له مصنوعات ذهبية, فى حين أن ما باعه له هو صفيح مطلى, هنا يكون تكييف هذه الواقعة هى النصب, و يمكن محاكمة البائع جنائيا, و لكن ذلك لن يسقط حق المشترى المدنى فى استرداد نقوده, فضلا عن تعويضه عن المتاعب التى عانى منها, و تكاليف القضية … الخ.

و القانون الجنائى يتطلب ( فى معظم الأحوال) الإمتناع عن القيام بأعمال محددة لأن القيام بها يضر الصالح العام, مثل قيادة السيارات بسرعة تزيد عن السرعة القانونية. أو عدم تعاطى المخدرات, أو المتاجرة فيها.. الخ.

و لكن القانون المدنى لا يقصد به المنع, بقدر ما يقصد به التنظيم, فالقانون المدنى لا يقول أن استعمال أجهزة التكييف ممنوع, و لكنه يقول أن أساءة إستعمال هذه الأجهزة , أذا ترتب عليها إزاعج للمواطن, فإن إستعمالها فى ظروف خاصة يكون ممنوعا بأمر من المحكمة.

و القانون المدنى لا يقول أنك لا تستطيع زرع شجرة فى حوش منزلك, و لكن القانون يقول أن هذه الشجرة لا يجب أن تسبب جذورها ضررا للبيوت المجاورة, و أن فروعها لا يجب أن تتعدى حدود الأرض المملوكة.

و لا يقول القانون المدنى أنك لا تستطيع رى حديقتك, و لكن القانون المدنى سيجلعلك تدفع تعويض إذا أغرقت مياهك مزروعات جارك.

منقول