مناقشة قانونية حول إجراءات ما قبل المحاكمة الجزائية

من إلقــــــــــاء السيد بلمولود يحـــــــــــــي
وكيل الجمهورية لدى محكمة سيدي عيسى

مقدمة

إن جهاز النيابة العامة يشكل المواجهة الأولى بين الحالة الجرمية و السلطة القضائية، و تضطلع النيابة بوضعها هذا بدور أساسي إلى جانب محاربة الجريمة هو حماية حقوق الإنسان بصرف النظر عن المركز الذي يحتله في الحالة الجرمية، سواء كان الضحية أم المجرم أم الشاهد، بل إنّ دور النيابة العامة في حماية حقوق الإنسان في المرحلة ما قبل المحاكمة يتعاظم باعتبار أن عضو النيابة هو الجهة القضائية الوحيد ة التي تشرف في هذه المرحلة على الدعوى الجزائية و على طريقة معاملة الأفراد المرتبطين بها.

و لهذا تتجلى أهمية سلوك بعض المعايير الراعية لحقوق الإنسان و لاسيما حقوق الضحايا حين الكشف عن الجريمة من قبل النيابة و كذلك فرض التزام الأجهزة المساعدة للنيابة و منها الضبطية القضائية للأخذ بتلك المعايير و إلا ذهب نفع هذا بسوء ذلك.

و أن المساس بحقوق الضحايا و حقوق الإنسان بصفة عامة في فترة ما قبل المحاكمة يسيء بشكل أساسي و عميق إلى النيابة في المرتبة الأولى ثم الإساءة للجهاز القضائي ككل, فالثقة بالقضاء هو من الركائز الأساسية في المجتمع و هي تعبر على الباب الأول و هو النيابة.

1. الإجراءات الجزائية ما قبل المتابعة:
غالبا ما تبدأ الإجراءات الجزائية في الدعوى العمومية بمرحلة البحث و التحري أو مرحلة الاستدلالات التي تتولاها أصلا الضبطية القضائية تكون إجراءات التحقيق الابتدائي هذه تحت ادارة وكيل الجمهـورية و يشرف عليها النائـب العام لدى المجلس، طبقا للمادة 12 من قانون الإجراءات الجزائية. و يكلف وكيل الجمهورية ضابط الشرطة القضائية باتخاذ إجراءات البحث و التحري في القضية ما إذا رأى ذلك مناسبا.
و عندما ينتهي ضابط الشرطة القضائية من مهمته يرسل محاضر التحقيق الابتدائي إلى وكيل الجمهورية الذي له حق التصرف فيها.
و لقد سمح المشرع للضحية من جريمة بتقديم شكوى لإثارة الدعوى العمومية بمقتضاها يحدد نوعية الأفعال المرتكبة و الفصول المجرمة لها و نوعية الأضرار الناجمة عن الفعل المجرم و تحديد التعويض.و على ضوء ما تقدم سنعالج دراسة الإجراءات الجزائية ما قبل المتابعة القضائية في النقاط التالية:

– دور الضبطية القضائية في مجال التحقيق الابتدائي.
– النيابة و سلطاتها اتجاه الدعوى العمومية.
– ارتباط الدعوى المدنية بالدعوى الجزائية.

– 1.1دور الضبطية القضائية في مجال التحقيق الابتدائي
مهام الضبطية القضائية:
إن ضباط الشرطة القضائية عامة مكلفون بمباشرة إجراءات التحقيق الابتدائي بمقتضى المواد: 12. 13. 17. 63 من قانون الإجراءات الجزائية و التي يمكن حصرها فيما يلي:
– البحث و التحري عن الجرائم.
– جمع الأدلة.
– البحث عن مرتكبيها.
– تلقي الشكاوى و البلاغات و جمع الاستدلالات.
– إجراء التحقيقات الابتدائية و ضبط الجرائم المتلبس بها.
و في غالب الأحيان في هذه التحقيقات تكون بناءاً على شكوى الضحية و تصريحاته و هذا ما يجعلهم يركزون على الضحايا في مكافحة الجريمة. “أسلوب التركيز على الضحايا هو مفتاح النجاح في مكافحة الجريمة و حاسم الأهمية في مقاضاة مرتكبي الجريمة”.

واجب ضابط الشرطة القضائية اتجاه الشكوى التي ترد إليه:
و المهام المنوطة بالضبطية القضائية المشار إليها واجب قانوني و من ثمة لا يجوز الامتناع عن القيام بهذا الواجب أو التخلي عن المهمة لجهة أخرى حتى و لو كانت هذه الجهة هي بدورها مختصة بنظر الموضوع.
فإذا حصل أن تقدم شخص أو بلاغ لضابط الشرطة القضائية بخصوص جريمة وقعت عليه هو مختص قانوناً بالتحقيق فيها، فلا يجوز له الامتناع عن قبول الشكوى أو رفض التدخل أو التخلي عنها بإحالة المشتكي على جهة أخرى مختصة كوكيل الجمهورية أو الدرك الوطني مثلاً لأن ذلك يعد تخليا عن واجب قانوني الأمر الذي يعرضه للمساءلة التأديبية أمام غرفة الاتهام تطبيقاً لمقتضيات المادة: 209 من قانون الإجراءات الجزائية فضلا عن المساءلة الإدارية.
كما يعد كل تقاعس أو تهاون و عدم التدخل من ضابط الشرطة القضائية بغرض حماية الأشخاص أو الأموال عند طلبهم إهمالاً قد يشكل جريمة بمفهوم المادتين: 109 و 182 من قانون العقوبات. و كما يقول الخبراء “إن ضمانات الحماية تشجع على التعاون في الدعاوى القضائية”.

و في هذا الصدد لقد رتب القضاء الفرنسي المسؤولية الجزائية لضابط الشرطة القضائية نتيجة عدم تدخله في الوقت المناسب على إثر شكوى قدمتها امرأة ضد زوجها الذي كان يمارس عليها العنف باستمرار إلى أن فقدت إحدى عينيها نتيجة أعمال العنف، حيث اعتبر القضاء ضابط الشرطة القضائية الذي بلغ بالاعتداء المتكرر و لم يتدخل في الوقت المناسب يكون قد ارتكب جريمة التهاون و عدم تقديم المساعدة لشخص في حالة خطر المنصوص عليها في المادة: 182 من قانون العقوبات.
تصرف ضابط الشرطة القضائية في محاضر التحقيق الابتدائي:
لا يمكن بأي حال لضابط الشرطة القضائية أن يقرر من تلقاء نفسه حفظ القضية و يتعين عليه طبقاً للمادة: 18 من قانون الإجراءات الجزائية أن يحرر محضرا بأعماله و أن يبادر بغير تمهل بإخطار وكيل الجمهورية و إفادة هذا الأخير بأصول المحاضر و نسخها و التي تمّ تحريرها عن جميع الاستدلالات بعد إنجاز عمله. و يعتبر هذا بمثابة ضمان في إنصاف الضحية بتقرير حق التصرف في محاضر الاستدلال لوكيل الجمهورية.

_ 2.1النيابة و سلطاتها اتجاه الدعوى العمومية:
من المعلوم أن لكل دعوى طرفان المدعي و المدعى عليه سواء كانت هذه الدعوى مدنية أو جزائية، و أن المدعي في الدعوى المدنيـة همه الأول في دعواه مصلحـة شخصية يبغي من وراء إدعائه تحقيقها، و هو ما نعبر عنه بشرطي الصفة و المصلحة في الدعوى، إلا أن الأمر في الدعوى الجزائية يختلف، حيث أن المدعي في الدعوى العمومية هو الهيئة الاجتماعية أو المجتمع صاحب الحق في العقاب الذي تقام الدعوى العمومية من اجل تقريره و استخلاص النتائج القانونية المترتبة على ذلك، و لذلك أقام الشارع عن المجتمع ممثلاً قانونياً هو النيابة العامة.

تكييف سلطة النيابة:

– إن النقاش الدائر حول استقلال من عدم استقلال النيابة العامة عن السلطة التنفيذية غير مطروح بهذه الحدة في نظامنا القضائي الجزائي من جهة لعدم التميز بين قضاة النيابة و قضاة الحكم فيما يخص حياتهم المهنية في الحقوق و الواجبات وتمتعهم بالضمانات المكرسة في الدستور للقضاة، كما أن دستور الدولة الجزائرية لم يميز بين قضاة الحكم و قضاة النيابة.
_المركز القانوني للنيابة:
فالنيابة في نظامنا القضائي و القانوني مؤسسة قضائية صرفه بكل المواصفات و هي شعبة من شعب السلطة القضائية و هي النائبة عن المجتمع و الممثلة له في المصالح العامة و تسعى في تحقيق موجبات القانون، و تختص دون غيرها بتحريك الدعوى العمومية و مباشرتها.

_دور النيابة واختصاصاتها:

تؤدي النيابة دوراً فعالاً في الإجراءات الجزائية بما في ذلك بدء المتابعة الجزائية و الاضطلاع ضمـن ما يسمح به القانون بالتحقيق الأولي في الجرائـم و الإشراف على قانونية التحقيقـات، و تنفيذ قرارات جهات التحقيق و الحكم. – المادة: 21 من قانون الإجراءات الجزائية-
و هي ما نصت عليه المادة: 36 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري.
“يقوم وكيل الجمهورية بما يأتي:
تلقي المحاضر و الشكاوي و البلاغات و يقرر ما يتخذه بشأنها ويخطر الجهات القضائية المختصة بالتحقيق أو المحاكمة للنظر فيها، أو يأمر بحفظها بمقرر يكون قابلاً دائما للمراجعة و يعلم به الشاكي و الضحية إذا كان معروفاً في أقرب الآجال ….”
كما نصت المادة: 40- 01 من قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي.
“عندما يقرر وكيل الجمهورية أن الوقائع التي وصلت إلى علمه طبقاً لأحكام المادة: 40 من هذا القانون تشكل جريمة تم ارتكابها من طرف شخص معلوم الهوية و الموطن و غير خاضع لأي قيد قانوني من حيث تحريك الدعوى العمومية يقرر وكيل الجمهورية المختص محلياً حسب الحالة:
1. أن يباشر إجراءات المتابعة الجزائية.
2. أن يباشر إجراءات بديلة للمتابعة تطبيقاً لأحكام المواد: 41- 1و 41-2.
3. أن يحفظ أوراق القضية إذا تبين له ذلك من خلال ظروف القضية.
“قانون رقم: 85- 1407 مؤرخ في: 30-12-1985 دخل حيز التنفيذ في: 01-02-1986 المعدل و المتمم بقانون رقم: 07- 297 المؤرخ في: 05 مارس 2007”.
و إذا رخص القانون لبعض الأشخاص تحريك الدعوى العمومية كالمدعي المدني فإن صفة الإدعاء الجزائي تستأثر بها النيابة بمباشرة الدعوى العمومية بعد تحريكها، فيما يقتصر دور المدعي المدني على تمثيل الإدعاء في الدعوى المدنية. و النيابة في ممارستها لسلطة الاتهام أو الإدعاء تسلك أحد النظامين و هما: – نظام الشرعية و نظام الملاءمة.
نظام الشرعية: يحتم على النيابة تحريك الدعوى العمومية بطريق الوجوب و الإلزام حتى تصل الدعوى إلى يد القضاء (نظام إلزامية رفع الدعوى العمومية).
و من ضمانات مبدأ الشرعية: – التظلم بطريق الطعن (تظلم رئاسي+ تظلم قضائي).

– إسهام الفرد في تحريك الدعوى العمومية.

نظام الملاءمـة: و هو نظام يمنح للنيابة سلطة أكبر من تلك الممنوحة في نظام الشرعية، فتعطي للنيابة السلطة التقديرية في ملاءمة تحريك الدعوى العمومية و السير فيها أو عدم تحريكها.
و هناك من القوانين من أدرج نظام الملاءمة بأسلوبين مختلفين.
– على وجه الاستثناء: بتكريس مبدأ الشرعية كقاعدة عامة غير أنه ينص على عدد معين
من الاستثناءات.
– على وجه عام: عدم وجود الالتزام المطلق للنيابة في تحريك الدعوى العمومية.
و أساس هذا النظام هو الأخذ بنظرية البواعث.
و يمكن حصر سلطة النيابة اتجاه الدعوى العمومية في صورتين:
1)سلطة النيابة في تحريك الدعوى العمومية.
2)سلطة النيابة في الامتناع عن تحريك الدعوى العمومية

2.2.1سلطة النيابة في تحريك الدعوى العمومية:
طبقا للمادة: 29 من قانون الإجراءات الجزائية “تباشر النيابة العامة الدعوى العمومية باسم المجتمع
و تطالب بتطبيق القانون”.

القاعدة العامة: طبقاً للمادتين: 1- 29 من قانون الإجراءات الجزائية، فإن النيابة هي التي تختص دون سواها بتحريك الدعوى العمومية عن طريق تصرفها في محاضر الضبطية القضائية التي ترد إليها بتقريرها إما إحالة الدعوى مباشرة إلى المحكمة أو فتح تحقيق فيها و إما حفظ الأوراق المواد: 36 من قانون الإجراءات الجزائية، 333. 334. 59. 338 من قانون الإجراءات الجزائية.

الاستثناء: طبقاً للمادة الأولى فقرة الثانية من قانون الإجراءات الجزائية فإنه يجوز للمتضرر من الجريمة أن يحرك الدعوى العمومية بتقديم شكوى مصحوبة بإدعاء مدني أمام قاضي التحقيق المادة:72 من قانون الإجراءات الجزائيـة و حتى إقامتها مباشرة بإحالة المتهـم أمام المحكمة في بعض الحالات و بشروط محددة، المادة: مكرر337 من قانون الإجراءات الجزائية.
القيود الواردة على سلطة النيابة في تحريك الدعوى العمومية:
هناك بعض الجرائم رأي المشرع لاعتبارات معينة تقييد سلطة النيابة في تحريك الدعوى العمومية بشأنها، لتعلق تحريك الدعوى العمومية على شكوى أو إذن أو طلب.
– حال الشكوى: في جرائم الزنا: 339 من قانون العقوبات، السرقات وخيانة الأمانة بين الأقارب: 369، الإهمال العائلي: 330 من قانون العقوبات، مخالفة الجروح الخطأ: 442/ 2 من قانون العقوبات.
– حال الطلب: المواد: 161 إلى 164 من قانون العقوبات (شكوى من وزير الدفاع)
– حال الإذن: المواد: 109، 110 الدستور أو بتنازل صريح (حصانة النائب العام أو عضو مجلس الأمة).
_ و هناك حالات لا يمكن للنيابة فيها تحريك الدعوى العمومية بنص القانون:. 1ما تضمنته المادة: 06 من القانون 04- 18 المؤرخ في: 25/ 12/2004 المتعلق بالوقاية من المخدرات و المؤثرات العقلية و قمع الاستعمال و الاتجار غير المشروعين بها.
“لا تمارس الدعوى العمومية ضد الأشخاص الذين امتثلوا إلى العلاج الطبي الذي وصف لهم لإزالة التسمم و تابعوه حتى نهايته.
و لا يجوز أيضاً متابعة الأشخاص الذين استعملوا المخدرات أو المؤثرات العقلية استعمالاً غير مشروع إذا ثبت أنهم خضعوا لعلاج مزيل للتسمم أو كانوا تحت المتابعة الطبية منذ حدوث الوقائع المنسوبة إليهم
“.. 2ما تضمنته المادة: 45 من الأمر 06- 01 المؤرخ في: 27 فيفري 2006 المتضمن تنفيذ ميثاق السلم و المصالحة الوطنية، الخاصة بإجراءات تجسيد عرفان الشعب الجزائري لصناع نجدة الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية.
” لا يجوز الشروع في أي متابعة بصورة فردية أو جماعية في حق أفراد قوى الدفاع و الأمن للجمهورية، لجميع أسلاكها بسبب أعمال نفذت من أجل حماية الأشخاص و الممتلكات و نجدة الأمة و الحفاظ على مؤسسات الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية.
و يجب على الجهة القضائية المختصة التصريح بعدم قبول كل بلاغ أو شكوى”.

3.2.1 سلطة النيابة في الامتناع عن تحريك الدعوى العمومية:
و يمكن حصر هذه السلطة في صورتين:

الصورة الأولى: الأمر بحفظ الأوراق: المادة: 36 من قانون الإجراءات الجزائية والمادة: 40- 1 من قانون
الإجراءات الجزائية الفرنسي.

الصورة الثانية: إقرار إجراءات بديلة عن المتابعة الجزائية طبقاً للمادة: 40- 1 من قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي.

أ)- الصورة الأولى: الأمر بحفظ الأوراق
طبقاً للمادة: 36 من قانون الإجراءات الجزائية إذا تبين لوكيل الجمهورية من محاضر جمع الاستدلالات أنه لا محل لإقامة الدعوى العمومية فإنه يتصرف بالحفظ، أي يأمر بحفظ القضية، و هو ما ذهب إليه المشرع الفرنسي بمقتضى المادة: 40- 1 من قانون الإجراءات الجزائية.
و الأمر بالحفظ هو إجراء إداري لا قضائي، و بالتالي لا يكتسي قوة الشيء المقضى به، و لا يمنع النيابة من العدول عنه، و كذا المتضرر من الجريمة أن يحرك الدعوى العمومية بتقديم شكوى مع الادعاء المدني أمام قاضي التحقيق المختص، فضلاً عن أنه لا يجوز الطعن فيه بأي طريق، و الأمر بالحفظ وان كان المشرع لم ينص صراحة على شروطه فإنه ليس سلطة تقديرية مخولة لرجال النيابة و لكن له أسبابه.
و يمكن القول أن الأسباب التي قد تبرر الأمر بالحفظ من خلال تضمين بعض النصوص القانونية لها لا تخرج عن إحدى الصور التالية:

*استحالة المتابعة من الناحية القانونية: (الحفظ لأسباب قانونية):
و ذلك بحفظ الأوراق لتوافر سبب قانوني يحول دون تحريك الدعوى العمومية، مثال ذلك: الحفظ لانعدام الجريمة، الحفظ لانقضاء الدعوى العمومية، الحفظ لامتناع العقاب، الحفظ لامتناع المسؤولية، الحفظ لعدم إمكان تحريك الدعوى العمومية.
ملاحظة: لا يعد سبباً قانونياً عدم اختصاص النيابة محلياً، إذ يجب على عضو النيابة إحالة الملف للنيابة المختصة.

*استحالة المتابعة من الناحية الواقعية: (الحفظ لأسباب موضوعية):
ذلك إذا حالت أسباب واقعية دون تحريك الدعوى العمومية و يحدث ذلك في الحالات التالية:
– إذا كان الفاعل مجهولاً،لانعدام الدليل، لعدم صحة الوقائع.

*عدم المتابعة الجزائية لعدم الأهمية: الحفظ لعدم الأهمية.
و يكون في النظم القانونية التي تأخذ بمبدأ الملاءمة في تحريك الدعوى العمومية و تجيز المادة: 807 من التعليمات العامة للنيابات بمصر أن يصدر أمر بالحفظ بعدم الأهمية رغم ثبوت الواقعة و ثبوت أركان الجريمة، إذا اقتضت اعتبارات الصالح العام عدم تحريك الدعوى العمومية قبل المتهم لتفاهة الجريمة مثلاً.

*الحفظ لعدم الملاءمة:
هناك بعض القوانين تأخذ بفكرة الملاءمة، فالبرغم من ثبوت الواقعة و توافر أركان الجريمة يمكن للنيابة أن تقرر حفظ الأوراق لعدم ملاءمة المتابعة، و ذلك في حال ما اقتضت اعتبارات الصالح العام عدم تحريك الدعوى العمومية.
و هو أكثر أنواع الحفظ أهمية لان النيابة تتطرق فيه إلى وزن الوقائع و تقديرها لتقرر عدم التقديم إلى المحاكمة، و لو كان التطبيق المجرد للقانون يسوغ إجراؤها تبعاً لثبوت الجريمة في حق المتهم.
و لا توجد معاير يتحدد على أساسها عدم الملاءمة و الأمر في ذلك متروك لتقدير النيابة في كل حالة تبعاً لاتخاذ الوقائع صوراً لا حصر لها.

ب)- الإجراءات البديلة عن المتابعة الجزائية:
و هي الإجـراءات البديلة عن المتـابعة الجزائية بأن يتم الفصل في القضية بين الطرفين بالرضائية و وفق إجراءات مبسطة و بدون تدخل القضاء و مرافعات الذي ان بقي له دور فهو مجرد المصادقة على هذه الإجراءات البديلة، و هو ما يعني إعطـاء دور فعال للنيابة و أطـراف الخصومة و الجهات الإدارية و الوسطاء في فض النزاع بالرضائية قبل اللجوء للقضاء، و ذلك بأن يولي عضو النيابة وفقا للقانون الاعتبار الواجب لإمكان صرف النظر عن الملاحقة القضائية و وقف الدعاوي بشرط أو بدون شروط، مع الاحترام الكامل لحقوق المشتبه فيهم و الضحايا كل ذلك بغرض تخفيف الأعباء المفرطة عن كاهل المحاكم، و تجنيب الأشخاص المعنيين و صمة الاحتجاز السابق للمحاكمة و الاتهام و الإدانة دون إخلال بالنظام العام(الأمن العام والسكينة العامة والصحة والصحة العامة).
و من صور هذه الإجراءات البديلة التي أقرها القانون المقارن ما يلي:

1)الصلح الجزائي: و هو عمل إجرائي إرادي رتب عليه القانون أثراً مهماً و هو انقضاء سلطة الدولة في العقاب مقابل مبلغ من المال يدفعه المشتكى منه أو قد يكون أداء خدمة عمومية في مرفق عام، و يكون ذلك في جرائم معينة حددها القانون.
– و يكون بالتراضي بين المشتكى منه و الضحية على إنهاء الخصومة مقابل حصول الأول على مقابل مادي أو يكون دون مقابل تنازلاً منه و تصادق عليه النيابة، فيوضع حد للإجراءات الجزائية الخاصة بالمتابعة القضائية.
– و يكون بين الجاني و بين إحدى الهيئات العمومية أو الإدارية أو القضائية (النيابة) مقابل دفع الأول لخزينة الدولة اوفرض التزامات معينة عليه مقابل تنازل الهيئة الاجتماعية عن حقها في العقاب.
و هناك تسميات مختلفة للصلح الجزائي حسب اختلاف التشريعات فهناك من يسميه الصلح أو مصالحة أو تصالح.
و يمكن أن يأخذ صورا متعددة منها:
• الحالة التي يقرر القانون الجزائي فيها صراحة أن شأن التصالح أن يقضي على الدعوى العمومية، و قد سماها المشرع الجزائري بالمصالحة على غرار بعض التشريعات التي سمتها بالتصالح أو الصلح.
طبقاً للمادة: 6/ 4 من قانون الإجراءات الجزائية “يجوز أن تنقضي الدعوى العمومية بالمصالحة إذا كان القانون يجيزها صراحة”.
كما هو وارد في جرائم الإخلال بنظام الجمارك و قانون الصرف، و القانون المتضمن القواعد المطبقة على الممارسات التجارية، كل ذلك إذا قبل المشتكى منه دفع غرامة مالية أو تعويضات أثناء عرض عملية المصالحة، فهي بمثابة عقوبة إدارية حلت محل الدعوى العمومية و العقاب الجزائي ،و المصالحة في هذه الجرائم اختيارية و ليست إجبارية.

• حالة الإذعان الاختياري ذو الطبيعة الاتفاقية ، و فيها إذعان اختياري لدفع مبلغ معين يحدده القانون و ذلك تخلصا من محاكمة تنتهي بتوقيع غرامة تماثل أو تفوق ذلك المبلغ كما هو الحالة في غرامة الصلح في المخالفات طبقاَ للمواد: 381 و ما يليها من قانون الإجراءات الجزائية، حيث تنقضي الدعوى العمومية بقيام المخالف بدفع مقدار غرامة الصلح ضمن الشروط و المهل المنصوص عليها في المادة: 384 من قانون الإجراءات الجزائية.

• الحالة التي يكون تحريك الدعوى العمومية فيها غير ممكن إلا بتقديم شكوى من الضحية أو المدعي بالحق المدني، أو سحبها بعد تقديمها أو تنازلا وصفحاً في بعض الحالات ، كل ذلك يعد تصالحاً بين الضحية و الجاني على إنهاء الدعوى العمومية كما هو وارد في جرائم الزنا، و مخالفـة الجروح الخطأ، و مخالفة الضـرب و الجرح العمدي، و السب و الشتم، و الإهمال العائلي و عدم دفع النفقة، و السرقات وخيانة الأمانة التي تقع بين الأقارب، القذف، إبعاد قاصرة إذا تزوجت بخاطفها.

• الحالات التي وردت في الأمر رقم: 06- 01 المؤرخ في: 27 فيفري 2006 المتضمن تنفيذ ميثاق السلم و المصالحة الوطنية.

أين تنقضي فيها الدعوى العمومية في حق كل شخص ارتكب فعلاً أو أكثر من الأفعال المنصوص عليها بموجب الأحكام المذكورة في المادة: 02.
الأفعال المعاقب عليها بالمواد: 87 مكرر. 87 مكرر1. 87 مكرر2. 87 مكرر3. 87 مكرر4. 87 مكرر5. 87 مكرر6 /2. 87 مكرر7. 87 مكرر8. 87 مكرر9. 87 مكرر10 من قانون العقوبات.
بشرط: – سلم نفسه إلى السلطات المختصة ضمن الآجال المحددة.
المثول طوعاً أمام السلطات المختصة و يكف عن ارتكاب هذه الأفعال و يسلم ما
لديه من أسلحة و ذخائر و متفجرات و كل وسيلة أخرى، كل ذلك ضمن الآجال
المحددة. المواد: 4. 5. 6. 7 من هذا القانون.

2)الحفظ بشروط:

يرخص بإنهاء الإجراءات الجزائية، و الامتناع عن تحريك الدعوى العمومية من طرف النيابة بشروط على نحو تشبه وقف التنفيذ، و ذلك بفرض التزامات معينة على الجاني كالتزامه كتابة بدفع تعويض للضحية أو الامتناع عن القيام بأفعال معينة أو بعدم الإقامة في مكان ما أو عدم الاتصال بأشخاص معينين.
و إذا تملص المشتكى منه من هذه الالتزامات أو أخل بها، تم استئناف إجراءات المتابعة الجزائية وتحريك الدعوى العمومية ضده، و هذه الإجراءات أو الشروط تكون وفق معايير محددة بالشخص المشتكى منه و الضحية، و في بعض الجرائم تحديداً.
و توقف إجراءات تقادم الدعوى العمومية في حالة تطبيق هذه الإجراءات و قد أخذ بهذا النوع المشرع الفرنسي بموجب المادة: 41- 01 من قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي.

3)الوساطة الجزائية:

مفهومها: هو ذلك الإجراء الذي بموجبه يحاول شخص من الغير بناءاً على اتفاق الأطراف لوضع حد و نهاية لحالة الاضطراب التي أحدثتها الجريمة عن طريق حصول الضحية على تعويضٍ كافٍ عن الضرر الذي لحقه فضلاً عن إعادة تأهيل الجاني.
و أن جوهر الوساطة هو الرضائية في إتباع هذا النظـام و الموافقة على تنفيذ العقوبة بالرضا، و ذلك بناءاً على اقتراح النيابة.
و الوساطة الجزائية هي طريق وسط بين حفظ أوراق القضية و تحريك الدعوى العمومية، تمّ إقرارها بهدف إيجاد حلول لنوع معين من الجرائم (العنف لخفيف- النزاعات العائلية- السرقة البسيطة- عدم دفع النفقة) كما يجب أن تكون الوقائع موضوع الشكوى غير خطيرة.

* أصل نشأة هذه الوساطة في القانون المقارن:

ترجع الوساطة الجزائية في أصل نشأتها إلى قوانين الدول الانجلوسكسونية، و في فرنسا فقد تم إرساء معالمها بموجب القانون المؤرخ في: 04 جانفي 1993 المعدل و المتمم بالقانون المؤرخ في: 09 مارس 2004- القانون رقم: 07- 297 المؤرخ في: 05 مارس 2007.
– و قد أخذ القانون الفرنسي في الفصل 41- 1 من قانون الإجراءات الجزائية باعتماد الوساطة من طرف وكيل الجمهورية، و أكد هذا المبدأ في المادة 15- 1 و التي جاء فيها: عندما يقرر وكيل الجمهورية الالتجاء إلى الوساطة طبقاً لمقتضيات المقررة في الفصل 41- 1 يعين لهذه الغاية شخصاً معنوياً أو ذاتياً للقيام بهذه المهمة.
– كما نص عليه الفصل 216 مكرر مرتين في قانون التحقيق البلجيكي.

* من هو الوسيط:
قد يكون الوسيط شخصاً طبيعياً أو شخصية معنوية كجمعيات ضحايا الجريمة أو جمعيات وساطة، و من الممكن أن يكون عضو النيابة أو القاضي في بعض الأنظمة القانونية.
و في فرنسا فإنه يوصف بوسيط وكيل الجمهورية بعض متقاعدي سلك الدرك أو الشرطة، المادة: 41- 01 من قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي.

* مضمون الوساطة:
و يقوم بموجبها الوسيط بتقريب وجهات النظر بين أطراف الخصومة من أجل ضمان جبر الضرر الذي لحق الضحية و وضع حد لآثار الجريمة بهدف حفظ اوراق القضية، و يتصرف المندوب أو الوسيط بصفته مفوضاً من وكيل الجمهورية و يجوز له في هذا الشأن تحرير محضر يضمنه البنود المتفق عليها بين الأطراف، و يكون لهذا المحضر حجية بين أطرافه.
و في حالة عدم تنفيذ الإجراءات المتفق عليها بسبب تصرفات المشتكى منه يقوم وكيل الجمهورية باستئناف إجراءات تحريك الدعوى العمومية. – المادة: 41- 2 من قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي.

3.1ارتباط الدعوى المدنية بالدعوى الجزائية:

لما كانت الجريمة تنطوي على فعل إجرامي يخل بالنظام العام و يمس بالإطار المادي و المعنوي للمجتمع من جهة و من جهة أخرى قد ينجم عنه ضرر يمس الأشخاص في مصالحهم، و من ثمة فإن الفعل ذاته قد تنشأ عنه دعويين هما الدعوى العمومية التي تمارسها النيابة باسم المجتمع و لصالحه و تهدف إلى توقيع العقاب، و دعوى مدنية يباشرها الأشخاص بأنفسهم، و لصالحهم و تهدف إلى المطالبة بحق التعويض و إصلاح الضرر الناشئ عن الجريمة.

• من هو الضحية: هو شخص وقعت الجريمة على حق له يحميه القانون تحت طائلة المتابعة القضائية، و الأذى الذي يلحقه نتيجة ذلك قد يكون جسدي أو عاطفي أو نفسي، أو خسارة أحد أفراد العائلة.

• مفهوم الدعوى المدنية: طبقاً للمادة: 02 من قانون الإجراءات الجزائية التي تنص:
” بأن الدعوى المدنية تهدف إلى المطالبة بالتعويض عن الضرر الناجم من جناية أو جنحة أو مخالفة لكل من اصابه شخصياً ضرر مباشر نشأ عن جريمة”

و تقبل الدعوى المسؤولية المدنية عن كافة أو وجه الضرر سواء كانت مادية أو جثمانية أو أدبية ما دامت ناجمة عن الوقائع موضوع الدعوى الجزائية. – المادة: 3 /3 من قانون الإجراءات الجزائية-
– حق الاختيار في ممارسة الضحية دعواه المدنية أمام المحكمة الجزائية أو أمام المحكمة المدنية:
جاء في المواد: 3. 4. 5 من قانون الإجراءات الجزائية بخصوص القواعد العامة في الاختصاص بأنه يجوز مباشرة الدعوى المدنية مع الدعوى الجزائية في وقت واحد أمام الجهة القضائية نفسها، كما يجوز ممارسة الدعوى المدنية مستقلة عن الدعوى العمومية أمام المحكمة الجزائية أو التخلي عنها باختياره تبعاً لمبدأ الاختيار.

و القاعدة العامة في ذلك:
الأصل: في الدعوى المدنية أنها تمارس أمام المحكمة المدنية حسب قواعد قانون الإجراءات المدنية.
الاستثناء: جواز رفعها أمام القضاء الجزائي طبقاً للمادة: 3 من قانون الإجراءات الجزائية.
و حق الاختيار هنا مقرر لصالح المدعي المدني أو الضحية.

2حقوق الضحية أمام الضبطية القضائية و أمام النيابة:

إن زيادة الاهتمام الذي يتركز على حقوق الضحايا في السنوات الأخيرة ثم القيام بأبحاث كثيرة يمكن أن يساعد الممارسين القانونيين و الأخصائيين الاجتماعيين و غيرهم من المجموعات المهنية التي قد تطالب بمساعدة ضحايا الجريمة للتغلب على الآثار النفسية للأفعال غير القانونية، و لن يكون من الممكن أن نعالج بالتفصيل مختلف الاهتمامات التي تقوم أو قد تقوم لدى مختلف فئات الضحايا، و لذلك سنقتصر في معالجة مشاكل ضحايا الجريمة بعبارات عامة نسبياً بإبرازنا لأهم حقوقهم أمام الإجراءات الأولية لما قبل المتابعة الجزائية و التي يمكن إدراجها تحت عنوان كبير
أعراف ومبادئ الشريعة الإسلامية وللتوجه الذي اقره إعلان فيينا خلال شهر أفريل عام 2000 حينما قرر استحداث خطط عمل وطنية وإقليمية ودولية لدعم ضحايا الجريمة تشمل آليات الوساطة والعدالة التصالحية.