مخاصمة القضاة بين مفهومي الحق والقانون

منذ سنوات قليلة لم نكن نسمع بدعوى اسمها (مخاصمة القضاة ) واليوم هذا الكم الهائل من دعاوي المخاصمة والتي لم تقتصر على مخاصمة محاكم الموضوع بل تعدتها لتشمل مخاصمة محكمة القانون (محكمة النقض) أمام الهيئة العامة بل تعدى الامر أكثر من ذلك الى مخاصمة غرفة المخاصمة نفسها ومخاصمةالهيئة العامة ذاتها 

وهنا يتبادر الى أذهانناسؤال:
لماذا هذا العدد الوافر من دعاوي المخاصمة ؟
لكي نجيب على هذا السؤال علينا أن نبين أن المتداعين الذين يطرقون ابواب المخاصمة هم فئتان الفئةالأولى: وهي الغالبة وهؤلاء أصحاب حقوق لم يصلوا الى حقهم أمام محاكم الأساس ومحاكم القانون فلم يجدوا بدا من اللجوء الى المخاصمة راجين الوصول الى حقهم عبر هذا الطريق الصعب الشائك المحصن بالشكليات

والفئة الثانية:وهم القلة القليلة التي تطرق باب المخاصمة للمماطلة والتسويف لتعطيل صاحب الحق الذي حصل على حقه من محاكم الأساس والقانون من ممارسة هذا الحق

وما ذكرناه نابع من مقولة : (الحق ليس القانون)
فكثيرا مايخذل القانون أصحاب الحقوق فالقانون قد يحمي الحائز واضع اليد ولو لم يكن مالكا ولو كان غاصبا للعين التي هو حائزها وصاحب الحق قد يخسر دعواه لسبب شكلي وعلى شاكلة هؤلاء حشد هائل من الناس

من هذا المنطلق ظهرت دعاوي مخاصمة القضاة بهذا الحشد الهائل من الدعاوي والتي يبتغي أكثر أصحابها الحق متيمنين شطر هذا الطريق الصعب أملا بنيل مبتغاهم

فالمسألة (( ليست دعاوي المخاصمة مضغة للمحامين للنيل من نزاهة القضاة )) كما وصفته محكمة المخاصمة بأحدقرارتها المرقم (270) لعام1999 وإنما هي مطلب الكثيرين للوصول إلى حقوقهم التي فقدوها فدعوى المخاصمة ليست سهلة المنال وإنما هي دعوى صعبة جدا فلها قيود وشكليات كثيرة تقتضي ممن يسلك هذا الطريق جهدا مضنيا وأملا ضئيلا ومصروفا باهضا ومع ذلك يسير به الكثيرون أملا بالوصول الى حقهم

ولا نشك بنزاهة قضائنا فلدينا قضاة جديرون أكفاء قادرون على تحمل المسؤولية بكل معناها والقضاء بين الناس بكل تفان وعدالة واخلاص

ولكن المشكلة في قانوننا المأخوذ عن القانون الفرنسي الذي يقدم المصالح على الحقوق وهو ما يختلف عن مفاهيم بلدنا ذو الطا بع الاسلامي الذي يعتبر القانون وجد لخدمة الحق الأمر الذي يتطلب تغيير القانون بما يواكب مفاهيم بلادنا لتضمحل وتتلاشى دعاوي مخاصمة القضاة الى الأبد ويرتفع شعار (الحق هوالقانون) عاليا يلوذ تحت لوائه الجميع ليعم العدل والمساواة المجتمع بأسره

وختاما: فإنه لاينبغي إن تفهم دعوى المخاصمة بأنها تجريح بالقاضي المخاصم أو المساس بشخصه او الشك بنزاهته او عدالته او قدراته بل على العكس بل هي سمو ورفعة له وهي مطلب لكثير من الناس شعروا انهم لم يصلوا الى حقهم لدى هذه المحكمة اوتلك آملين في الوصول الى حقهم بدعوى المخاصمة فالقاضي بشر يخطأ ويصيب فان اجتهد وأخطأ فله أجر وان اجتهد وأصاب فله أجران وليس لبشر أيا كانت مكانته ومنزلته وعلمه إن يدعي الكمال والاحاطة بكل شيء لأن الكمال لله وحده ولا أحد غيره وأن: (فوق كل ذي علم عليم )والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته