الإطار المؤسساتي لسياسة إعداد التراب الوطني بالمغرب

صلاح الدين كرزابي
باحث في القانون العام

ارتبط إعداد التراب في المغرب نشأة و تطورا بالتخطيط الإقتصادي و الإجتماعي، و يعتبر هذا الإرتباط من أبرز خصائص التجربة المغربية في هذا المجال، إذ أن رصد ظهور و مراحل إعداد التراب يتم أساسا من خلال المخططات الإقتصادية و الإجتماعية.

ورغم أن إعداد التراب ظهر لأول مرة في فترة الحماية كإحدى الأفكار الأولى للمهندس المعماري ” ميشيل إيكوشار” خلال بداية الخمسينيات، فإن الإهتمامات المجالية لسلطات الحماية غلب عليها هاجس الضبط و المراقبة و توفير شروط الإستغلال الإقتصادي لخدمة الأهداف الإستعمارية[[1]]،

و بعد الإستقلال و نظرا لكون سياسة إعداد التراب الوطني سياسة شاملة تهم قطاعات حكومية مختلفة فقد ترتب عن ذلك تدخل العديد من الهيئات و القطاعات الوزارية على الصعيد المركزي و الترابي، و على هذا الأساس سنعمل على تبيان الإطار المؤسساتي لسياسة إعداد التراب الوطني بالمغرب من خلال نقطتين أساسيتين:

أولا: على المستوى المركزي
ثانيا: على المستوى الترابي
أولا: على المستوى المركزي.

يمكن التمييز بين المؤسسات المتدخلة على المستوى المركزي بين المؤسسة الملكية و المجلس الأعلى لإعداد التراب الوطني، ثم اللجنة الوطنية لإعداد التراب و أخيرا الوزارة المكلفة بإعداد التراب الوطني:

المؤسسة الملكية.

يتوفر الملك على مجموعة من الآليات القانونية للتعبير عن إرادته السياسية فإلى جانب الظهير الذي يمثل الشكل القانوني للتعبير عن الإرادة الملكية، نجد الخطب و التوجيهات الملكية التي ترسم المخططات و النطلقات الأساسية للخيارات و السياسات العمومية، فالملك محمد السادس بمجرد إعتلائه العرش تضمنت خطبه العديد من التوجيهات سواء للحكومة أو البرلمان لتدعيم خيارات الإنماء الترابي، من خلال الإعلان عن الحوار الوطني لإعداد التراب و إنشاء المجلس الأعلى لإعداد التراب الوطني و النمو المستدم.

المجلس الأعلى لإعداد التراب الوطني و النمو المستديم.

يشكل المجلس الأعلى لإعداد التراب و النمو المستديم الهيئة العليا لتحديد التوجهات الكبرى لسياسة إعداد التراب الوطني، من خلا دمج اختيارات و تدخلات القطاعات الحكومية ثم المصادقة على الوثائق العامة سواء الوطنية أو الجهوية، و يترأس هذا المجلس الملك و يضم إلى جانبه الوزراء و رؤساء المجالس الجهوية و رؤساء الغرف المهنية و باقي مدراء المؤسسات العمومية المعنية مباشرة بإعداد التراب، و تنبثق عن هذا المجلس اللجنة الوطنية لإعداد التراب و هي هيئة تخول إليها صلاحيات اتخاد القرارات بشأن تطبيق التوجهات العامة لسياسة إعداد التراب الوطني[[2]].

وعلى العموم فالمجلس الأعلى لإعداد التراب يضم 114 عضوا يمثلون كافة الهيئات المشارإليها ويجتمع مرة واحدة في السنة على الأقل باستدعاء من رئيسه، وتتولى السلطة الحكومية المكلفة بإعداد التراب مهام الأمانة العامة للمجلس حيث تعد مشروع جدول أعمال اجتماعات المجلس ومتابعة تنفيذ توصيات المجلس ووضع تقرير سنوي حول إعداد التراب يعرض على المجلس.
وتحدث لجان تابعة للمجلس تجتمع عند الحاجة بطلب من الرئيس أو رؤسائها تنظر في جميع القضايا المعروضة على المجلس وترفع بذلك نتائج أعمالها له.[[3]]

الوزارة المكلفة بإعداد التراب الوطني.

نظرا لواقع الإرتجالية و التخبط الذي تعرفه سياسة إعداد التراب الوطني بالمغرب من خلال عدم الإستقرار المؤسساتي للإدارة المكلفة بقطاع إعداد التراب و التعمير، ففي عهد الحماية خاصة سنة 1945 أنشأت سلطات الحماية مصلحة السكنى و التعمير و تم إلحاقها بالكتابة العامة للحماية، و مند الإستقلال شهد المغرب تعدد القطاعات الوزارية التي كلفت بمجال التعمير و في سنة 1998 مع حكومة التناوب سيتم إحداث وزارة إعداد التراب و البيئة و التعمير و الإسكان، و في سنة 2002 سيتم جمع قضايا إعداد التراب و الماء و البيئة في نفس الوزارة.

ثانيا: على المستوى الترابي.

يمكن إبراز المؤسسات المتدخلة في مجال سياسة إعداد التراب الوطني على المستوى الترابي من خلال النقط التالية:

الوكالات الحضرية.

تعتبر الوكالات الحضرية مؤسسات عمومية تتمتع بالإستقلال الإداري و المالي تتواجد على صعيد التجمعات الحضرية لتحقيق تنمية حضرية متجانسة بالتجمعات العمرانية، من خلال النهوض بعدة مهام أساسية تتمثل في التخطيط و التدبير العمراني، و تعد الوكالة الحضرية للدار البيضاء أول وكالة حضرية تأسست سنة 1948، و تقوم الوكالات الحضرية بالمهام المسطرة في النصوص القانونية المحدثة لها و قد حددت المادة الخامسة من قانون 10 شتنبر 1993 المهام الأساسية التي تقوم بها الوكالات الحضرية و من بينها:
القيام بالدراسات اللازمة لإعداد المخططات التوجيهية المتعلقة بالتهيئة الحضرية و تنظيم التكتلات العمرانية.
تحضير مشاريع وثائق التعمير وفق الضوابط القانونية و التنظيمية سواء مخططات التهيئة أو مخططات التنمية.
إبداء الرأي في المشاريع العمرانية المتعلقة بتقسيم و تجزئة الأراضي و إقامة المجموعات السكنية.

المفتشيات الجهوية لإعداد التراب والتعمير و الهندسة المعمارية.

تتبع و تقييم تطبيق النصوص التشريعية و التنظيمية الجاري بها العمل.
المساهمة في إنجاز و إعداد قواعد البناء ذات الطابع الجهوي.
إعداد وثائق التعمير إلى جانب باقي الشركاء عند تحديد مضامين المخططات التوجيهية للتنمية الجهوية.
جمع المعلومات اللازمة و القيام بالدراسات المراد إنجازها قصد تحديد الإستراتيجية الجهوية للتنمية.
تم إحداث المفتشيات الجهوية لإعداد التراب و التعمير و الهندسة المعمارية أول مرة سنة 1992، و قد وصل عدد هذه المفتشيات حاليا إلى 16 مفتشية موزعة على كافة التراب الوطني و تقوم المفتشيات الجهوية بمجموعة من المهام أهمها:

دور الجماعات الحضرية و القروية في إعداد التراب.

تعتبر الجماعات الحضرية و القروية من الفاعلين الأساسيين في تحقيق التنمية المحلية على المستوى الترابي، حيث منح المشرع هذه المجموعات مجموعة من الإختصاصات التي تدخل في مجال إعداد التراب الوطني و منها:

ممارسة مضامين الشرطة الإدارية في ميدان التعمير و المحافظة على الأوساط البيئية.
السهر على حفظ و تثمين الخصوصيات الهندسية المعمارية المحلية.
المشاركة في إنجاز برامج إعادة الهيكلة العمرانية.
دراسة و المصادقة على ضوابط البناء الجماعية وفق ما تقتضيه القوانين الجاري بها العمل.
السهر على احترام الضوابط المقررة في مخطط التصميم المديري للتهيئة الحضرية.

دورالجهات و العمالات والأقاليم في إعداد التراب.

نظرا للدور المحوري الذي تلعبه الجهة في مجال إعداد التراب الوطني بثقة من الدولة فالجهة تمثل الإطار الأنسب لكل إعداد و تخطيط مجالي متجانس، و ذلك باعتبارها صلة وصل بين المركزي والمحلي ومن هنا أصبحت الجهة وتحديدا مع قانون 1997[[4]]url:#_ftn4 المتعلق بالجهات، الذي قام بالتنصيص على الإختصاصات الأصيلة للمجلس الجهوي والتي تنخرط كلها في نطاق التنمية بمفهومها العام والمتجانس، وخصوصا في المواد 6 إلى 9 ومن بين هذه الإختصاصات نجد:

إعداد مخطط التنمية الإقتصادية والإجتماعية للجهة.
إعداد المخطط المديري الجهوي لإعداد التراب.
إتخاد كل التدابير والإجراءات الهادفة إلى تشجيع الإستثمار.
حماية الموارد والأوساط الطبيعية.
أما بالنسبة للعمالات و الأقاليم فتنخرط في هذا المجال في شخص العامل كممثل للحكومة على الصعيد الترابي، خاصة فيما يتعلق بمخططات التنمية سواء من خلال برامج التجهيز و الإستثمار و الحفاظ على التجمعات السكنية و حمايتها.

المراجع:
عبد الخالق علاوي، سياسة إعداد التراب الوطني في المغرب دراسة للإطار المؤسساتي و الأدوات المنهجية، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، كلية الحقوق وجدة،2005-2006.
د.خالد البهالي، محاضرات في قانون التعمير و إعداد التراب الوطني.
إعداد التراب الوطني بالمغرب، بحث للطالب محمد أيوب.
ظهير شريف رقم 1.97.84، صادر في 2 أبريل 1997 بتنفيد القانون رقم 47.96 المتعلق بتنظيم الجهات.

الهوامش
[[1]]url:#_ftnref1 – د.عبد الخالق علاوي، سياسة إعداد التراب الوطني في المغرب دراسة للإطار المؤسساتي و الأدوات المنهجية، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، كلية الحقوق وجدة،2005-2006، ص 19.
[[2]]url:#_ftnref2 – د.خالد البهالي، محاضرات في قانون التعمير و إعداد التراب الوطني.
[[3]]url:#_ftnref3 – إعداد التراب الوطني بالمغرب، بحث للطالب محمد أيوب.
[[4]]url:#_ftnref4 – ظهير شريف رقم 1.97.84، صادر في 2 أبريل 1997 بتنفيد القانون رقم 47.96 المتعلق بتنظيم الجهات.