خطابٌ أوليٌ في مسألةِ المواطنة

1

بسم الواحد الأحد الفرد الصمد والصلاة والسلام على سيدي وحبيبي محمد ، أما بعد

فقد حدثَ أن شاركتُ في المنتدى الحواري الشبابي الثاني الذي تتعهده مؤسسة رؤية الشباب للمؤتمرات بالتنظيم ، والذي كان في الثلاثين من شهر يناير للعام الحادي عشر بعد الألفين من السنة الميلادية ، وقد دار حول ” جدلية المصطلحات : المواطنة ، الحرية ، الوسطية ” ، والحقُ أن كل مصطلح من المصطلحات الثلاثة يفرزُ عدداً كبيراً من الإشكاليات التي يجب أن تؤخذ بالتحليل والتعليل والتأمل الفاحص الدقيق ؛ فكل منها يحتاج إلى عشرات الجلسات الحوارية لسبر غور المسائل إلى لبابها ، ولما تم تناول المصطلحات الثلاثة في جلسة واحدة كانت نتيجةً منطقيةً أن لا يتم تغطية جميع المسائل أو أن تغطى القشور دون لب الأمور في مسائل معينة ، إلا أن هذا ليس انتقاداً -من حيث المبدأ- للمؤسسة المنظِمة ؛ فهي مؤسسة وليدة في وسطٍ يضُنُ بالمؤسساتِ التي تُعنى بالفكر والعلم والمعرفة وتسهم في نشر “الوعي” ، بل وأن المؤسسة المذكورة تدرك حقيقة هذه النقطة إلا أنهم عللوها بأن جمعهم ثلاثة مصطلحات في جلسةٍ واحدةٍ من باب “جس النبض” ، ولما كانت هذه هي ظروف المنتدى ، فكرت في تدوين مفاهيم هذه المصطلحات وإفرازاتها –حسب رؤيتي- حتى أستطيع ربط المسائل ببعضها البعض وذكر ما لم يذكر منها مبتدأً بمصطلح المواطنة ، إلا أني أود أن أُنَبِّهً أن خطابي هذا هو مجردُ خطابٍ أولي فقط ؛ فهو يفتقر إلى الكُلية وقد يفتقر في مسائل أخرى إلى الطرح المتعمق ، ثم أن هذا أول عهدي بالكتابة في المواضيع ذات الطابع الفكري.

بقى أن أُأكد على أهمية وجود مثل هذه المؤسسات التي تُعنى بالفكر ونشر الوعي ، والوعي الذي أتحدثُ عنه في هذا المجال هو “علم الفرد بحقوقه وواجباته” ، والقول بهذا التعريف يثير عدداً من النقاط سأُعلقُ عليها تباعاً ، أولها : أني قُلت “علم” ولم أقل معرفة ، فالأول أوسع من الثاني ، فالأول إدراكٌ لذات الشيء وإثباتٌ لصفاته ، أما الثاني فهو مجرد إثبات للصفات فقط ، والقول بهذا يقود إلى أن الوعي “في أفضل حالاته” يكون علماً تاماً بجميع الحقوق والوجبات.

ثانيها : أني قلت الحقوق ومن ثم الواجبات ؛ والحقيقة أن كلا الأمران متلازمان تلازماً لا يقبل الانفصال ، ولكن إن كنا مقدمين إحداهما فالأولى أن نقدم الحقوق على الواجبات ، وعِلة الأمر أن الحقل الذي نحرث فيه الآن هو مجال العلاقة بين السلطة الحاكمة وأفراد الإقليم الذي تحكمه هذه السلطة ، فالفرد لا يحصل على الأمن والسلامة والصحة والتعليم والعمل والخدمات الأساسية العمومية التي توفرها له السلطة القائمة على سبيل الجائزة والمكافأة لأنه قام بواجباته والتزاماته ، لا فالسلطة تشكلت أصلاً لتقوم بهذه المهمة وفي سبيل تحقيقها هذا الأمر الذي يَتَغَيّا المنفعة العامة يحصل على امتيازات وتنازلات من قبل الأفراد ، فالتزامات السلطة هي

المُقدَّمَة ، والتزامات السلطة هي عينها حقوق الأفراد ، وعليه يتضح مدى هزالة القول بضرورة ذكر الواجبات والالتزامات ومن ثم الحقوق مستشهدين بأنك لا تحصل على الجنة ما لم تعمل لها –التزامات- ، فالقول بهذا وإن كان يصح في مجالات عديدة إلا أنه لا يصح في مجال العلاقة بين السلطة الحاكمة والأفراد ، إلا أنه يجب التنبيه على نقطة مهمة وهي أن القول بتقديم الحقوق على الالتزامات-إن كنا مقدمين- لا يجب أن يفهم على أنه تهوين من الواجبات بأي شكل من الأشكال ، فالعلاقة بين الحقوق الواجبات علاقة اتصال لا يقبل معه الانفصال. وآخرها : أني لم أضف مطالبة الفرد بحقوقه حتى نقول بوجود الوعي ، فالوعي في حقيقته أمر معنوي ، إلا أن المطالبة بالحقوق هو عبارة عن تجسيد لهذا الوعي.

2

المواطنة في حقيقتها عبارة عن انتساب جغرافي [1] ، فهي علاقة تتشكل بانتساب الفرد “المواطن” لإقليم معين “الوطن” محكوم من قبل سلطة سياسية معينة ، وتعود نشأة هذا المصطلح بصورة فعلية إلى الثورة الفرنسية عام 1789 م وذلك في ظل ازدهار نظرية العقد الاجتماعي التي قال بها كل من هوبز و لوك و روسو ، ومع عدم التطرق إلى الاختلافات بين الفقهاء الثلاثة في ما يتعلق بهذه النظرية ؛ فما يهمنا في هذا الصدد هو أن هناك ثمّةَ عقد يعتبر مداراً للحقوق والواجبات والتي تنصرف إلى عنصرين من عناصر تكوين الدولة الثلاثة بمفهومها
القانوني ، وبذا يمكننا القول أن العقد الاجتماعي هو الصورة الأولى للمواطنة.

خلاصة الأمر في مفهوم المواطنة أنه عبارة عن “علاقة تفرز مجموعة من الحقوق والواجبات المتبادلة المتشابكة ، وتحقيق هذه الحقوق والواجبات سيثمر شعور بالانتماء” لدى المواطن يدفعه إلى العمل من أجل مصلحة الوطن فقط بشتى الوسائل وبغض النظر عن موقعه ، وبذا نصل إلى مفهوم المواطنة الإيجابية.

3

وبالتركيز على طبيعة هذه الحقوق والواجبات من كونها متبادلة ، فمن البَدَهِي القول أن السلطة يجب أن تقوم بواجبات معينة وهذه الواجبات تعد حقوقاً للأفراد ، كتوفير الأمن والسلامة والصحة والتعليم والعمل والخدمات الأساسية العمومية… ، وقيام السلطة بهذه الواجبات لا يعد تفضلاً أو منّاً أو تكرّاماً منها وإنما واجباً عليها فهي خادمة للأفراد ، وينبني على هذه الفكرة أن الفرد غير ملزم بشكر السلطة على تَعهُدِها بواجباتها والقيام بها فلا شكر على الواجب ، إلا أنه ما من مانع يمنع من أبداء هذا الشكر من باب التشجيع فقط لا غير وهذا من باب ذكر الأصل في الأمور إلا أني أرى وخصوصا في ظل دولة الفرد الواحد -كالدول الآخذة بالنظام الملكي على سبيل المثال- أن من الخير للمواطن الصالح أن يضيق كثيرا وكثيرا جدا من مسائل الشكر وكل ما قد يدخل تحتها من إبداءٍ للولاء والمحبة فمثل هذه الأمور كثيرا ما تخلُق حتى ممن لا يحمل الاستبداد في طبيعته مستبداً ؛ فهي تغريه بذلك لأنها الشيطان الذي يغوي صاحب السلطة ليخلُق منه مستبدا في كثير من الأحيان ، وإذا كان الحال كذلك مع من لا يحمل في طبيعته سمة الاستبداد حينها لك أن تتصور أيها القارئ فيما لو كان صاحب السلطة مستبداً بطبعه ، ثم إن شعباً ديدنُه التهليل والتكبير باسم ولي الأمر لهو حقيقٌ بأن يُذل ويستعبد ويهان.

ولكن وبالنظر إلى الجانب الآخر فإن الفرد من واجبه أن يُقَوِّم السُلطَةَ وينتقدها حتى تستقيم ؛ فحيد السلطة عن الواجبات المنوطه بها فيه إخلال خطير بالواجبات ذاتها وإجحاف بالحقوق المشروعة للفرد ، بل إنه لا خير في الفرد الذي لا يبادر بتقويم ما اعوج من السلطة على رأي سيدنا الفاروق عمر بن الخطاب ، وقد تُدرج هذه المبادرة تحت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الواجب على المؤمنين والمؤمنات (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ) [2] ، وكذلك ضمن الشهادة التي لا يجب على المؤمن كتمانها وهي شهادة واسعة لا تقتصر على الشهادة في معرض التقاضي (وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) [3].

وضمن فكرة التبادل في الحقوق والواجبات يأتي دور الفرد في تحقيق واجباته المتمثله في احترام النظام العام والحفاظ على الممتلكات العمومية والدفاع عن الوطن والتكافل والوحدة مع المواطنين والمساهمة في بناء و ازدهار الوطن…، و وجوبية هذه الالتزامات تتمثل في أهميتها لإعانة السلطة القائمة على القيام بالتزاماتها ، فتخلف التزام الفرد عن القيام بواجباته لا بد أنه سينعكس سلباً على أداء السلطة ، إلا أن واقع الأمر يشير إلى أن تعهد الفرد بالقيام بواجباته لا يثير إشكالية كبيرة مقارنةً بالتزام السلطة بالقيام بواجباتها وذلك يعود من ناحية إلى أن الواقع العملي أوضح لنا أن الإخلال يقع غالباً من جانب السلطة ، ومن ناحية أخرى بسبب طبيعة التابع والمتبوع والقائد والمقود في علاقة السلطة بالشعب وأن صلاح السلطة غالباً ما تنعكس على صلاح الرعية والأفراد بل وحتى توجهات السلطة العادية أيضا غالباً ما تنعكس على توجهات الأفراد كما بينت لنا دروس التأريخ [4] ، وللعرب في ذلك أمثالٌ وأقوال كقولهم : “الإمام سوق ، فما نفق عنده جلب إليه” ، وقولهم : “إذا صلحت العين صلحت سواقيها” ، وقول سيدنا الفاروق : ” إن الناس لم يزالوا مستقيمين ما استقامت لهم أئمتهم وهداتهم” ، وقول سيدنا
علي -كرم الله وجهه- لسيدنا عمر : “إنك عففت فعفت رعيتك ، ولو رتعت لرتعت”.

4

إن فكرة كون الحقوق والواجبات بين السلطة والأفراد متشابكة تعني أن هذه الحقوق والواجبات تتبدى في شكل حلقات مرتبطة مع بعضها البعض وعليه فإن تلف أياً منها يستتبع معه تلف حلقاتٍ أُخر وقد يستتبع معه تلف السلسلة بأكملها! ، والحقيقة التي يجب أن نُثبِتها هنا هي أنه لا يمكن دراسة مسألة المواطنة بعيداً عن إشراك السلطة في استظهار مفهوم هذا المصطلح ؛ فالمواطنة في أفضل حالاتها تفترض وجود سلطة أمينة تمثلني كفرد حقيقةً ، ومن الواضح أني لم أقل سلطة أمينة شرعية منتخبة فمعظم سلطات وطننا العربي تفتقر إلى مثل هذا الشيء ، ولذا يكفي على الأقل أن تكون السلطة أمينة تحفظ الفرد بما تحفظ به نفسها فعن ابن عباس عن الحبيب محمد r : “ما من أمتي أحد ولى من أمر الناس شيئاً لم يحفظهم بما يحفظ به نفسه إلا لم يجد رائحة الجنة” [5] ، فوجود سلطة كهذه كفيل بزرع الثقة في نفوس الأفراد حيال أدائها لواجباتها ، ويغرس اعتقاد قوي في نفوس الأفراد مفاده أن كل ما تبقى هو أن يقوم هو بدوره وواجباته لخدمة وطنه وبذل النفيس في سبيل إعزاز وطنه وأمته ، وهذا هو عين “الانتماء الخلّاق” ، وهكذا يُدَرَّسُ ويُرَبَّى الفرد على المواطنة ، فالفرد لا يتأصل فيه شعور المواطنة من صفحات كتاب دُرِسَ إياه في صفوف الدراسة ، فمناهج تربية المواطنة التي تدرس في أوطاننا يجب أن يُتَوقّف معها وقفةً طويلة ، وذلك لسبب جوهري وهو أننا عندما نتحدث عن مسألة “التربية” لا بد أن نتذكر أن التربية هي إخضاع العاطفة لما كان قد قرره العقل ، فمدار التربية هو العاطفة والوجدان لا العقل والتفكير ، وإخضاع العاطفة لما كان قد قرره العقل ليس من السهولة بمكان ، فما أكثر الأفكار النظرية المستقرة بل والمتأصلة في عقول كثيرٍ منا إلا أنها لم تجد طريقها إلى عواطفنا ومن ثم إلى سلوكنا حتى اللحظة ، فهل من المتوقع أن تتحقق المواطنة بأسمى صورها لدى أفراد وطنٍ تتحكم به سلطة فاسدة حتى لو دُرِّسَ ذلك الفرد ألف ألف كتاب في المواطنة؟! ؛ فلو كنا بصدد سلطة فاسدة ، لا عدل معها في توزيع الثروات على المواطنين ولا تعرف المساواة بين مواطنيها بل إنها تمنُ عليهم بالخدمات العامة الرديئة ولا حرية معها في أبداء الرأي وعوضاً عن ذلك تقوم بكبت مواطنيها وتعيشهم في مستنقعات الفقر والبطالة ، حينها وفي ظل هذه الظروف سيكون هناك ألف علامة استفهام على مسألة المواطنة بمعناها الفعلي ،

وهنا أود أن أتساءل عن مدى وقع خطاب لأحد رؤساء دولنا العربية على أفراد شعبه الذي يعيش معظمهم في كبتٍ وقمعٍ وفقرٍ وبؤسٍ مقيم لا يخفى على كل من يعرف هذا البلد الشقيق وهو يخاطبهم معلماً إياهم دروساً في المواطنة! قائلاً : “إن المواطنة التي نريدها لا ينبغي أن تختزل في مجرد التوفر التشكيلي على بطاقة تعريف أو جواز سفر وإنما يجب أن تجسد في الغيرة على الوطن…” ، أودُ أن أتساءل عن وقع هذا الخطاب في نفوس أولئك الأفراد ومدى تأثيره عليهم وطبيعة هذا التأثير ، وهو الذي يعيش في نعيم القصور لا يدري بمر العذاب الذي يتجرعه كثيرٌ من أفراد شعبه لا يدي عن أطفالٍ اضطروا بسبب قساوة العيش إلى ترك مدارسهم ويُيَمِموا عوضاً عنها صوب الورش والمعامل علَّهم يجدوا لقمة العيش لأفواهِ أُسَرِهِم قبلَ أَفواهِهِم الصغيرة وفي قلوب أولئك الأطفال لوعةً وحزناً على مفارقة صفوفهم ومعلميهم وأصدقائهم ، وحامي الحمى يُلقِّب ابنه الذي لا يكاد يبين من الأرض “بولي العهد” من بعده!!! ، وإن تعجب فعجبٌ ما فعله هذا الزعيم المُلهم من تأسيس جمعية خيرية تابعةً له لمحاربة الفقر!!! ، إذن أيها الرئيس لما أنت رئيس ؟! ، أوليست محاربة الفقر من أولى مهامك كرئيس؟ فلما تخلُق كرسياً آخر لتقوم بنفس المهمة؟! . أقول رحم الله سيدي الفاروق عمر وهو الذي أعلنها مدويةً أقوى من كل خطبُ المواطنة التي قيلت وستقال على مر التأريخ : ” كيف يعنيني شأن الرعية إذا لم يصبني ما أصابهم ؟!!!”.

إننا عندما نتحدث عن مسألة المواطنة يجب أن ندرك أن السلطة هي اللاعب الأبرز في هذا المضمار ، وأن خطورة هذا الأمر تكمن في ” العامل النفسي” وذلك أن السلطة القائمة في بلد معين هي أهم عامل في تشكيل الصورة الذهنية أو حتى النفسية عن بلد معين ، وبإمكانك أيها القارئ حتى تتأكد الآن من الحقيقة السابقة أن تجول بفكرك قليلاً وتتذكر أي بلد في ذهنك وانظر إلى الصورة المتكونة لديك وستجد أن سلطة ذلك البلد لها أقوى الأثر في تشكيل تلك الصورة لديك ، وسيتضح لك ذلك مهما كانت معرفتك بتلك البلد أو قربك منها ، بل وأن هذا الأمر نفسه يحدث عند رعايا وأفراد الدولة ذاتها ؛ وما سبق هو تفسيري لما قد نسمعه من جمل وعبارات تتردد على ألسن رعايا البلد ذاتها ضد بلدهم كقول بعضهم ” العيشة قرف في هذه البلد” ، أو ” لا بارك الله فيك من بلد”…و بإمكانك سيدي القارئ أن تجول بفكرك مرةً أخرى وأن تتذكر مثل هذه الجمل التي قد تتردد كثيراً في وسطكَ ، وغالباً ما يرددها الناس البسطاء المقهورين الذين لا حول لهم ولا قوة إلا بالله ، ولا يجب أن يُفهم طرحي هذا على أنه مزايدة على مواطنة أولئك الأفراد ولكنه قد يكون مزايدة على مواطنة من كان سبباً في شقوةِ أولئك الأفراد!.

5

بقي أن أوضح الفرق بين مصطلح المواطنة ومصطلح الوطنية ، وأرى بأن الأول أوسع نطاقاً من الثاني بحيث أنه يشمل الثاني ، فالمواطنة تقوم على عنصرين الأول شكلي : يتمثل في امتلاك الفرد الوثيقة التي تثبت انتماءه لدولة معينة ، والآخر : معنوي والذي يتمثل في الوطنية ذاتها ، وهي الشعور بالانتماء وهو الوقود الذي يحرك طاقات الفرد للعمل من أجل مصلحة الوطن والوطن فقط ، وعليه فإن كل من لديه مواطنة لديه وطنية بالضرورة ، ولكن ليس كل من لديه وطنية لديه مواطنة.

وأخيراً أن مصطلح المواطنة قد يفرز إشكالية في بعض الدول الإسلامية والتي تضم مللاً ونحلاً مخالفة في مضمونها للإسلام ؛ فقد يطرح البعض الطرح الآتي وهو أن الأخذ بالمواطنة يقتضي معه جعل الأخيرة وحدها مداراً للحقوق والواجبات وبموجبها يكون الكل متساوٍ مساواةٍ مطلقة لا فرق ولا اعتبار لدين الفرد أو طبقته…، وهذا في رأيهم يتعارض مع نظرة الإسلام في جعله حقوقاً معينة لهذه الفئات وهو الأمر الذي عمل به الرعيل الأول ، كما في مسائل أهل الذمة ، والحق أني لا أستطيع أبداء رأيي في هذا الموضوع لقلة علمي به ، ولكنَ عدداً من المفكرين الإسلاميين قد قال كلمته في هذا الخلاف مرجحاً التوقف عن استخدام مصطلح أهل الذمة ، مثل الدكتور محمد سليم العوا ، والأستاذ محمود فهمي هويدي صاحب كتاب “مواطنون لا ذميون”.

[1] وبذا فهي تختلف عن الهُوية والتي هي عبارة عن انتساب ثقافي.

[2] سورة التوبة ، الآية 71 .

[3] سورة البقرة ، الآية 283 .

[4] مصطفى فهمي أبو زيد ، فن الحكم في الإسلام ، ص 16 – 82

[5] رواه الطبراني في الصغير والأوسط.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت