الجلسة المفتوحة وحتمية المدد الدستورية
هادي عزيز علي

تتشابك الاراء وتحتدم الخلافات وتعلو الأصوات في مرحلة ما بعد تصديق المحكمة الاتحادية على نتائج الانتخابات في كل دورة انتخابية من دون الاستفادة من تجارب الماضي لكون المصالح السياسية تدعو البعض الى الاستكانة ,اللدغ من ذات الجحر لمرات عدة ، معطلين حركة الدولة بسلطاتها المختلفة ومقيدين مصالح العباد من خلال الشلل الذي يصيب المرافق العامة كافة. كل ذلك سببه عدم احترام المدد التي يحددها القانون والدستور رغم نصوصها الآمرة. وعندما نقول النصوص الآمرة فان ذلك يعني عدم جواز الاتفاق على ما يخالفها من أحكام ، وها نحن نخالفها ونمعن في المخالفة لنقع في الوضع المتردي الذي نحن فيه، ولعل الجلسة المفتوحة تعد واحدة من أمراضنا التي لم نبرأ منها بعد .

النصوص الواردة في المادتين 54 و55 من الدستور والمادة 5 من النظام الداخلي لمجلس النواب تتضمن الأحكام التالية: أولاً – دعوة رئيس الجمهورية مجلس النواب للانعقاد بمرسوم جمهوري خلال خمسة عشر يوما من تاريخ المصادقة على نتائج الانتخابات. ثانياً تعقد الجلسة برئاسة أكبر الاعضاء سناً لانتخاب رئيس المجلس ونائبيه بالاغلبية المطلقة لعدد اعضاء المجلس. ثالثاً – في حالة تعذر انتخاب رئيس المجلس ونائبيه في الجلسة الاولى تمدد تلك الجلسة، ولا يجوز أن يكون التمديد لاكثر من المدة المذكورة في صدر المادة. أي ان ذلك كله ضمن النطاق الزمني للجلسة الأولى، وهذا يعني إن انتخاب الرئيس ونائبيه يجب أن يتم وفق التوقيتات تلك حتماً، مع العلم إن التأخير وعدم احترام المدد لا يعود الى عيب في النصوص الدستورية بقدر ما هو عيب في السياسيين ونوازعهم ومصالحهم التي تدفعهم الى القفز على النصوص الدستورية.

يستخلص من ذلك أن انتخاب رئيس المجلس ونائبيه يتم في ذات الجلسة التي دعا إليها رئيس الجمهورية ، وكل ما يملكه رئيس المجلس الاكبر سنا من صلاحيات هي : أولاً – ترؤس الجلسة الأولى، وثانياً – انتخاب رئيس المجلس ونائبيه، وثالثاً – تمديد الجلسة الأولى على وفق أحكام الدستور أي تمديدها لمدة لا تزيد على الاربعة عشر يوماً حصراً في حالة تعذر انتخاب رئيس المجلس ونائبيه، ولا صلاحية له مطلقاً لغير ما ذكر في هذه الفقرة، ولا مساغ قانونياً أو دستورياً للحديث عن الجلسة المفتوحة، إذ أن ما يورده البعض عنها يندرج تحت باب اللغو لكونها فاقدة للسند الدستوري أولاً ، ولأنها معطلة للمراحل المنظمة لإدارة الدولة ثانياً.

الدعوة للجلسة المفتوحة فضلا كونها خالية من السند الدستوري فانها تعبث بالمدد الدستورية المنظمة لإدارة الدولة وتتحدى مبدأ المشروعية، إذ أن المرحلة الاولى التي رسمها الدستور هي الجلسة الاولى المبسوطة معلوماتها اعلاه، اذ بأنتخاب رئيس المجلس ونائبيه يُسرّح الرئيس الأكبر سناً من المهمة المنوطة به ويجلس في صفوف أقرانه في قاعة مجلس النواب، لكي تبدأ المرحلة الثانية المتمثلة في انتخاب رئيس الجمهورية من قبل مجلس النواب وبالاستناد الى حكم المادة 70 من الدستور بغية الوصول الى المرحلة الثالثة التي يكلف فيها رئيس الجمهورية مرشح الكتلة النيابية الأكثر عدداً بتشكيل مجلس الوزراء خلال مدة خمسة عشر يوما من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية وعلى وفق احكام المادة 76 من الدستور.

من خلال الترتيب الزمني أعلاه والمدد المطلوبة يمكن الوقوف على مدى العبث الذي تحدثه الجلسة المفتوحة والاثار السلبية المترتبة على المواطن واستحقاقاته، ونوايا مريديها المنصرفة نحو المزيد من المصالح والمكاسب والمغانم وسواها من المنافع الاخرى. اما من اين جاءت فتوى ( الجلسة المفتوحة ) وكيف استمكنت في عقول البعض، فأن التأسيس لها ووضعها موضع التداول بدأ عند بدء الجلسة الاولى لانتخابات 2010 ، التي ترأسها الاستاذ فؤاد معصوم باعتباره أكبر الاعضاء سناً والذي تعرض الى ضغوط عديدة واكثر شدة مما هي عليه الحال في الوقت الراهن وفرض عليه الأمر الواقع، بسبب طبيعة الصراع العنيف على السلطة وقسوته حينئذ وانغلاق الحلول وتعطيل كل شيء. من هناك جاءتنا (الجلسة المفتوحة) التي بموجبها استمرت الجلسة الأولى ممتدة لعدة اشهر من دون حل!

أمام هذا الوضع المأزوم فقد انبرى بعض نشطاء المجتمع المدني للتصدي لذلك القرار، وقد تشكلت الأفكار الاولى حول هذا الموضوع في منظمة الأمل العراقية، ومن هناك تم تحرير لائحة الدعوى الموجهة للمحكمة الاتحادية العليا للطلب بعدم دستورية الجلسة المفتوحة لأنها فاقدة لسندها الدستوري، وبعد عدة جلسات عقدتها المحكمة الاتحادية العليا بعد أن استمعت الى أقوال المدعين ودفوع الخصم أصدرت المحكمة حكمها المرقم 55 / اتحادية / 2010 والمؤرخ في 24 / 10 / 2010 . من قراءة لحكم المحكمة الاتحادية تلمسنا الاحكام الاتية : –
أولاً – وجدت المحكمة من نصوص الدستور إن نظام الحكم في العراق هو جمهوري نيابي ديمقراطي يرتكز على السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية وتمارس كل واحدة منها اختصاصاتها على وفق مبدأ الفصل بين السلطات .
ثانياً – إن مهام السلطات الثلاث – رغم الفصل بينها – تسير متزامنة ومتعاونة ومتكاملة من أجل تدبير شؤون الدولة وتسيير أعمالها وأمور المواطنين على وفق البرامج والخطط المرسومة لها استناداً لأحكام الدستور والقانون .
ثالثا – وجدت المحكمة إن غياب عمل إحدى السلطات يؤشر خللاً في ركيزة من ركائز الحكم الجمهوري النيابي ويبعد نظام الحكم عن النهج الديمقراطي الذي اختاره الشعب عند الاستفتاء على الدستور .
رابعا – إن الشعب عبّر عن اختياره في صعود ممثليه الى السلطة التشريعية من خلال صناديق الاقتراع في انتخابات 2010 ، ممارساً بذلك حقه الدستوري في ذلك الاختيار على أمل أن يؤدي مجلس النواب الدور المرسوم له دستورياً وفي الجلسة الاولى ويملرس المهام المناطة به.
خامسا – وجدت المحكمة إن غياب ما تقدم ذكره عن التطبيق في المدد المحددة دستورياً بسبب القرار المتخذ بجعل الجلسة الاولى لمجلس النواب جلسة ( مفتوحة ) والى زمن غير محدد ودون سند من الدستور قد شكّل خرقاً لاحكامه وصادر قصد المشرع الوارد في المادة 55 من الدستور، فقررت المحكمة إلغاء قرار الجلسة المفتوحة ودعت مجلس النواب للانعقاد واستئناف أعمال الجلسة الاولى المنصوص عليها في المادة 55 من الدستور .
والإشارة هنا تكفي حتى لمن لم يتمتع بالحلم.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت