قراءة في مرحلة التحديد على ضوء القانون 14.07
عاتق الغزاوي

ماستر قانون العقار و التعمير بكلية الحقوق بالرباط-السويسي

مقدمة:

تشكل مسطرة التحفيظ العقاري[1] أهم الآليات التي من خلالها تساهم الدولة عن طريق مؤسسة الوكالة الوطنية لمحافظة العقارية و المسح العقاري و الخرائطية[2]، في حماية الملكية العقارية للمواطنين، وذلك تماشيا مع ما تم التنصيص عليه دستوريا بكون أن حق الملكية مضمون[3]. مما يفيد على أن هذا العنصر –الملكية العقارية- ذا أهمية كبرى و ذلك باعتباره ركيزة الاقتصاد الوطني ودعامة من دعامات التنمية.

وكما هو معلوم فإن الإطار القانوني العام لمسطر التحفيظ يتمثل في ظهير 12 غشت 1913[4] الذي تم تغييره و تتميمه بمقتضى قانون رقم 14.07 الصادر بتاريخ 22 نونبر 2011، هذا القانون الذي يتضمن في مضمونه مرحلة هامة من مراحل مسطرة التحفيظ، وهي التحديد.

وفي ضوء ما سبق يمكن القول بان مرحلة التحديد هي حلقة أساسية من حلقات مسطرة التحفيظ من خلالها ستتوضح المعالم و الصور الحقيقية للعقار المراد تحفيظه. و بالطبع هذا ما دفع بنا لتناول و دراسة هذا الموضوع من خلال الإجابة عن بعض الأسئلة و هي:

ما هو مفهوم مرحلة التحديد؟ و كيف نميزها عن بعض المؤسسات المشابهة؟ و ما هي أهميتها و الآثار المترتبة عنها؟
و يمكن الإجابة عن هذه الأسئلة و غيرها من خلال خطة البحث التالية:

أولا: ماهية مرحلة التحديد خلال مسطرة التحفيظ

1: مفهوم مرحلة التحديد و الأجهزة المتدخلة فيها

2: تمييز مرحلة التحديد عن بعض المؤسسات القانونية الأخرى

ثانيا: أهمية و آثار مرحلة التحديد خلال مسطرة التحفيظ

1: أهمية مرحلة التحديد على ضوء مسطرة التحفيظ

2: آثار مرحلة التحديد على ضوء مسطرة التحفيظ

أولا: ماهية مرحلة التحديد خلال مسطرة التحفيظ

ترمي مسطرة التحفيظ وفق للقانون 14-07 إلى جعل العقار خاضعا لنظام التحفيظ و مطهرا و ذا حماية و متانة اكبر مما كان عليه في السابق، ولبلوغ هذه الغاية كان من اللازم أن يمر من مرحلة التحديد؛ التي لها مفهومها الخاص لتدخل أجهزة متعددة فيها (1) الشيء الذي يجعلها ذات طابع متميزة عن بعض المؤسسات القانونية الأخرى (2).

1: مفهوم مرحلة التحديد و الأجهزة المتدخلة فيها

بالرجوع إلى ظهير التحفيظ العقاري كما تم تعديله و تتميمه نجده لم يعطي مفهوم لمرحلة أو عملية التحديد، و عرفها الفقه[5] بأنها عملية ذات طابع مزدوج،فهي تقنية بالأساس و ذلك راجع إلى أنها تعطي المقاييس اللازمة لمعرفة حدود و معالم العقار و مشتملاته قصد وضع تصميم مدقق من طرف المهندس الطبوغراف المنتدب لهذه الغاية حول الوضعية المادية للعقار، ناهيك على أنها أيضا قانونية لأنها تمكن المحافظ من التعرف على وضعية العقار من الناحية القانونية.

وتم تعريفها [6]من وجهة أهميتها بأنها تساعد على تدقيق و تثبيت حدود العقار و هي المنطلق الوحيد الذي يحدد حالة العقار ماديا و قانونيا.

إذن يمكن القول بأن عملية التحديد هي آلية قانونية من خلالها يتم تصفية العقار و عزله عن باقي العقارات المجاورة عن طريق تخطيط حدوده بوسائل تقنية عن طريق جهاز المسح الطبوغرافي المنتدب تحت إشراف المحافظ على الأملاك العقارية.

و للقيام بهذه العملية تتدخل مجموعة من الأجهزة و الأشخاص المعنية الذين تتضافر جهودهم من اجل السهر على انجازها، وذلك كالأتي:

جهاز المحافظة العقارية الذي أوكل له المشرع المغربي من خلال القانون المحدث للوكالة الوطنية للمحافظة العقارية و المسح العقاري و الخرائطية هذه المهمة[7]، و هو الأمر الذي أكده الفصل 19 من القانون 07-14[8] ؛

طالب التحفيظ، وهو الشخص الذي خول له المشرع تقديم مطلب التحفيظ في الفصل 10 من ظهير التحفيظ العقاري و الذي قد يكون حسب نفس الفصل: المالك، الشريك في الملك مع الاحتفاظ بحق الشفعة لشركائه، و ذلك عندما تتوفر فيهم الشروط اللازمة للأخذ بها، المتمتع بأحد الحقوق العينية إما حق الانتفاع، حق السطحية، الكراء الطويل الأمد، الزينة، الهواء و التعلية، و الحبس، بالإضافة إلى المتمتع بارتفاقات عقارية بعد موافقة صاحب الملك، و الكل مع مراعاة مقتضيات التحفيظ الإجباري. بالإضافة إلى الأشخاص الوارد ذكرهم في الفصلين 11 و 12 من ظهير التحفيظ العقاري[9]؛

جهاز السلطة المحلية الذي خول له المشرع مهمة حفظ الأمن خلال هذه العملية في ممارستها للشرطة الإدارية بموجب المادة 110 من القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات[10]؛

النيابة العامة ممثلة في وكيل الملك الذي أناط له المشرع المغربي مهمة تسخير القوة العمومية بناء على طلب حسب الفصل 20 م ظ ت ع ” ..ولتوفير الظروف الملائمة لإجراء عمليات التحديد، يجب على وكيل الملك تسخير القوة العمومية، عند الاقتضاء، بطلب من المحافظ على الأملاك العقارية أو من كل من له مصلحة..”.

بالإضافة إلى الأجهزة السالف ذكرها، أعلاه فانه لابد أيضا من حضور بعض الأشخاص الذين يستدعيهم المحافظ شخصيا أو بواسطة عون من المحافظة العقارية أو بالبريد المضمون أو عن طريق السلطة المحلية أو بأي وسيلة أخرى للتبليغ، وهم المجاورين المبينين في مطلب التحفيظ ثم المتدخلين و أصحاب الحقوق العينية و التحملات العقارية المصرح بهم بصف قانونية، و الحضور يكون إما شخصيا أو بواسطة نائب بوكالة خاصة[11]؛ و هذا لا يمنع المحافظ من أن يقوم باستدعاء بعض الأشخاص الآخرين ونذكر منهم، المتعرضون الذي أعلنوا أنفسهم بكيفية رسمية مصلحة الأشغال العمومية إذا كان العقار له علاقة بالطرق و المسارب، مصلحة خريطة المدينة إذا كان العقار يخص تجزئة بالمدينة قصد ربط التجزئة بالشوارع و قنوات الماء الحار و الكهرباء[12]..

2: تمييز مرحلة التحديد عن بعض المؤسسات القانونية الأخرى

إن الباحث في عملية التحديد سيجد أن هذه المؤسسة القانونية تتشابه مع بعض المؤسسات القانونية الأخرى في إطار نفس المجال، و نقصد هنا عملية المسح ثم مسطرة التحديد الإداري.

لكن قبل الخوض في الحديث عن هذا التمييز لابد من إعطاء نبذة عن بعض تقسيمات و أنواع عملية التحديد حتى يتسنى لنا التقرب أكثر من هذه العملية، إذ أن عملية التحديد في إطار مسطرة التحفيظ العادية قد تكون إما مؤقتة أو تكميلية أو نهائية.

فالتحديد المؤقت هو الذي يأتي مباشرة بعد إيداع و نشر مطلب التحفيظ[13] أي يعتبر المعاينة الأولى للعقار[14]. كماجاء عن بعض الفقه أيضا بأن التسمية الأكثر دقة من تلك التي استعملها المشرع، هي التحديد الإعدادي، نظرا لأنه قد تطرأ على التحديد بعض التعديلات من بعد ناهيك على أن تسمية ” المؤقت” قد تفيد أن هذا التحديد له مفعول وقتي و انه معرض للزوال[15]. أما التحديد التكميلي فهو الذي يأتي في إطار تعديل ما تم انجازه بمقتضى التحديد المؤقت، فهو إذن تحديد لاحق يظهر نتيجة ظهور بعض المستجدات التي لم تظهر أتناء التحديد المؤقت؛ و أخيرا نجد التحديد النهائي فهو الذي يكون لاحق لما خلفه التحديد المؤقت – و التحديد التكميلي إن وجد- ليؤسس عليه الرسم العقاري كما سيتم توضيحه لا حقا.

وفي ضوء ما سبق يمكن القول أن عملية التحديد تتميز عن المسح العقاري في كون هذه الأخيرة[16]، تكون بعد إجراء عملية التحديد و تهدف إلى التحقيق فيها عن طريق احتساب المساحة الحقيقية و انجاز تصميم صحيح و نهائي و غير قابل للتغيير.

و تتميز مرحلة التحديد في إطار مسطرة التحفيظ العادية عن مسطرة التحديد الإداري، حيث إن هذه الأخيرة تندرج ضمن المساطر الخاصة للتحفيظ التي تسهر عليها لجنة إدارية خولها القانون ذلك ولها شكليات خاصة بها تجعلها متميزة إطلاقا عن مرحلة التحديد لا يسع المجال لتناولها، وتهدف هذه المسطرة الإدارية إلى تصفية أملاك الدولة و الجماعات الترابية سواء العامة أو الخاصة أو الأملاك السلالية[17] عن باقي العقارات الأخرى لما يمكن أن تكون له وظيفة حمائية أكثر منها تقنية.

وتم تعريف التحديد الإداري-في نطاق الملك الخاص للدولة- بأنه مجموع العمليات التقنية و القانونية التي تباشرها المصالح الإدارية لأملاك الدولة، قصد ضبط الوضعية المادية و القانونية لأملاكها و تطهيرها من النزاع بصفة نهائية[18]

فمن خلال ما سبق يمكن التذكير بأن مرحلة التحديد، هي مؤسسة قانونية تهدف إلى موقعة العقار في إطار مسطرة التحفيظ، عن طريق تدخل مجموعة من الأجهزة الحكومية التي تسهر على انجازها بشكليات و مسطرة محدد في ظهير التحفيظ العقاري، مما يجعل من هذه العملية تتميز عن غيرها من من العمليات الأخرى سواء تلك المنصوص عليها في ظهير التحفيظ العقاري أو في بعض القوانين الأخرى، مما يمكن القول معه إن مرحلة التحديد ذات أهمية بمكان و تترتب عليها آثار مهمة فما هي؟

ثانيا: أهمية و آثار مرحلة التحديد خلال مسطرة التحفيظ

إن التحفيظ العقاري له الأهمية الكبيرة في تحصين الملكية العقارية و تصفية الملك العقاري بين الملاك و جعله مؤسس على رسم عقاري واحد، ولا تتأتى هذه الأهمية وهذه الغاية إلا بعد سلوك المسطرة الإدارية للتحفيظ العقاري -و القضائية حسب الأحوال- و التي تشكل فيها مرحلة التحديد أهميتها(1) باعتبارها يترتب عنها مجموعة من الآثار و لبعض الإشكالات (2).

1: أهمية مرحلة التحديد في ظل مسطرة التحفيظ

لمرحلة التحديد في إطار مسطرة التحفيظ أهمية كبيرة، وذلك لأنها تتميز بتعدد المتدخلين فيها بالإضافة إلى المجموعة من الضمانات القانونية التي منحها إياها المشرع المغربي كالمقتضيات الزجرية، ناهيك عن المسطرة التقنية و القانونية التي تمر منها المرحلة.

أما عن مسطرة التحديد فتبدأ بعد نشر مطلب التحفيظ، وذلك بتدخل من الأجهزة السالف ذكرها سابقا، إذ بعد حضور كل الأطراف المدعوة يقوم المهندس[19] المنتدب بمهمته و هي وضع علامات على الحدود البقعة الأرضية أو الأنصاب تم يقوم برسم و انجاز ما يسمى بخريطة التحديد المؤقت؛ وقبل ذلك فان المهندس المساح يقوم باستفسار طالب التحفيظ و المجاورين و المعارضين و المتدخلين و أصحاب الحقوق العينية و التحملات العقارية المصرح بهم بصفة قانونية عن كل مل يتعلق بالملك المعني. بالإضافة إلى أن طالب التحفيظ يبين حدود العقار الذي يعتزم تحفيظه و يبدي المجاورون و كل المتدخلين مالهم من ملاحظات و منازعات. ناهيك على المهمة الأخرى للمساح الطبوغرافي وهي معاينة واقع الحيازة و مدتها و حالة العقار و مباشرة كل أعمال البحث المفيدة[20] بالإضافة إلى صلاحيته في تلقي التعرضات أثناء هذه العملية. ومن اعتبرت[21] مرحلة التحديد المؤقت هامة لأنها تشكل وسيلة إشهار فعالة لما يثيره التجمع أثناءها من لفت للانتباه للناس.

وبعد ذلك تأتي مرحلة التحديد النهائي لانجاز تصميم نهائي[22] يحدد بدقة المواصفات المتعلقة بالعقار من حيث المساحة و الحدود و الأشكال الهندسية.

ووعيا من المشرع المغربي بأهمية مرحلة التحديد، فقد سن مقتضيات زجرية هامة متمثلة في الفصل 105و التعديل الأخير الذي لحق به بمقتضى القانون 14.07، حيث نص الفصل 105 على أن ” يتعرض الأشخاص الذين يقترفون هدم أو تحريف أو تحويل علامات الربط الجيوديزية أو أنصاب التحفيظ للعقوبات المقررة في الفصل 606 من القانون الجنائي فضلا عن أداء النفقات و المصاريف التي تتطلبها إعادة العلامات و الأنصاب المذكورة”[23]. و ينص الفصل 105 مكرر من ظ ت ع على أن ” دون إخلال بتطبيق المقتضيات الجنائية الأكثر صرامة، يعاقب كل من قام بعرقلة سير عمليات التحديد بالحبس لمدة تتراوح بين شهر واحد و ستة أشهر و بغرامة يتراوح قدرها بين خمسمائة و ألف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين”.

من خلال هاذين الفصلين نستنتج أن المشرع يولي عناية لمرحلة التحديد و هذا طبعا راجع إلى أهميتها في المساهمة في التدقيق الحقيقي لمساحة العقار و جعله محصن من كل ادعاء مادي حول الوضعية الحقيقية له، فهذه المقتضيات الزجرية الجديدة هي دعامة و ضمانة قانونية مهمة من اجل تيسير عملية التحديد رغم أنها تطرح إشكال سيتم الختم به في المحور الأخير من هاته الدراسة.

وفي ضوء ما تم ذكره يمكن التذكير بأن مرحلة التحديد لها أهميتها خصوصا انه يمكن اعتبارها كتقنية للإشهار في مسطرة التحفيظ لأنها أداة تنوير للجمهور وأصحاب المصلحة في إبداء ملاحظاتهم و تعرضاتهم[24] مما يترتب معه تصفية العقار من الناحية المادية كمبدأ[25].

و إذا كانت هذه هي أهم النقط حول أهمية مرحلة التحديد، فما هي أهم الآثار المترتبة عنها؟

2: آثار مرحلة التحديد على ضوء مسطرة التحفيظ

بعد تناول ما يمكن الحديث حول مرحلة التحديد، يمكن الآن الانتقال إلى التطرق لأهم الآثار المترتبة عنها، مع استحضار أهم الإشكالات التي أثيرت حولها.

فمن أهم الآثار المترتبة عن عملية التحديد حين استنفاد كل الإجراءات السابق ذكرها،هو ما نص عليه الفصل 21 من ظ ت ع المتعلق بتحرير محضر للتحديد[26] وذلك حين مرور هذه المرحلة بشكل عادي حيث حسب نفس الفصل يتم توقيع المحضر من طرف المهندس المساح الطبوغرافي المنتدب، و كل الأطراف الحاضرة و إلا فينص على أنهم على لا يستطيعون التوقيع أو امتنعوا، مع إرفاق المحضر بالتصميم المؤقت للتحديد و الوثائق المدلى بها من قبل الأطراف، و تحرر قائمة بهذه المرفقات.

أما في الحالة التي يكون فيها نزاع أو تتعذر عملية التحديد لمرتين، فانه حسب الفقرة الثانية من الفصل 23 ظ ت ع قان مطلب التحفيظ يعتبر لاغيا، و هنا يطرح إشكال مهم إذ كيف يمكن الحديث عن إلغاء مطلب التحفيظ في هذه الحالة و الحال انه كل من يعرقل عمليات التحديد يواجه بمقتضيات زجرية حسب ما تم تناوله في الفصلين 105 و 105 مكرر ، بالإضافة إلى إمكانية التدخل من قبل السلطة المحلية للمحافظة على الأمن العمومي في إطار الشرطة الإدارية كما سلف الذكر سابقا، ناهيك عن تدخل النيابة العامة أيضا من اجل تسخير القوة العمومية من اجل الأمن حسب الفصل 20 ظ ت ع ، والكل كأجهزة متدخلة للسهر على انجاز عملية التحديد؟؟و يبقى هذا الإشكال مفتوحا حتى يتم نسخ مقتضيات هذه الفقرة لكي لا تعتبر مطية من خلالها يتم التعسف في عرقلة عمليات التحفيظ كما يشاهد يوميا، ومن تم تعطيل غير مباشر لسياسية الدولة تجاه تعميم التحفيظ العقاري، وفي هذا الصدد تطرح مسألة التفعيل الجيد للقوة العمومية و لدور السلطة المحلية، مع العلم أن هناك إمكانية لتقديم التعرض للمساح الطبوغرافي ثناء التحديد.

وفي هذا الإطار أقرت محكمة النقض في إحدى قراراتها قاعدة مفادها، انه يتوجب على المحافظ على الأملاك العقارية أن يشرف على كامل عملية المسح و التحديد للبقع موضوع المسطرة وله أن يستعين بالسلطة المحلية لتسهيل مأموريته[27].

ثم هناك الحالة[28] التي لا يحضر فيها طالب التحفيظ أو من ينوب عنه في المكان و التاريخ و الوقت المعينين لانجاز التحديد، فلا يتم انجازها و يقتصر في المحضر إثبات التغيب، هذا يترتب عليه إلغاء مطلب التحفيظ في الحالة التي لا يدلي فيها المتغيب بعذر مقبول داخل اجل شهر من تاريخ توصله بالإنذار، بالإضافة إلى الحالة التي لا يقوم فيها المعني بالأمر بأي إجراء لإتمام عملية التحديد[29].

وحسب الفصل 23 ظ ت ع في فقرته الأخيرة وما قبل الأخيرة فإذا تم تنفيذ العمليات المقررة في الفصل 21، فان المحافظ على الأملاك العقارية يقوم، وفق الفصل 18 من ظهير التحفيظ[30]، بنشر إعلان يتضمن أن التعرضات على مطلب التحفيظ تقدم لدى المحافظة العقارية خلال اجل شهرين ابتداء من يوم نشره بالجريدة الرسمية، وينشر هذا الإعلان داخل اجل أقصاه أربعة أشهر الموالية للتحديد النهائي للعقار، و ينشر من جديد في حالة تحديد تكميلي لاحق ينتج عنه تمديد حدود العقار.

وفي الأخير لا بد من الإشارة إلى مسألة الطعن في عملية التحديد[31]،إذ يمكن الطعن من طرف الغير أو من طرف طالب التحفيظ نفسه في الحالة التي لا تحترم فيها الإجراءات المقررة لانجازها بحث يجوز ذلك بإلغائه أمام المحكمة الإدارية المختصة.

خاتمة:

من خلال هذه الدراسة المتواضعة لمرحلة التحديد على ضوء القانون 14.07 يمكن الخروج بالملاحظات التالية:

إن المشرع المغربي سن هذه المرحلة المهمة و ذلك وعيا منه بأهميتها في تحصين الملكية العقارية على ضوء مسطرة التحفيظ؛
مرحلة التحديد من أهم المراحل و هي حلقة مهمة ومؤثرة في سير مسطرة التحفيظ قد تصل بها في بعض الأحيان إلى حد الإلغاء؛
لابد من مراجعة الفقرة الثانية من الفصل 23 ظ ت ع، لملائمتها مع الفصلين 105و 105 مكرر.

لائحة المراجع المعتمدة:

محمد خيري، العقار قضايا التحفيظ العقاري في التشريع المغربي، مطبعة المعرف الجديدة-الرباط، الطبعة 2014؛
مأمون الكزبري، التحفيظ العقاري و الحقوق العينية الأصلية و التبعية في ضوء التشريع المغربي، الجزء الأول، طبعة 1987؛
بوشعيب الإدريسي، التطهير في نظام التحفيظ العقاري و فق القانون رقم 14,07، منشورات مجلة المنارة الدراسات القانونية و الإدارية، سلسلة البحوث الجامعية، العدد 2، 2014؛
البكاي المعزوز، عبد العالي الدقوقي، محاضرات في نظام التحفيظ العقاري، دراسة في القانون رقم 14.07 المغير و المتمم لظهير التحفيظ العقاري، 2014-2013؛
محمد محبوبي، أساسيات في الشهر أحكام الشهر العقاري و الحقوق العينية العقارية في ضوء التشريع المغربي، مطبعة المعارف الجديدة، طبعة 2017؛
احمد العطاري، المساطر الخاصة للتحفيظ العقاري، دراسة على ضوء الاجتهاد الفقهي و القضائي و الممارسة العملية، سلسلة دراسات و أبحاث 10، مجلة القضاء المدني، طبعة 2015، مطبعة المعارف الجديدة-الرباط؛
كنزة غنام، التحديد الإداري للملك الخاص للدولة، قراءات في المادة العقارية 2 على ضوء تعدد القواعد التشريعية و تنوع الأعمال القضائية، سلسلة المعارف القانونية و القضائية، منشورات مجلة الحقوق، مطبعة المعارف الجديدة- الرباط، طبعة 2017؛
دستور 2011 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.91 بتاريخ 29 يوليوز 2011 ، الجريدة الرسمية عدد 5964 ؛
الظهير الشريف الصادر في 9 رمضان 1331 الموافق ل12 أغسطس 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري كما وقع تغييره و تتميمه بالقانون رقم 14.07 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.177 في 25 من ذي الحجة 1432(22 فبراير2011)، الجريدة الرسمية عدد 5998 بتاريخ 27 ذو الحجة 1432 الموافق ل 24 فبراير 2011 الصفحة 5575؛
ظهير شريف رقم 1.02.125 صادر في فاتح ربيع الآخر 1423 (13 يونيو 2002) بتنفيذ القانون رقم 58.00 القاضي بإحداث الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية و المسح العقاري و الخرائطية؛
ظهير فاتح يوليوز المتعلق بالملك العام للدولة 1914 المنشور بالجريدة الرسمية عدد 62 بتاريخ 16 شعبان 1332 الموافق 10 يوليوز 1914؛
ظهير 22 أكتوبر 1922 المنظم للملك العام البلدي.
[1] – ونقصد هنا مسطرة التحفيظ العادية أو الخاصة المنصوص عليها في ظهير التحفيظ العقاري كما تم تعديله و تتميمه أو بعض الظهائر الأخرى.

[2] – نص الفص 9 من ظهير التحفيظ العقاري ” يعين في دائرة كل عمالة أو إقليم محافظ أو أكثر على الأملاك العقارية.

يكلف المحافظ على الأملاك العقارية بمسك السجل العقاري الخاص بالدائرة الترابية التابعة لنفوذه و القيام بالإجراءات و المساطر المقررة في شأن التحفيظ العقاري”، وهو ما نصت عليه المادة الثانية من القانون 58.00 القاضي بإحداث الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية حيث جاء فيها ” تمارس الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية و المسح العقاري و الخرائطية لحساب الدولة، الاختصاصات المخولة للسلطة العمومية بموجب النصوص التشريعية و التنظيمية الجاري بها العمل في ميدان تحفيظ الأملاك العقارية و المسح العقاري و الخرائطية و يعهد إليها لهذه الغاية بالمهام التالية:

– تحفيظ الأملاك العقارية…”.ظهير شريف رقم 1.02.125 صادر في فاتح ربيع الآخر 1423 (13 يونيو 2002) بتنفيذ القانون رقم 58.00 القاضي بإحداث الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية و المسح العقاري و الخرائطية.

[3] – نص الفصل 35 من الدستور المغربي لسنة 2011 :” يضمن القانون حق الملكية …” دستور 2011 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.91 بتاريخ 29 يوليوز 2011 ، الجريدة الرسمية عدد 5964 .

[4] – الظهير الشريف الصادر في 9 رمضان 1331 الموافق ل12 أغسطس 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري كما وقع تغييره و تتميمه بالقانون رقم 14.07 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.177 في 25 من ذي الحجة 1432(22 فبراير2011)، الجريدة الرسمية عدد 5998 بتاريخ 27 ذو الحجة 1432 الموافق ل 24 فبراير 2011 الصفحة 5575.

[5] – محمد خيري، العقار و قضايا التحفيظ العقاري في التشريع المغربي من خلال القانون الجديد رقم 14.07 المتعلق بالتحفيظ العقاري، المساطر الإدارية و القضائية، مطبعة المعارف الجديدة،الطبعة السادسة، ص 176.

[6] – محمد محبوبي، أساسيات في الشهر أحكام الشهر العقاري و الحقوق العينية العقارية في ضوء التشريع المغربي، مطبعة المعارف الجديدة، طبعة 2017، ص 76.

[7] – نصت المادة 2 من القانون 58.00 ” تمارس الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية و المسح العقاري و الخرائطية……انجاز تصاميم المسح العقاري في إطار التحفيظ العقاري…”.

[8] – نص الفصل 19 من ظهير التحفيظ العقاري المعدل و المتمم بالقانون14.07 على ما يلي:” يقوم المحافظ على الأملاك العقارية بتسيير عمليات التحديد. و ينتدب لهذه الغاية مهندسا مساحا طبوغرافيا محلفا من جهاز المسح العقاري، مقيد في جدول الهيئة الوطنية للمهندسين المساحين الطبوغرافيين.

ينجز المهندس المساح الطبوغرافي المنتدب عملية التحديد، تحت مسؤوليته، بحضور طالب التحفيظ…..”.

[9] – نص الفصل 11 على ما يلي:” يجوز للدائن الذي لم يقبض دينه عند حلول اجله، طلب التحفيظ بناء على قرار قضائي صادر لفائدته بالحجز العقاري ضد مدينه”. و ينص الفصل 12 :” يحق للنائب الشرعي أن يقدم مطلبا للتحفيظ في اسم المحجور أو القاصر حين يكون لهذا المحجور أو القاصر حقوق تسمح له بتقديم الطلب لو لم يكن محجورا أو قاصرا”.

[10] – تنص المادة 110 هذه على ما يلي:”يمارس رئيس مجلس الجماعة صلاحيات الشرطة الإدارية الجماعية باستثناء المواد التالية التي تخول بحكم هذا القانون التنظيمي إلى عامل العمالة أو الإقليم أو من ينوب عنه: – المحافظة على النظام و الأمن العمومي بتراب الجماعة؛ …”. ظهير شريف رقم 1.15.85 صادر في 20 من رمضان 1436 (7 يوليو 2015) بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات، الجريدة الرسمية عدد 6380-6 شوال 1436(23 يوليو 2015)، ص 6660.

[11] – راجع الفصل 19 من ظ ت ع.

[12] – محمد خيري، العقار و قضايا التحفيظ العقاري في التشريع المغربي من خلال القانون الجديد رقم 14.07 المتعلق بالتحفيظ العقاري، المساطر الإدارية و القضائية، المرجع السابق، ص: 184.

[13] – نص الفصل 17 ظ ت ع ” يقوم المحافظ على الأملاك العقارية داخل اجل عشرة أيام من إيداع مطلب التحفيظ بتحرير ملخص له يعمل على نشره في الجريدة الرسمية، و يبلغ مضمونه إلى العموم…”.

[14] – محمد محبوبي، أساسيات في الشهر أحكام الشهر العقاري و الحقوق العينية العقارية في ضوء التشريع المغربي، المرجع السابق،ص 76.

[15] – محمد خيري، العقار و قضايا التحفيظ العقاري في التشريع المغربي من خلال القانون الجديد رقم 14.07 المتعلق بالتحفيظ العقاري، المساطر الإدارية و القضائية، المرجع السابق، ص 181.

[16] – محمد خيري، العقار و قضايا التحفيظ العقاري في التشريع المغربي من خلال القانون الجديد رقم 14.07 المتعلق بالتحفيظ العقاري، المساطر الإدارية و القضائية، المرجع السابق، ص 183.

[17] – نأخذ كمثال لذلك تحديد الملك العام للدولة كآلية لحمايته، المنظم بمقتضى ظهير فاتح يوليوز 1914 المنشور بالجريدة الرسمية عدد 62 بتاريخ 16 شعبان 1332 الموافق 10 يوليوز 1914؛

حيث نجد أن عملية التحديد الإداري لأملاك العامة للدولة تفتتح بقرار وزاري(مرسوم حاليا) بطلب من المدير العام للأشغال العمومية الذي هو وزارة التجهيز و النقل و اللوجيستيك و الماء حاليا و ذلك بعد بحث حسب الفصل السابع من ظهير 1914 حيث يوجه الوزير المعني بالأمر طلب بالتحديد إلى الأمانة العامة للحكومة وبعد دراسته من طرف هذه الأخيرة، يتم إعداد مرسوم للوزير الأول بذلك، يحدد فيه تاريخ افتتاح عملية التحديد التي تكون بتاريخ لاحق عن تاريخ نشر المرسوم بالجريدة الرسمية، و نفس المسطرة تنطبق على تحديد الأملاك العامة البلدية حيث أحال الفصل 11 من ظهير 22 أكتوبر 1922 المنظم للملك العام البلدي، على أحكام الفصل السابع من ظهير 1914 أي الخضوع لنفس الشكليات باستثناء الجهة مقدمة الطلب التي في هاته الحالة تكون لوزير الداخلية.

للمزيد حول المساطر الخاصة، الرجوع إلى احمد العطاري، المساطر الخاصة للتحفيظ العقاري، دراسة على ضوء الاجتهاد الفقهي و القضائي و الممارسة العملية، سلسلة دراسات و أبحاث 10، مجلة القضاء المدني، طبعة 2015، مطبعة المعارف الجديدة-الرباط، الصفحات 54،55،88.
[18] – كنزة غنام، التحديد الإداري للملك الخاص للدولة، قراءات في المادة العقارية 2 على ضوء تعدد القواعد التشريعية و تنوع الأعمال القضائية، سلسلة المعارف القانونية و القضائية، منشورات مجلة الحقوق،طبعة 2017، مطبعة المعارف الجديدة- الرباط، الصفحة 218.

[19] – مأمون الكزبري، التحفيظ العقاري و الحقوق العينية الأصلية و التبعية في ضوء التشريع المغربي، الجزء الأول، بدون ذكر دار الطبع أو النشر، طبعة 1987، الصفحة 44.

[20] – راجع الفصل 22 من ظ ت ع.

[21] – البكاي المعزوز، عبد العالي الدقوقي، محاضرات في نظام التحفيظ العقاري، دراسة في القانون رقم 14.07 المغير و المتمم لظهير التحفيظ العقاري، بدون ذكر دار الطبع أو النشر، 2014-2013 ، الصفحة 63.

[22] – البكاي المعزوز، عبد العالي الدقوقي، محاضرات في نظام التحفيظ العقاري، دراسة في القانون رقم 14.07 المغير و المتمم لظهير التحفيظ العقاري، المرجع السابق، ص 65.

23- راجع الفصل 606 من مجموعة القانون الجنائي.

[24] – بوشعيب الإدريسي، التطهير في نظام التحفيظ العقاري و فق القانون رقم 14,07، منشورات مجلة المنارة الدراسات القانونية و الإدارية، سلسلة البحوث الجامعية، العدد 2، 2014، الصفحة 121.

[25] – لان هذا لا يمنع من بروز بعض الحقوق العينية بعد التحديد في شكل تعرض إما وفق الفصل 83 أو 84 من ظ ت ع.

[26] – ينص الفصل 21 من ظ ت ع على أن “يحرر المهندس المساح الطبوغرافي المنتدب محضرا للتحديد يبين فيه:

1- تاريخ ووقت العملية سواء أنجزت في مرة واحدة أو عدة مرات؛

2- الاسماء الشخصية و العائلية للحاضرين و صفاتهم و مراجع الوثائق المثبتة لهوياتهم و عناوينهم؛

3- مختلف الأحداث التي وقعت أثناء العملية و تصريحات الأطراف التي تدخلت فيها؛

4- معاينات البحث و مميزات العقار ( الربى و الوهاد و الممرات و الطرق و الغدران و مجاري المياه، وكل توابع الملك العمومي و البناءات و الآبار و البساتين و الاغراس و المزروعات، مع بيان أسماء الحائزين عند الاقتضاء، و المقابر و الأضرحة إلى غير ذلك)؛

5- وصف و موقع الأنصاب و عددها ووصف حدود العقار و الأجزاء المشمولة به؛

6- الوثائق المدلى بها من لدن الأطراف؛

7- الاتفاقات التي تمت بين الأطراف أثناء إجراء التحديد.

(…..)”.

[27] – قرار لمحكمة النقض عدد 2642 المؤرخ في 07-06-2011 ملف مدني عدد 2988،منشور بموقع الأستاذ عمر ازوكار الصفحة1، رقم القرار 1067، http://www.jurisprudencemaroc.com ، اطلع عليه على الساعة 11:50، يوم الجمعة سادس ابريل 2018.

[28] – راجع الفصل 22 ظ ت ع.

[29] – الفصل 23 ظ ت ع.

[30] – نص الفصل 18 من ظهير التحفيظ العقاري على ما يلي ” يوجه المحافظ على الأملاك العقارية نسخا من الوثائق المشار إليها في الفص 17 من هذا القانون، مقابل إشعار بالتوصل، إلى رئيس المحكمة الابتدائية و ممثل السلطة المحلية ورئيس المجلس الجماعي الذين يقع العقار المعني في دائرة نفوذهم، و ذلك قبل التاريخ المعين للتحديد بعشرين يوما.

يقوم كل واحد من هؤلاء لزوما، بتعليق الوثائق المذكورة في مقر إدارته، و يعمل على أبقاها معروضة على أنضار العموم إلى اليوم المعين للتحديد.

يقوم ممثل السلطة المحلية كذلك بإشهار ملخص المطلب و الإعلان عن تاريخ ووقت التحديد في الأسواق الواقعة في دائرة نفوذه إلى يوم التحديد”.

[31] – للمزيد بخصوص هذه النقطة راجع الأستاذ محمد خيري، العقار و قضايا التحفيظ العقاري في التشريع المغربي من خلال القانون الجديد رقم 14.07 المتعلق بالتحفيظ العقاري، المساطر الإدارية و القضائية، المرجع السابق، ص 193-194.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت