الشــــرعية الدســــتورية فـــي ليبيا

دروس الماضي وطموح المستقبل

(ورقة قدمها المحامي والناشط الحقوقي د. جمعة عتيقة إلى مؤتمر “ليبيا من الثورة إلى الدولة”
الذي عقد بدعوة من اتحاد الثوار يومي28-29-9-2011 بمدينة مصراته)

ان ما نقصده في هذه الورقة (بالشرعية الدســـتورية) هــي تلك المبــــادئ المؤسسة للـــدولة والتي تحــويها (الدساتير- الإعلانات الدستورية- الوثائق الدستورية) والتي تعني بضمان الحقوق والحريات.. وتحدد شكل الحكم في الدولة وطريقة المشاركة السياسية … وحقوق وواجبات المواطنين وغير ذلك من القواعد التي لابد من توافرها حتى يقوم البناء الدستوري للدولة على أسس تلبي متطلبات الواقع وتواكب روح العصر… ولا بد لضرورة البناء الديمقراطي لليبيا الجديدة بعد ثورة الشعب (17-02-2011) من التأكيد والتمسك بالشرعية الدستورية والعض عليها بالنواجذ .. ذلك إن هذا المفهوم قد تعرض خلال التجربة السياسية العربية خلال الستة عقود الماضية لكثير من التشويه والتزييف على يد أنظمة دكتاتورية جاءت بها انقلابات عسكرية خلفت أثاراً مدمرة اكتوت بها بلدان عدة من بينها بلادنا طوال أربعة عقود من المصادرة والتزيف …فقد عمد العسكر وهم يلجون ميدان السياسة بأحذيتهم الغليطة وبزتهم العسكرية المقيته أن يصطنعوا لأنفسهم سنداً شرعياً في ممارسة حكمهم الفردي المطلق فوجدوا في بعض فقهاء القانون الكبار في (مصر بداية) من يفصل لهم على مقاسهم ما سموه (بالشرعية الثورية) وحاولوا جعلها بديلا للشرعية الدستورية ومن هنا بدأ مسلسل الانهيار والتداعي وتعميد حكم الفرد … عليه فان العودة الى إقرار والتأكيد على هذه الشرعية آمر بالغ الأهمية خاصة ونحن نعبر مرحلة الانتقال نحو بناء الدولة الجديدة. كما لا يفوتنا ان نشير الى ان إقرار مبدأ (الشرعية الدستورية) سوف يفضي بنا الى مبدأ آخر يكتسي أهمية بالغة.. ذلك هو توفير (الحماية الدستورية) [1] والتي تبنى على فكرة خلق توازن واتساق بين القيم الدستورية للحقوق والواجبات والحريات والحماية الدستورية للمصلحة العامة .. كل ذلك على نحو يضمن عدم المساس او التفريط في هذه القيم المشتركة .. وهنا يتوجب ع لى المشرع مستقبلا ان يضطلع بمسئولياته في تنظيم ممارسة الضمانات الدستورية من خلال خلق حالة توازن بين مختلف الحقوق والحريات والمصلحة العامة للدولة … كل ذلك تحت رقابة القضاء الدستوري.

دروس الماضـــــي:

عرفت ليبيا منذ القرن الثالث عشر قبل الميلاد (مملكة ديدي) أشكالا بدائية من التنظيم الدستوري كما عرفت( قورينا) زمن الاغريق شكل الوثيقة الدستورية التي وضعها المشرع الأفريقي (ديموناكس) [2] وفي عهد البطالمة ثم وضع دستور جديد تم العثور عليه منقوشا على لوحة رخام [3] وعرفت طرابلس ايام الرومان دستورا يشبه حسب قول (ارسطو) دستور (إسبرطه) [4] وبعد الفتح الإسلامي عرفت البلاد تطبيقاً لأحكام الشريعة الإسلامية باعتبارها الدستور السماوي الذي يحكم الحياة المدنية.. وفي عهد الأتراك خضعت البلاد في البداية لقواعد الشريعة الإسلامية حتى صدور دستور (1876) الذي ألغى مبكراً وحل محله دستور (1908) الذي عرف بإسم (المشروطية) وبموجبة تمتع الليبيون بحقوق وحماية دستورية تتعلق بالمساواة.. أمام القانون والمساواة في الحقوق وتقلد الوظائف العامة وحق التمثيل في مجلس (المبعوثان)… وفي فترة الاحتلال الايطالي عرفت ليبيا وثيقتين دستوريتين.. (دستور طرابلس 1919) و(دستور برقة) في نفس العام… حيث نصت الوثيقتان على المساواة أمام القانون بين الليبيين والايطاليين!!.. مع خضوع الليبيين في مسائل الأحوال الشخصية للشريعة الإسلامية وغير ذلك من الحقوق والضمانات التي ســـرعان ما عصف بها وصول الفاشست للسلطة في ايطاليا حيث أصدرت السلطات الفاشية مرسوماً أصبحت ليبيا بموجبه جزءا من ايطاليا ودخلت البلاد في مرحلة الإبادة والإخضاع.. وإخماد المقاومة واستمر الحال كذلك حتى حصول البلاد على استقلالها وإقرار الجمعية الوطنية الدستور الاتحادي يوم 7 أكتوبر سنة 1951.. والمفارقة اللافتة هنا أن صدور هذا الدستور قد جاء سابقا على إعلان الاستقلال الذي تلاه في 24-12-1951 … كما أن هذا الدستور لم يتم طرحه للاستفتاء الشعبي كما ان مواده جاءت في مجملها مكرسة لصيغة إقليمة جهوية لا تلبي طموحات الناس وقد تم تعديل هذا الدستور سنة 1963… والذي بموجبه تم إلغاء النظام الاتحادي (الولايات) وبعد انقلاب سبتمبر سنة 1969.. صدر الإعلان الدستوري والذي أصدره (مجلس قيادة الثورة) المكون آنذاك من (أثنى عشر عضوا) فجاء فاقداً للشرعية… رغم نصه على العمل به الى حين صدور الدستور الدائم (للجمهورية العربية الليبية) فلم يصدر هذا الدستور بل ان البلاد دخلت حاله من الفوضى التشريعية التي تقوم على تجربة اقرب إلى العبث من محاولات التأسيس.

درس في الشرعيــة الدســتورية:

بتاريخ 19 يناير 1954 ..صدر مرسوم ملكي بحل المجلس التشريعي لولاية طرابلس [5] والذي كان يرأسه الأستاذ (علي الديب) .. وكان وراء صدور المرسوم دوافع يغلب عليها الطابع الشخصي لدى والي الولاية آنذاك (الصديق المنتصر) ونص المرسوم في مادته الثانية على ان تجري الانتخابات والتعيينات للمجلس التشريعي الجديد خلال تسعين يوماً من تاريخ الحل… وحيث إن المرسوم ذكر بأن السبب الرئيسي لحل المجلس هو (ما ظهر من افتقار روح التعاون من قبل المجلس التشريعي مع المجلس التنفيذي) وحيث إن هذا المرسوم وهذا المبرر لم يرق للسيد (علي الديب) رئيس المجلس التشريعي فقد قام برفع دعوى إلى المحكمة العليا الاتحادية طعن بموجبها في صحة المرسوم والذي بناه على إن ا لمرسوم لم يحمل توقيع رئيس الوزراء مما يعد مخالفة دستورية يستوجب الحكم ببطلانه… وبتاريخ 5-4-1954.. أصدرت المحكمة العليا الاتحادية حكمها والقاضي ببطلان الأمر الملكي الصادر في 19-1-1954.. المتعلق بحل المجلس التشريعي لولاية طرابلس وما ترتب على ذلك من أثار…. وحيث إن والي طرابلس (الصديق المنتصر) كان قد شرع في التحضير لإجراء انتخابات جديدة للمجلس التشريعي فقد كانت ردة فعله عنيفة حادة وإن كانت لا تخلو من الطرافة المؤسفة … فقد نظم الوالي وأعوانه مظاهرات حشد فيها بعض العمال ورجال الشرطة بلباس مدني وصارت تهتف وتندد بالمحكمة العليا ورئيسها ومستشاريها وخاصة (علي علي منصور) رئيس دائرة القضاء الإداري .. التي نظرت الدعوى حتى وصل الأمر بالمتظاهرين إلى مهاجمة محل إقامة المستشارين حاملين يافطات ومرددين هتافات مناوئة من بينها هتاف (تسقط العدالة !!).. غير إن تداعيات الأزمة لم تقف عند هذا الحدّ.. فقد كان للحكومة ورئيسها (محمد الساقزي) موقف آخر.. حيث أصر على وجوب تنفيذ حكم المحكمة واحترام هيبة القضاء… وقد أدى ذلك إلى حدوث مواجهة بين الملك ورئيس الوزراء نجم عنها تقديم الوزارة استقالتها بتاريخ 8-4-1954.. وهكذا انتصرت الحكومة للشرعية الدستورية واحترام أحكام القضاء في وجه رغبات والي طرابلس التي جاراه الملك فيها……

درس فــــي الشفافيـــة[6]:

هذا درس آخر من التاريخ السياسي الليبي يبين كيف تنحاز المؤسسات الدستورية الى مصالح الناس وتتصدى لمحاولات الفساد والتجاوز والاعتداء على المال العام وهنا اورد وقائع سقوط حكومة السيد (عبد المجيد كعبار) بتاريخ 16-10-1960:

• أصدر الملك إدريس بيانه الشهير المؤرخ في 13-7-1960 والذي ندَد فيه بالفساد والمحسوبية المستشريين في الدولة.

• في منصف شهر أغسطس /آب 1960 ظهرت قصة (طريق فزان) لأول مرة في الصحف الليبية وتحديدا في صحيفة (المساء) مع الملابسات المتعلقة بتلك القضية ، وكيف أن المقاول المتعهد ببناء الطريق (السيد عبد الله عابد السنوسي) قد طالب الحكومة بمبلغ إضافي قدره (4) ملايين جنيه ليبي لاستكمال بناء الطرق المذكور على حين إن العطاء كان قد ارسي عليه بمبلغ (1,9) مليون جنيه ليبي فقط.

• نظرا لان رئيس الوزراء (كعبار) بدا عاجزا عن معالجة هذا الموضوع والدفاع عنه ، قام أكثر من ثلثي أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب بتقديم عريضة الى الملك تحمل توقيعاتهم تطلب منه دعوة البرلمان لعقد جلسة استثنائية.

• استجاب الملك إلى الطلب الذي تضمنته العريضة واصدر مرسوما بتاريخ 17-9-1960 .. يدعو فيه البرلمان إلى جلسة استثنائية تعقد في 3-10-1960.

• التأم البرلمان في جلسته الاستثنائية يوم 3-10-1960 ثم أجلت الجلسة إلى يوم 7-10-1960 .. بسبب غياب رئيس الوزراء الذي كان في طبرق حيث الملك إدريس ، واصدر البرلمان بياناً أوضح فيه أن الغرض من الاجتماع ليس هو التوقف عن إتمام (طريق فزان) بل البحث عن السبب الذي من اجله رفعت تكلفة بناء ذلك الطريق من (1,9) مليون إلى ستة ملايين جنيه.

• لم يتمكن رئيس الوزراء من المثول أمام البرلمان في جلسة السابع من أكتوبر / تشرين الأول ومن ثم تقرر تأجيلها إلى يوم العاشر من الشهر نفسه (عام 1960).. وفي هذه الجلسة تحول الحوار بين الحكومة ومعارضيها، عن قضية (طريق فزان) إلى قضية سحب الثقة عن الحكومة ..وجرى تأجيل الجلسة إلى يوم 19-10-1960.

• في يوم 12-10-1960 وجَه (كعبار) رسالة إلى الملك إدريس ألح فيها على احد أمرين : إما قبول استقالته وإما حل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة.. بحيث يمكن لرئيس الوزراء إن يرى رأي الناخبين في هذه القضية. واختار الملك الخيار الأول رافضا حل البرلمان.. وبعث إلى (كعبار) رسالة مؤرخة في 16-10-1960.. شكره فيها على خدماته التي قدمها إلى بلاده.

من هذه الإطلالة السريعة على التاريخ الدستوري في ليبيا يمكننا القول بان فكرة الدستور لم تكن غريبة على التربة السياسية الليبية وان كان مفهومه الصحيح لم يتجددر من خلال حراك سياسي وتجربة ديمقراطية تجعل منه مفهوما يضرب بجدوره في نسيج الحياه السياسية ليؤسس (دهنية دستورية لدى المواطنين) وذلك لاسباب لا تخفى عليكم نكتفي بالاشارة اليها سريعا ونحددها في النقاط التالية:

1. سطوة وسيادة العقلية الابوية (البطريركية)على مفاصل المجتمع ومكاوناته (الاسرة – العائلة – العشيرة – القبيلة) والتي تعتمد على الخضوع الطوعي لافراد المجتمع لولاءات القرابه والدم قبل الادعان للقواعد القانونية المجردة.

2. فقر التجربة السياسية المعاصرة وخلوها من ديناميكيات الحركة الفاعلة… وسد الفراغ الناجم عن غياب رموز العمل السياسي كنتيجة طبيعة لهذا الفقر والتصحر السياسي.

3. إلغاء الأحزاب في مرحلة مبكرة (1952) (وهي احد مثالب النظام الملكي) وتغول الفراغ السياسي والحركي باعتبار إن الأحزاب السياسية هي الحاضنة الأساسية للتربية السياسية وخلق الوعي لدى الجماهير.

4. اعتماد نظام انقلاب سبتمبر وتعمده ضرب كافة المرتكزات والمبادرات السياسية والاتجاه نحو رفع الشعارات الكبرى خالية المضمون وصرف الجماهير عن مهامها في البناء والمشاركة حتى وصل الأمر مبكرا إلى إقرار عقوبة الإعدام ضد من (يحاول.. او يفكر.. او حتى ان يحلم.. بتشكيل حزب!!).. فساد جو الخواء والعبث وارتفع صوت العواء والنعيق وتكرس حكم الفرد الذي تدرج من الانفراد بالسلطة الى الطغيان والتأله.

5. غياب ثقافة الحوار واقرار حق الاختلاف في الثقافة السائدة نظرا لانعدام ادوات واليات هذا الحوار.

6. اعتماد اساليب العمل السري والتأمري الذي تطور حسب المراحل السياسية المختلفة (من تنظيمات قومية أبان مرحلة (الحلم القومي) وصولا الى ظاهرة الاسلام السياسي بملابساته واقصائيته وذلك نتيجة للقمع وقفل دائرة الحوار حتى صار المجتمع الليبي يمثل ابشع صورة (للمجتمعات المغلقة).

7. انعدام وثائر التنمية الاقتصادية والبشرية بسبب سياسات النظام القمعي الى ان اصبحت ليبيا تحتل بإمتياز قائمة مايعرف في الاصطلاح السياسي المعاصر (بالدوله الفاشله)..

كل ذلك خلق حاله من الاستعصاء والانسداد.. وقد كان لهذه التجربة المريرة أثرها وتأثيرها على الدهنية السياسية السائدة بعد ثورة فبراير .. مما افرز كثيرا من القصور في الرؤى السياسية والقراء الصحيحة للواقع وعدم القدرة على استشراف المستقبل.. حتى صرنا جميعا نجيد التعبير عن رغباتنا ولكننا نفقد القدرة على تحقيقها… بل ولا نملك المعيارية الصحيحه التي تمكننا من تحقيق مصالحنا.

ورغم قتامة ما تقدم فإن أفقاً جديدا قد اطل مع تفجر ثورة الشعب… وانتصاره على جلاديه… مما قد يتيح لنا فرصة التطلع المشروع نحو المستقبل والذي حسب ما ارى ينبغي ان يبني فيما يخص مفهوم الشرعية الدستورية على الاسس والمبادئ التالية:

1. تجاوز فكرة التطلع الى ايجاد (دوله لديها دستور) الى طموح تحقيق (الدولة الدستورية).

2. النظر الى الاعلان الدستوري المؤقت الصادر في 3-8-2011 عن المجلس الانتقالي بكل ما يحويه من تصور على انه محاوله للعبور نحو بناء (الشرعية الدستورية) في ظل مفاهيم (العدالة الانتقالية).

3. عدم اعتماد مبدأ (التفريض التشريعي) لرئيس الجمهورية او السلطة التنفيذية وان يبقى حق التشريع منوطا بالسلطة التشريعية في ظل الرقابة القضائية.

4. تكثيف الوعي الجمعي بفكرة الدستور وصولا الى شعور المواطن بأن الدستور ليس نصوصا تصاغ ولكنه قيمة تشكل واقع ومستقبل هذا المواطن.

واذا وصلنا في هذه الورقة المتواضعة إلى مرحلة صنع ملامح طموح المستقبل في بناء الشرعية الدستورية وبعض النظر عن التفاصيل الإجرائية والتوقيتات الزمنية التي نص عليها ( الاعلان الدستوري المؤقت) والتي ربما وفرت الشكل الدستوري فانى اقتراح خطوات عملية لبناء الشرعية الدستورية يتطلب عند صياغة الدستور الدائم الاخذ بالتوجهات التالية وبصورة ملحّه:

1. الرجوع الى اصحاب المعرفة والخبره القانونية في مجال القانون والفقه الدستوري في ليبيا.

2. الاستعانة ببيوت الخبره القانونية الدولية المتخصصة في هذا المجال.

3. الاهتمام بنشر الثقافة الدستورية اثناء مرحلة الانتقال عبر وسائل الاعلام والمنابر الثقافية بغية ترسيخها وتجديرها في الوجدان الوطني.

4. ان يكون الدستور من نوع (الدساتير المرنة) وألا يحتوي نصوصا جامدة يصعب تعديلها مما يفسح المجال للمراجعة والتنقيح على ضوء الواقع العملي في التطبيق.

5. انشاء محكمة دستورية عليا (بعد اصدار الدستور) تكون منصة للعدالة تراقب دستورية القوانيين وتمنع أي خلل تشريعي او تجاوز قانوني صادر من أي جهة كانت … كما تختص بإصدار المشورة الدستورية والفتاوي الفقهية التي تحل المنازعات الدستورية الناشئة بين مؤسسات الدولة… كما تعني تراكم المعرفة وتحل الاشكاليات العالقة وتحد من تغول (السلطة التنفيذية) وتحمي حقوق المواطنيين.

6. إدراج مادة القانون الدستوري في مناهج التعليم المتوسط بغية تربية الأجيال القادمة على ثقافة قانونية تحترم قواعد الدستور وترسخ قيم المواطنه الحقه.

هذه بعض المقترحات المتواضعة التي تشكل مع غيرها طموحا للمستقبل الدستوري الصحيح.

المجلس الوطني الانتقالي والمجالس المحلية ومجلس الوزراء في ضوء الشرعية الدستورية:

حينما قامت ثورة 17 فبراير وأعلن الطاغية نيته الصريحة والمبيتة لإبادة الشعب الليبي ، وبدأت الدماء الزكية تسيل على هذه الأرض الطيبة وفي فترة عصيبة داهمه تحمل رجال أوفياء لشعبهم مسؤوليات محفوفة بالمخاطر… واثبتوا بان في ليبيا رجال ينتمون وينحازون للوطن وقت الشدة… وهو دور سوف يحفظه التاريخ لهم… إلا أن تحولات المعركة وتعاقب مراحلها وكنتيجة طبيعة لفقر التجربة السياسية.. كما اشرنا.. بدى للبعض وكأن هذه المواقع يمكن اكتسابها بما عرف في القانون (بالحيازة المكسبه للملكية ) فبدأوا يتصرفون وكأن مواقعهم قد تمت وفقا للشرعية الدستورية التي تتطلب أول ما تتطلب اختيار الشعب.. بل وشهدنا ولازلنا نشهد صراعا محموما على (احتلال) المواقع ضنا منهم ان مسار الثورة التي سقتها دماء الشهداء والمناضلين يمكن اقتناص مواقعه وفقا للمثل الشعبي الدارج (اللي سبق غز النبق)!!.. بل وصل الامر بالبعض الى اعتماد ذهنية (التصعيد) والتحشيد وإتباع وسائل (ميكافيلية) للوصول الى مراكز وهمية ربما غدت تورمات الذات ولكنها لن تسهم في وضع لبنات البناء لليبيا الجديدة.

لست هنا ممن يحاكمون النوايا او يفترضون سوء النية لدى هولاء (غير ان الطريق الى جهنم محفوف بالنوايا الحسنة) كما يقولون… وكما اتمنى من الجميع ان يراجعوا مسارهم وان يضعوا في اعتبارهم ان المرحلة الانتقالية التي نمر بها هي من اخطر وادق المراحل وسوف تلعننا الاجيال القادمة .. اذا ما استغرقتنا المعارك (الدنكشوتية) وصراع الديكه عن استشعار مسؤوليتنا وانكار داوتنا والا ننظر الى المواقع (المؤقتة) نظره (المكافأة ) بذل معيار (الكفأة) وذلك إرث ورثناه من الماضي البغيض نرجو ان ننبده ونترفع عليه وفاء للوطن ودماء الشهداء.

إتحاد الثـــوار والشــرعية الدســتورية:

لقد افرز ميدان المعركة وقاموس الاعلام مصطلحات تفتقر الى الضبط والاحكام.. فصار مصطلح الثوار يشير في الاغلب الى اولئك الرجال الابطال الذين رابطو في الجبهات وتصدوا لكتائب الطاغية وحرروا الارض وحموا العرض… ورغم ان النظام الاساسي لاتحاد الثوار (حسب اطلاعي عليه) قد شمل كل من ساهم في معركة التحرير، فأي جهد يهدف الى تحقيق النصر…. إلا أن الواقع العملي الذي افرز فكرة اتحاد الثوار حسب وجهة نظري يكمن في سببين رئيسيين:

الاول: ما أشرت اليه من صراعات ومنافسات.. والذي ولدّ شعوراً لدى أولئك الذين يبذلون دمائهم الزكية ويرابطون على الجبهات من ان تواجدهم على تغور القتال ومرابض الفداء ربما جعل البعض يفكر في ان ينوب عنهم في ممارسة العمل السياسي.

الثاني: بعض التوجهات التي إعتمدت إثارة الهواجس والمخاوف لدى هؤلاء الشباب ومحاولة إحتوائهم عن طريق الانحياز الظاهري لهم ظنا من هذا البعض ان بإمكانه بإثارة هذه الهواجس ان يجعلهم مطيّه لتحقيق مآربه الشخصية وطموحاته السياسية… غير ان ما اود ان اشير اليه هنا انني ابارك هذه الخطوة (انشاء الاتحاد) واثمنها عاليا.. غير انني ارى من واجبي التنبيه الى ان أي تفكير في خلق كيانات سياسية تتخذ من (قوة السلاح) سندها وقوتها وشرعيتها.. سوف تؤدي الى نتائج خطيره وربما اخرت مسار بناء (الشرعية الدستورية للدولة) غير انني على يقين بان الشباب الذين تسابقوا الى ساحات الجهاد وقادتهم يدركون ان معركة المواجهة والسلاح قد قاربت على نهايتها… وانهم لم يبدلوا مابدلوه ليقايضوا بدمائهم ونضالهم موقعا او منصبا او يطلبون جاها او سلطانا.. وانهم يتطلعون الى بناء دوله ديمقراطية مدنية عصرية دولة الرفاه والرخاء والحرية… وهم (اعني الشباب) هم غايتها ووسيلتها ولن يستطيع احد مهما توهم ان يقصيهم او يزيحهم من ميدان (الجهاد الاكبر) وعن ممارسة ادوارهم السياسية تحت مظلة (الشرعية الدستورية).

المراجع:

1. انظر د. احمد فتحي سرور (القانون الجنائي الدستوري)طبعه السادسه 2006 دار الشروق القاهرة ص5.
2. انظر بحث د. طه باقي في (كتاب ليبيا في التاريخ) ضمن وثائق المؤتمر الذي نظمته الجامعة الليبية كلية الآداب 16-23-مارس 1968.
3. انظر الدكتور مصطفى كمال عبدالعليم (دراسات في تاريخ ليبيا) منشورات الجامعة الليبية 1966.
4. المرجع السابق.
5. انظر محمد يوسف المقريف (ليبيا بين الماضي والحاضر .. دولة الاستقلال – ج : 2 – مركز الدراسات الليبية (اكسفورد).
6. المقريف مرجع سابق (إقتباس).