التوجهات الحديثة في الرقابة والمراجعة الداخلية

انجاز البـــاحث : نور طاهر الأقرع.
طالب باحث في مركز دكتوراة جامعة عبد المالك السعدي – كلية الحقوق – طنجة.

من المتفق عليه رقابيا أن إدارة الشركات تعتبر بمثابة وكيل عن أصحاب المصلحة فيها خاصة المساهمون، وأن الإدارة كوكيل عن هؤلاء منوط بها تصميم وتشغيل أنظمة فعالة للرقابة الداخلية لضمان إعداد قوائم مالية خالية من التحريفات الجوهرية ، وضمان الالتزام بالقوانين واللوائح الخاضعة لها الشركة، إضافة لضمان كفاءة وفعالية أنشطة وعمليات الشركة، ونظرا للمردود الايجابي للرقابة الداخلية على مصداقية القوائم والتقارير المالية ، فقد شهد مطلع هذا القرن اهتماما متزايداً من المتعاملين في الأسواق المالية وجهات الرقابة الرسمية والجمهور بما يؤكد لهم كفاءة أداء إدارة الشركات في تصميم وتشغيل وتقييم هياكل فعالة للرقابة الداخلية .

وتعتبر الرقابة الداخلية من أهم العناصر التي يعتمد عليها المراجع عند قيامه بعملية المراجعة لحسابات الشركة وهي بذلك تشكل الخطوة الأولى في إطار التدقيق لكافة العمليات المالية في المؤسسة أو الشركة وعلى ضوء ذلك يستطيع المراجع أو المدقق تحديد نتائج تدقيقه ومراجعاته, وكلما كانت نظم الرقابة المحدده جيده وذات فاعلية وكفاءة كلما كانت الإجراءات التفصيلية والمراجعات التي يقوم بها المراجع أقل أثناء عملية المراجعة, ويتم تصميم جهاز الرقابة الداخلي من قبل المنشأة نفسها لا من قبل المراجع أو المدققين ويختلف تشكيل هذا الجسم الرقابي من شركه لأخرى تبعا لإختلاف عملياتها المختلفة.

إن وجود نظام فعال وكفؤ للرقابة الداخلية في أي شركة يحقق حماية لأصحاب المصلحة في الشركة وبصفة خاصة المساهمين والمستثمرين وكافة الأطراف ذات الصلة بالشركة مثل البنوك والدائنون والعمال، ويعتبر نظام الرقابة الداخلية في أي شركة بمثابة خط الدفاع الأول الذي يحمي مصالح المساهمين بصفة خاصة وكافة الأطراف ذات الصلة بالشركة ، حيث أن نظام الرقابة الداخلية هو النظام الذي يوفر الحماية لعملية انتاج المعلومات المالية التي يمكن الاعتماد عليها في اتخاذ قرارات الاستثمار والائتمان السليمة[[1]]url:#_ftn1

ويجب أن يعكس نظام الرقابة طبيعة أوجه النشاط المختلفة في المنشأة ، فنظام الرقابة الذي يطبق بشركة معينة قد لا يصلح للتطبيق في شركة أخرى ، علاوة على ضرورة أن يكون نظام الرقابة الداخلية المطبق بالشركة بمعنى الحصول على النتائج المتوقعة بأقل تكاليف ممكنة ، وأن يكون هذا النظام واضحاً وسهلاً ومفهوما لدى القائمين بتطبيقه[[2]]url:#_ftn2

التطور في مفهوم الرقابة الداخلية

هناك العديد من التطورات التي حدثت في مفهوم الرقابة الداخلية نتيجة للعديد من الأسباب لعل أهمها التطور الكبير في حجم المشروعات الاقتصادية ، وانفصال الملكية عن الادارة و زيادة الاهتمام بالرقابة الداخلية لضمان تحقيقها الاستغلال الأمثل للموارد الاقتصادية المتاحة.
وقد اهتم مجمع المحاسبين القانونيين الأمريكيين AICPA اهتماماً كبيراً بنظم الرقابة الداخلية وإعداد التقارير عن مدى فعالياتها ، حيث أصدر عدد من النشرات والإصدارات المهنية المتعلقة بموضوع الرقابة الداخلية والتي تعكس تطور الاهتمام بهذا المجال والتي ساهمت بدور فعال في زيادة الاهتمام بنظم الرقابة الداخلية وإعداد التقارير عن فعاليتها.
وقد عرفت لجنة إجراءات المراجعة التابعة لمجمع المحاسبين القانونيين الأمريكيين AICPA الرقابة الداخلية بأنها خطة التنظيم وكل الطرق والاجراءات والأساليب التي تضعها ادارة الشركة ، والتي تهدف الى المحافظة على أصول الشركة وضمان دقة وصحة المعلومات المحاسبية وزيادة درجة الاعتماد عليها وتحقيق الكفاءة التشغيلية والتحقق من إلتزام العاملين بالسياسات الإدارية التي وضعتها الإدارة[[3]]url:#_ftn3 .
ويقوم نظام الرقابة الداخلية وفقا للتعريف السابق على مجموعة من الدعائم أو المقومات الأساسية وهي التنظيم الكفء، والإجراءات والسياسات التي تضعها المنشأة بقصد حماية أصولها أو منع اختلاسها ، وبقصد ضمان صحة المعلومات والتقارير المحاسبية وغيرها وإجراءات زيادة الكفاءة التشغيلية وتحقيق الاستغلال الامثل للموارد الاقتصادية المتاحة للشركة ، وإجراءات تشجيع العاملين على الالتزام بالسياسات الإدارية التي وضعتها إدارة الشركة وذلك على النحو التالي:

أ- هيكل تنظيمي كفء:
يعتبر وجود هيكل تنظيمي كفء في أي منشأة هو أساس عملية الرقابة ، والهيكل التنظيمي الكفء هو الهيكل الذي يتم فيه تحديد المسؤوليات والسلطات المختلفة لكافة الإدارات والأشخاص بدقة وبصورة واضحة ، وتتوقف طبيعة الهيكل التنظيمي على طبيعة المنشأة وحجمها ومدى الانتشار الجغرافي لها ، وعدد القطاعات أو الفروع ، ويجب أن يكون لكل شخص في الهيكل التنظيمي رئيسا يتابعه ويقيم أدائه باستمرار ، مع ضرورة إعداد خرائط تفصيلية لكل قسم ، مع وجود امكانية لتغيير الهيكل التنظيمي مع تغيير الظروف المحيطة أي أن يتصف هذا الهيكل بالمرونة.
ومن ناحية أخرى يجب أن يعمل الهيكل التنظيمي الكفء على إعطاء كل فرد واجبات ومسئوليات محددة تتناسب مع قدراته مع تطبيق مبدأ الفصل بين المهام المختلفة وخاصة الفصل بين حفظ السجلات ومسئولية الاحتفاظ بالأصول.

ب- وجود سياسات وإجراءات لحماية الأصول:
من المقومات الأساسية لوجود نظام كفؤ للرقابة الداخلية وجود مجموعة من السياسات والإجراءات اللازمة لحماية الأصول وضمان دقة وصحة البيانات والتقارير المحاسبية خاصة في ظل التنظيم اللامركزي ، ومجموعة من التقارير المتداولة بين تلك الأقسام ووجود تعاون بينها.

ج- وجود إجراءات للتحقق من صحة البيانات والتقارير المحاسبية :
يعتمد على البيانات والتقارير المحاسبية في إتخاذ العديد من القرارات الإدارية داخل المنشأة وبالتالي فلا بد من وجود إجراءات للتحقق من صحة ودقة تلك البيانات والتقارير المحاسبية، وتعتمد تلك الدقة على صحة تسجيل العمليات وتشغيلها من خلال الدورة المحاسبية ويتطلب ذلك تقسيم للعمل مع وجود مراجعة لكل عملية من الناحية المستندية أو من ناحية تسجيلها ، ووجود إدارة مستقلة للمراجعة الداخلية تلعب دورا كبيرا في هذا الشأن.

د- وجود إجراءات لزيادة الكفاءة وتشجيع الإلتزام بالسياسات الموضوعة:
يجب أن تكون هناك إجراءات تعمل على زيادة كفاءة أداء العمليات المختلفة داخل المنشأة، وتشجيع العاملين على الإلتزام بالسياسات الموضوعة حيث أنه قد تكون البيانات والتقارير المحاسبية صحيحة ودقيقة ولكن يوجد إسراف في استغلال الموارد المتاحة.
ومن الأساليب التي تستخدم لزيادة الفعالية والكفاءة التشغيلية في المنشأة استخدام نظام الموازنات التخطيطية ونظام التكاليف المعيارية، وتجدر الإشارة إلى أن الكفاءة تعنى تحقيق العلاقة المثلى بين عناصر المدخلات والمخرجات ، في حين أن الفعالية تعنى بتحقيق الأهداف المطلوبة ، وقد يكون الأداء كفء وفعال في نفس الوقت ، وقد يتحقق أي منهم دون الاخر[[4]]url:#_ftn4 .

المفاهيم الحديثة للمراجعة الداخلية

تعرف المراجعة الداخلية بأنها نشاط تقييمي داخل المشروع لخدمة إدارته ، ويقوم بها داخل المشروع إدارة تسمى إدارة المراجعة الداخلية ومجالها عمليات ونظم معلومات وأنشطة وأقسام المشروع ككل[[5]]url:#_ftn5 .
والمراجعة الداخلية أداة من أدوات الرقابة الداخلية ، فهي تساعد الإدارة على متابعة ومراقبة كافة عمليات وأقسام ومراكز وأنشطة المشروع ومخرجاته وتقاريره تقدم لمجلس الإدارة أو لجان المجلس مباشرة، ولأهمية المراجعة الداخلية كأداة للرقابة الداخلية فقد اتجهت إدارة الشركات خاصة تلك المقيدة بالبورصة الى تطوير هذه الأداة الرقابية وأصبح ما يعرف بالمراجعة الداخلية الحديثة ، وهي مراجعة داخلية متطورة تغطي نظم فرعية لمراجعات داخلية ، وكل هذه المجالات المتقدمة للمراجعة الداخلية الحديثة تنظم بمعرفة إدارة الشركة ولخدمتها هي فقط، وتعتبر المراجعة الداخلية وفقا لأحدث الإصدارات المهنية أداة للرقابة الداخلية الشاملة المالية والنوعية على كافة أقسام ومحتويات المشروع[[6]]url:#_ftn6 .
ووفقا للمعايير المهنية الصادرة عن معهد المراجعين الداخليين في الولايات المتحدة الأمريكية IIA الخاصة بالمراجعة الداخلية الحديثة فإن المراجعة الداخلية هي وظيفة تقييم مستقل داخل الشركة لفحص وتقييم أنشطتها وذلك كخدمة لهذه الشركة[[7]]url:#_ftn7 .

ومن خلال هذا التعريف يتضح أن وظيفة المراجعة تنشأ داخل التنظيم وهو ما يعني أن وظيفة المراجعة الداخلية هي وظيفة رسمية في المنظمات الحديثة، ووظيفة المراجعة الداخلية تقدم خدمة للشركة وهو ما يعني أن نطاق عمل المراجعة الداخلية يتم لخدمة الشركة ككل ، ولكافة العاملين والأفراد ومجلس الإدارة ولجنة المراجعة والمساهمين وللعديد من الأطراف والجهات الأخرى .

الهوامش
[[1]]url:#_ftnref1 – (Douglas R Cormichael ,the PCAOP and the social responsibility of the independent Auditior ,accounting horizons Vol 18.no 2 june 2004,pp127
[[2]]url:#_ftnref2 – شحاته السيد شحاته- دراسة تحليلية لأساليب الرقابة على الضياع في المواد في الشركات الصناعية وعلاقتها بالكفاءة الانتاجية، مع دراسة تطبيقية على بعض شركات قطاع الصناعات الغذائية ، رسالة ماجستير غير منشورة ،كلية التجارة، جامعة الاسكندرية، 1991، ص 44
[[3]]url:#_ftnref3 – عبد الفتاح محمد الصحن، محمد السيد سرايا، شحاته السيد شحاته، الرقابة والمراجعة الداخلية ، قسم المحاسبة والمراجعة، كلية التجارة ، جامعة الاسكندرية، 2006، ص16

[[4]]url:#_ftnref4 – احمد محمد نور، مراجعة الحسابات من الناحيتين النظرية والعملية، مؤسسة شباب الجامعة ،1992،ص 42
[[5]]url:#_ftnref5 – عبد الوهاب نصر علي، شحاته السيد شحاته، الرقابة والمراجعة، جامعة الإسكندرية، وحدة التعليم المفتوح،2002
[[6]]url:#_ftnref6 – عبد الفتاح محمد الصحن، محمد السيد سرايا، شحاته السيد شحاته، الرقابة والمراجعة الداخلية ، قسم المحاسبة والمراجعة، كلية التجارة ، جامعة الاسكندرية، 2006، ص262.
[[7]]url:#_ftnref7 – Moeller, Robert and with N” Brink s modern internal auditing, Willey &sons,1999, p36