مقال قانوني حول القيمة القانونية للشروط المطبوعة والمكتوبة يدوياً في العقود

مقال حول: مقال قانوني حول القيمة القانونية للشروط المطبوعة والمكتوبة يدوياً في العقود

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

يفترض أن العقد منظومة أو نسق تتكامل عراه وتتواشج حلقاته وبذلك يعتمد القاضي في تفسير أحكامه أولاً على المنطق الداخلي لهذه المنظومة؛ فإذا أعوزته السبل والوسائل لجأ إلى الوسائل الخارجية كالعرف والعادة وقواعد العدالة والقواعد التكميلية التي تعين القاضي على تفسير العقد، على ضوء ما تركه المتعاقدان من تفصيلات لم يتوقعاها أو تركاها لأحكام القانون. ومثال ذلك ميعاد تسليم المبيع ومكانه وميعاد الوفاء أو غيرها من الأمور التفصيلية.. والتي جرت العادة بعد انتشار الكتابة، إعدادها وصياغتها بشكل مسبق في قوالب جاهزة من قبل بعض المحامين أو دور الطباعة، ويوضع فيها الكثير من البنود التي لا يتوقف عندها المتعاقدون عند إبرام العقد.

فما هي القيمة القانونية لكل من الشروط المطبوعة أو المكتوبة بخط اليد وما الفارق بينهما خاصة إذا كان ثمة تعارض بينها؟

لا حاجة للتدليل بأن العقد إذا ما انطوى على شروط مطبوعة وأخرى مكتوبة باليد وتوقيع المتعاقدين على هذا العقد يعني موافقتهما على كامل تلك الشروط إعمالاً لمبدأ العقد شريعة المتعاقدين، وقاعدة عدم جواز إثبات ما يخالف أو يجاوز الدليل الكتابي. لكن فريقاً من الفقهاء يرى أن الشرط المطبوع لا يلزم المتعاقد إلا إذا ثبت علمه ورضاه به، معتمدين في ذلك على أحكام القضاء. وهذا الرأي مرجوح لاسيما وأن تلك الأحكام التي اعتمد عليها هذا الفريق تتعلق بشروط لم تذيل بإمضاء المتعاقد، أو أنها شروط وضعت في لوحات لم يكن هنالك مبرر لذكرها في العقد، ولم يثبت علم المتعاقد بها وموافقته عليها – كما في شروط الاستخدام في المنشآت الكبيرة أو عقود الإذعان أو عقود التأمين – وتطبيقاً لذلك، فقد قُضي بأن الشرط الوارد في عقد التأمين الذي ينص على حالات سقوط حق المؤمن له يرتب آثاره القانونية ولا يؤثر في ذلك كون هذا الشرط مطبوع.. وإنه لأمر غير منطقي أو عادل أن يحتج المتعاقد بجهله بشروط عقد مطبوعة قام بالتوقيع عليه، ثم يزعم أنه لم يقرأه؛ فهذا الإدعاء يخالف العقد المكتوب ويجب ترتيب آثاره طالما لم يوجد في عناصره الداخلية ما يفيد عكس الشرط المطبوع.

والأمر على خلافه بالنسبة للشروط المطبوعة القائمة بعد توقيع العقد؛ فهنالك احتمال عدم الإلمام بها خاصة إذا طبعت بأحرف صغيرة تصعب قراءتها فهنا يجوز للقاضي أن يستنبط عدم التزام المتعاقد بها بسبب عدم العلم بها، ولكن يشترط أن تكون شروط العقد السابقة على التوقيع قد خلت من الإشارة إلى رجوع المتعاقد للشروط الواردة في أسفل توقيعه.

وهنا يثور التساؤل حول مدى إلزامية الشروط المطبوعة إذا لم يكن العقد مذيلاً بتوقيع المتعاقد، وهو الأمر الذي طرح على محكمة النقض الفرنسية حول نزاع يتعلق بعقد نقل جوي؛ فقد ذكر في تذكرة السفر شرط مطبوع يعفي الناقل من مسؤوليته المدنية، إذ قضت محكمة باريس بأن هذا الشرط لا يلزم المسافر بسبب عدم توقيعه على تذكرة السفر التي ورد فيها شرط تحديد المسؤولية. ولقد نقضت محكمة النقض الفرنسية هذا الحكم استناداً إلى أن تقييد المتعاقد بشروط العقد يقوم على رضائه بها ولا يشترط لذلك أن يذيل العقد بتوقيعه؛ إذ يكفي رضاه الضمني بهذه الشروط التي مكنته من التعرف على كافة الشروط المطبوعة، وموافقته بعد ذلك على قيامه بالرحلة على الطائرة في الوقت الذي كان يستطيع فيه أن يرفض تذكرة السفر.

من جهتها، ترى محكمة النقض المصرية بعدم إعمال هذا الشرط حيث لم يوقع المرسل على البوليصة، وقد ورد فيها شرط مطبوع في سياق عبارات أخرى مطبوعة، وفي وضع لا يمكن الالتفات إليها ولا يسترعي انتباه المرسل ولا يفيد قبوله لاحتمال أن يكون لم يرَ هذا الشرط، وبالتالي فلا يعتبر قابلاً له.

وبصورة عامة يمكن القول إن المتعاقد لا يلزم بالشروط المكتوبة بالإعلانات واللوحات إذا لم يرد ذكرها في العقد، إذ أن هذه الشروط تمثل الإرادة المنفردة لواضعها ولا تعتبر من متضمنات العقد إلا إذا ثبت علم المتعاقد الآخر وموافقته عليها بتاريخ سابق على إبرام العقد.

ويبقى السؤال عند تعارض هذه الشروط المطبوعة مع الشروط المكتوبة بخط اليد حيث تكون الغلبة هنا للشروط المكتوبة يدوياً باعتبارها أقرب إلى النية المشتركة للمتعاقدين اللذين يتجهان إلى الخروج على الشروط المطبوعة.. ومع ذلك فعلى القاضي التوفيق بين نوعي الشروط؛ فإذا أمكنه ذلك وجب تطبيقهما معاً، وهو رأي محكمة النقض الفرنسية في هذا الخصوص باعتباره يمثل النية المشتركة للمتعاقدين، وهذا الأمر من متعلقات الواقع ولا يخضع لرقابة محكمة النقض.

وختاماً، وفي ضوء إلزامية الشروط المطبوعة وصعوبة إثبات عدم العلم بها عند التوقيع عليها، يجب على المتعاقد التروي قبل التوقيع على أي عقد مطبوع، وضرورة قراءة الشروط الواردة فيه بدقة وتأني، وعدم التعامل معها على أنها تزييد لا طائل منه أو حشو لا قيمة له، أو الاستعانة بأهل الخبرة قبل التوقيع على العقد. فالحقيقة كما سبق بيانه، أن هذه الشروط ملزمة للطرفين بكل ما تضمنت من أحكام وآثار ما دامت اقترنت بتوقيع الأطراف وإمضائهم وأضحت جزء لا يتجزأ من العقد الذي التزم به؛ فلا يستطيع التنصل منها بذريعة الجهل أو العجلة أو العرف؛ فالعقد شريعة المتعاقدين وهو القانون الاتفاقي بكافة تفاصيله وشروطه لا يجوز نقضه أو إلغائه أو تعديله إلا بإرادة الطرفين.

شارك المقالة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.