شرح الشخص غير المميز
والمسؤولية التقصيرية

مسؤولية القاصر عديم التمييز عن الفعل الضار
الأصل أن الشخص حتى يكون مسؤولا مسؤولية تقصيرية يجب أن يكون مميزا، والتمييز ضروي لذا فالصبي المميز مسؤولا مسؤولية كاملة دون الحاجة إلى أن يكون قد يلغ سن الرشد، أما الصبي غير المميز فالأصل أنه غير مسؤول عن أعماله الضار التي يرتكبها لأن الإدراك في الخطأ فلا خطأ من غير إدراك، وهذا الحكم ينطبق على كل شخص غير مميز أيا كان سبب انعدام التمييز ولكن كاستثناء عن هذا الأصل ت يمكن أن يسأل عديم التمييز عن الفعل الضار الذي يأتيه لأنه يكون في بعفن الحالات من المجحف في حق المضرور عدم مسألة عديم التمييز إذن متى يسأل عديم التمييز؟

المادة 42 من القانون المدني الجزائري تنص
” لا يكون أهلا لمباشرة حقوقه المدنية من كان فاقد التمييز لصغر في السن او عته او جنون
يعتبر غير مميز من لم يبلغ ثلاثة, عشر سنة “

المادة 43
تجعل من المميز غير البالغ سن الرشد والسفيه وذي الغفلة في خانة ناقصي الاهلية اذ تنص :
” كل من بلغ سن التمييز ولم يبلغ سن الرشد وكل من بلغ سن الرشد وكان سفيها اوذي غفلة , يكون ناقص الأهلية وفقا ما يقرره القانون “

خصائص مسؤولية عديم التمييز
أولا : مسؤولية استثنائية
تعتبر مسؤولية عديم التمييز مسؤولية استثنائية كون المشرع الجزائري في نص المادة 125 ق٠م٠ج تنص على ما يلي : ” لا يسأل المتسبب في الضرر الذي يحدثه بفعله أو امتناعه أو بإهمال منه أو عدم حيطته إلا إذا كان مميزا ” ، فنفهم منها أنه لا مسؤولية إذا انتفى الخطأ، إلا أن قيام مسؤولية عديم التمييز في هذه الحالة تكون على أساس تحملت التبعة فالشخص غير المميز يتحمل تبعة ما يحدثه من ضرر .
ثانيا : مسؤولية احتياطية
مسؤولية احتياطية لأنها لا يملك الالتجاء إليها إلا إذا لم يوجد شخص مسؤولا عن عديم التمييز أو وجد وانتفت مسؤوليته أو تعذر الحصول منه على تعويض لإعساره ، ومن شأن هذا الشرط تضييق نطاق هذه المسؤولية الاحتياطية إذ الغالب أن يكون عديم التمييز في رعاية شخص غيره يكون مسؤولا عنه ٠
ثالثا: مسؤولية جوازية
ونقصد بأنها جوازية بمعنى أن أمر الفصل فيها لتقدير القاضي فله أن يحكم بها إذا راي حالة عديم التمييز المالية تسمح بإلزامه بالتعويض ، وله ألا يقضي بها إذا قدر خلاف ذلك واهم ما يراعيها القاضي في تقدير التعويض هو مركز الخصوم ٠
ربعا : مسؤولية مخففة
مسؤولية مخففة كون القاصر عديم التمييز لا يكون مسؤولا حتما عن تعويض ما أحدثه من ضرر تعويضا كاملا، وذلك لأن مسؤوليته لا تقوم على الخطأ بلت على تحمل التبعة، فالقانون لا يحمله التبعة عن أعماله الضارة إلا في حدود عادلة ، بمعنى أن أمرها متروك للقاضي فله أن يحكم بها إذا راي أن حالة عديم التمييز المالية تسمح بإلزامه بالتعويض وله ألا يقضي بها إذا راي خلاف ذلك

حالات مسؤولية عديم التمييز وأساس قيام هذه المسؤولية
أولا : حالات مسؤولية عديم التمييز
لقد أغفل المشرع الجزائري عن ذكر مسؤولية عديم التمييز فلم يخصص له أي مادة تتكلم عن مسؤوليته بعد تعديله في 2005 حيث تتكلم فقط عن مسؤولية المميز في نص المادة 125 ق٠م٠ج على عكس المشرع المصري الذي نص صراحة على مسؤولية عديم التمييز في نص المادة 164 الفقرة الثانية من ق٠م٠م التي تنص على ما يلي: “…إذا وقع الضرر من شخص غير مميز ولم يكن هناك من هو مسؤول عنه أو تعذر الحصول على تعويض من المسؤول، جاز للقاضي أن يلزم من وقع منه الضرر بتعويض عادل مراعيا في ذلك مركز الخصم.” وحسب هده المادة فإن حالات مسؤولية عديم التمييز تتمثل ف
1-عدم وجود مسؤول عن عديم التمييز :
الأصل أن يكون عديم التمييز موكولا إلى رعاية شخص يكفله فالصغير غير المميز يكون عادة في كفالة أبيه أو أمه أو جده أو أحد أقاربه، والمجنون يكون عادة في كفالة أحد من هؤلاء أو في كفالة أحد المستشفيات المعدة لعلاج الأمراض العقلية ، فمتولي الرقابة على غير المميز هو المسؤول عما يحدثه هذا الأخير من ضرر، فإن وجد كان هو المسؤول وحده نحوى المضرور و رجع المضرور عليه بالتعويص كاملا، أما إذا لم يجد فعندئذ يرجع المضرور بالتعويص على عديم التمييز نفسه ، إلى أن مسؤوليته في هذه الحالة استثنائية كما أنها مسؤولية مشروطة، أي أنه لا يوجد من يقوم على رعايته ورقابته كالأب أو من يقوم مقامه، كما أنها مسؤولية جوازيه فللقاضي أن يقضي بها ، وله أن يقرر عدم مسؤولية القاصر عديم التمييز خاصة إذا كان فقير لا مال عنده والمضرور في سعة من العيش، كما أنها مسؤولية احتياطية أي أن القاضي حالة عدم وجود شخص يمكن الرجوع عليه

كما أن مسؤولية عديم التمييز في هذه الحالة مسؤولية مخففة فهو لا يكون مسؤولا حتما عن تعويض ما أحدثه من ضرر تعويضا كاملا، ذلك لأن مسؤوليته لا تقوم على الخطأ بلت تقوم على تحمل التبعة ، والقاضي يرعي في تقديره للتعويض مركز الخصوم من الغنى والفقر، فهو يقضي بتعويض كاملت إذا كان عديم التمييز موفور الثراء وكان المضرور فقير معدما واصيب بضرر جسيم بسبب العمل ت الذي صدر من عديم التمييز .

كما للقاضي أن يقضي ببعض التعويض إذا كان عديم التمييز ميسر العيش من غير وفر وكان المضرور بحاجة إلى التعويض وجب على القاضي في هذه الحالة أن يرق لعديم التمييز من ماله ما يكفيه للنفقة على نفسه، وقد لا يقضي بالتعويض أصلا لأن الحكم بالتعويض في هذه الحالة جو٠ازي وليس وجوبي إذا كان عديم التمييز فقير معدما خاصة إذا كان المضرور غنيا.

2 تعذر الحصول على تعوض من المسؤول :
وتتحقق هذه الحالة إما لعدم تحقق مسؤولية متولي الرقابة، وإما باستحالة الحصول على التعويض من متولي الرقابة
في حالة عدم تحقق مسؤولية متولي الرقابة :
بما أن مسؤولية متولي الرقابة تقوم على أساس الخطأ المفترض افتراضا قابل لإثبات العكس، حيث بإمكان متولي الرقابة التخلص منها إذا أقام الدليل على أنه بذل ما كان ينبغي عليه بذله من واجب الرقابة وأنه قام بواجب التربية والرعاية الازمة ، إلى جانب هذا يمكن لمتولي الرقابة نفي علاقه السببية بين الخطأ المفترض من جانبه والضرر الذي لحق المضرور ، أي أن وقوع الضرر لا علاقه له بالخطأ المفرض من جانبه بلت وقع لسبب أجنبي لا يد له فيه، أي غير متوقع سواء كان حادث فجائي أو قوة قاهرة أو عملت الغير، ففي هذه الحالة فإن الضرر الذي أصاب المضرور كان لابد من وقوعه حتي ولو اتخذ متولي الرقابة كلت الاحتياطات الازمه والمعقولة لمنعه، إلا أنه يجب على متولي الرقابة أن يقطع الصلة بين تقصير المفترض والضرر الذي أصاب المضرور .

أما إذا قام متولي الرقابة بخطأ سابق الذي حصل والذي لولاه لما حصل الضرر كسوء تربية الابن القاصر عديم التمييز فإنه في هذه الحالة يكون متولي الرقابة مسؤولا، وهذا ما قضت به محكمه النقص المصرية في هذه القضية: “أن معلما بإحدى المدارس كان قد كلف تلميذا عمره سبع سنوات بمراقبة التلاميذ وكتابة اسم من يحدث ضجه منهم، فلما كتب اسم أحد التلاميذ تغيظ هذا منه وقذفه بسن ريشة أفقدت عينه اليمنى الإبصار، فقررت المحكمة مسؤولية المعلم ولا يجديه دفع.” ففي هذه الحالة هناك خطأ سابق على وقوع الحادث حين عهد للطفل الصغير بمرقبه التلاميذ في حالة
استحالة الحصول على تعوض من متولي الرقابة :
إن المشرع حمايه للمضرور في التعويض و رعاية لمصلحته قرر مسؤوليه محدث الضرر حتى ولو كان عديم التمييز لكنها مسؤوليه استثنائية واحتياطية لأنه في الأصل ت ليس مسؤولا فهو في رقابة شخص آخر الذي يكون مسؤولا عنه، لأنه يكون من القسوة فيها الا يعوض عديم التمييز إذا كان واسع الثراء .

وما يمكن استخلاصه في الأخير هو أن المشع الجزائري لم يتعرض أصلا للحالات التي يكون عديم التمييز مسؤولا بل اكتفى بنص المادة 125 ق.م،ج التي تثر فقط بمسؤوليه القاصر المميز أي يجب أن يتوفر التمييز في الشخص حتى يكون مسؤولا .

– أما الفقه الاسلامي فقد أقر بمسؤولية عديم التمييز واعتبره مسؤولا مسؤولية أصلية عن فعله الشخصي الذي ارتكبه حتى لا يسأل شخص آخر عن ضرر لا يد له في إحداثه 1، ومن ثم فكل إنسان مسؤول عن عمله وخطئه الشخصي وعليه وحده يقع عبئ هذه المسؤولية وتحمل آثارها ونتائجها، لذلك نجد أن جمهور الفقه الإسلامي قد ذهب إلى القول بمسؤولية القاصر عما يصدر عنه من أفعال تسبب ضرر للغير ولا تقع أية مسؤولية على متولي الرقابة في هذه الحالة إلا على سبيل الاستثناء، كما لو قام القاصر عديم التمييز بهذا العمل بناء على أمر أو تسليط من الأب .

إذن القاصر يسأل مسؤولية مدنية كاملة جراء الضرر الذي يوقعه في الغير سواء كان مميز أو غير مميز على اعتبار أقه يتمتع بالصفة الإنسانية التي تعتبر الأساس الذي ينبني عليه وجود الذمة ولا يلزم الولي أو الوصي بدفع التعويض من ماله الخاص، انطلاقا من شخصية المسؤولية التي أثبتها القرآن الكريم كمبدأ ينفي إدانة الغير بذنب أو ضرر قام به الاخرون تطبيقا لعدالة السامية.

ثانيا: أساس مسؤولية عديم التمييز
سبق وإن قلنا أن الأصل عدم مسؤولية القاصر عديم التميز عما يحدثه من ضرر بالآخرين لأنه لا يتصور وقوع خطأ من عديم التمييز لانعدام ركني التعدي والإدراك فيه، إلا أن الإقرار بعدم مسؤولية عديم التميز كأصل ت في هذه الحالات يؤدي إلى إجحاف في حق المضرور ، ولتخفيف الأضرار الناشئة عن القول بعدم مسؤوليته لذلك نجد أن القانون المصري قد قرر عليه نوعا من المسؤولية على سبيل الاستثناء ، لكن إذا كان القانون المدني قد قرر نوعا من المسؤولية الاستثنائية على القاصر عديم التميز ليخفف الأضرار الناشئة عن القول بعدم مسؤوليته، فما هو الأساس الذي تقوم عليه هذه المسؤولية الاستثنائية؟
ذهب غالبية فقهاء القانون إلى القول بأن هذه المسؤولية تقوم على أساس نظرية تحمل التبعة،
أي تحمل القاصر عديم التمييز تبعة ما يحدثه من ضرر بالغير أو تحملت التبعة أو التضامن الاجتماعي، في حين البعض إلى أن المسؤولية على أساس العدالة لا على أساس القانون، كما ذهب البعض الآخر إلى تأسيس هذه المسؤولية على فكرة الالتزام القانوني الذي يفرضه المشرع بنص قانوني، نظرا لعدم توافر اركان المسؤولية المدنية في تلك الحالة.
وبعد عرض وجهة نظر الفقهاء في الأساس القانوني الذي تقوم عليه مسؤولية القاصر عديم التمييز نجد أن ما ذهب إليه بعض فقهاء القانون من القول بأن أساس هذه المسؤولية هو الضرر الذي يدور معه الحكم بالتعويض وجودا وعدما هو الأول بالقبول واستندوا في ذلك إلى :

. إن الغاية من تقرير هذه المسؤولية الاستثنائية تتمثل في جبر ما لحق المضرور من ضرر ويترب على ذلك القول بأن الضرر هو سبب تلك المسؤولية حيث يدور :
٠ الالتزام بالتعويض مع هذا الضرر وجودا وعدما ٠
. كما أن الفقرة الثانية من نفس المادة قد أجازت للقاضي أن يحكم للمضرور بتعويض عادل لما لحق به ضرر .
. كما أنها لم تستعمل تعبير (العمل غير المشروع) الذي ورد في الفقرة الأولى من نفس المادة بخصوص الأضرار الناشئة عن الفعل الضار، وهو ما يدل على أن فعل القاصر عديم التمييز ينظر إليه من حيث نتائجه لا من حيث كونه محظورا لذاته.

بقلم الأستاذ حرير عبد الغاني
إعادة نشر بواسطة محاماة نت