النظام القانوني لانقضاء عقد الوكالة التجارية

تمهيد

إن ما تقتضيه الطبيعة، أن كل عقد يتطلب لانعقاد مجموعة من الشروط التي تختلف من عقد لآخر،لكنه من المسلم أن بنود التعاقد المنصوص عليها في ظهير الالتزامات تبقى هي المهيمنة على مختلف قواعد التعاقد نظرا لكون هذا القانون يعتبر الشريعة العامة لقوانين الموضوع خاصة،وتنطبق مقتضياته على مختلف العقود كيفما كانت طبيعتها

إذا ما تم احترام شروط التعاقد،فان العقد يصير صحيحا ومنتجا لآثار وينتقل إلى مرحلة التنفيذ التي ترتب التزامات قد تكون متبادلة أم غير متبادلة وقد تنحصر فيما بين المتعاقدين، كما قد تمتد إلى الغير،حسب نوع العقد والخصائص التي تطبعه

وككل التصرفات القانونية،فان العقد تكون له نهاية حسب ظروف المتعاقد وهذه هي المرحلة التي تسمى مرحلة التنفيذ،وهي مرحلة مهمة لأنها تتعلق بالمراكز القانونية للمتعاقدين،كما تترتب عنها آثار قانونية معينة

إن عقد الوكالة التجارية كباقي العقود الأخرى. كما يتم إبرامه وتنفيذه،فانه ينقضي، وهذه المرحلة الأخيرة،تكتسي أهمية كبرى نظرا لما ترتبه من آثار، ولكن وقبل الشروع في دراسة قواعد الإنهاء لا بد من الإشارة للقواعد المتعلقة بمدة العقد،أي أن عقد الوكالة التجارية قد يبرم لمدة محددة كما قد يبرم لمدة غير محددة،العقد الذي يكون محدود المدة ويستمر أطرافه في تنفيذه بعد انصرام مدته يصبح عقدا غير محدد المدة وهذا ما نصت عليه المادة 396 من مدونة التجارة، كما أن المشرع لم يميز بين العقد الغير محدد المدة،من حيث اثر الإنهاء، وجعل عقد الوكالة التجارية كيفما كان خاضعا لنظام واحد لا من حيث الانقضاء ولامن حيث الفسخ .

المطلب الأول
أسباب انقضاء عقد الوكالة التجارية

ينقضي عقد الوكالة لأسباب قد تعود إلى شخص الموكل كما قد ينقضي لأسباب تتعلق بشخص الوكيل،وسنقوم في ما يلي بالتطرق لهذه الأسباب تباعا

الفقرة الأولى
انقضاء عقد الوكالة التجارية لسبب يتعلق بشخص احد المتعاقدين

أولا: الأسباب المتعلقة بالموكل

قد تنتهي الوكالة التجارية بوفاة الموكل إذ ما تعلق الأمر بشخص طبيعي أما إذا كان شخصا معنويا كشركة مثلا فإنها تنتهي كإطار قانوني ولا يبقى لها وجود . ففي مثل هذا الظرف (الوفاة)،وخصوصا إذا كان التأخير يشكل خطرا،يلتزم الوكيل بالاستمرار في تنفيذ الأعمال التي شرع فيها وفي حدود ما هو ضروري كما يجب عليه أن يتخذ كل ما تقتضيه الظروف من إجراءات لصيانة مصلحة الموكل إذ لم يكن لهذا الأخير وارث متمتع بالأهلية، أو لم يوجد له أو لوارثه نائب قانوني

وكذلك تنقضي الوكالة التجارية بسبب توقف الموكل عن مزاولة نشاطه،كما في حالة فتح مسطرة المعالجة في حقه ،ويستحق الوكيل في مثل هذه الحالة تعويضا عن الضرر اللاحق به إلا إذا كان هذا التوقف ناتجا عن قوة قاهرة لان العقد في هذه الحالة يفسخ بقوة القانون بمقتضى المادة 396مدونة التجارة في الفقرة الأخيرة منها

وقد ذهب القضاء الفرنسي إلى أن مسطرة المعالجة التي تشكل مقاولة الموكل محلا لها،لا تعتبر قوة قاهرة تحول دون حق الوكيل التجاري في التعويض القانوني

ثانيا:الأسباب المتعلقة بالوكيل

إن وفاة الوكيل سبب كاف لإنهاء عقد الوكالة التجارية.إلا أن المسالة التي تطرح هنا،هي تعويض الوكيل عن إنهاء العقد،فطبقا للمادة 402 من مدونة التجارة،يستحق الوكيل تعويضا عن الضرر اللاحق به من جراء إنهاء العقد.بل الأكثر من ذلك انه حتى في حالة وفاته التي كانت سببا في إنهاء العقد.فانه يستحق تعويضا يستفيد منه ذوو الحقوق،ولكن يمكن أن يستمر تنفيذ العقد مع الورثة.إذا ما قبل الموكل انتقال إلى الورثة المقدمين إليه،وبالتالي يستمر تنفيذ العقد ويتحلل الموكل من التعويض المقرر من الإنهاء

وتتجلى أهمية منح التعويض لورثة الوكيل المتوفى في كون المشرع جعل عقد الوكالة التجارية عقد الوكالة التجارية عقدا متعلقا بالذمة المالية للمورث

الفقرة الثانية
إنهاء العقد بالإرادة المنفردة لأحد المتعاقدين

طبقا للقاعدة العامة المنصوص عليها في الفصل 931 من ظهير الالتزامات والعقود،فانه يمكن للموكل أن يلغي الوكالة متى شاء،وهي قاعدة من النظام العام،بحيث أن كل شرط يقضي بمخالفتها،يبقى عديم الأثر إلا بالنسبة للأطراف ولا بالنسبة للغير، إلا أن هذه القاعدة تتعارض مع مبدأ المصلحة المشتركة للطرفين حيث ذهب القضاء الفرنسي إلى أن الوكالة التجارية عندما تقوم على أساس تحقيق الغاية المشتركة للطرفين، لا يجوز للوكيل أو الموكل إنهائها بإرادته المنفردة بل بالرضى المتبادل بين الطرفين أو حسب الشروط الواردة في العقد،أو القانون

إن منح الوكالة التجارية لأجل مصلحة المشتركة للأطراف، تخول للوكيل التجاري التمسك بالاستمرار في الوكالة التجارية،إذا ما قرر الموكل إنهاءها بإرادته المنفردة،حيث إن الوكيل التجاري يكون مهددا بحرمان من موارده لان الوكالة التجارية تشكل أساس النشاط الذي يمارسه.لذلك قام المشرع بتجاوز ما نصت عليه الفصل 931 من ظهير الالتزامات حيث نص على أن رجوع الموكل عن الوكالة وقت ما شاء قاعدة غير ملزمة ويمكن استعبادها بمقتضى الاتفاق أو العرف

إن إنهاء عقد الوكالة التجارية قد يتم بالإرادة المنفردة لأحد الطرفين إذا اقتضت الضرورة ذلك سواء من طرف الوكيل التجاري أو الموكل،لكن يجب احترام آجال الإشعار

أولا:إنهاء العقد بالإرادة المنفردة للموكل

إن إنهاء العقد من طرف الموكل بإرادته المنفردة يكون مبررا إذا ما كان مبنيا على سبب قانوني صحيح كما في حالة ارتكاب الوكيل لخطا جسيم.إلا أن الإنهاء الذي يكون لا يكون سببا يجعل الموكل عرضة للمطالبة بالتعويض من طرف الوكيل،سواء كان العقد محدد المدة أو غير محدد المدة، إذا ما انتهى اجله ولم يتم تجديده آو في حالة وفاة الوكيل أو توقفه عن أداء مهامه

ثانيا:إنهاء العقد بالإرادة المنفردة للوكيل التجاري

يمكن للوكيل التجاري أن يتنازل عن الوكالة بمحض إرادته،بشرط إخطار الموكل بذلك طبقا للمقتضيات العامة الواردة في ظهير التزامات والعقود ،ويجب كذلك على الوكيل أن يتخذ الإجراءات اللازمة للمحافظة على مصلحة هذا الأخير إلى أن يتمكن من رعايتها بنفسه

وبما أن عقد الوكالة التجارية يبرم وفق المصلحة المشتركة للأطراف فانه ليس معقولا أن تمنح للوكيل وحده إمكانية إلغاء الوكالة بالإرادة المنفردة، وعدم منحها للموكل، وهذا هو ما ذهب إليه المشرع في المادة 396 من مدونة التجارة لتدارك الموقف ، لكن هذه الإمكانية مشروطة بضرورة توجيه إنذار من الطرف الذي يريد وضع حد للعقد إلى الطرف الآخر، وعندما يقوم الوكيل بإنهاء العقد بإرادته المنفردة فانه يفقد حقه في التعويض،بل الأكثر من ذلك يصبح مسؤولا عن الضرر اللاحق بالموكل من جراء الإلغاء ما لم يكن مبررا بظروف تنسب إلى الموكل نفسه أو متعلقا بأمور صحية منصوص عليها في المادة 402 من مدونة التجارة تمنعه من متابعة نشاطه

المطلب الثاني
التعويض المستحق للوكيل التجاري في حالة إنهاء العقد

يستحق الوكيل التجاري تعويضا عن ما يلحقه من ضرر نتيجة إنهاء العقد من طرف الموكل،سواء كان العقد محدد المدة أو غير محدد المدة ويعتبر هذا مبدأ أساسيا نصت عليه مدونة التجارة ونظمته وفق قواعد تهدف إلى حماية الوكيل التجاري بالدرجة الأولى.فما هي إذن حالات استحقاق الوكيل التجاري للتعويض وحالات عدم استحقاقه؟

الفقرة الأولى
حالة عدم استحقاق الوكيل التجاري للتعويض

تختلف أسباب انتهاء عقد الوكالة التجارية حسب ما إذا كانت إرادية أو غير إرادية لكن إذا ما تم إنهاء العقد لارتكاب خطا جسيم أو لتوقف الوكيل التجاري عن مزاولة أعمال الوكالة فهل يستحق تعويضا عن إنهاء العقد؟

أولا:ارتكاب خطا جسيم

تنص مدونة التجارة في البند رقم 1 من المادة 402 من مدونة التجارة على أن الوكيل التجاري لا يستحق أي تعويض إذا ارتكب خطا جسيما يستوجب إنهاء العقد.
إلا أن الموكل هو من يتحمل عبء إثبات الخطأ الجسيم، حيث يجب عليه أن يقدم دليلا قاطعا على ما ارتكبه الوكيل التجاري، فلا يكفي إثبات الخطأ الجسيم مثلا بإثبات انخفاض مداخيل الموكل وتجدر الإشارة إلى أن تقدير مدى جسامة الخطأ تبقى خاضعة للسلطة التقديرية للمحكمة

ثم ان المشرع الغربي لم يقم بتعريف الخطأ الجسيم نظرا لصعوبة تكييفه باعتباره مفهومه نسبيا يتحدد بدرجة خطورته كفعل ايجابي او سلبي،بظروف العمل وظروف السلوك المكون للمخالفة-واكتفى بذكر بعض صوره في المادة 39 من مدونة الشغل وذلك على سبيل المثال لا الحصر

ثانيا:التوقف الناجم عن فعل الوكيل التجاري

هذا المقتضى منصوص عليه بوضوح في المادة 402 من مدونة التجارة التي تنص على ما يلي:…إذا ما كان التوقف ناجما عن فعل الوكيل التجاري ما لم يكن مبررا بظروف تنسب إلى الموكلين أو عن الاستحالة التي وجد فيها الوكيل التجاري بكيفية معقولة وحالت دون متابعة نشاطه بسبب سنه أو عاهة أو مرض…”وبالتالي فان الوكيل لا يستحق أي تعويض في هذه الحالة

ثالثا:تفويت الوكيل التجاري حقوقه والتزاماته للغير

إذا ما قام الوكيل التجاري بتفويت حقوقه والتزاماته للغير فانه لا يستحق أي تعويض طبقا للفقرة الثانية من المادة 402 من مدونة التجارة،وتكمن هذه الإمكانية في الحالة التي يتوفى فيها الوكيل التجاري وتنتقل تلك الحقوق والالتزامات لورثته وبالتالي يتخلص الموكل من التعويض كما سبق أن ذكرنا طبقا لنفس المادة أعلاه

الفقرة الثانية
استحقاق التعويض وكيفية تحديده

إذا كان الوكيل التجاري لا يستحق التعويض في الحالات السابقة فانه هناك حالات أخرى غير تلك التي تطرقنا إليها يستحق فيها الوكيل التجاري التعويض عن إنهاء العقد وهذا ما سنراه فيما يلي إضافة إلى كيفية تحديد التعويض

أولا: استحقاق التعويض قاعدة من النظام العام

إن قاعدة استحقاق الوكيل التجاري للتعويض،جاءت صريحة في المقتضيات المنظمة لعقد الوكالة التجارية،وجعلها المشرع جوهرية ويكتسيها طابع النظام العام،حيث لا يجوز الاتفاق على مخالفتها أو إدراج أي شرط في العقد يرمي إلى ذلك،غير أن الوكيل التجاري يفقد حقه في التعويض إذا لم يوجه أشعارا غالى الموكل لإخباره عن نيته في المطالبة بحقه في التعويض داخل اجل سنة من تاريخ إنهاء العقد

ثانيا: كيفية تحديد مبلغ التعويض

لم يقم المشرع بتحديد مبلغ التعويض المستحق للوكيل التجاري في حالة إنهاء العقد،وجعل ذلك خاضعا إما لاتفاق الأطراف أو لسلطة المحكمة

ويحسب التعويض على أساس العمولة المستحقة وليس على أساس العمولة المؤداة إلى الوكيل،فإذا كان الموكل قد احتفظ ببعض العمولة فانه يجب أخذها بعين الاعتبار من جديد وقت تحديد التعويض

وختاما تجدر الإشارة إلى أن المشرع من خلال تنظيمه للوكالة التجارية قام بسد فراغ تشريعي عمر لسنوات طويلة،تضررت من ورائه مصالح شريحة حيوية تشكل عماد الاقتصاد الوطني،إلا أن الثغرة لا زالت موجودة مادام هذا القانون يفتقد إلى الواقعية وهذا أمر طبيعي لأنه مستمد من القانون الفرنسي المنظم للوكلاء التجاريين ، والذي استمد اغلب أحكامه بدوره من أعراف مهنة الوكالة التجارية السائدة في فرنسا لعقود طويلة من الزمن، وبالتالي يكون المغرب رهين قانون وضع في بيئة غير بيئته الطبيعية والتي تتلاءم مع واقع التجارة والتجار